الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته العز الميامين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (في الحَبَّةِ السوْدَاءِ شِفَاءٌ من كل دَاءٍ إلاَّ السَّام). قال ابن شهاب: والسام الموت، والحبة السوداء الشونيز.
هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الطب باب (الحبة السوداء) برقم (5688)، كما أخرجه من حديث عائشة رضي اللَّه عنها برقم (5687)، وأخرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة في كتاب السلام باب التداوي بالحبة السوداء برقم (2215)، وأخرجه الإمام الترمذي عن أبي هريرة أيضًا في كتاب الطب باب ما جاء في الحبة السوداء برقم (2215)، وأخرجه الإمام الترمذي عن أبي هريرة أيضًا في كتاب الطب باب ما جاء في الحبة السوداء برقم (2041) وقال: وفي الباب عن بريدة وابن عمر وعائشة، وابن عمر بالأرقام (3447- 3449- 3448)، وأخرجه الإمام أحمد في المسند عن أبي هريرة برقم (7287)، قال محقق المسند: وأخرجه الحميدي (1107)، كما أخرجه الإمام أحمد من حديث بريدة الأسلمي رضي اللَّه عنه، ومن حديث عائشة رضي اللَّه عنها.
شرح الحديث
قوله: (في الحبة السوداء)، وفي رواية مسلم: (إن في الحبة السوداء شفاءً). وفي رواية أحمد في المسند: (عليكم بهذه الحبة السوداء فإن فيها شفاءً من كل داء).
وقد فسر الحبة السوداء ابن شهاب (بالشُّونِيْز). قال ابن حجر: وتفسير الحبة السوداء بالشونيز لشهرة الشونيز عندهم إذ ذاك، وأما الآن فالأمر بالعكس، والحبة السوداء أشهر عند أهل هذا العصر من الشونيز بكثير، وتفسيرها بالشونيز هو الأكثر والأشهر. قال ابن حجر: ونقل إبراهيم الحربي في (غريب الحديث) عن الحسن البصري أنها الخردل، وحكى أبو عبيد الهروي في (الغريبين) أنها البُطْمُ، واسم شجرتها (الضِّرْوُ)، وقال الجوهري: هو صمغ شجرة تدعى الكمكما تجلب من اليمن، ورائحتها طيبة وتستعمل في البخور، قال الحافظ: قلت: وليست المراد هنا جزمًا، ونقل عن القرطبي قوله: تفسيرها بالشونيز أولى من وجهين: الأول أنه قول الأكثر، والثاني: كثرة منافعها بخلاف الخردل والبُطْم.
قوله: (من كل داء): هذا أوسع من أن تستعمل على وجه واحد، وكيفية واحدة، بل تستعمل مفردة أي وحدها بلا إضافة، ومركبة بإضافتها إلى غيرها من المواد، ومسحوقة، وقد تستعمل أكلاً، وشربًا، وسَعُوطًا، وضمادًا، وغير ذلك.
قال الحافظ في الفتح: وقيل إن قوله (كل داء) تقديره: يقبل العلاج بها، فإنها تنفع من الأمراض الباردة، وأما الحارة فلا، نعم قد تدخل في بعض الأمراض الحارة اليابسة بالْعَرَضِ فتوصل قوى الأدوية الرطبة الباردة إليها بسرعة تنفيذها. ثم قال: قال أهل العلم بالطب: إن طبع الحبة السوداء حارٌّ يابسٌ، وهي مذهبة للنفخ، نافعة من حمى الرِّبع، والبلغم، مُفتحة للسدد والريح، مجففة لبلة المعدة، وإذا دقت وعجنت بالعسل وشربت بالماء الحار أذابت الحصاة وأدرت البول والطمث واللبن، وفيها جلاء وتقطيع، وإذا شرب منها وزن مثقال بماء أفاد من ضيق النفس، والضماد بها ينفع من الصداع البارد، وإذا طبخت بخل وتمضمض بها نفعت من وجع الأسنان، وقد ذكر ابن البيطار وغيره ممن صنف في المفردات هذا الذي ذكرته في منافعها وأكثر منه.
وقال الخطابي في أعلام الحديث: وهذا من عموم اللفظ الذي يراد به الخصوص [يعني قوله: (من كل داء) إذ ليس يجتمع في شيء من النبات والشجر جميع القوى التي تقابل الطبائع كلها في معالجة الأدواء على اختلافها وتباين طبائعها، وإنما أراد أنه شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة.اهـ.
وقال أبو بكر بن العربي: العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواءً من كل داءٍ من الحبة السوداء، ومع ذلك فإن من الأمراض ما لو شرب صاحبه العسل لتأذى به، فإن كان المراد بقوله في العسل: (فِيهِ شِفَاءٌ للنَّاس) الأكثر الأغلب، فحمل الحبة السوداء على ذلك أَوْلى.
وقال غيره: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصف الدواء بحسب ما يشاهده من حال المريض، فلعل قوله في الحبة السوداء وافق مرض من مزاجه بارد، فيكون معنى قوله: (شفاءٌ من كل داء). أي من هذا الجنس الذي وقع القول فيه، والتخصيص بالحيثية شائع كثير والله أعلم. ثم قال الحافظ: وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: تكلم الناس في هذا الحديث وخصوا عمومه، وردوه إلى قول أهل الطب والتجربة، ولا خفاء بغلط قائل هذا، لأنا إذا صدقنا أهل الطب- ووافق علمهم غالبًا إنما هو على التجربة التي بناؤها على ظن غالب- فتصديق من لا ينطق عن الهوى أَوْلى، وكلامه أولى بالقبول من كلامهم. انتهى.
وقد تقدم توجيه حمله على عمومه بأن يكون المراد بذلك ما هو أعم من الإفراد والتركيب، ولا محذور في ذلك ولا خروج عن ظاهر الحديث، والله أعلم. اهـ. من الفتح.
وقال صاحب تحفة الأحوذي بعد أن ساق قول الخطابي، وساق بعده كلامًا للطيبي هو قوله: ونظيره قوله تعالى في حق بلقيس: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23]. وقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25] في إطلاق العموم وإرادة الخصوص. انتهى. وقيل: هي باقية على عمومها، وأجيب عن قول الخطابي بقول الشاعر:
ليس على اللَّه بمستنكر
أن يجمع العالم في واحدٍ
وأما قول الطيبي، ففيه أن الآيتين يمنع حملهما على العموم عند كل أحد على ما هو معلوم، وأما أحاديث الباب فحملها على العموم متعين لقوله -صلى الله عليه وسلم- فيها: (إلا السَّام). كقوله: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر: 2، 3]. اهـ.
ولقد سبق هؤلاء العلماء ابن القيم رحمه اللَّه تعالى، فذكر في زاد المعاد – الجزء الرابع- الحبة السوداء والحديث الوارد فيها، وعدد منافعها وكيفيات استعمالها، فذكر الذي نقلناه عن فتح الباري وزيادة، وكأن الحافظ نقل عنه بعض ما كتبه بشأن الحبة السوداء والأمراض التي تعالجها وتداويها ويُبْرأ منها بإذن اللَّه تعالى.
الحبة السوداء عند الأطباء القدامى والمحدثين
أولاً: عند القدامى:
في بحث أعداه الدكتور/ حسام عرفة تحت الحبة السوداء ذات الأيادي البيضاء يقول: حين أزاح اللورد (كارتر) الستار عن كشفه الأثري المهم، وهو مقبرة الملك الفرعوني (توت عنخ آمون)، لم يكن يعلم ماهية الزيت الأسود اللون الذي وجد ضمن مقتنيات هذا الملك الشاب، والذي عرف فيما بعد بزيت (حبة البركة) أو (الحبة السوداء).
عرف المصريون القدماء نبات حبة البركة، ولكن لم يعرف على وجه التحديد كيف استخدموه في حياتهم اليومية، وكانوا يعرفونها باسم (شنتت)، إلا أن اكتشاف زيت هذا النبات ضمن مقتنيات أحد ملوكهم يدل بصورة قاطعة على مدى أهمية هذا النبات في هذه الفترة.
ويشير العهد القديم في سفر (أشعياء) إلى أهمية حبة البركة والطرق المتبعة حينئذ للحصول على الزيت، وقد عرف العبرانيون النبات الذي كان ينمو بصورة واسعة في مصر وسوريا، باسم (كيتساه).
وكتب (ديسكوريدس) وهو طبيب يوناني شهير عاش في القرن الأول الميلادي – أن (بذور) حبة البركة كانت تستخدم في علاج الصداع واحتقان الأنف وآلام الأسنان، بالإضافة إلى استخدامها لطرد الديدان، كذلك استخدمت كمدر للبول واللبن.
أما في التراث الإسلامي فقد ورد حديث في صحيح البخاري عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام). قلت: وما السام؟ قال: الموت.
وقد كتب البيروني وهو من علماء المسلمين (1048م – 973هـ) عن الأصل الهندي لهذا النبات ومدى قيمته الغذائية والصحية، وتحتل حبة البركة في الطب اليوناني – العربي – الذي وضع أسسه (هيبوقراتس) و(جالن) و(ابن سينا) مكانة كبيرة؛ حيث كانت لها أهمية كبيرة في علاج أمراض الكبد والجهاز الهضمي، وفي كتابه الشهير (القانون في الطب)، يرى ابن سينا أن حبة البركة يمكن أن تحفز الطاقة وتساعد على التغلب على الإرهاق والإجهاد.
ما هي حبة البركة ؟
هي عشب نباتي ينمو سنويًا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ولكنه يزرع في مناطق عديدة أخرى في شمال أفريقيا وآسيا والجزيرة العربية.
ثانيًا: في الدراسات الحديثة:
لقد ظهر حديثًا من خلال الدراسات والأبحاث التي أجريت على الحبة السوداء أنها تلعب دورًا هامًا في تقوية الجهاز المناعي في جسم الإنسان، ولما كانت قدرة الجسم على مجابهة الأمراض مرتبطة بقوة الجهاز المناعي، فإن الحبة السوداء بتقويتها للجهاز المناعي تشكل شقاءً لكل الأدواء، وهي تفيد في علاج الأمراض بما فيها السرطانات والإيدز والأمراض المستعصية التي تصيب الإنسان.
الفوائد العلاجية للحبة السوداء كانت للأسباب الآتية
– الزيت الطيار الموجود في الحبة السوداء يحتوي على مادة (النيجلون) وهي مضادة للهستامين، ومنها يظهر فائدة الحبة السوداء في علاج الربو بتوسيع الشعب، وفي علاج ارتفاع ضغط الدم بتوسيع الأوعية الدموية، وفي علاج بعض الأمراض الهضمية بإزالة التشنجات المعدية والمعوية.
– تحتوي الحبة السوداء على مواد لها صفة الصَّادَّات؛ توقف نمو الجراثيم، ولا تسمح بالنمو في وسط غذائي يحتوي على الحبة السوداء.
– استخلص من الحبة السوداء صبغة لها خواص مسكنة ومنومة لطيفة، ومن هنا ظهرت فائدة الحبة السوداء كدواء مسكن؛ خاصة في تسكين آلام الأسنان بالغرغرة، وفائدتها كمنوم خفيف يمكن استخدامه للأطفال.
– تحتوي الحبة السوداء على زيت إيتيري يجعلها تفيد في حالات المغص المعوي كطارد للغازات.
– أثبتت الدارسات الحديثة أن الحبة السوداء تنشط جهاز المناعة في جسم الإنسان بزيادة نسبة التائيات المناعية مقارنة مع التائيات المثبطة، ومن هنا كانت فائدة الحبة السوداء في مكافحة الأمراض بشكل عام، والأمراض الفيروسية بشكل خاص.
الأمراض التي تعالجها حبة البركة (الحبة السوداء)
تساقط الشعر – الصداع – الأرق- للقمل وبيضه- للدوخة وآلام الأذن- للقراع والثعلبة- للقوباء- لأمراض النساء والولادة- للأسنان وآلام اللوز والحنجرة- لحب الشباب- للأمراض الجلدية- للثآليل- للبهاق والبرص- لسرعة التئام الكسور- للكدمات والرضوض- لمرض السكر- لارتفاع ضغط الدم- لإذابة الكوليسترول في الدم- للالتهابات الكلوية- لتفتيت الحصوة وطردها- لعسر التبول- لمنع التبول اللاإرادي- للاستسقاء- لالتهابات الكبد- للحمى الشوكية- للمرارة وحصوتها- للطحال- لأمراض الصدر والبرد- للقلب والدورة الدموية- للمغص المعوي- للإسهال- للقيء والغثيان- للغازات والتقلصات- للحموضة- للقولون- لأمراض العيون- للأميبا- للبلهارسيا- لطرد الديدان- للعقم- للبروستاتا- للقرحة- للسرطان- للضعف الجنسي- للضعف العام- لفتح الشهية للطعام- لعلاج الخمول والكسل- للتنشيط الذهني وسرعة الحفظ- لعلاج الإيدز.
هذا، وكيفية استعمال الحبة السوداء موجودة في الكتب الخاصة بالأعشاب، والله تعالى هو الشافي.
ويذكر الدكتور / حسام عرفة أن أكثر من 150 بحثًا، تم نشره مؤخرًا في الدوريات العلمية المختلفة عن فوائد استخدام حبة البركة، والتي تؤكد على الفوائد العديدة التي ذكرها القدماء عن هذا النبات، ويأتي معظم هذه الأبحاث من أوربا وتحديدًا النمسا وألمانيا، والتي تأتي في مقدمة الدول الداعية لإحياء طب الأعشاب كطب بديل، وهكذا ظهرت حبة البركة في مستحضرات طبية متنوعة بين أقراص وكبسولات وأشربة وزيوت في العديد من الدول الأوربية، وكذلك الولايات المتحدة، هذا بالإضافة إلى بلدان العالم العربي والإسلامي.
طريقة عملها:
عكف العلماء منذ زمن على معرفة كيفية عمل الحبة السوداء وخاصة دورها في عملية التئام الجروح، والذي استدعى معرفة مكونات البذور، والتي وُجِد أنها تحتوي على العديد من الفيتامينات والمعادن والبروتينيات النباتية، بالإضافة إلى بعض الأحماض الدهنية غير المشبعة.
الجدير بالذكر، أن كثيرًا من الزيوت النباتية ومنها زيت حبة البركة تحتوي على العديد من الأحماض الدهنية الأساسية والمهمة لصحة الجلد والشعر والأغشية المخاطية، وكذلك عملية ضبط مستوى الدم وإنتاج الهرمونات بالجسم وغيرها من الوظائف الحيوية المهمة.
كما تحتوي حبة البركة على مادة (النيجيللون، وهي مادة بلّورية تم استخلاصها لأول مرة في عام 1929، ويعد النيجيللون هو أحد مضادات الأكسدة الطبيعية مثل فتيامين (ج) و(أ)، وكذلك الجلوتاثيون، والتي تلعب دورًا أساسيًا في حماية الجسم ضد مخاطر ما يسمى بالشوارد الحرة free radicals وهناك العديد من الأبحاث التي نشرت مؤخرًا عن دور الحماية الذي يلعبه النيجيللون في حماية الجسم من مخاطر العديد من المواد الغربية xenobiotics.
استخدامات الحبة السوداء
1- مصدر للطاقة: حيث وجد أن حبة البركة تساعد على الاحتفاظ بحرارة الجسم الطبيعية، خاصة وأن طبيعة الغذاء الغربية والمسيطرة الآن على العادات الغذائية في بلدان العالم المختلفة، مثل: تناول الأيس كريم والزبادي والبيتزا والجبن والهامبرجر وغيرها، تستهلك الكثير من طاقتنا الحيوية، مما يؤدي لظهور الكثير من الأمراض.
2- الرضاعة: تساعد حبة البركة على إدرار اللبن، كذلك تعد مصدرًا غذائيًا مهمًا للأم والطفل على السواء.
3- المناعة: أثبتت بعض الدراسات التأثير المُحفِّز لحبة البركة على جهاز المناعة؛ مما يفسر معنى (شفاء من كل داء).
4- الطفل: تحتوي بذور حبة البركة على حمض الأرجينين، وهو حمض مهم وضروري لنمو الطفل.
5- الشيخوخة: تعد الحبة السوداء غذاءً صحيًا مهمًا ومفيدًا لكبار السن؛ نظر لاحتوائها على مواد غذائية متعددة ومتنوعة.
وبعد: فإنه مع وجود الدراسات والبحوث الطبية الحديثة التي تُجْرَى حول ما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، هذه البحوث تجرى في الشرق تارة وفي الغرب أخرى، ويبحث فيها المتخصصون في الطب والعلوم الكيميائية والحيوية، والعالم يبهر بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
أقول: مع وجود تلك البحوث إلا أن هناك من المسلمين من لا تزال عقولهم – التي يعبدونها – من دون اللَّه تملي عليهم أن كل قديم إنما هو خرافة وجري وراء الخرافة، بل لا يستحي من وصف ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقذارة، ولم يستح من وصف حجاب المرأة بل وصف دعاء اللَّه تعالى بالطقوس الشكلية، ووصف من يتمسكون بدينهم أنهم يتمسكون بالنفاق وعدم الإتقان والبلطجة اللفظية والسلوكية.
إن الخلط بين ما ثبت عن رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- وبين الأباطيل التي أحدثها الجهلة والمبتدعة من التبرك بالقبور وأصحابها وترابها، وزيت القنديل، هذا الخلط دليل على قلة العلم وعدم المعرفة، كما أن الخلط بين ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين ما يدعيه من يتخصص في المعالجة بالأعشاب، هذا الخلط أيضًا دليل على البعد عن معرفة الصحيح من السقيم ومعرفة الحق من الباطل، وكون بعض الناس يوهم أنه يعالج بالطب النبوي ويفتح عيادة للنصب وينسب هذا للطب النبوي، لا يعيب الطب النبوي ولا يلغيه من قاموس الطب، بل الإعجاز العلمي في الطب النبوي يقوم به باحثون في الطب الحديث ويستخرجون منه المواد العلمية والمواد الفعالة.
ولقد اعترف من يعيب الطب النبوي ويصفه بأنه من اختراع النصابين المُحْدثين، بأن بعض الأطباء المعاصرين حولوا مهنة الطب إلى نصب لابتزاز أموال الناس، وهو ليس من اختراع أحد، إنما سجله من سجل أحاديث الإيمان والإسلام والطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والنكاح والطلاق، والمعاملات، إنه باسم الطب في دواوين السنة، وليس مهنة يمتهنها النصابون، أما النصابون فإنهم في كل وادٍ يهيمون، منهم الأطباء الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، ومنهم المهندسون والمحامون والمدرسون والمحاسبون والصناع والتجار وفي كل مهنة تجدهم يا من تشفق على الأمة من النصب فتنكر ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهل أنكر أحد ما وصل إليه الطب الحديث؟ وهل قارن أحد بين طب رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- وطب غيره، إن الناس يلجأون إلى الطب القديم فيما لم يجدوا له علاجًا عند الأطباء المحدثين، أو تعجزهم النفقات لإجراء جراحة عند الأطباء المحدثين، وهل طلب أحد إغلاق المستشفيات والصيدليات وشركات الأدوية ليحل محلها التداوي بالأعشاب؟! إن هذا لشيء عجاب!! إن شركات الأدوية تنتج الآن مجموعة من العلاجات النباتية والعشبية وتفخر الشركة بأن تكتب على منتجها أنه نبات طبيعي، وتفخر بأن تعلن أن منتجاتها من الأعشاب الطبية!! فمتى يفيق قومنا ويستيقظون؟ الظاهر أنهم لن يستيقظوا إلا إذا جاءتهم التعليمات من أوربا أو أمريكا بتغيير ما هم عليه، ويومئذ يسمونه طبًا حديثًا ويلهثون وراءه لأنه جاءهم من الغرب.
يا من تدعي الإصلاح!! اتق اللَّه تعالى في نفسك ولا تخلط الأمور بعضها ببعض، ولا تقل على اللَّه ورسوله بغير علم، وماذا صنع لك أهل النقاب والحجاب والجلباب والأدعية والبكاء، هل ترى أن هؤلاء هم سبب التخلف الذي نحن فيه، إن التخلف جاءنا من ترك ديننا وجهلنا به، والدليل على ذلك أن السابقين من المسلمين لما تمسكوا بدينهم وعرفوه حق المعرفة سادوا الدنيا وعلموا أهل الأرض وكانوا أساتذة العالم، فلما تركوا الدين وعملوا بالبدع والخرافات أصابنا ما أصابنا. فحسبنا اللَّه ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ونسأل اللَّه الهداية للجميع، والحمد لله أولاً وآخرًا..والحمد لله رب العالمين.