الحمد لله غافر الذنب .. وقابل التوب .. شديد العقاب .. ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير. والصلاة والسلام على رسوله البشير النذير وبعد :فقد دار الزمان، وعاد رمضان، وفرح المسلمون بعودته، وتنافسوا فى الطاعات، وتسابقوا في الخيرات.وشهر رمضان قد اجتمع فيه من الأحداث والعبر والعظات، والعبادات ما لم يجتمع في غيره من الشهور !
* ففي هذا الشهر ابتدأ نزول الوحي، والعبرة في ذلك أن بداية الهداية لهذه الأمة كانت في رمضان ، والهداية أعظم نعمة على الإطلاق ولا نصل إليها إلا من طريق الوحي الذي بدأ نزوله في هذا الشهر فتدبر ذلك !!
* والصائم يجاهد نفسه في رمضان، فيتذكر بجهاده لنفسه أول جهاد بالسيف للمشركين في غزوة بدر ! ويراجع أحداث هذه الغزوة المباركة ويرى أمامه حقيقة ناطقة في قوله تعالى: ” كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً ” ! ثم ينظر في حال أمته اليوم فيراها مغلوبة مقهورة مهزومة ! قد تداعت عليها الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها.فيفكر ويقدر ويصل إلى السبب الحقيقي وراء ما نحن فيه فإذا هو: ” عندما يغيب منهج الإسلام عن حياتنا يتخلف نصر الله عنا، فإذا عاد الإسلام إلى واقعنا تنزل علينا نصر الله ” !!
* والمسلم يستقبل رمضان بالطاعات من صلاة وصوم وقراءة وصدقة وجود وإفطار صائم ينتظر بذلك العفو والمغفرة وهو يتطلع إلى آخر الشهر ليعطى أجره ، فنعمت البداية ، ونعمت النهاية !ويتدبر كيف استقبلت الأمة الوحي في رمضان أول ما نزل، وجاهد المسلمون جهاد الصادقين، ونصروا الله فنصرهم. حتى أدركوا الغاية بفتح مكة، وكان ذلك أيضاً في رمضان، فنعمت البداية ونعمت النهاية !
* ويتطلع المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها إلى ليلة القدر، وقد أيقنوا أنها خير من ألف شهر ! وهم يدعون الله بقلوب مخلصة يرجون رحمته، ويخافون عذابه ويطمعون في جنته ورضوانه.وقد تفضل الله على هذه الأمة فجعل العمل الصالح في ليلة القدر خير من العمل الصالح في ألف شهر !! .
وإنك لتعجب أشد العجب من مسلم تفوته ليلة القدر بغير مغفرة !
* والصوم إقبال على الله، والاعتكاف انقطاع إلى الله، وذهاب إليه !! ومن ذهب إلى الله هداه !في خلوة المعتكف تجد لذة العبادة والبعد عن شواغل الحياة .
* وتأتى زكاة الفطر لتقضى على البقية الباقية من أدران النفس، وتطهر المسلم، وتحقق مجتمع الجسد الواحد .
* وصوم رمضان يذكرنا بما ينبغي أن يكون عليه المسلم من صوم دائم عن المعاصي والذنوب ليلاً ونهاراً ، ويلفت الأنظار إلى هذا التناقض الذي يعيش فيه كثير من المسلمين بسبب الجهل بحقيقة الصوم التي هي امتناع عن الحلال والحرام في نهار رمضان !! وامتناع عن الحرام في ليلة ! ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش !فإذا نظرت في واقعنا تبين لك التناقض الذي نعيش فيه بمثل هذه الأمثلة التي نسوقها:صائمة متبرجة !! – صائم تارك للصلاة ؟ !! – صائم لا يدع قول الزور ولا العمل به !! صائم يجلس أمام المسلسلات والأفلام ينظر إلى ما حرم الله ! – صائم يهجر القرآن طوال رمضان، والأمثلة لا تنتهي ولا تنقضي.
والسبب في ذلك أن كثيراً من المسلمين يصوم صوم العادة لا صوم العبادة !ولا يغفر إلا لمن صام صوم العبادة لقوله صلى الله عليه وسلم: [ من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ]. [ ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ] ( متفق عليه ).
* إن الصوم الحقيقي يزيد في الإيمان ويوجب الغفران .وعلامة ذلك الحسنة بعد الحسنة ، والطاعة بعد الطاعة ، وثمرة ذلك : مزيد من الإقبال على الله ، والتدبر لكتابه ، والتوبة الصادقة التي لا رجوع فيها وبها نطمع أن يدخلنا ربنا برحمته مع القوم الصالحين .اللهم تقبل منا صيامنا وصلاتنا وقيامنا وسائر أعمالنا الصالحات ، وأنزل علينا نصرك وأمدنا بمدد من مددك وجند من جندك إنك على كل شيء قدير. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .