التقديم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،أما بعد فإن الاستئذان أدب عظيم أدبنا به ربنا في كتابه ونبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ما جاء في سنته .
قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) وروى الشيخان عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ فَقَالَ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ .
والتشريع الإسلامي تشريعٌ يحافظ على الأعراض ويحرص على نظافة المجتمعات والبيوت والقلوب فشرع الاستئذان لتحقيق ذلك، وحتى لا يقع أخوك إذا رأيته دون إذن على حالة يكره أن تراه عليها، أو لا يكون مستعداً لاستقبالك لأسباب لا يجب أن تعرفها عنه إلى غير ذلك .
وهذه الرسالة التي كتبها الشيخ / صلاح نجيب الدق ( حفظه الله وبارك في جهده وعلمه ونفع به ) توضح الأحكام المتعلقة بالاستئذان وما تمس الحاجة إلى معرفته مما يتعلق بهذا الموضوع، كذكره لكيفية وقوف المستأذن أمام البيت، وكيفية قرع الأبواب، وكان يرجح ما يراه معتمداً على الدليل، كما فَعَلَ في حكْم مَنْ فقأ عين مَنْ نظر في بيته بغير إذنه، فجزاه الله خيراً على ما كتب وقدم لإخوانه. وأسأل الله للجميع التوفيق والسداد . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان .
الدكتور / عبد الله شاكر الجنيدي
الرئيس العام لجماعة أنصار السُّنة المحمدية بجمهورية مصر العربية .
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ) ( النور : 27 : 29 )
أسباب نزل هذه الآيات :
روى ابن جرير الطبري عن عدي بن ثابت قال : أن امرأة من الأنصار قالت : يا رسول الله، إني أكون في منزلي على الحال التي لا أحب أن يراني أحد عليها : لا والد ولا ولد، وإنه لا يزال يدخل عليَّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، قال فنزلت : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ( جامع البيان للطبري جـ10 صـ110 : صـ111 )
قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
لقد جعل الله البيوت سكناً، يفيء إليها الناس؛ فتسكن أرواحهم؛ وتطمئن نفوسهم؛ و يأمنون على عوراتهم وحرماتهم، ويلقون أعباء الحذر والحرص المرهقة للأعصاب!
والبيوت لا تكون كذلك إلا حين تكون حرماً آمناً لا يستبيحه أحد إلا بعلم أهله وإذنهم . وفي الوقت الذي يريدون، وعلى الحالة التي يحبون أن يلقوا عليها الناس .
ذلك إلى أن استباحة حرمة البيت من الداخلين دون استئذان، يجعل أعينهم تقع على عورات؛ وتلتقي بمفاتن تثير الشهوات؛ وتهيِّئ الفرصة للغواية، الناشئة من اللقاءات العابرة والنظرات الطائرة، التي قد تتكرر فتتحول إلى نظرات قاصدة، تحركها الميول التي أيقظتها اللقاءات الأولى على غير قصد ولا انتظار؛ وتحولها إلى علاقات آثمة بعد بضع خطوات أو إلى شهوات محرومة تنشأ عنها العقد النفسية والانحرافات .
( في ظلال القرآن جـ4 صـ507 )
فائدة :
جاء التعبير عن الاستئذان بالاستئناس وهو تعبير يوحي بلطف الاستئذان، ولطف الطريقة التي يجيء بها الطارق، فتحدث في نفوس أهل البيت أنساً به، واستعداداً لاستقباله . وهي لفتة دقيقة لطيفة، لرعاية أحوال النفوس، ولتقدير ظروف الناس في بيوتهم، وما يلابسها من ضرورات لا يجوز أن يشقى بها أهلها ويحرجوا أمام الطارقين في ليل أو نهار . ( في ظلال القرآن جـ4 صـ508 )
معنى الاستئذان :
الاستئذان : اسم مشتق من الفعل أَذِنَ . يُقالُ: أَذِنَ بالشيء إذْناً وأَذَناً وأَذانةً عَلِم وفي التنزيل العزيز فأْذَنوا بحَرْبٍ من الله ورسوله أَي كونوا على عِلْمٍ . واستأذنه في كذا أي طلب إذنه منه، والأَذانُ الإعْلامُ . يُقالُ آذَنْتُكَ بالشيء : إذا أَعْلمتُكه . ( لسان العرب لابن منظور جـ1 صـ51 )
فائدة :
وردت كلمة الاستئذان ومشتقاتها المختلفة في القرآن الكريم اثنتين وسبعين مرة . ( المعجم المفهرس لألفاظ القرآن صـ25 : صـ26 )
معنى الاستئناس :
يُقالُ : آنس الشيء : أي أحسه، وآنس الشخص واستأنسه : أي رآه وأبصره ونظر إليه، يُقالُ : آنستُ فلان: إذا فرحت به . ( لسان العرب لابن منظور جـ1 صـ150 )
فائدة :
وردت كلمة الاستئناس بمشتقاتها المختلفة في القرآن الكريم سبع مرات .
( المعجم المفهرس لألفاظ القرآن صـ93 : صـ94 )
حكم الاستئذان عند دخول البيوت :
يختلف حكم الاستئذان باختلاف البيوت وذلك كما يلي :
الاستئذان عند دخول بيوت غير المحارم :
يجب على المسلم العاقل البالغ الاستئذان عندما يريد دخول بيوت غير محارمه، ويحرم عليه دخولها بغير إذن أصحابها لما يترتب على ذلك من كشف العورات التي أمر الله تعالى بسترها لما يلي :
يقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ) ( النور : 27 )
روى الشيخانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ فَقَالَ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ . ( البخاري حديث 6241 / مسلم حديث 2156 )
حُجَرِ : ثقب مستدير في أرض أو حائط .
مِدْرًى : حديدة يُسَوى بها شعر الرأس .
الاستئذان عند دخول بيوت المحارم :
يجب على المسلم العاقل أن يستأذن عند الدخول على محارمه كما يستأذن عند الدخول على غير محارمه .
يقول الفخر الرازي : واعلم أن ترك الاستئذان على المحارم، وإن كان غير جائز إلا أنه أيسر لجواز النظر إلى شعرها وصدرها وساقها ونحوها من الأعضاء . ( التفسير الكبير للفخر الرازي جـ23 صـ199 )
(1) روى مالكُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي مَعَهَا فِي الْبَيْتِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا. فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي خَادِمُهَا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا . ( موطأ مالك جـ2 صـ734 )
قال ابنُ عبد البر :(حديث مرسل صحيح مجتمع على صحة معناه )( التمهيد لابن عبد البر جـ16 صـ229 )
قال أبو عمر بن عبد البر : لا يجوز عند أهل العلم أن يرى الرجل أمه، ولا بنته، ولا أخته، ولا ذات محرم منه، عريانة، لأن المرأة عورة فيما عدا وجهها وكفيها . ( التمهيد لابن عبد البر جـ16 صـ299 )
(2) قال عبدُ الله بنِ مسعود : عليكم إذن على أمهاتكم .
( الاستذكار لابن عبد البر جـ27 صـ152 رقم 40588 )
(3) قال ابن جريج : سمعت عطاء يخبر عن ابن عباس أنه قال له : أستأذن على أختي يتيمة في حجري، معي في البيت ؟ قال نعم، فرددت عليه ليرخص لي، فأبى، وقال : أتحب أن تراها عريانة ؟ قلت : لا قال: فاستأذن، فراجعته أيضاً، فقال : أتحب أن تطيع الله ؟ قلت : نعم، قال : فاستأذن، فقال لي سعيد بن جبير: إنك لترد عليه، قال : أردت أن يرخص لي . ( الاستذكار لابن عبد البر جـ27 صـ152 رقم 40589 )
(4) قال طاوس بن كيسان : ما من امرأة أكره لي أن أرى عريتها من ذات محرم .
( الاستذكار لابن عبد البر جـ27 صـ152 رقم 40590 )
(5) قال ابنُ جريج : قلت لعطاء : أواجب على الرجل أن يستأذن على أمه، وذات قرابته ؟ قال : نعم، قلت : بأي وجبت ؟ قال : قوله عز وجل : (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا ) .
( الاستذكار لابن عبد البر جـ27 صـ152 رقم 40591 )
(6) قال سعيد بن المسيب : يستأذن الرجل على أمه، وإنما أنزلت : (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) في ذلك . ( الاستذكار لابن عبد البر جـ27 صـ152 رقم 40592 )
(7) سُئل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : أيستأذن الرجل على والدته ؟ قال : نعم . إن لم يفعل رأى منها ما يكره . (حسن الإسناد ) ( صحيح الأدب المفرد حديث 810 )
(8) قال ابن القاسم : قال الإمام مالك : يستأذن الرجل على أمه وأخته إذا أراد أن يدخل عليها .
( أحكام القرآن لأبي بكر العربي المالكي جـ3 صـ1361 )
(9) روى البخاريُّ عن ابن عمر، أنه كان إذا بلغ بعض ولده الحلم عزله، فلم يدخل عليه إلا بإذن .
( صحيح الإسناد ) ( صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 808 )
(10) قال ابنُ حجر العسقلاني : عند شرح الحديث : (إنما جعل الاستئذان مِنْ أَجْل الْبَصَر ” وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّهُ يُشْرَع الِاسْتِئْذَان عَلَى كُلّ أَحَد حَتَّى الْمَحَارِم لِئَلَّا تَكُون مُنْكَشِفَة الْعَوْرَة . ( فتح الباري لابن جحر العسقلاني جـ11 صـ27 )
الاستئذان عند الدخول على الزوجة :
يجوز للرجل أن يدخل على زوجته بغير استئذان، ولكن يستحب الاستئذان .
(1) روى ابن جرير الطبري عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت : كان عبد الله إذ جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق، كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه . ( جامع البيان للطبري جـ18 صـ112 )
(2) قال ابن كثير( رحمه الله) : قال ابن جريج: قلت لعطاء: أيستأذن الرجل على امرأته؟ قال: لا.
وهذا محمول على عدم الوجوب، وإلا فالأولى أن يعلمها بدخوله ولا يفاجئها به، لاحتمال أن تكون على هيئة لا تحب أن يراها عليها. ( تفسير القرآن العظيم لابن كثير جـ10 صـ210 )
(3) قال الإمام أحمد بن حنبل( رحمه الله): إذا دخل الرجل بيته، استحب له أن يتنحنح، أو يحرك نعليه.
( تفسير القرآن العظيم لابن كثير جـ10 صـ210 )
(4) روى الشيخانِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَفَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوَةٍ فَتَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ فَانْطَلَقَ بَعِيرِي كَأَجْوَدِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ الْإِبِلِ فَإِذَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ مَا يُعْجِلُكَ قُلْتُ كُنْتُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرُسٍ قَالَ أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا قُلْتُ ثَيِّبًا قَالَ فَهَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ قَالَ فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ قَالَ أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا أَيْ عِشَاءً لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ . ( البخاري حديث 5079 / مسلم ـ كتاب الرضاع حديث 57 )
الشَّعِثَةُ : المرأة المتفرقة شعر رأسها . الْمُغِيبَةُ : المرأة التي غاب عنها زوجها .
استئذان الأعمى عند دخول البيوت :
ذهب جمهور العلماء إلى وجوب الاستئذان على كل طارق بالغ عاقل، سواء كان رجلاً أو امرأة، مبصراً أو أعمى وحجتهم في ذلك أن من العورات ما يدرك بالسمع،ففي دخول الأعمى على أهل البيت بغير إذنهم، قد يؤذيهم، فقد يستمع إلى ما يجري من حديث الرجل لزوجته، فأما قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما جعل الاستئذان من أجل النظر ) فذلك محمول على الغالب، ولا يقصد منه الحصر . ( روائع البيان للصابوني جـ2 صـ138 )
استئذان الأطفال :
يجب على الآباء أن يأمروا أطفالهم المميزين أن يستأذنوا عليهم في أوقات ثلاث وهي : قبل صلاة الفجر، وعند القيلولة، وبعد صلاة العشاء، حيث يكونون في حالة لا يحب أن يطلع عليهم أحد من الناس صغيراً أم كبيراً .
يقول الله تعالى في محكم التنزيل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( النور : 58 : 59 )
روى أبو داود عن ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا أَكْثَرُ النَّاسِ آيَةَ الْإِذْنِ وَإِنِّي لَآمُرُ جَارِيَتِي هَذِهِ تَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ .
( صحيح أبي داود للألباني حديث 4323 )
قال أبو إسحاق الفزاري: قلت للاوزاعي ما حد الطفل الذي يستأذن ؟ قال: أربع سنين، قال لا يدخل على امرأة حتى يستأذن. ( الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ12 صـ307 )
قال الإمام البغوي في قوله : ( وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ }، من الأحرار، ليس المراد منهم الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء، بل الذين عرفوا أمر النساء ولكن لم يبلغوا. ( معالم التنزيل للبغوي جـ3 صـ355 )
يقول الدكتور وهبة الزحيلي : الأمر في قوله : (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ ) ظاهر في الوجوب، ولكن قال الجمهور : إنه مصروف إلى الندب والاستحباب والتعليم والإرشاد إلى محاسن الآداب، مثل ما أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال : مروا أولادكم بالصلاة و هم أبناء سبع سنين و اضربوهم عليها و هم أبناء عشر سنين . ( حديث صحيح ) ( صحيح الجامع للألباني حديث 5868 )
فلو حدث دخول لهؤلاء الأطفال بغير استئذان، لم يكن ذلك معصية وإنما خلاف الأولى وإخلال بالأدب، فإن علم الخادم أن دخوله على سيده إيذاء له حَرُمَ الدخول بسبب الأذى لغيره . ( التفسير المنير للدكتور وهبه الزحيلي جـ18 صـ298)
علامات البلوغ عند الذكور والإناث :
ذكر أهل العلم أن البلوغ له ثلاث علامات وهي :
(1) الاحتلام . (2) بلغو خمس عشرة سنة . (3) إنبات شعر العانة .
وهناك علامات خاصة بالأنثى وهي الحيض .
أولاً : بالنسبة للاحتلام قول الله تعالى : (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) ( النور : 59 )
قال ابنُ حجر العسقلاني (رحمه الله):
أَجْمَعَ اَلْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ اَلِاحْتِلَامَ فِي اَلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يَلْزَمُ بِهِ اَلْعِبَادَات وَالْحُدُود وَسَائِر اَلْأَحْكَامِ وَهُوَ إِنْزَالُ اَلْمَاءِ اَلدَّافِقِ سَوَاء كَانَ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي اَلْيَقَظَةِ أَوْ اَلْمَنَامِ . ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ5 صـ327 )
ثانياً : بالنسبة لبلوغ سن خمس عشرة سنة .
روى البخاري ُّعن نَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي قَالَ نَافِعٌ فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ خَلِيفَةٌ فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ إِنَّ هَذَا لَحَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ . ( البخاري حديث 2664 )
ثالثاً : بالنسبة لإنبات شعر العانة .
روى أحمد والترمذي عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ :عُرِضْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ خُلِّيَ سَبِيلُهُ فَكُنْتُ مِمَّنْ لَمْ يُنْبِتْ فَخُلِّيَ سَبِيلِي . ( حديث صحيح ) ( مسند أحمد جـ31 حديث 18776 ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 1288 )
قَالَ الإمام أَبُو عِيسَى الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْإِنْبَاتَ بُلُوغًا إِنْ لَمْ يُعْرَفْ احْتِلَامُهُ وَلَا سِنُّهُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ . ( سنن الترمذي جـ4 كتاب السير صـ146 )
إلقاء السلام عند الاستئذان :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن إلقاء السلام عند الاستئذان بالدخول سنة مستحبة وذلك بدليل ما يلي :
روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ . ( مسلم – كتاب الإيمان حديث 93 )
روى الترمذيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَقِيلَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ .( حديث صحيح ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 2019 )
الرد على من ألقى السلام :
اجمع العلماءُ على أن الرد على من ألقى السلام واجب بدليل قول الله تعالى : (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ) ( النساء : 86)
هل إلقاء السلام قبل الاستئذان أم بعده ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال وبيانها كما يلي :
القول الأول : تقديم السلام على الاستئذان خلافاً لظاهر قول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ) ( النور : 27 )
وهذا المذهب هو قول جمهور العلماء .
روى أبو داودَ عَنْ رِبْعِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا رَجُلٌ مَنْ بَنِي عَامِرٍ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي بَيْتٍ فَقَالَ أَلِجُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِخَادِمِهِ اخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ فَقُلْ لَهُ قُلْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ .
( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 4312 )
روى البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة فيمن يستأذن قبل أن يسلم قال : لا يؤذن له حتى يبدأ بالسلام . ( صحيح ) ( صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 813 )
روى أبو داودَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي مَشْرُبَةٍ(غرفة) لَهُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيَدْخُلُ عُمَرُ .( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 4333 )
قال سعيد بن جبير :
قوله:” حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ” فِيهَا تَقْدِيمٌ, يَعْنِى: حَتَّى تُسَلِّمُوا ثُمَّ تَسْتَأْذِنُوا وَالسَّلامُ قَبْلَ الاسْتِئْذَانِ”.( تفسير ابن أبي حاتم جـ8 صـ2567 )
القول الثاني : ذهب بعض العلماء إلى تقديم الاستئذان على إلقاء السلام، أخذاً بظاهر قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ) ( النور : 27 )
القول الثالث :
ذهب بعض العلماء إلى التفصيل في هذه المسألة : فقالوا :
إذا كان القادم يرى أحداً من أهل البيت، ألقى السلام أولاً، ثم استأذن في الدخول .
وإذا كان القادم لا يرى أحداً من أهل البيت، وذلك لوجود الأبواب، فإنه يستأذن أولاً ثم يلقى السلام بعد ذلك، وهو قول الماوردي رحمه الله .
والاستئذان قد يكون صريحاً بلفظ أأدخل أو بأي لفظ يدل على الاستئذان كالتسبيح أو التكبير أو التحميد أو أن يتنحنح القادم، وفي الوقت الحاضر يكون الاستئذان عن طريق طرق الباب أو قرع الجرس .
( روح المعاني للألوسي جـ18 صـ135 ) ( روائع البيان للصابوني جـ2 صـ134 )
عدد مرات الاستئذان :
من السُّنة أن يكون الاستئذان ثلاث مرات ثم الانصراف .
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ فَقَالَ اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ قُلْتُ اسْتَأْذَنْتُ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ فَقَالَ وَاللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَاللَّهِ لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَصْغَرُ الْقَوْمِ فَكُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَقُمْتُ مَعَهُ فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ذَلِكَ .
( البخاري حديث 6245 / مسلم حديث 2153 )
عدم الإلحاح للحصول على الإذن بالدخول :
شرع الله الاستئذان حتى يكون صاحب البيت حراً في إعطاء الإذن لمن شاء ومنعه عمن شاء .
يقول الله تعالى في محكم التنزيل : (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) ( النور : 28 )
يجب على المستأذن إذا كرر الاستئذان ثلاثاً ولم يرد عليه أحد من أهل البيت،أو وجد أحداً وقال له : ارجع، فلينصرف ولا يلح في الدخول إذا لم تكن هناك ضرورة .
روى مسلمٌ عن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قال : كُنَّا فِي مَجْلِسٍ عِنْدَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَتَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ مُغْضَبًا حَتَّى وَقَفَ فَقَالَ أَنْشُدُكُمْ اللَّهَ هَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلَّا فَارْجِعْ . ( مسلم حديث 2153 )
روى ابن أبي حاتم عَنْ قَتَادَةَ: قوله تعالى” حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا “، قَالَ: هُوَ الاسْتِئْذَانُ ثَلاثًا مَنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ, أَمَّا الأُولَى فَيَسْمَعُ الْحَيُّ, وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ, وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِنْ شَاءُوا أَذِنُوا وَإِنْ شَاءُوا رَدُّوا, وَلا تَقْعُدُوا عَلَى بَابِ قَوْمٍ رَدُّوكُمْ عَنْ بَابِهِمْ, فَإِنَّ لِلنَّاسِ حَاجَاتٍ وَلَهُمْ أَشْغَالا وَاللَّهُ أَوْلَى بِالْعُذْرِ”.( تفسير ابن أبي حاتم جـ8 صـ2566 )
قال الإمامُ مالك :
الاستئذان ثلاث لا أحب أن يزيد أحد عليها إلا من علم أنه لم يُسمع فلا أرى بأساً أن يزيد إذا استيقن أنه لم يُسمع . ( الاستذكار لابن عبد البر جـ27 صـ159 رقم 40618 )
قال الشنقيطي : اعلم أن المستأذن إن تحقق أن أهل البيت سمعوه لزمه الانصراف بعد الثالثة، لأنهم لما سمعوه، ولم يأذنوا له دل ذلك على عدم الإذن، وقد بينت السنة الصحيحة عدم الزيادة على الثلاثة .
( أضواء البيان للشنقيطي جـ6 صـ175 )
مكان وقوف المستأذن :
ينبغي للمستأذِن ألا يقف أمام الباب مباشرة، بل يتحول عنه قليلاً، وذلك لأنه قد تفتح له الباب امرأة أجنبية أو تقع عيناه على عورات في البيت لا يحب أهل البيت أن يطلع عليها أحد . والاستئذان ما شُرع إلا من أجل ستر العورات .
روى أبو داودَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ لَمْ يَسْتَقْبِلْ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ سُتُورٌ . ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 4318 )
كيفية قرع الأبواب :
روى البخاري (في الأدب المفرد) عن أنس بن مالك : إن أبواب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت تقرع بالأظافير .( حديث صحيح ) ( صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 824 )
وهذا يدل على مدى إجلال الصحابة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- . ولقد كان السلف الصالح يقرعون أبواب أشياخهم بهدوء دون إزعاج، وهذا يدل على مدى الاحترام والأدب وفي وقتنا الحاضر على المستأذن أن يقرع الجرس بلطف حتى لا يزعج من بالبيت وخاصة إذا كان هناك مريض أو نائم . ( تربية الأود في الإسلام جـ1 صـ432 )
إعلان المستأذن عن اسمه :
من السُّنة لمن يستأذن أن يعلن عن اسمه أو كنيته أو صفته حتى يعلم أهل البيت من الطارق، ويُكره للمستأذِن أن يقول ( أنا ) .
روى مسلمٌ عن أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ قالت: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ قَالَتْ فَسَلَّمْتُ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قُلْتُ أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْتُهُ فُلَانُ ابْنُ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَلِكَ ضُحًى . ( مسلم – صلاة المسافرين حديث 82 ) روى الشيخانِ عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي فَدَقَقْتُ الْبَابَ فَقَالَ مَنْ ذَا فَقُلْتُ أَنَا: فَقَالَ :أَنَا أَنَا،كَأَنَّهُ كَرِهَهَا . ( البخاري حديث 6250 / مسلم حديث 2155 )
حُكم من دخل ولم يستأذن :
إذا دخل أحد بيتاً أو مكتباً بغير استئذان، فمن حق صاحب المكان أن يخرجه حتى يستأذن ثم يسمح له بالدخول، وذلك بدليل ما يلي :
روى أبو داودَ عَنْ كَلَدَةَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ بَعَثَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلَبَنٍ وَجَدَايَةٍ(من أولاد الظباء) وَضَغَابِيسَ
(صغار القثاء) وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَعْلَى مَكَّةَ فَدَخَلْتُ وَلَمْ أُسَلِّمْ فَقَالَ ارْجِعْ فَقُلْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ بَعْدَمَا أَسْلَمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ . ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 4311 )
إذا دُعي أحد فجاء، هل يستأذن ؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال كما يلي :
القول الأول : ذهب بعض العلماء إلى أنه إذا دُعي رجل فجاء فذلك إذنه، أي لا يحتاج إلى الاستئذان .
روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ إِذْنٌ . ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 4322 )
القول الثاني : ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا دُعي أحد فإنه يستأذن .
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ فَقَالَ أَبَا هِرٍّ الْحَقْ أَهْلَ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ إِلَيَّ قَالَ فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَأُذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا.
( البخاري حديث 6246)
القول الثالث : ذهب بعض العلماء إلى أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال كما يلي :
(1) إذا طالت المدة بين الطلب والمجيء، احتاج ذلك إلى استئناف الاستئذان، وكذلك إن لم تطل المدة، ولكن المستدعي في مكان يحتاج معه إلى الاستئذان عادة .
(2) إذا حضر الشخص المطلوب في صحبة الرسول، أغناه استئذان الرسول، ويكفيه إلقاء السلام، وإن تأخر الرسول، احتاج إلى الاستئذان . ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ11 صـ34 )
( أضواء البيان جـ6 صـ184 : صـ186 )
وأرى أن هذا هو الرأي الراجح .
النظر في البيوت بغير إذن أهلها :
لا يجوز للمسلم أن ينظر متعمداً في بيوت الآخرين إلا بإذنهم، لأن ذلك كشف للعورات التي أمر الله تعالى بسترها .
روى الشيخانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ فَقَالَ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ. ( البخاري حديث 6241/مسلم حديث 2156)
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِعَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ. ( البخاري حديث 6902)
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ . (مسلم حديث 2158)
حُكم من فقأ عين من نظر في بيته بغير إذن :
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : ذهب الشافعي و أحمد(رحمهما الله) إلى أنه إذا فقئت عينه فهي هدر، ولا قصاص على صاحب المكان، وذلك بدليل الأحاديث المذكورة في المسألة السابقة .
القول الثاني : ذهب أبو حنيفة ومالك (رحمهما الله) إلى أنها جناية يجب فيها القصاص أو الدية .
( روائع البيان للصابوني جـ2 صـ139 : صـ140 )
بدليل قوله تعالى : (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) ( المائدة : 45 )
أرى أن الرأي الراجح : هو القول الأول الذي ذهب فيه الشافعي وأحمد (رحمهما الله تعالى) إلى أن من نظر في بيت قوم بغير إذنهم ففقئت عينه أنه لا قصاص، ولا دية عليه .وقد رجح ذلك الإمام البخاري (رحمه الله) حيث قال في كتاب الديات ( باب : من اطلع في بيت قوم ففقئوا عينه فلا دية له .
( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ12 – كتاب الديات صـ253 )
ورجح أيضاً : النووي : وقال بجواز رمي المتطلع بشيء خفيف .
( مسلم بشرح النووي جـ14 صـ138 )
وذكر ابن حجر العسقلاني : أن هذا القول هو مذهب جمهور العلماء .
( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ12 صـ255 )
ورجح ذلك أيضاً الشنقيطي .
( أضواء البيان جـ6 صـ181 )
هل يُشترط إنذار من يطلع في بيوت الناس بغير إذنهم ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
الأول : ذهب بعض العلماء إلى أنه يشترط الإنذار قبل الرمي .
الثاني : ذهب بعض العلماء إل أنه لا يشترط الإنذار قبل الرمي .
أرى أن الرأي الراجح هو عدم اشتراط الإنذار قبل الرمي .
روى البخاريُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِنْ حُجْرٍ فِي بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ إِلَيْهِ بِمِشْقَصٍ(النصل العريض) أَوْ بِمَشَاقِصَ وَجَعَلَ يَخْتِلُهُ(الإصابة في غفلة) لِيَطْعُنَهُ . ( البخاري حديث 6900)
وقد رجح ذلك الإمام النووي . ( مسلم بشرح النووي جـ14 صـ138 )
وابن حجر العسقلاني رحمهما الله تعالى .
متى ندخل بيوت الآخرين بغير إذنهم ؟
يجوز للمسلم دخول بيت الآخرين بغير إذنهم في حالات الضرورة، كأن يرى حريقاً بالمنزل، أو هجوم لص، أو ظهور منكر أو العِلْم به بحيث يمكن للشخص أن يغيره، دون أن يترتب على منعه منكر أشد .
وختاماً :
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به المسلمين . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .