العلم وفضله

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد فإن:

العلم فضله عظيم وشرفه رفيع وهو تاج على رؤوس أصحابه وأهله فكم من وضيع رفعه إلى مصاف الشرفاء وكم من حقير رفعه العلم إلى مراتب العظماء فارتفع آدم عليه السلام حتى سبق الملائكة المقربين لما علمه الله الأسماء كلها وعجزت الملائكة فقالت : (  سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) . وقال تعالى: ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ).

ومن شرف العلم أن رب العزة لم يأمر نبيه – صلي الله عليه وسلم – أن يستزيد من شيء كالعلم فقال تعالى : ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) وكان هو الأمر الأول الذي نزل به القرآن الكريم فقال تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) .

ولقد روى مسلم في صحيحه أن عمر بن الخطاب سأل أحد ولاته عمن استخلفه على مكة قال استخلفت ابن أبزى رجل من موالينا فقال : استخلفت عليهم مولى فقال : يا أمير المؤمنين : إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض فقال عمر : أما إن نبيكم قد قال : (يرفع الله بهذا الكتاب أقوامًا ويضع آخرين) فانظر كيف رفع العلم مولى من موالى العرب إلى مقام عليتهم وأشرافهم وجعله واليًا عليهم وحاكمًا فيهم يدينون له بالطاعة ويعترفون له بالفضل والولاء .

وروى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله – صلي الله عليه وسلم – قال : (ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) .

ورأس العلم في معرفة الله سبحانه بأسمائه ثم معرفة ما يجب له سبحانه على العباد من التسبيح والتمجيد .

وإن انفصالاً عجيبًا وقع بين علماء التربية اليوم وبين دينهم وسلفهم مع أنه لا يوجد على الأرض منهج تربوى هو اصلح وأوضح وأيسر وافضل من ذلك المنهج الاسلامي لا لشىء إلا أنه منهج رب العالمين الذي قال : ( إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) وقال : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) .

نذكر من ذلك ما قصه الله تعالى من قصة آدم عليه السلام مشيرين إلى بعض العظات والعبر منها قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ(30) وَعَلَّمَ ءَادَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) إلى قوله (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .

فمن فوائد هذه القصة الكريمة :

1- أن الله كرم الطين فجعله بشرًا بعطائه سبحانه فكل تكريم فهو عطاء من الله ومنحة منه .

2- أن الملائكة عرّفونا أن وظيفة كل المخلوقات هى أن تسبح بحمد الله وتقدس له . وليس الزرع والصنع فمن لم يقم بالتسبيح والتقديس فوجوده شر و زواله خير .

3- أن أظهر نقائص بنى آدم وعيوبهم الإفساد في الأرض وأشد الافساد سفك الدماء .

4- شرف العلم وأنه منحة من الله لمن يشاء فهو الذي علم آدم . وعلم الملائكة فكل علم فهو فضل من الله سبحانه .

5- أن الكبر أشد المعاصى فلما عصى إبليس لم يتب ولم يرجع ولما عصى آدم غواية تاب وقبلت توبته .

6- أن ستر الله قرين طاعته فالعاصى يستحق أن يفضح ستره ويكشف أمره لولا رحمة الله بعباده وحلمه عليهم .

7- وعد الله آدم بقوله ( إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى(118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى) فلما عصى آدم سقط الوعد في حقه ( فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا ) .

8- أن العلم والعمل قرينان فيعاب على من تخلى عن واحد منهما .

لذا قال الله سبحانه وتعالى لبني إسرائيل : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) ولذا عاب الله سبحانه وتعالى على كل من تخلى عن العلم أو العمل وفي سورة الفاتحة ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) أي الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) كاليهود الذين تعلموا العلم ولم يعملوا به ( وَلَا الضَّالِّينَ ) كالنصارى الذين عملوا بغير علم .

وقصة لقمان مع ابنه من قصص القرآن الكريم التى جاءت بمبادئ تربوية هامة :

قال تعالى : (وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ(12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ(13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ(14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) …. إلى قوله : ( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ  إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير ) .

القصة فيها فوائد جمة منها :

1- قيمة العلم وأنه أجل موهبة ولا يشكر عليه إلا الله سبحانه .

2- أن الكفر ضد الشكر .

3-  أعظم الذنوب الشرك بالله وتفسيره ( أن تجعل لله ندًا ) أي شبيها أو مثلا في أفعاله أو صفاته أو ما يقتضى ذلك .

4- أعظم الحقوق بعد حق الله حق الوالدين .

5- الله يعلم الحبة من الخردل ويأتى بها وهو اللطيف الخبير مهما غاصت في الأرض وخفيت عن الخلق .

6- أهم الأوامر إقامة الصلاة ثم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والصبر على المصيبة وأن ذلك من عزم الأمور.

7- الخيلاء والمرح مما لا يحبه الله فلا تصعر خدك للناس.

8- من محاسن الصفات حفظ الرِجْل في خطوها واللسان في نطقه.

9- المتشبه بقوم أو بخلق يلحق بهم حتى أصحاب الأصوات المنكرة يتشبهون بالحمير.

10- الإنسان اكتسب رفعته من طاعته لربه فلما أطاع رفعه الله ولما عصى وأخلد إلى الأرض صار كالحيوان بل أضل.

والله من وراء القصد.