لا .. يا صاحب تكملة المجموع (1)

بقلم الأستاذ / مصطفى درويش

{واتقوا اللَّه الذي تساءلون به … }.

إذا كان العباد يسأل بعهضم بعضًا باللَّه، فهل يحق أن يسأل العباد ربهم بالعباد؟

يا صاحب التكملة فلنحتكم إلى الكتاب والسنة ودعنا من صراع الآراء وأفكار الرجال، فإن اللَّه تعالى لم يترك دينه ليكون ألعوبة في أيدي الآراء تقلبه كيف تشاء وعلى الأخص في مثل هذا الأمر الخطير الذي يمس العقيدة والتي إما أن تكون على هداية التوحيد أو ضلال الشرك المبين.

فهل في القرآن والسنة ما يبيح التوسل إلى اللَّه تعالى بالأشخاص الصالحين؟ وإذا صح هذا فبالطبع يصح التوسل بالنساء المؤمنات!!!

يقول جل شأنه: {واتقوا اللَّه الذي تساءلون به … }.

فالسؤال يكون باللَّه تعالى وإذا كان العباد يسأل بعضهم بعضًا باللَّه تعالى فهل يسأل العباد ربهم بحق فلان وفلان!!؟؟ ولهذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دائمًا يسأل اللَّه تعالى بأسمائه وصفاته كما قال: ((اللهم إني أسألك بأنك الواحد الأحد … )). وقال: ((اللهم إني أستخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك … )). وقال: ((يا حي يا قوم برحمتك أستغيث)).

ويقول جل شأنه حكاية عن سليمان بن داود عليهما السلام: {وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين}.

ويمكنك يا صاحب التكملة أن تعود إلى القرآن كله لتتدبر دعاء الأنبياء وتوسلهم إلى اللَّه تعالى، فهل تجد فيه أن يعقوب توسل بحق إبراهيم أم أنه نادى من أعماق قلبه وقد أبيضت عيناه من الحزن: {إنما أشكو بثي وحزني إلى اللَّه}، وعلم أولاده أنه ليس هناك حق لفلان يمكن أن يغني عنهم من اللَّه من شيء، فقال لهم: {وما إني عنكم من اللَّه من شيء}، فهل كان يمكن لأولاده أن يقولوا مع هذا: اللهم بحق أبينا يعقوب!!

ويوسف الصديق هل توسل إلى اللَّه تعالى بحق أبيه يعقوب؟؟ أم توسل بقدرة اللَّه تعالى وتصريفه للأمور؟؟؟ {وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين}.

وزكريا عليه السلام وهو من بيت نبوة ترى هل توسل إلى اللَّه تعالى بحق فلان وفلان من الأنبياء السابقين والمعاصرين أم قال: {ولم أكن بدعائك رب شقيًا} [مريم].

ومن الممكن يا صاحب تكملة المجموع أن تعود إلى قصص الأنبياء في القرآن وتوسلهم إلى اللَّه تعالى وأمامك الفرصة سانحة لتدبر كل ما في القرآن من توسلات الأنبياء وهم معلمو التوحيد فهل تجد فيها … بحق فلان وفلان؟؟؟

ألم يقل اللَّه تعالى: {ادعوني أستجيب لكم}، فأين حق فلان وبحق فلان الذي يحقق الاستجابة!!؟؟

ألم يقل اللَّه تعالى: {إني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} [البقرة]. فهل حق فلان هو الذي يحقق الاستجابة أم التوسل بصفة اللَّه تعالى القريب؟؟؟

ألم يقل اللَّه تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}، فهل يرفع بحق فلان وفلان؟؟؟

ويا صحب تكملة المجموع!! بعد أن تجولنا في كتاب التوحيد الأول وهو القرآن، دعنا نتجول مع كلمات المعلم الأول للتوحيد وهو الرسول صلى الله عليه وسلم … فهل في السنة أن رسولنا قال بحق جدي إبراهيم وبحق أبي إسماعيل!!!؟؟؟

ومازالت كلمات العبودية الصادقة تدوي في أفق الزمان بعد أن نطق بها معلم التوحيد: ((يا حي يا قيوم يا بديع السموات والأرض لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث)).

وقالت السيدة عائشة كلمات تعلمتها من رسولنا: ((اللهم إني أسألك بأنك أنت الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد)). فقال رسول اللَّه معقبًا: ((لقد سألت اللَّه باسمه الأعظم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب)).

ولقد كان من دعاء معلم التوحيد علية الصلات والسلام: ((اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك … )).

وأمهات المؤمنين عاصرن الرسول وعشن معه وتعلمن منه وأمرهن اللَّه تعالى بإظهار الدين للناس: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات اللَّه والحكمة} [الأحزاب]، فهل يمكن يا صاحب تكملة المجموع!! أن تدلني على حديث ولو ضعيف قالت فيه إحدى أمهات المؤمنين: ((اللهم أني أسألك بحق رسولك)).

ألم تعلم يا صاحب التكملة أن رسول اللَّه كان أحب إلى أصحابه من أنفسهم؟ فهل يمكن أن تدلني على رواية قال فيها صحابي: (اللهم بحق رسولك .. ) وعلى الأخص لأنك جعلت عنوان مقالك: (التوسل شريعة إسلامية محققة وإنكاره خروج منكر على الإجماع).

فأين إجماع الصحابة على السؤال بحق فلان وفلان.

أما حديث سؤال آدم بحق محمد وعلي وفاطمة والحسين .. قال الدارقطني: قد تفرد به عمرو بن ثابت قال فيه ابن حبان: يروي الموضوعات، وقال أبو داود: رافضي خبيث. وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم. وقال ابن المبارك: لا تحدثوا عن عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف. ونحن لسنا من الذين يأخذون برواية رافضي خبيث يروي الموضوعات ويسب السلف!!!

أما حديث الأعمى الذي توسل بالنبي فإليك يا صاحب التكلمة!! ما في السند والمتن في سنده أبو جعفر وقد قال فيه أحمد والنسائي ليس بالقوي. وقال ابن المديني كان يخلط، وقال ابن حبان: فيفرد بالمناكير، وقال أبو زرعة: فهم كثيرًا ونحن لا نأخذ برواية الذي ينفرد بالمناكير ويخلط ويهم كثيرًا.

أما المتن ففيه ( … يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى)، ومعلوم أن رسول اللَّه r لا يعلم أصحابه شيئًا يخالف القرآن الذي يقول: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا}، وبقوله: { .. ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض}. فكيف يعلم رسولنا هذا الأعمى أن يقول: (يا محمد … ).

ثم ما هذا الاضطراب والتناقض الذي وقع في متن الحديث مرة بقول: (اللهم إني أسألك)، ثم بعدها يقول: (يا محمد إني أتوجه بك … )، ألم يقل اللَّه تعالى: {فلا تدع مع اللَّه أحدًا}. وعلى فرض صحة الرواية والمتن، فهل قال الأعمى: اللهم بحق محمد أم أنه الحديث يعني طلب الدعاء من رسول اللَّه r.

ولا شك أنك يا صاحب التكملة تعرف تاريخ (اللات) أنه كان ((رجلاً صالحًا يلت السويق للحجيج في الجاهلية فلما مات عكفوا على قبره وعبدوه))، فهل يصح يا صاحب التكملة أن يقال: ((اللهم بحق اللات)) دون قرابين وذبائح ونذور!!؟؟

ولا شك أنك تعرف أيضًا تاريخ ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا وأنها أسماء رجال صالحين عكف الناس على قبورهم وعبدوهم، فهل يصح أن يقال: (اللهم بحق ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا دون توجيه شيء من العبارات إلى هذه الأوثان!!؟؟

وماذا عن أهل الكتاب لو قالوا: (بحق المسيح) قاصدين التوسل والوساطة كما جاء في كتبهم: (إله واحد بينه وبين الناس وهو المسيح).

ولقد اعتبرت – يا صاحب التكملة – الشرك بعيد عن كل من اقترب من البيت الحرام استنادًا إلى قوله تعالى: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا}، وهذا لا شك أمر وتكليف في صورة خبر؛ لأن اللَّه تعالى يقول: {وإن خفتم عيلة فسوف يغينكم اللَّه من فضله … }، يعني أن خفتم الفقر بإبعادكم المشركين عن البيت فسوف يغينكم اللَّه من فضله.

وأنا معك يا صاحب التكملة في عدم جواز صرف الآيات التي نزلت في حق المشركين إلى المسلمين، ولكن إذا وجد الشرك والمشركون فالآيات تنصر إليهم إلى قيام الساعة.

ورسولنا صلى الله علية وسلم قال لصحابة طلبوا منه ذات أنواط: ((قلتم كما قال قوم موسى أجعل لنا إلهًا كما لهم إله))، فهل عندك يا صاحب التكملة من باب صرف آيات نزلت في حق مشركين إلى المسلمين!!؟؟

وجاء رجل يبايع على الإسلام وقد تعلق تميمة فرفض رسولنا بيعه قبل قطع التميمة، وقال: ((من تعلق تميمة فقد أشرك)).

ولعلي أطوف بك يا صاحب التكملة مع توسلات الجاهلية الأولى التي قضى عليها الإسلام ولتعلم أن أمر العقائد لا يترك لآراء الرجال تقول الجاهلية في بعض تلبياتها: ((لبيك عن بجيلة الفخمة الرجيلة ونعمت القبيلة جاءتك بالوسيلة … )) ولا يخفى على فطنتك يا صاحب التكملة أن وسيلة الجاهلية التي جاءت بها إلى اللَّه هي اللات وود وسواع ويغوث ويعوق ونسر وقد علمت تاريخ هذه الأسماء وقول الجاهلية: (شفعاؤنا عند اللَّه). و (ليقربونا إلى اللَّه زلفى).

ودعني يا صاحب التكملة أن أذكرك بتوسل آخر وقع في الجاهلية قبل الرسالة والإسلام، توسل ظلمات الشرك قبل أن يأتي نور التوحيد.

أجدبت قريش وحبس عنهم المطر، فأمر عبد المطلب أبا طالب أن يحضر الطفل الرضيع محمد صلى الله علية وسلم فأحضروه في قماط، فوضع عبد المطلب الطفل على يديه واستقبل الكعبة وهو يقول: ((يا رب، بحق هذا الغلام اسقنا غيثًا مغيثًا دائمًا هاطلاً .. )).

وفي هذا يقول أبو طالب في لاميته:

وأبيض يستشقى الغمام بوجهه … ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم … فهم عنده في نعمة وفواصل

وجاء الإسلام ليقضي على هذه التوسلات الوثنية الشركية، يقول جل شأنه: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا}.

وهكذا صاحت الجاهلية الأولى في توسلها: ((يا رب، بحق هذا الغلام … ))، ترى يا صاحب التكملة هل تصر على اختتمت به مقالك وهو ((فإذا دعا العبد بهذه الصفة)) اللهم بحق الأولياء أو بحق الأنبياء أو بحق الصالحين، فإن ذلك جائز باتفاق لا يعارضه إلا غير فاقه لجوج!! وأنت تعلم قول رسولنا: ((كل أمر من الجاهلية تحت قدمي موضوع وقوله يصف أبغض الناس إلى اللَّه تعالى: ومبتغ في الإسلام سنة جاهلية)).

وبعد أن رجعنا يا صاحب التكملة إلى القرآن والسنة وبعد أن تعلمنا توسلات الجاهلية الأولى والذي لا يعرفها ينقض عرى الإسلام دعنا بعد ذلك نحتكم إلى العقل الذي لا يتعارض مع الوحي إلا إذا كان العقل مخبولاً أو به خلل نقول في ضوء العقل أيهما أجدى وأنفع أن يقول: اللهم بحق فلان أم اللهم برحمتك وقدرتك وعفوك وكرمك … وهل اللَّه تعالى يكرم العبد بحق فلان. وفلان. أم بكرمه وعفوه ورحمته؟؟؟ وهل يتساوى حق فلان مع كرم اللَّه ورحمته وعفوه؟؟ تمامًا كما فصل رائد المجلة التي ضمت مقالك فقال (ص 5): ((أما بعد: فإني باسم اللَّه، ثم باسم الإسلام وباسم الأزهر وباسم الأمل الكبير فيك … إلخ)). فهو قد ساوى بين اسم اللَّه وبين الأزهر والأمل الكبير في العباد!!!

أما الأحاديث الواردة في زيارة قبر رسول اللَّه فإني أحيلك إلى الصارم المكنى للرد السبكي لنعرف مدى قيمة هذه الأحاديث. ولقد قال رسولنا r لرفيق الغار: ((لا تحزن إن اللَّه معنا))، ولم يقل له: لا لا تحزن بحقي على اللَّه!!!

ولا شك أن حصيلة التوسل بالأشخاص هي تلك الآلاف التي ترتمى على الأعتاب وتلوذ بالأخشاب وتركع أمام الأبواب وتقول: نسأل بحقهم عند رب الأرباب.

وختامًا يا صاحب التكملة إذا كان ((التوسل شريعة الإسلام محققة)) كما جاء في عنوان مقالك، فباللَّه عليك هل يمكن أن تدلنا بمن توسل رسول اللَّه حتى يحقق هذه الشريعة الإسلامية!!!؟؟؟

لقد صح عن رسولنا أنه قال: ((لن ينجو أحد بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول اللَّه؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني اللَّه برحمته، فماذا عليك لو دعونا اللَّه تعالى لائذين برحمته لا بحق فلان ولا بجاه فلان!!!

ربنا أفرغ علينا صبرًا وتوفنا مسلمين.

أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين.

مصطفى عبد اللطيف درويش

(1) رد على مقال “التوسل شريعة إسلامية محققة وإنكاره خروج على الإجماع” للأستاذ محمد نجيب المطيعي صاحب تكملة المجموع للنووي. والمقال نشر بمجلة “المسلم” الصوفية عدد جمادى الأولى 1393هـ وقصد صاحب المقال التوسل بحق الأولياء.