أخرج الإمام مسلم فى صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال (لعن رسول الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال هم سواء)
ولأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة من طريق عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود عن أبيه (لعن رسول الله آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه وفى رواية الترمذى وشاهديه بالتثنية، وفى رواية النسائى من وجه آخر عن ابن مسعود (آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه ملعونون على لسان محمد )
تعريف الربا
الربا فى اللغة اسم مقصور على الأشهر، وهو من ربا يربو رَبْوا ورُبُوًّا وَرِبَاءً ويقال الربا والرما والرماء
والأصل فى معناه الزيادة، يقال ربا الشىء إذا زاد، ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ البقرة
والربا فى اصطلاح الفقهاء نوعان، ربا النسيئة وهو الزيادة المشروطة التي يأخذها الدائن من المدين نظير التأجيل
وربا الفضل، وهو بيع النقود بالنقود أو الطعام بالطعام مع الزيادة
حكم الربا
أما ربا النسيئة فهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا)
وعن أبى جحيفة قال (إن رسول الله نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب، وكسب الأمة ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله، ولعن المصور) أخرجه البخاري برقم وأجمع الأئمة الفقهاء على تحريمه
وأما ربا الفضل فهو محرم بالسنة والإجماع أيضا، فعن أبى سعيد قال قال رسول الله (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والملح بالملح مثلا بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى سواء) أخرجه البخاري وأحمد ونقل النووي عن ابن المنذر أنه قال أجمع علماء الأمصار مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة، وسفيان الثوري ومن وافقه من أهل العراق، والأوزاعي ومن قال بقوله من أهل الشام، والليث بن سعد ومن وافقه من أهل مصر، والشافعي وأصحابه، وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة وأبو يوسف أنه لايجوز بيع ذهب بذهب ولافضة بفضة ولابر ببر ولاشعير بشعير، ولاتمر بتمر ولا ملح بملح متفاضلا يدا بيدا، ولانسيئة، وأن من فعل ذلك فقد أربى والبيع مفسوخ، قال وقد روينا هذا القول عن جماعة من أصحاب رسول الله وجماعة يكثر عددهم من التابعين المجموع.
الأوراق النقدية حكمها حكم الذهب والفضة
قال الشيخ صالح الفوزان والصحيح أن العلة فى النقدين الذهب والفضة الثمنية فيقاس عليهما كل ماجعل أثماناً كالأوراق النقدية المستعملة فى هذه الأزمان، فيحرم فيها التفاضل، إذا بيع بعضها ببعض مع اتحاد الجنس، بأن تكون صادرة من دولة واحدة
وقال والصحيح أن العلة فى بقية الأصناف الستة البر والشعير والتمر والملح هى الكيل والوزن، مع كونها مطعومة، فيتعدى الحكم إلى ماشاركها فى تلك العلة مما يكال أو يوزن وهو مما يطعم فيحرم فيه التفاضل
وقال فعلى هذا؛ كل ما شارك هذه الأشياء الستة المنصوص عليها فى تحقيق هذه العلة فيه؛ بأن يكون مكيلا مطعوما أو موزونا مطعوما أو تحققت فيه علة الثمنية؛ بأن كان من النقود فإنه يدخله الربا؛ فإن انضاف إلى العلة اتحاد الجنس كبيع بر ببر مثلا حرم فيه التفاضل والتأجيل لقوله (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل يداً بيد) رواه مسلم وأحمد والترمذى وابن حبان وإن اتحدت العلة مع اختلاف الجنس؛ كالبر بالشعير، حرم فيه التأجيل وجاز فيه التفاضل، لقوله (فإذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيذ) رواه مسلم وأبو داود ومعنى قوله (يدًا بيد) أي حالا مقبوضا فى المجلس قبل افتراق أحدهما عن الآخر، وإن اختلفت العلة والجنس جاز الأمران التفاضل والتأجيل، كالذهب بالبر، والفضة بالشعير الملخص الفقهى حـ صـ
خطر الربا على الفرد والمجتمع
ثم اعلم أن خطر الربا عظيم، وأمره ليس بالهين بل هو جسيم، والتحرز منه يعسر على من لا يعرف أحكامه، ومن لم يستطع معرفة أحكام الربا بنفسه فعليه أن يسأل أهل العلم عنها، ولا يجوز له أن يقدم على معاملة إلا بعد تأكده من خلوها من الربا ليسلم بذلك دينه وينجو من عذاب الله تعالى الذى توعد به المرابين، ولا يجوز تقليد أحد من الناس من غير بصيرة، لا سيما فى وقتنا هذا الذى كثر فيه عدم المبالاة بنوعية المكاسب، فقد أخبر النبى فيما صح عنه من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال (ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أَمِنَ الحلال أم من حرام) أخرجه البخاري ولقد عده رسول الله من السبع الموبقات، أي المهلكات، قال (اجتنبوا السبع الموبقات، قيل وما هن يارسول الله؟ قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولى يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)
وجوب تعلم أحكام البيوع قبل العمل فى التجارة
جاء في الموسوعة الفقهية جـ جـ
ويجب على من يقرض أو يقترض أو يبيع أو يشتري أن يبدأ بتعلم أحكام هذه المعاملات قبل أن يباشرها، حتى تكون صحيحة وبعيدة عن الشبهات والحرام، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وتركه إثم وخطيئة، وهو إن لم يتعلم هذه الأحكام قد يقع فى الربا دون أن يقصد الإرباء، بل قد يخوض فى الربا وهو يجهل أنه تردى فى الحرام وسقط فى النار، وجهله لا يعفيه من الإثم ولا ينجيه من النار، لأن الجهل والقصد ليسا من شروط ترتب الجزاء على الربا، فالربا بمجرد فعله من المكلف موجب للعذاب العظيم الذى توعد الله جل جلاله به المرابين يقول القرطبي رحمه الله لو لم يكن الربا إلا على من قصده ما حرم إلا على الفقهاء وقد أثر عن السلف أنهم كانوا يحذرون من الاتجار قبل تعلم ما يصون المعاملات التجارية من التخبط فى الربا، ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه (لا يتجر فى سوقنا إلا من فقه، وإلا أكل الربا)، وقول عليّ (من اتجر قبل أن يتفقه ارتطم فى الربا ثم ارتطم ثم ارتطم) أي وقع فى الربا وارتبك ونشب، نقلا عن تفسير الطبري ، وتفسير القرطبي ، وتفسير ابن كثير ، ومغني المحتاج ،
جــــــــزاء آكل الربا
قال السرخسي في المبسوط
ذكر الله تعالى لآكل الربا خمسا من العقوبات
إحداها التخبط، قال الله تعالى لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ البقرة
الثانية المحق قال تعالى يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا البقرة والمراد الهلاك والاستئصال وقيل ذهاب البركة والاستمتاع، حتى لا ينتفع به ولا ولده من بعده
الثالثة الحرب قال تعالى فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ البقرة
الرابعة الكفر قال تعالى وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة
وقال سبحانه بعد ذكر الربا والله لا يحب كل كفار أثيم البقرة أي كفار باستحلال الربا، أثيم فاجر بأكل الربا
الخامسة الخلود في النار قال تعالى وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ البقرة المبسوط
من أسباب عدم إجابة الدعاء
وبعد أخي المسلم إن النصوص في تحريم الربا بنوعيه كثيرة جدا سواء من كتاب الله أو سنة رسوله ، ولا يتسع المقام لحصرها، وهي واضحة لكل ذي عينين، ولكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وكذلك أجمعت الأمة على تحريم الربا وحذر النبي من آخر الزمان وما يحدث فيه من الفتن ومن ضياع الدين وعدم المبالاة بالمال، وأنت تعلم أن من أسباب إجابة الدعاء طيب المطعم، فإن كانت مطاعمنا من الحرام ومشاربنا من الحرام وملابسنا من الحرام ومراكبنا من الجرام ومساكننا من الحرام بسبب ما نتعاطى من الربا فهل يستجيب الله لنا دعاء أو يقبل منا عملا؟ أو يبارك لنا في أرزاقنا؟ نسأل الله التوبة والمغفرة
حقيقة قروض البنوك
وخلاصة القول في الربا (أن كل قرض اشترطت فيه الزيادة سواء حددت قيمة الزيادة أم لم تحدد سلفا فهو ربا) فوضح بذلك أن القروض التى يتعاطاها الناس من البنوك أو غيرها تعتبر ربا محرما شرعا، يستوي في ذلك قروض الإنتاج وقروض الاستهلاك فيجب على المسلم أن ينأى بنفسه عن مثل هذه القروض فرارا بدينه وحفاظا على نفسه وبعداً عن العقوبات التى رتبها الله عزَّ وجَلَّ وتوعد بها آكل الربا
قال الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ البقرة قال ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآيات هي آخر ما نزل من القرآن الكريم، أي أنه لم ينسخها شىء جاء بعدها
كما قال تعالى قبل هذه الآيات من نفس السورة الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ البقرة فمن سوى بين البيع الذى هو حلال، والربا الذي هو حرام فهذا جزاؤه؛ التخبط كالذي أصابه مس من الشيطان، وجزاؤه كذلك النار خالدا مخلدا فيها.
ثم اعلم أن الأحاديث ومنها حديثنا هذا، تبين أن المعطي والآخذ ومن كتب الربا ومن شهد عليه كلهم ملعونون على لسان رسول الله نسأل الله تعالى أن يرزقنا الحلال الطيب ويبارك لنا فيه، وأن يباعد بيننا وبين الحرام ويغنينا عنه إنه جواد كريم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.