بقلم الأستاذ سليمان رشاد
رئيس أنصار السنة المحمدية ببلاد النوبة
الحمد للَّه الذي أنزل الكتاب تبيانًا لكل شيء، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ليبينه للناس، فبينه أكمل بيان، وفصله أتم تفصيل، وأنار للأمة السبيل. ولم يكن ذلك البيان من عند نفسه ولكنه من عند ربه فإنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وهو القائل: أوتيت الكتاب ومثله معه.
وقد ظل أصحابه رضوان اللَّه عليهم والتابعون لهم على الجادة يستضيئون بكتاب اللَّه وحديث رسول اللَّه رغم أنف المنافقين واليهود الذين كبتوا تحت سلطان هذا الدين، وغشيت أبصارهم من قوة وهجه إلى أن اتسع الفتح الإسلامي شرقًا وغربًا، فدخل في الإسلام فارس والروم وغيرهم، وفي نفوس بعضهم الضغن والحقد على الإسلام الذي أزال ممالكهم، وساوى بين الناس جميعًا، فلا سيد ولا مسود، وعلية وسفلة، فالكل أمامه سواه، لا تفاضل بين الناس إلا بتقوى الله. ولما عجز هؤلاء الحاقدون أن ينالوا من الإسلام مواجهة، دبروا أن ينالوا منه داخله وذلك بتشكيك المسلمين في دينهم.
وملا كان القرآن – حصن الإسلام الحصين – لا يستطيعون أن يضيفوا إليه حرفًا واحدًا، أو ينقصوا منه حرفًا واحدًا، لأنه محفوظ في الصدور، اتجهت سهامهم إلى حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، يضعون فيه ويحرفون معانيه، فانبرى لهم رجال عاهدوا الله، وصدقوا ما عاهدوا اللَّه عليه أن ينقوا حديث رسول الله من كل دخيل، وينفوا عنه كل عليل، وقد بلغوا الغاية في ذلك، فوضعوا القواعد: واشترطوا الشروط لقبول الحديث، وكان رأس هؤلاء الإمامين الجليلين البخاري ومسلم، رحمهما الله، ورضي الله عنهما وجزاهما عن الإسلام وعن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم خير الجزاء، وقد تقلبت الأمة الإسلامية كتابيها أحسن القبول وسمتهما الصحيحين، وما حاول أحد في حقبة من حقب التاريخ الإسلامي إلى يوم الناس هذا أن ينال من حديث من أحاديثها إلا وقد وجد من يرد عليه حاضرًا يدحض قوله ويفند رأيه، وقد قرأنا لكبار أئمة السلف الصالح كابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب والشوكاني وغيرهم من الجهابذة، فما وجدنا لأحدهم كلمة واحدة يرد بها حديثًا في الصحيحين، ومنزلة هؤلاء من السنة المحمدية لا يخفى على أحد، فهم من أعلم الناس بالحديث رواية ودراية، وهم اليوم الأئمة المشهود لهم في عالم المسلمين، ومما يؤسف له أن البعض يحاول أن يقتحم اليوم هذا الحصن المنيع من غير سلاح ولا عتاد ولا عدة ويقول أن هذا الحديث لا يتفق مع العقل أو إنه يتعارض مع القرآن، وهذا غير سبيل المؤمنين فإن الله سبحانه وتعالى لم يتعبدنا بما نعقل؛ ولكنه سبحانه تعبدنا بالطاعة والانقياد والتأسي برسوله r واتباعه، وإلا فأي عبادة أو نسك أو أية شعيرة من شعائر الإسلام يمكنك أن تضعها على مشرحة الفحص العقلي ثم تخرج العقول كلها متفقة عليها.
لقد ضل من الناس من أرادوا أن يحكموا عقولهم في الدين، فقالوا لماذا هذه الصلاة أربعًا وهذه ثلاثة وهذه اثنتين، لماذا الركوع مرة والسجود مرتين، ولماذا في هذه الأوقات بالذات، ولماذا هذا التفاوت في مقادير الزكاة وأنصبتها ومواقيتها. وما معنى هذا الطواف والسعي والرمي في الحج. وهكذا، حتى لم يبق لهم من الإسلام شيء، وما ذلك إلا من جناية تحكيم العقل – وقد رأيت لأحدهم كتابًا يحاول أن يفسر العبادات عقليًا فما زاد إلا خبالاً – وإني لأسأل عقل من يريدون أن نقيس به أو نحكم به على الحديث؟ لكل إنسان عقله وتفكيره الذي يخالف بهما عقل وتفكير غيره من الناس، أفلا تكون النتيجة الحتمية أن يكون لكل إنسان دين خاص به حسب عقله وتفكيره؟ أما أن يخالف شيء من حديث رسول الله في الصحيحين لكتاب الله فهذا محال، بل هو من قصور فهمنا نحن فلا مخالفة ولا تعارض البتة. فإذا أضفنا إلى ذلك أن الرسول مبلغ ومشروع زال كثير من اللبس فإذا قال رسول الله: إن اللَّه قد حرم مكة، وأنا أحرم المدينة فهذا تشريع منه، وإذا قال: إن الله قد حرم الجمع بين البنت وأختها والبنت وأمها، وأنا أحرم الجمع بين البنت وعمتها والبنت وخالتها، فهذا تشريع منه أيضًا المثل هذا نقول إن الحديث يعارض القرآن وهذا كثير من السنة النبوية.
ومن العجب أيضًا أن يقتحم هذا الميدان من لا يعلم أن لسان الحال أفصح من لسان المقال، فيورد حديث الجمل الذي اشتكى إليه صلى الله عليه وسلم أن صاحبه يرهقه بالعمل ولا يطعمه، وحديث البقرة التي التفتت إلى راكبها وقالت له: إنني لم أُخلق لهذا. ألا يتحدث لسان حال الجمل في كلاله وهزاله أن صاحبه يرهقه ولا يطعمه، ألا يتحدث لسان حال البقرة أنها لا تركب وهذا هو الواقع الملموس في كل زمان ومكان، أما حديث سحر الرسول، وحديث الذبابة، وحديث فقيء موسى لعيون ملك الموت وغيرها فقد أشبع العلماء القول فيها وأكدوا صحتها متنًا وسندًا وحتى عقلاً لمن لا يركنون إلا إلى العقل. ولو أننا عملنا بالقاعدة الجليلة التي وضعها علماء السلف لأرحنا واسرتحنا وذلك قولهم ما معناه: ما وفقك الله إلى علمه وفهمه فاحمد الله عليه، وما لم تفهم فكله إلى عالمه سبحانه، وأتهم فهمك ولا تهم ما اتفقت الأمة على صحته، وإذا حاك شيء في صدرك حول نص من النصوص فلا تجهر به وتجعله رسالتك في الحياة وتذيعه وتشيعه في كل مكان، فتبوء بإثمك وإثم من تشككهم في دينهم حملني على كتابة هذه الكلمة ما دار على صفحات جريدة الأخبار حول الأحاديث النبوية في الصحيحين وغيرهما ودعوة المسئولين من رجال الدين أن تنقيتها مما يشوبها من الدخيل، وكنت أفهم أن يوجه هذا الكلام إلى غير الصحيحين، أما أن يتناولهما أيضًا فهذا ما هالني وأفزعني. واللَّه أسأل أن يوفقنا إلى الفقه في الدين من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم القائل: من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين.