واجب الدعوة

إن الله سبحانه الذى خلق الكون أنزل الشرع فإذا رغب الخلق عن العمل بالشرع فسد حال الناس فى مطعمهم ومشربهم وعشرتهم وسائر حياتهم . وإذا لزم الخلق العمل بالشرع أصلح الله حالهم فأنبتت أرضهم وأدرت ضروعهم ولانت قلوب أمرائهم وصلحت سائر أحوالهم . (ومن ذلك ما أخرجه أبو داود فى كتاب الزكاة من سننه باب صدقة الزرع . قال أبو داود : شبرت قثاءة بمصر ثلاثة عشر شبراً ورأيت أترجة على بعير بقطعتين قطعت وصيرت على مثل عدلين ) . فانظر لما أطاع الناس فى الصدقات أجادت الأرض فى الإنبات . لكن هل ترى أخي القارئ المقاهي والملاهي مفتوحة وقت صلاة الفرائض بل صلاة الجمعة وهل ترى رواداً لها من المسلمين. لا شك أن هؤلاء لا يعرفون أن الصلاة فرض لازم ولو علموا ذلك لما تخلفوا عنها. وتذكر أيها الأخ المسلم أن المواعظ التى تقدمها للناس إنما تكون دائماً فى المساجد . فهؤلاء لا يرتادون المساجد فلا يظنون أنهم مخطئون ، بل يعتقد الكثير منهم أنهم من أهل التقوى والصلاح فصار الخطأ مركباً .

عندئذ نتسائل من يتحمل واجب الدعوة لهؤلاء . إن منهم الصانع الذى نستعمله فى صنعة والعامل الذى يقوم لنا بالأعمال الشاقة . والتاجر الذى نبيعه ونبتاع منه . والخباز الذى يعجن لنا ويخبز . وغير هؤلاء ممن تخالطهم الليل والنهار فمن الذى يدعوهم . إن واجب الدعوة يقوم على عاتق كل مسلم يرتاد المساجد ويقيم الصلاة لقول الله تعالى: ” قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ “.

بل كما أشرنا أ، ترك الشرع يوقع الضرر الذى يتعدى لغير تاركه، وذلك ما ينبه إليه النبى -صلى الله عليه وسلم – فى قوله : ” مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً . وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً ”  .

فالحديث الشريف يصور أوضح التصوير وأكمله أننا جميعاً نركب سفينة واحدة الغنى والفقير، الصغير والكبير ، الذكر والأنثى ، الطائع والعاصي ، فإن تركنا العصاة أو مانعي الزكاة وقعنا شر وقوع فيما يعملون فليس من حرية العبد أن يعصى الله كيف يشاء بل يجب على الطائع أن يأخذ على يد العاصي حتى يترك المعصية ولقد وصف رب العزة سبحانه هذه الأمة بالخيرية فى قوله تعالى : ” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ” فانظر رعاك الله كيف أن الله سبحانه جعل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر النابع من الإيمان بالله سبباً لخيرتة الأمة وانظر كيف قدم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على الإيمان بالله مع أن الإيمان لا يتقدم عليه شيء إنما هو من قبيل ذكر الثمرة قبل شجرتها للتنبيه والإعلام على أهميتها وأن الخيرية لا تتم إلا بهما وينبغى للعبد أن ينتبه أن الأخذ على أيديهم الذى ينسجم مع سياق ( مثل السفينة ) لا يعنى أولاً العقوبة أو التعزيز إنما يعنى أن تساعد هذا الواقع فى المعصية على التخلص من معصيته بكل صور العون ( العلم ، والتلطف  والإرشاد وتحمل جزء من الجهد ) بل قد يتحمل عنه جهد حمل الماء حتى لا يخرق السفينة لأن العقوبات بغير مخاطبة القلب والوجدان وإرساء قواعد الإيمان قد تؤدى أن يغافل صاحب المعصية الحارس أو السلطان فيوقع الخرق فى السفينة فى غيبتهم وهكذا ينبغى أن يكون الأخذ على أيدي العصاة والخارجين على الشرع والدين سابقاً على العقوبات وإنما تكون العقوبات حيث وضعها الشرع وبضوابطه .

وتدبر كيف يحتال الشيطان عليهم ( نصيبنا – لم نؤذ – ) لتعلم أنه لا يجوز معارضة النص الواضح الصريح بالرأي الفاسد القبيح .

فهيا إلى واجب الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة . قولوا قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى .