الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وبعد:
فإن الأصل في المسلم الاستسلام لله ورسوله، وثمرته حسن الأدب مع الشرع الحنيف والتواضع له، وصورته أن لا يقدم على قول الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- قول أحد، وأن لا يرفع صوته فوق صوت النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وعليه فلا يعارض بمعقول منقولًا، هذا أصلٌ مهمٌ فليعيه المسلمون عامة والدعاة خاصة.
وهاك أصل من أصولنا أهل السنة والجماعة سماه مصنفه الإمام المحدث محمد بن الحسين الآجري ( ت 60 هـ): الشريعة
ذكر فيه الطيب من المأكل والمشرب والملبس والمسكن أصل فأبدع واستدل فأمتع، وقال فأقنع، فهلموا إليه، فهو كملاذ الجائع، والعاطش، والعاري، والطليق. . . . . . .
ذكر الإمام –رحمه الله- مدخلًا مختصرًا قبل الشروع في تبويباته، أرشد فيه إلى ضرورة التمسك بطاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وبما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وبما كان عليه الأئمة من علماء المسلمين الأخيار عصرًا بعد عصر، وجيلًا بعد جيل.
ثم بدأ الباب الأول، فقال: بَابُ ذِكْرِ أَمْرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أُمَّتَهُ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ وَتَحْذِيرِهِ إِيَّاهُمُ الْفُرْقَةَ
ثم ذكر أحد عشر بابًا، ملخصها:
عَلَى كَمْ تَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ، تحذير النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أمته سُنَنَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ، و ذَمُّ الْخَوَارِجِ وَسُوءُ مَذَاهِبِهِمْ، ووجوبُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِمَنْ وَلِيَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ جَارُوا، وَتَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ مَا أَقَامُوا الصَّلَاة، والتحذير من الفتن، والخوض فيها، وليلزم بيته، وليعبد ربه، ثم قال: وَإِذَا دَارَتِ الْفِتَنُ بَيْنَهُمْ لَزِمَ بَيْتِهِ وَكَفَّ لِسَانَهُ وَيَدَهُ، وَلَمْ يَهْوَ مَا هُمْ فِيهِ، وَلَمْ يُعِنْ عَلَى فِتْنَةٍ، فَمَنْ كَانَ هَذَا وَصْفَهُ كَانَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ إِنْ شَاءَ اللَّه، والحث على التمسك بكتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسنة أصحابه -رضى الله عنهم-، والتحذير من طوائف تعارض سنن النبي -صلى الله عليه وسلم- بالكتاب
ثم ذكر الباب الثالث عشر في ذم الجدال والخصومات في الدين
وقد مشى رحمه الله على قاعدة جليلة في إظهار مصدر التلقي الصحيح لمن أراد العلم الصحيح، وذلك من حيث: الاستدلال بالقرآن، وصحيح السنة، والحسن منها، والضعيف في الشواهد والمتابعات، والموقوف والمقطوع.
قال -رحمه الله – وهو المقصود:
مَنْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ وَعَقْلٌ، فَمَيَّزَ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرِي لَهُ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ عَلِمَ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى الْعَمَلِ بِهِ، فَإِنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا لَزِمَ سُنَنَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ -رضى الله عنهم- وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ عَصْرٍ، وَتَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِنَفْسِهِ، لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ الْجَهْلُ، وَكَانَ مُرَادُهُ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ، أَنْ يَتَعَلَّمَهُ لِلْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ وَالْخُصُومَاتِ، وَلَا لِلدُّنْيَا، وَمَنْ كَانَ هَذَا مُرَادُهُ سَلِمَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَالضَّلَالَةِ، وَاتَّبَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يُسْتَوْحَشُ مِنْ ذِكْرِهِمْ، وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوفَّقَهُ لِذَلِكَ
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ رَجُلٌ قَدْ عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِلْمًا، فَجَاءَهُ رَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الدِّينِ، يُنَازِعُهُ فِيهَا وَيُخَاصِمُهُ، تَرَى لَهُ أَنْ يُنَاظِرَهُ، حَتَّى تَثْبُتَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، وَيَرُدَّ عَلَيْهِ قَوْلَهُ؟
قِيلَ لَهُ: هَذَا الَّذِي نُهِينَا عَنْهُ، وَهُوَ الَّذِي حَذَّرَنَاهُ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَاذَا نَصْنَعُ؟ قِيلَ لَهُ: إِنْ كَانَ الَّذِي يَسْأَلُكُ مَسْأَلَتَهُ مَسْأَلَةَ مُسْتَرْشِدٍ إِلَى طَرِيقِ الْحَقِّ لَا مُنَاظَرَةً، فَأَرْشِدْهُ بِأَلْطَفِ مَا يَكُونُ مِنَ الْبَيَانِ بِالْعِلْمِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَوْلِ الصَّحَابَةِ، وَقَوْلِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ -رضى الله عنهم- وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ مُنَاظَرَتَكَ، وَمُجَادَلَتَكَ، فَهَذَا الَّذِي كَرِهَ لَكَ الْعُلَمَاءُ، فَلَا تُنَاظِرْهُ، وَاحْذَرْهُ عَلَى دِينِكَ، كَمَا قَالَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِنْ كُنْتَ لَهُمْ مُتَّبِعًا
فَإِنْ قَالَ: فَنَدَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِالْبَاطِلِ، وَنَسْكُتُ عَنْهُمْ؟ قِيلَ لَهُ: سُكُوتُكَ عَنْهُمْ وَهِجْرَتُكَ لِمَا تَكَلَّمُوا بِهِ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ مُنَاظَرَتِكَ لَهُمْ كَذَا قَالَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ
ثم ذكر ما يدل على ذلك من الآثار الصحيحة والحسنة
ثم قال: أَلَمْ تَسْمَعْ رَحِمَكَ اللَّهُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي قِلَابَةَ: لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ وَلَا تُجَادِلُوهُمْ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي الضَّلَالَةِ، أَوْ يَلْبِسُوا عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ بَعْضَ مَا لُبِّسَ عَلَيْهِمْ أَوَ لَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ الْحَسَنِ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: أَلَا تُنَاظِرُنِي فِي الدِّينِ؟ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ أَبْصَرْتُ دِينِي، فَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ أَضْلَلْتَ دِينَكَ فَالْتَمِسْهُ أَوَ لَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَاتِ أَكْثَرَ التَّنَقُّلَ
ثم قال: فَمَنِ اقْتَدَى بِهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ سَلِمَ لَهُ دِينُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنِ اضْطَّرَّنِي فِي الْأَمْرِ وَقْتًا مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَى مُنَاظَرَتِهِمْ، وَإِثْبَاتِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ أَلَا أُنَاظِرُهُمْ؟ قِيلَ لَهُ: الِاضْطِرَارُ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ إِمَامٍ لَهُ مَذْهَبٌ سُوءٌ، فَيَمْتَحِنُ النَّاسَ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى مَذْهَبِهِ، كَفِعْلِ مَنْ مَضَى فِي وَقْتِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل. . . . . . . وذكر القصة
فائدة: ذكر رحمه الله بعض علامات أهل الأهواء، منها:
معارضة المنقول بالمعقول
المنازعة والخصومة في المأثور
قولهم: أرأيت أرأيت. . . . . . (1)
نسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا هداة مهتدين، صالحين مصلحين.