الحمد لله … والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد :
فإن الواقع المعاصر يفرض على المسلم أن يعرف عدوه معرفة صحيحة ، وأن يرى ببصيرته – قبل بصره – حجم المؤامرة التي يدبرها اليهود لأمته ؛ معتصمًا في كل ذلك بالله ، ومستعينًا به ، على ضوء من الكتاب والسنة ، ونور من الله : ( وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُور ) [ النور : 40] .
إن علماء السياسة يذكرون أن سياسة اليهود تجاه مصر – بصفة خاصة – منذ توقيع اتفاقية السلام تقوم على ثلاثة أمور :
أولاً : تخريب مصر من الداخل !!
ثانيًا : عزل مصر عن العالم العربي !!
ثالثًا : تقليص دور مصر الإقليمي في المنطقة كدولة ذات وزن وتأثير .
أما المحور الأول ؛ وهو تخريب مصر من الداخل ، فإن اليهود قد جعلوه جزءًا من عقيدتهم ! وكتبوه في التوراة المحرفة ليتقربوا إلى الله به !!
· تقول التوراة في سفر أشعياء النبي ( 19 / 1 : 10 ) :
( … وحي من جهة مصر ، هو ذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر ، فترتجف أوثان مصر من وجهه ، ويذوب قلب مصر داخلها ، وأهيج مصريين على مصريين ؟!! ( تأمل ) فيحاربون كل واحد أخاه ، وكل واحد صاحبه ! مدينة مدينة ، ومملكة مملكة ، وتهراق روح مصر داخلها ، وأفنى مشورتها فيسألون الأوثان والعارفين وأصحاب التوابع والعرافيين ، وأغلق على المصريين في يد مولى قاسي فيتسلط عليهم ملك عزيز يقول السيد رب الجنود وتكون عمدها مسحوقة وكل العاملين بالأجر مكتئبي النفس ) !
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف فإن إسرائيل تسعى إلى تدمير ركائز القوة في المجتمع المصري المسلم ؛ وهي : الشباب ، والعقول ، والقيادات .
فهي تحول ضرب الشباب المسلم في مصر عن طريق توفير جميع وسائل الانحراف الخلفي والديني والاجتماعي … إلخ بواسطة عملائها في الداخل ، كما أنها تحرض الشباب ضد حكومته والحكومة ضد أبنائها ، ويسعى اليهود إلى اغتيال العقول المصرية الرائدة ؛ وذلك بالوقوف في وجهها وعرقلة تفوقها ؛ بل وقتل أصحابها ، وأما القيادات فإن إسرائيل تنفث سمومها دائمًا لزعزعة الأمن والاستقرار ، بحيث تشغل القيادة والحكومة المصرية بمواجهة شعبها بدلاً من عدوها !!
· وأما المحور الثاني : وهو عزل مصر عن المحيط العربي ، فقد نجح اليهود في تحقيقه بعد اتفاقية السلام المزعومة نجاحًا كبيرًا .
ولهم في الوصول إلى هدفهم وسائل لا تخطر على قلب بشر غير يهودي !
وقد استطاع اليهود لسنوات طويلة أن يزرعوا بذور العداوة بين مصر والدول العربية بصورة لم يسبق لها مثيل .
وبهذا نجح اليهود في تفكيك الوحدة العربية ، ووجدت كل دولة من دول المواجهة نفسها تواجه إسرائيل منفردة .
· والمحور الثالث : وهو ضرب دور مصر الإقليمي في المنطقة ، وتحويلها إلى دولة هامشية ليس لها وزن في منطقة الشرق الأوسط ، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف سعت إسرائيل إلى إقامة تحالفات مع كل من : طهران ، وأنقرة ، وأديس أبابا .
ويصور خبراء السياسة خطة اليهود في هذا التحالف على النحو التالي :
– علاقات ثنائية بين تل أبيب وكل من هذه العواصم .
– إقامة تجانس بين مصالح أمريكا ومصالح إسرائيل مع الدول الثلاث : إيران ، تركيا ، إثيوبيا .
( لاحظ وجود دولتين مسلمتين بين الدول الثلاث ) .
– إقامة تكتل ثلاثي ضد المنطقة العربية بصفة عامة ، ومصر بصفة خاصة !!
على أن يتم هذا التكتل بصورة منفصلة تشمل : ( تل أبيب ، واشنطن ، طهران ) ، ثم ( تل أبيب ، واشنطن ، أنقرة ) ، ثم ( تل أبيب ، واشنطن ، أديس أبابا ) !!
حاول أن تربط بين هذه الخطة والواقع العملي :
تقارب مع إيران ، قضاء على الحكم الإسلامي في تركيا وإعادة العلمانية ، تلاحم مع أديس أبابا مع توفير البديل في إرتريا .
وتريد إسرائيل أن تجعل هذه الدول الثلاث مساندة لها في التدخل في المنطقة العربية ، الحبشة في قرن إفريقيا ، وحوض النيل ( مصر والسودان ) ، ولقد كنا – وما زلنا – نعتقد أن محاولة الاعتداء على الرئيس مبارك في إثيوبيا قد خطط لها اليهود لتقريب هذا الهدف !
( إثارة مشاكل سياسية تحقق مواجهة عسكرية بين مصر وإثيوبيا والسودان ) !!
وكذلك تسخر إسرائيل تركيا في المواجهة والتدخل في العراق وسوريا وإيران في منقطة الخليج ؛ والواقع يؤكد هذا ويشهد عليه ، وتسعى إسرائيل إلى محاصرة الدول العربية وإحكام السيطرة عليها من خلال هذه الدول الثلاث .
ومن نظر إلى خريطة المنطقة فهم ذلك بوضوح وجلاء .
· وأخطر سلاح يستعمله اليهود للوصول إلى أهدافهم هو غسل عقول الطبقة المثقفة في مصر ، وإيجاد جيل مثقف لا يعرف الإسلام ولا يعمل للإسلام ، ولا يدافع عنه ، ولا يحتكم إليه …
وساهمت وسائل الإعلام المصرية مساهمة كبيرة وفعالة في هذا المجال ! وتهيأت العقول لقبول السلام الوهمي مع اليهود ، وهو سلام من طرف واحد ؛ لأن اليهود لم ولن يجنحوا للسلم ، فسعادتهم في سفك الدماء ! ونعيمهم في زعزعة أمن واستقرار غيرهم ! وهذا الحديث يفرض علينا تساؤلاً هامًا :
هل إسرائيل تريد السلام ؟
· والجواب : أن إسرائيل ترفع شعار السلام لتخدير مشاعر الأمة ! ولأن ديننا يأمرنا بالإخلاص ، وينهانا عن النفاق ، فحكامنا وأولو الأمر فينا يتحدثون عن السلام من قلوبهم ؛ بينما يتحدث عنه اليهود من لسانهم ! أما قلوبهم فتعد العدة لحرب قادمة شاملة مدمرة ! ونحن ننام في أوهام السلام !!
يقول اللواء أ . ح . د . فوزي طايل : ( قامت إسرائيل على أيدي مقاتلي عصابات مسلحة ، وأقامت هيكل الدولة على أساس أنها ( أمة مسلحة ) ، ومزجت في المستعمرات بين ( الزراعة والدفاع ) ، وجعلت من ( نظرية الأمن ) أسلوبًا لإدارة الدولة ، وأقامت نظامًا للحكم يوصف بأنه ( ديمقراطية الدولة المعسكر ) ، وجعلت اقتصادها اقتصادًا عسكريًا قلبًا وقالبًا ، وجعلت من فكرة ( الخطر الدائم ) الوسيلة الرئيسة لإحداث التماسك الاجتماعي وإفزاز مجتمعها نخبة عسكرية خالصة وربطت بين الاستيطان والاغتصاب بالقوة ) . ا هـ .
بل إن إسرائيل تمزج في المستوطنات التي يقيمها المهاجرون الجدد في الضفة الغربية وقطاع غزة بين مهاجرين مدنيين يلبسون الملابس العسكرية ، وعسكريين من الوحدات الخاصة يلبسون ملابس مدنية !!
يقول بن جوريون : ( إن إسرائيل لا يمكن أن تبقى إلا بقوة السلاح ) .
أما مباحثات السلام الوهمية فإن الهدف الحقيقي منها إعطاء المزيد من الوقت لتحقيق هدفين كبيرين لليهود :
1- استكمال وصول المهاجرين اليهود إلى إسرائيل ( مليون مهاجر ) وتدريبهم عسكريًّا .
2- استكمال البنية العسكرية الإسرائيلية اللازمة لشن الحرب القادمة ضد جميع الدول العربية القريبة والبعيدة سواء !
إن هنري كسنيجر – وزير الخارجية الأمريكي الأسبق – وهو العقل المدبر لليهود في عالمنا المعاصر يقول : ( أليس التسويف مما يلبي مصالح إسرائيل ؟! على النحو الأفضل ؛ ولو لمجرد أن العرب سوف يقبلون غدًا ما يرفضونه اليوم !! ثم تكون مفاوضات جديدة ، وهكذا !!
وقد دعا هذا اليهودي قبل ذلك إلى مبدأ : ( الأرض مقابل كسب الوقت ) !
واستثمار الفرص المتاحة على الوجه الأمثل ، دون التورط في مشاريع تستهدف سلامًا نهائيًا ) . ا هـ .
إن اليهود يفكرون بطريقة تختلف تمام الاختلاف عن غيرهم من البشر ، وهم أشد الناس عدواة لنا – كما ذكر القرآن الكريم – ونحن في الواقع نتعامل مع عدو نجهله ولا نعرفه !!
وسنضرب لذلك ثلاثة أمثلة :
* المثال الأول : عندما زار مناحم بيجن القاهرة ، وقف أمام أهرامات الجيزة وقال : ( هؤلاء أجدادنا بناة الأهرام ) ؟؟!!
نحن في مصر – بل والعالم أجمع – نعلم علم اليقين أن الفراعنة هم بناة الأهرام ، فهل الفراعنة أجداد اليهود ؟
إن مناحم بيجن يريد أن يثبت وجودًا تاريخيًا لأجداده في مصر بهذه العبارة ، وأن إسرائيل دولة شرق أوسطية ، ولها جذور تاريخية في المنطقة من أيام الفراعنة ، ومن ثم فمن حقها البقاء ، بل ومن حقها التحكم في المنطقة ، بل وقيادتها تعبيرًا عن الوظيفة التاريخية لليهود ، وعملاً بنظرية ( نحن شعب الله المختار ) أرأيت كيف يفكر اليهود !!
* المثال الثاني : سرقت إسرائيل آثارًا مصرية وآثارًا عراقية !!
ثم أقامت لها معرضًا في النمسا ، بعد أن تم الإعداد له على مدى عامين ، وشارك في دعم المعرض 58 هيئة نمساوية ، وافتتح ( نتن ياهو ) المعرض وسط دعاية إعلامية مكثفة ، وكان عنوان معرض الآثار المسروقة هو : ( آثار أرض التوراة ) !!
ماذا يريد اليهود بذلك ؟
إسرائيل تريد أن تقيم دولة كبرى من النيل إلى الفرات !
ومحتويات المعرض المسروقة تصور حدود الدولة المزعومة ، والمعرض يسمى ( آثار أرض التوراة ) !!
إذن أرض التوراة تشمل العراق ، وتمتد إلى مصر ، مرورًا ببلاد الشام ! هكذا تقول آثار أرض التوراة المسروقة !!
أرأيت كيف يفكر اليهود ؟!
· المثال الثالث : يوجد في سياسة إسرائيل مبدأ توزيع الأدوار ، وهي سياسة تتسم بالمكر والخبث والخداع والدهاء !!
أحيانًا نسمع أو نرى أو نقرأ عن وجود أحزاب في إسرائيل تؤيد السلام وتتظاهر ضد ( نتن ياهو) ، وترفع لافتات تأييد للفلسطينيين ، فنفرح ونستبشر بهذا الفتح ، ونحدث أنفسنا باقتراب النصر ، وقد نستغرق في الخيال فنتوهم أن هذه المظاهرات الصاخبة ستتحول إلى مواجهة مسلحة ، وأن اليهود سيقتل بعضهم بعضًا ، ويهزم بعضهم بعضًا !! لكن شيئًا من ذلك لا يحدث ؛ ذلك لأن الحكومة الإسرائيلية عندما تتخذ موقفًا متعنتًا أو صلبًا وغير مقبول من الطرف الآخر في المباحثات ، تدفع بقوة جانبية من أحزابها – وكلهم يهود – للأخذ بزمام الموقف لتليين الطرف الآخر ، وتخدير مشاعر الجماهير الغاضبة ، ومع ذلك فنحن نخدع بالتصريحات والتعبيرات المتعاطفة ، مع أنها لا وزن لها في الواقع ؛ إنما هي أدوار يتقاسمها اليهود ؛ لتحقيق مآربهم وإدراك أهدافهم .
أرأيت كيف يفكر اليهود ؟!
( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين ) [ الأنفال : 30] .
للحديث بقية إن شاء الله .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .