المال بين الحكمة الربانية والنفس البشرية

  • قيمة المال في الإسلام
  • ضابط الاستمتاع بالمال
  • التحذير من الفتنة بالمال
  • صور الفتنة بالمال
  • أسباب الفتنة بالمال
  • علاج الفتنة بالمال
  • وسائل الحفاظ على المال
  • استخدام المال

المبحث الأول: قيمة المال في الإسلام

ورد لفظ المال في القرآن الكريم ستة وثمانين مرة، مفردًا وجمعًا، معرفًا ونكرة، وفي ذلك بلا شك دليل على أهمية المال لاهتمام.

فالمال قوام للحياة: قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5]

قال ابن كثير: قيامًا، أي: تقوم بها معايشهم من التجارات وغيرها.(1)

المال من زينة الدنيا: قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46] وإنما كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا لأن في المال جمالًا ونفعًا، وفي البنين قوةً ودفعًا، فصارا زينة الحياة الدنيا.(2)

المال جُبِلَت النفوس على حبه، قال تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر 20] أي كثيرًا، يعني: تحبون جمع المال وتولعون به.(3)

وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8]   أي: كثير الحب للمال.(4)

وعن ابن عباس رضي اللهُ عنهما: أن النبي -صلى الله عليه وسلم-  قال: “لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى ثَالِثًا، وَلاَ يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ”(5)

وليس الإثم والعتب في حب المال إنما الإثم يقوم على أمرين: سوء جمع المال، وسوء إنفاقه.

 المال من أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة: كما قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ….مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ(6)

المال أثنى عليه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا كان صالحاً ومع الصالحين فقال -صلى الله عليه وسلم-: ” نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحِ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ”(7)

المال إنفاقه في وجوه البر يعلي من منزله صاحبه عند الله تعالى كما في حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ…”(8)  فهذا دليل على أن من أعطاه الله الغنى والعمل الصالح فقد تفضل عليه.

المال هبة من الله قال تعالى ممتنًا على عباده: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 12]   أي: يكثر أموالكم التي تدركون بها ما تطلبون من الدنيا وأولادكم.(9)

المال يمكِّن صاحبَه من العيش بكرامة وعفة: يُعطي ولا يَطلب، وينفق ولا يَسأل.

فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ “الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ”(10)

المبحث الثاني: ضابط الاستمتاع بالمال

ربما يظن بعض الناس أن الغني لا يجوز له الاستمتاع بالمال وربما ظن بعض من يأخذ الأمور من غير فكر ولا رويّة أن صاحب المال ينبغي أن يظهر بمظهر الفقير ولا يُظهر شيئاً من نعمة الله التي أنعمها عليه كما فهم ذلك بعض الطوائف الذين يرون أن الغنى شرٌّ كله.

وخوفاً من سوء الفهم فهذه بعض النصوص الشرعية التي تبين ضابط الاستمتاع بالمال وطريقة إنفاقه باختصار شديد فأول هذه النصوص قول الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه:

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172].وقال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾ [الأعراف: 32].

وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “كُلُوا، وَاشْرَبُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا، غَيْرَ مَخِيلَةٍ، وَلَا سَرَفٍ”(11)

هذه النصوص وما ورد في معناها تبين لنا ضوابط قبول المال وأخذه والاستمتاع به وهذا مقيد بما يلي:

1- تحري الكسب الحلال الطيب وتجنب الحرام وما يُشتبه فيه.

2- عدم سؤال الناس وتكففهم.

3- عدم التباؤس أو إظهار الفقر والمسكنة.

4- عدم التطلع للمال والشراهة لما في أيدي الناس؛ والعلم اليقين أن الغنى هو غنى النفس

 5- إظهار نعمة الله على العبد دون إسراف والاقتصاد فيه.

6- عدم الاستطالة على الناس وخاصة الفقراء والضعفاء.

7- إخراج حقوق المال من الزكاة الواجبة والصدقات المستحبة.

8- الثناء على الله بما هو أهله وحمده وشكره على ما أنعم ورد النعمة والفضل له والاعتراف بأن كل ما بنا من نعمة فمنه وحده لا شريك له، وتجديد الشكر مع تجدد النعم قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11].

المبحث الثالث: التحذير من الفتنة بالمال

المال من زينة الحياة الدنيا ومتاعها، وهو إمّا أن يكون نعمةً لصاحبه إن صُرف في طاعة الله تعالى؛ وإمَّا أن يكون نقمةً على العبد؛ إن استُخدم في معصية الله عزّ وجلّ، فكما أنّ الواجب على المسلم أن يكسب المال من الطرق الحلال والمشروعة، فيجب أيضاً صرفه في الطرق المشروعة.

وليس المقصود من التحذير من المالِ المالَ لذاته؛ بل ما يجرُّه المالُ من حبِّ الاستِئثار بأبواب الدنيا المتشعِّبة، ونِسيان أمر الدين والآخِرة، وقد حذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمَّته من فتنة المال، كما في حديث عمرو بن عوف رضي اللهُ عنه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: ” فَوَاللَّهِ لاَ الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ”(12)  وذلك لأن: –

المال فتنة: قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيم} [التغابن: 15]، أي بلاء واختبار يحملونكم على كسب المحرم ومنع حق الله تعالى فلا تطيعوهم في معصية الله.(13)

وعن كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ الْأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ”(14)

 قال المناوي: أي: الالتهاءُ به؛ لأنه يشغَلُ البال عن القيام بالطاعة، ويُنسِي الآخرة.(15)

المال عرض زائل: فقد أخبر عزَّ وجلَّ أن المال عرض زائل ومتاع مفارَق، قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور} [الحديد: 20].أي: إنما حاصل أمرها عند أهلها هذا، كما قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآب} [آل عمران: 14].

وفي حديث أنس بن مالك رضي اللهُ عنه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ” يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاَثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ: يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ”(16)

المال يدعو إلى الطغيان: يزرع في نفوس كثيرٍ مِن ملَّاكِه – إلا مَن رحِم اللهُ – الطغيانَ والتكبُّر والتجبُّر على خلق الله تعالى، قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6، 7]، والطغيان: مجاوزة الحد في العصيان.لأن رأى نفسه استغنى، أي صار ذا مال وثروة.(17)

وقال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 27]، أي: لو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق، لحملهم ذلك على البغي والطغيان من بعضهم على بعض، أشرًا وبطرًا.(18)

طغيان المال أفسد كثيرًا من المعتقدات عند الناس

سجل القرآن بعض العقائد والتَّصورات الَّتي كانت سائدةٌ في الجاهلية وهو يرد ضلالها ويبين زيغها ويقوم عوجها. فالنَّاس في الجاهلية كانوا قد جعلوا الحياة الدُّنيا وزينتها وزخرفها أكبر همُّهم ومبلغ علمهم حيث أنكروا البعث والقيام لله ربِّ العالمين {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ‌ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: 24].

ومن ثمَّ كانوا حريصين أشدَّ الحرص على التَّكاثر في الأموال والأولاد وغير ذلك من متاع الدُّنيا قال -تعالى-: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ‌ * حَتَّىٰ زُرْ‌تُمُ الْمَقَابِرَ‌} [التَّكاثر: 1-2]، ويظنُّون أنَّ المال الكثير والجاه العريض هو سبيل الخلد، قال تعالى: {الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} [الهمزة: 2-3]، وينكرون البعث ويقولون حتَّى لو بعثنا فسنعطى الأموال والأولاد في الآخرة كما في الدُّنيا ولن يعذبنا الله وإنَّما سيدخلنا الجنَّة وهو ما ذكره القرآن عنهم في أكثر من موضعٍ مثل قوله -تعالى-: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ‌ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ: 35]،

وفي حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه قال كُنْتُ رَجُلًا قَيْنًا(19)، فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، فَاجْتَمَعَ لِي عِنْدَهُ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: “أَمَا وَاللَّهِ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ فَلاَ”، قَالَ: وَإِنِّي لَمَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ؟ قُلْتُ: “نَعَمْ”، قَالَ: فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لِي ثَمَّ مَالٌ وَوَلَدٌ، فَأَقْضِيكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا، وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم: 77].(20)

فقد افتخروا بكثرة الأموال والأولاد واعتقدوا أنَّ ذلك دليل على محبَّة الله له واعتنائه بهم وأنَّه ما كان ليعطيهم هذا في الدُّنيا ثمَّ يعذبهم في الآخرة وهيهات لهم ذلك.

المبحث الرابع: صور الفتنة بالمال

جعل الله سبحانه الأموال لمصالح العباد، والمال لا يذم لذاته، بل يقع الذم لمعنى من الآدمي، وذلك المعنى: إما شدة حرصه، أو أخذه من غير حله، أو حبسه عن حقه، أو إخراجه في غير وجهه، أو المفاخرة به والتكبر على الخلق بسببه.

فالمال لا يذم لذاته، بل ينبغي أن يمدح؛ لأنه سبب للتوصل إلى مصالح الدين والدنيا، وقد سماه الله تعالى خيراً، وهو قوام الآدمي، لكن الواجب فيه: أخذه من حله، ووضعه في حقه.

والفتنة بالمال أخذت صورًا شتَّى في كل العصور، ومن هذه الصور ما يلي:

أن لا يبالي الإنسان في مصدره أحرامٌ هو أم حلال: التساهل في هذا الباب خطرٌ كبيرٌ  لأن العبد يسئل عن ماله من جهتين، جهة الكسب وجهة الإنفاق كما قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ….مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ(21)

وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن التساهل فيه من الفتن كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ” يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الحَلاَلِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ”(22)

أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا تحذيرًا من فتنة المال.. ووجه الذم من جهة التسوية بين الأمرين وإلا فأخذ المال من الحلال ليس مذمومًا من حيث هو.(23)

والذي يتأمل في أحوال الناس في هذه الأيام، وانكبابهم على كسب هذا المال بأي وسيلة كانت حتى ولو من معاملاتٍ فيها مخالفاتٍ شرعيةٍ: كالربا، والغش، وأكل أموال الناس بالباطل وغيرها.

ومثلُ هذا يُسدُّ عنه بابُ إجابة الدعاء؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: “…ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ “(24)

إنفاق المال للصد عن سبيل الله، وإغواء عباد الله بأنواع من الفتن، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36].

أن يمنع الإنسانُ منه حقَّ الله فيه، وحقَّ الخلق، فلا يؤدِّي الزكاة، ولا ينفقُ بالمعروف على من تجب نفقتُه عليهم من زوجة وولد وخدم وعمال، ولا يتصدقُ منه في وجوه الخير بل يتملكُه البخلُ والشح وكأن زيادةَ حسناته مرهونةٌ بزيادة أرصدته.

قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34، 35] أي: يمسكونها {وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: طرق الخير الموصلة إلى الله، وذكر الله في هاتين الآيتين، انحراف الإنسان في ماله، وذلك بأحد أمرين:

إما أن ينفقه في الباطل الذي لا يجدي عليه نفعًا، بل لا يناله منه إلا الضرر المحض، وذلك كإخراج الأموال في المعاصي والشهوات التي لا تعين على طاعة الله، وإخراجها للصد عن سبيل الله.

وإما أن يمسك ماله عن إخراجه في الواجبات، والنهي عن الشيء، أمر بضده(25)

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه  أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ”

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْإِبِلُ؟ قَالَ: “وَلَا صَاحِبُ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، أَوْفَرَ مَا كَانَتْ، لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ”

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؟ قَالَ: “وَلَا صَاحِبُ بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ، وَلَا جَلْحَاءُ، وَلَا عَضْبَاءُ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ”(26)

الاشتغال بالمال – ولو كان حلالاً- عن طاعة الله وعن ذكره وشكره، كما قال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9]، فهذا أمر من الله  لعباده المؤمنين بكثرة ذكره وناهيًا لهم عن أن تشغلهم الأموال والأولاد عن ذلك ومخبرًا لهم بأنه من التهى بمتاع الحياة الدنيا وزينتها عما خلق له من طاعة ربه وذكره، فإنه من الخاسرين الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.(27)

أن يراه بعضُ الناس مقياسًا للسعادة: بعض الناس يغلط، ويظن أن من رزق مالًا كثيرًا، فإنه قد وُفِّق: وهو دليل على محبة اللَّه له! والأمر ليس كذلك، فإن الدنيا يعطيها اللَّه من يحب ومن لا يحب؛ وقد ذكر اللَّه هذا عن الإنسان، وأخبر أن الأمر ليس كما ظن، قال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِين * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُون} [المؤمنون56: 55].

وقال تعالى: {فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن (16) كَلاَّ} [الفجر].

يقول تعالى منكرًا على الإنسان في اعتقاده إذا وسع الله عليه في الرزق ليختبره في ذلك، فيعتقد أن ذلك من الله إكرام له وليس كذلك، بل هو ابتلاء وامتحان. كما قال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 55، 56].وكذلك في الجانب الآخر إذا ابتلاه وامتحنه وضيق عليه في الرزق، يعتقد أن ذلك من الله إهانة له. قال الله: {كلا} أي: ليس الأمر كما زعم، لا في هذا ولا في هذا، فإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب، ويضيق على من يحب ومن لا يحب، وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين، إذا كان غنيًا بأن يشكر الله على ذلك، وإذا كان فقيرًا بأن يصبر.(28)

فكثرة المال ليس دليلاً على الإكرام، ولا قلته دليلاً على الإهانة، بل الميزان عند الله تعالى بالتقوى والعمل الصالح كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]

وكما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ”(29)

 المبحث الخامس: أسباب الفتنة بالمال

الفتنة بالمال لها أسباب كثيرة ومن أهم تلك الأسباب ما يلي: –

الحرص والطمع وعدم الرضا بالقليل: أول تلك الصورِ الطمعُ الذي يُفسِد على المرء دينَه ودنياه وأخراه، فالناظر إلى ما تعيشه البشرية في الحقبة الأخيرة من حروبٍ طاحنة، وظلم واستبداد، يرى الطمعَ هو الذي يجعل الدول يقتلُ بعضها بعضًا من أجل الاستيلاء على ثروات ومدَّخرات الأمم.

فعن كعب بن مالك قال، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ”(30)

قال المناوي: فمقصودُ الحديث أن الحرص على المال والشرف أكثر إفسادًا للدِّين من إفساد الذئبينِ للغنم؛ لأن ذلك الأشر والبَطَر يستفزُّ صاحبه ويأخُذُ به إلى ما يضرُّه، وذلك مذمومٌ؛ لاستدعائه العلوَّ في الأرض والفساد المذمومينِ شرعًا.(31)

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ” يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ: الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ”(32)

قالوا: والحكمة في التخصيص بهذينِ الأمرين أن أحبَّ الأشياء إلى ابن آدم نفسُه، فهو راغبٌ في بقائها، فأحَبَّ بذلك طول العمر، وأحبَّ المالَ؛ لأنه مِن أعظم الأسباب في دوام الصحة التي ينشأ عنها غالبًا طولُ العمر، فكلما أحسَّ بقرب نفادِ ذلك، اشتد حبُّه له، ورغبته في دوامه.

﴿ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا ﴾ [الإسراء: 100]، فهذا يدلُّ على أن حرصَ ابنِ آدم وخوفَه من الفقر الباعثَ له على البخلِ حتى على نفسه

وعلاجه فبكثرة التأمل فيما ورد من الآيات والأحاديث من ذم البخل والبخلاء ونفور الطبع عنهم وذم المال وآفاته وبكثرة البذل تكلُّفًا لكونه على خلاف طبعه حتى يصير بالمداومة طبعًا له.

حب الأولاد والأقارب فيجتهد في الكسب لإغنائهم عن الاحتياج، حتى ولو كان ذلك على حساب الدين.

قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24]  وعلاجه: أن يتذكر أن الذي خلقها أي الأنفس المذكورة خلق معها رزقها، قال الله تعالى {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود: 6]،

وأن يتذكر الإنسان أنهم إن كانوا أتقياء فيكفيهم الله تعالى بوعده {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} [الطلاق: 2] {ويرزقه من حيث لا يحتسب} [الطلاق: 3]، وإن كانوا فسقة فيستعينون بماله على المعصية وترجع مظلمته عليه؛ لأنهم يجعلون ماله آلة لفسقهم وظلمهم، إن علم أو ظن استعانتهم به على الفسق والظلم، وإلا فلا ترجع مظلمته عليه.

حب الشهوات واللذات العاجلة قبل الموت التي لا وصول لها إلا بالمال، وهو المسمى بحب الدنيا كاللباس الفاخر والأبنية العالية والأطعمة النفيسة والمراكب والحدائق.(33)

قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14]

المبحث السادس: علاج الفتنة المال

لا شك أن فتنة المال وغيرها من الفتن، لا نجاة منها ولا خلاص من أخطارها، إلا بهذا الدين، فدين الإسلام هو الذي جاء بالدواء الواقي، والعلاج الناجع، من هذه الفتن، ومنها فتنة المال، ومن ذلك: 

الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ومعرفة ماله من صفات الكمال، ونعوت الجلال، ففيه نجاة من هذه الفتنة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15].وقال: ﴿ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ﴾ [محمد: 38].فالآيات تؤكد غنى الخالق وفقر المخلوق، أيًّا كان ذلك المخلوق فهو الفقير مهما بلغت أملاكه، ومهما وصلت أرصدته، إذا أدرك ذلك فإنه يحتقر نفسه ويعظم ربه، وينجو من الفتنة. ولقد ذم الله سبحانه وتعالى قارون الذي نسب المال إلى علمه حيث قال: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78] فنسبه إلى نفسه، فرد الله سبحانه وتعالى عليه قائلاً: {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص: 78].

 الثقة بالله سبحانه وتعالى: من أهم جوانب النجاة من هذه الفتنة، كما في حديث زيد بن ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “مَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ”(34)

دعاء الله سبحانه وتعالى واللجوء إليه وقاية من هذه الفتنة، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من الفتنة بالمال فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ: “اللهُمَّ فَإِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ….وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ..”(35)

والتقييد في الغنى والفقر بالشر لا بد منه لأن كلا منهما فيه خير باعتبار فالتقييد في الاستعاذة منه بالشر، يخرج ما فيه من الخير سواء قل أم كثر، قال الغزالي فتنة الغنى الحرص على جمع المال وحبه حتى يكسبه من غير حله وبمنعه من واجبات إنفاقه وحقوقه وفتنة الفقر يراد به الفقر المدقع الذي لا يصحبه خير ولا ورع حتى يتورط صاحبه بسببه فيما لا يليق بأهل الدين والمروءة ولا يبالي بسبب فاقته على أي حرام وثب ولا في أي حالة تورط وقيل المراد به فقر النفس الذي لا يرده ملك الدنيا بحذافيرها.(36)

العلم بحال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام: والله إن المرء ليدركُ فتنةَ المال الحقيقيةِ ويزهدُ فيه حقا عندما يحُضرُ قلبَه، وهو يقرأ أن نبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم-  تُوفي وليس في بيته درهم ولا متاع، بل ودرعه مرهون عند يهودي في شيء من الشعير، وصدق الله: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83].قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ، فَجَلَسْتُ، فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ، وَمِثْلِهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ، وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ، قَالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ، قَالَ: “مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ” قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَمَا لِي لَا أَبْكِي وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لَا أَرَى فِيهَا إِلَّا مَا أَرَى، وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَصَفْوَتُهُ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ، فَقَالَ: ” يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا؟ “، قُلْتُ: بَلَى.(37)

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ينظر إلى أبعد من هذه الحياة، ينظر إلى السعادة في الآخرة، تلك السعادة الأبدية التي لا يشوبها مرض، ولا هرم، ولا موت، فلو أن أصحاب الأموال نظروا بهذا المنظار لسلموا من الفتنة، ولهان عندهم المال.

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: ابْنَ أُخْتِي: “إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الهِلاَلِ، ثُمَّ الهِلاَلِ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَارٌ”، فَقُلْتُ يَا خَالَةُ: مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتْ: ” الأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ، كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَلْبَانِهِمْ، فَيَسْقِينَا”(38)

الصبر على ضيق العيش: فمن توجيهات النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك ما جاء عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: “مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ”(39)

الإيمان بزوال الدنيا وما فيها، ونعيم المؤمنين في الجنة: قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [القصص: 60].يخبر الله تعالى عن حقارة الدنيا، وما فيها من الزينة الدنيئة والزهرة الفانية بالنسبة إلى ما أعده الله لعباده الصالحين في الدار الآخرة من النعيم العظيم المقيم، كما قال: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96]، وقال: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأبْرَارِ} [آل عمران: 198]، وقال: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَتَاعٌ}  [الرعد: 26]، وقال: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 16، 17].(40)

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ” يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ”(41)

الإيمان بالقضاء والقدر: لاسيما في مسألة الغنى والفقر  وذلك بما يلي:

1- أن يدرك صاحب المال أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، فلا يغتر بماله، فكما أن الله سبحانه أغناه، فهو سبحانه قادر على إفقاره، وإغناء غيره من الناس، قال تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ] [الرعد: 26].

2- أن كثرة المال وسعة الرزق ليست دليلاً على الرضا بل ابتلاء من الله لصاحب المال، وفي قارون ومصيره عبرة وعظة.

3- أن الحالة الاقتصادية للإنسان لا تدوم، فربما يكون الإنسان غنيًا وقد كتب عليه في القدر أن يكون فقيرًا، وكذلك العكس ربما كان الإنسان فقيرًا وكتب عليه في القدر أن يكون غنيًا، والواقع يدل على ذلك فكم هم أرباب الملايين قد أثقلوا بالديون وأودعوا السجون.

4- أن يعلم الإنسان أن الله سبحانه وتعالى هو الذي قسم الأرزاق.

القناعة والرضا برزق الله تعالى: فقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم-  أمَّته إلى القناعة وعيشة الكفاف. كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “لَيْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ، وَلَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ”(42)

ومعنى هذا الحديث: أن الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح، هو غنى النفس، وبيانه: أنه إذا استغنت نفسه كفّت عن المطامع، فعزّت وعظمت، فجعل لها من الحظوة والنزاهة والتشريف والمدح أكثر ممن كان غنيًا بماله، فقيرًا بحرصه وشرهه، فإن ذلك يورطه في رذائل الأمور، وخسائس الأفعال، لبخله ودناءة همّته، فيكثر ذامُّه من الناس، ويصغر قدره فيهم؛ فيكون أحقر من كل حقير، وأذل من كل صغير.(43)

وبين أن هذا من الفلاح كما في حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: “قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ”(44)

والكفاف ما يكف عن الحاجات، ويدفع الضرورات والفاقات.

ومعنى هذا الحديث: أن من فعل تلك الأمور، واتصف بها، فقد حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدُّنيا والآخرة.(45)

وقد ذمَّ اللَّه ورسوله عبد المال: الذي إذا أُعطِي رضي، وإن لم يُعطَ سخط، قال تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُون} [التوبة: 58].

وكما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمِ، وَالقَطِيفَةِ، وَالخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ”(46)

الاعتدال وعدم الإسراف: فكما حدد الإسلام شروط كسب المال، حدد كذلك وجوه صرفه، فدعا إلى الاعتدال وهذا هو التوجيه الإسلامي في كل شيء. قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]، وقال سبحانه: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا  إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 26 – 27]، وقال تعالى {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]

وكما في حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “كُلُوا، وَاشْرَبُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا، غَيْرَ مَخِيلَةٍ، وَلَا سَرَفٍ”(47)

النظر إلى من هو دونك من أهل الدنيا: من أراد أن يقنعَ بعيشه ويُعرضَ عن الطمع في مال غيره أو حَسَدِه، فلينظر من هو أسفلُ منه في حاله وعيشه وراتبِه ومسكنه، وكم من ساكن خيمةً هو أسعدُ بلا مقارنة من سكان القصور، فالمظاهر خادعةٌ والعبرةُ زاد الآخرة.فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ”(48)

ولو نظرت إلى الأغنياء فلن ترضى بما قسم الله لك، وهذه بلية عظمى، ولو نظرت إلى من هو أفقر منك فستقول: الحمد لله.

بيان حقيقة هذا المال: وذلك من الأمور الآتية: –

أولاً: ملكية المال لله: قال تعالى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33]

ثانياً: الإنسان مستخلف في المال فقط: قال تعالى {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7]

ثالثاً: المال وسيلة لا غاية: وهو ممدوح في القرآن إذا كان طاهر المصدر، طيب الإنفاق.

المبحث السابع: وسائل الحفاظ على المال في الإسلام

المال نعمة من نِعَم الله على عباده. ونِعَم الله كلها تستحق منا الاحترام والعناية والرعاية. وقد أجمع العلماء على أن حفظ المال هو أحد الضروريات الخمس الكبرى، التي عليها مدار الشريعة ومقاصدِها. وحفظ هذه الضروريات يكون من جانب الوجود، ويكون من جانب العدم.

والحفظ لها يكون بأمرين:

أحدهما: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود.

والثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم.(49)

أولًا: حفظ المال وجودًا وتحصيلًا

وذلك عن طريق ما يلي: –

الأول: الحث على السعي والكسب وتحري الحلال واجتناب الحرام: قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15]، أي: فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات، واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئا، إلا أن ييسره الله لكم؛ ولهذا قال: {وكلوا من رزقه} فالسعي في السبب لا ينافي التوكل.(50)

الثاني: رفع من مكانة العمل وعظّم من شأنه، وجعله المصدر الأساس لكسب المال وتحصيله، كما في حديث المِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: “مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ”(51)

ومن عظمة هذا الدين أن جعل للنية الصالحة في كسب المال – إن كان ضمن الطرق المباحة – دورًا كبيرًا في تحويل الأعمال المباحة إلى عبادة من العبادات يثاب عليها المسلم، ففي الحديث عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَة، قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ جِلْدِهِ وَنَشَاطِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ”(52)

 كما قرر كرامة العامل وأوجب الوفاء بحقوقه المادية والمعنوية فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ” قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ “(53)

 الثالث: إباحة المعاملات التي يحتاج إليها الناس لمعاشهم دون أن يكون فيها ظلم أو اعتداء على حقوق الآخرين:

 فقد شرع الإسلام وأباح أنواعًا كثيرة من العقود: كالبيع والإجارة والرهن والشركة والمساقاة والمزارعة……وغيرها.

ومن عظمة الإسلام ومرونته في باب المعاملات أن فتح المجال أمام ما تكشف عنه التجارب الاجتماعية من عقود شريطة أن لا تنطوي على الظلم أو الإجحاف بطرف من الأطراف، أو يكون فيها نوع من أكل أموال الناس بالباطل.

ثانيًا: حفظ المال بقاءً واستمرارًا

وذلك من خلال ما قرره الإسلام من قواعدَ وتشريعات للحفاظ على المال. فمن ذلك:

تعظيم حرمة مال المسلم: كما في حديث أبي بكرة في خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجته قال: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا..”(54)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “..كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ”(55)

تحريم إضاعة المال: كما في حديث المغيرة بن شعبة قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ”(56)

وإضاعة المال هو صرفه في غير وجوهه الشرعية وتعريضه للتلف وسبب النهي أنه إفساد والله لا يجب المفسدين ولأنه إذا أضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس.(57)

الحفاظ على المال بعدم تسليمه لمن لا يحسن التصرف فيه

هناك أصناف لا تجيد التصرف في المال وهؤلاء وضع الإسلام ضوابط لمعاملاتهم المالية وقيض لهم من يتولى رعاية هذه الأموال لهم حتى لا تضيع ومن هؤلاء:

1- اليتامى: جعلت الآيات أموال اليتامى محفوظة بتشريع ملزم تصان فيه حقوق الضعفاء وغير القادرين وليس مجرد توصيات تنفذ أحيانًا وتترك أحايين وفقًا للأهواء ومن ذلك:

أ – نهى القرآن الكريم عن أكل مال اليتامى بدايةً فقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ وهذا أمر معلوم معروف.

ب – أمر بتسليم المال له بعد الاختبار بصلاحية الإدارة والبلوغ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعالى: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾

2- السفهاء: قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النساء: 5].

والسفيه هو من لا يحسن التصرف في المال، إما لعدم عقله كالمجنون والمعتوه ونحوها، وإما لعدم رشده كالصغير وغير الرشيد، فنهى الله الأولياء أن يؤتوا هؤلاء أموالهم خشية إفسادها وإتلافها، ولأن الله جعل الأموال قياماً لعباده في مصالح دينهم ودنياهم، وهؤلاء لا يحسنون القيام عليها وحفظها، فأمر الولي أن لا يؤتيهم إياها، بل يرزقهم منها ويكسوهم ويبذل منها ما يتعلق بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية.(58)

ومن الأحاديث التي تحذر من إيتاء السفهاء للأموال ما جاء عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ” ثَلاَثَةٌ يَدْعُونَ اللَّهَ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ: رَجُلٌ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ فَلَمْ يُطَلِّقْهَا، وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ آتَى سَفِيهًا مَالَهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ}(59).

تحريم السرقة وإيجاد الحد على السارق: قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم} [المائدة: 38]، ولا شك أن في تحريم السرقة في الشريعة الإسلامية واعتبارها من الكبائر، بل وإيجاب حد قطع يد السارق – إن اكتملت شروط إقامة الحد – فيه من الردع ما يكفي لحفظ أموال الناس من الاعتداء.

تحريم قطع الطريق وإيجاب الحد عليه: ومن المعلوم أن من أهم أهداف وغايات قطاع الطريق هو الاعتداء على أموال الناس، وقد شرع الإسلام عقوبة شديدة رادعة على هذه الجريمة، لحفظ الأمن والأمان في المجتمع، والذي منه حماية أموال الناس. قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33]

ولا شك أن عقوبة بهذه الشدة وذلك الحسم كافية لحفظ أموال الناس من الاعتداء، ناهيك عن حماية المجتمع بأسره من غائلة اختلال أمنهم.

تحريم أكل أموال الناس بالباطل: قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188]

أي: ولا تأخذوا أموالكم أي: أموال غيركم، أضافها إليهم، لأنه ينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويحترم ماله كما يحترم ماله؛ ولأن أكله لمال غيره يجرئ غيره على أكل ماله عند القدرة.

ولما كان أكلها نوعين: نوعا بحق، ونوعا بباطل، وكان المحرم إنما هو أكلها بالباطل، قيده تعالى بذلك، ويدخل في ذلك أكلها على وجه الغصب والسرقة والخيانة في وديعة أو عارية، أو نحو ذلك، ويدخل فيه أيضا، أخذها على وجه المعاوضة، بمعاوضة محرمة، كعقود الربا، والقمار كلها، فإنها من أكل المال بالباطل، لأنه ليس في مقابلة عوض مباح، ويدخل في ذلك أخذها بسبب غش في البيع والشراء والإجارة، ونحوها، ويدخل في ذلك استعمال الأجراء وأكل أجرتهم، وكذلك أخذهم أجرة على عمل لم يقوموا بواجبه، فكل هذا ونحوه، من أكل المال بالباطل، فلا يحل ذلك بوجه من الوجوه، حتى ولو حصل فيه النزاع وحصل الارتفاع إلى حاكم الشرع، وأدلى من يريد أكلها بالباطل بحجة، غلبت حجة المحق، وحكم له الحاكم بذلك، فإن حكم الحاكم، لا يبيح محرما، ولا يحلل حراما، إنما يحكم على نحو مما يسمع، وإلا فحقائق الأمور باقية، فليس في حكم الحاكم للمبطل راحة، ولا شبهة، ولا استراحة.

فمن أدلى إلى الحاكم بحجة باطلة، وحكم له بذلك، فإنه لا يحل له، ويكون آكلا لمال غيره، بالباطل والإثم، وهو عالم بذلك. فيكون أبلغ في عقوبته، وأشد في نكاله.(60)

الحفاظ على المال بالنهي عن كل المعاملات  المالية المحرمة التي تضر بالمال: ومن ذلك: –

النهي عن الربا:

نهى الإسلام عن الربا حفاظاً على المال بالعديد من النصوص قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ ﴾[166]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: “اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ” قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: “الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ”(61)

النهي عن الرشوة وما يتعلق بها: من المحسوبية والتملق والوصولية وكل ما يعطى لقضاء مصلحة أو لإحقاق باطل وإبطال حق فهي صور محرمة يعاقب عليها الشرع وتذهب البركة فهي محرمة كمصدر للكسب ومحرمة كوجه من أوجه الصرف والإنفاق فمقدم الرشوة ودافعها (الراشي) وكذا آخذ الرشوة وآكلها (المرتشي) كلهم مشتركون في الحرمة والإثم، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: “لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ”.(62)

لأن الرشوة تسبب الضياع بأخذ من لا حق له وما يترتب على ذلك من نتائج فاسدة ومدمرة بضياع الحقوق العامة والخاصة وحقوق المجتمع والأفراد

النهي عن الميسر وما يساويه: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ

وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾

النهي عن نقص المكيال والميزان، قال تعالى: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْ‌ضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85].

الحفاظ على المال بإخراج حقوق الله فيه: فرض الله في مال الأغنياء وقد جعل الإسلام إخراج حق الله في المال وسيلة من وسائل حفظه قال تعالى: ﴿ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ” مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا”(63)

وحيث إن إخراج حق الله في المال من أعظم القرب لذلك حرص الشيطان على صد الناس عن هذا الباب موهماً لهم أن الإنفاق ينقص المال ويؤدي إلى الفقر فأراد الله أن يبطل كيد الشيطان ويبين للمؤمنين العكس من ذلك وهو أن إخراج حق الله في المال يحافظ عليه بل يزيده وينميه قال تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

وعلى العكس يتوعد التشريع الإسلامي من ضن بإخراج حق الله في المال بان عقابه في الدنيا وبيل وقد يتسبب ذلك في فقد المال أو ضياعه أو فساده…إلى غير ذلك إضافة إلى عقابه في الآخرة.

كما في قصة أصحاب البستان عند عزمهم منع حق الله الذي يتمثل في جزء من ناتج ثمار البستان بأن حرمهم الله وأهلك البستان كله بسبب منعهم لإخراج حق الله فيه قال تعالى: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾[108]، كذلك في قصة قارون الذي اغتر بعلمه وقوته وترك أداء حقوق الله في ماله.

مما سبق نخلص إلى نتيجة هامة مفادها أن الحفظ والبركة والإنماء الإلهي للمال يتحقق بإخراج حق الله فيه وأن فساد المال أو هلاكه يكون بمنع إخراج حق الله فيه.

الحفاظ علي المال بمشروعية الرهن وكتابة الدَين

جاء الإسلام بالحفاظ علي المال في حالة الدَين بالرهن وكتابة الدين، لما لذلك من

 فائدة للدائن والمدين فعن الرهن قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾[215]، وأما الكتابة فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾[217].

فهذه الآية دليل وأصل في ضرورة كتابة الدين والإشهاد عليه، والوصية لكاتب الدين أن يكون عدلاً في كتابته وتوثيقه، ولا يزيد ولا ينقص على ما يملى عليه والذي عليه الدين هو الذي يملي الدين إقرارًا منه وتوثيقًا له.

الحفاظ على المال بالمحافظة على الأموال المنتجة:

جعل الإسلام الحفاظ على الأموال المنتجة باباً من أبواب حفظ المال نتعلم من النبي -صلى الله عليه وسلم- المحافظة على الأموال المنتجة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ – أَوْ لَيْلَةٍ – فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: “مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟ ” قَالَا: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ، ، قَالَ: “وَأَنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا”، فَقَامُوا مَعَهُ، فَأَتَى رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ، قَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “أَيْنَ فُلَانٌ؟ ” قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ، إِذْ جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي، قَالَ: فَانْطَلَقَ، فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “إِيَّاكَ، وَالْحَلُوبَ(64) ‌فحتى في لحظات جوعه وجوع من حوله لم ينس صلى الله عليه وسلم أن يعلم الأمة أن هذه الحلوب لو ذبحت لخسر بيت من بيوت المسلمين ما يغنيهم من اللبن ومنتجاته التي ستنتهي بذبح هذه الحلوب وهذا ما يجب أن يتعلمه الإنسان في كيفية التعامل مع

 موارده وكيفية استثمارها والمحافظة عليها.

الحفاظ على المال بأداء المواريث:

عني الإسلام في تشريعه بتقسيم المواريث تقسيمًا في غاية العدالة وحدد لكل من الوارثين نصيباً مفروضاً بل إن تقسيم ميراث الرجل يتأجل إذا كان في رحم امرأته جنين حتى تضع، وهذه التشريعات التي تحدد نصيب كل وارث للحفاظ على المال حتى لا يحدث ضياع لمال أحد الوارثين بحرمانه من ميراثه أو أخذ أحد الوارثين من المال أكثر من نصيبه فللنساء نصيب وللصغار نصيب على العكس ممن يجعل الذكور يستأثرون بكل المال ويحرم النساء أو الأطفال، وقد جاء في القرآن الكريم ما يؤيد ذلك في العديد من الآيات ومنها: قال تعالى: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾، أي الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى يستوون في أصل الوراثة وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله تعالى.(65)

المبحث الثامن: استخدام المال

الله تعالى أنزل المالَ لغايةٍ سامية، تسمو عن الغايةِ التي من أجلها يتكالبُ البشر على المال، وقد أوضَحَها الله تعالى لنا كما في حديث أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: كُنَّا نَأْتِي النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَيُحَدِّثُنَا فَقَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: ” إِنَّ اللهَ قَالَ: إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ، لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ ثَانٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ، لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ “(66)

والإسلام لم يخاصم الدنيا ولم يصدَّ الناسَ عنها كل ما في الأمر أنه يحرص على الاعتدال في طلب الدنيا وفي طلب الآخرة. قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (سورة القصص آية 77)

والذي لم يوسع الله عليه في المال فليصبر فلربما كان خيرًا  له وهو لا يشعر: فعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ” اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ: الْمَوْتُ، وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ، وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ”(67)

وعَنْ أُسَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “قُمْتُ عَلَى بَابُ الجَنَّةِ، فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا المَسَاكِينُ، وَأَصْحَابُ الجَدِّ مَحْبُوسُونَ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ..”(68)

وليعلم المرء أن الخلود لا يشترى بالمال. وأي مقياس للرجال بغير التقوى خطأ عظيم.

قال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 38]

إن مقياس الرجال في الإسلام إيمان وخلق. فمن تمتع بهما فلا يضرُّه أن يملك الدنيا. ولا يَنقصُ من قدره كفاف العيش. قال تعالى{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]

والمال نعمة كبيرة تتطلب للمحافظة عليها التقيد بأحكام الشريعة الإسلامية في كسبه وتوظيفه واستثماره

ومن ذلك النفقة على النفس والأهل بالوسطية فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ”(69)

وإنفاقه في طرق الخير فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: -صلى الله عليه وسلم-” لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا “(70)

وفي حديث أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ” إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ، عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ…”(71)

وأن يستخدمه في باب الصدقات الجارية   ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ” إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ”(72)

كبناء المساجد ودور العلم كما قال -صلى الله عليه وسلم-: ” مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى – قَالَ بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ – بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ”(73)

وأن يستخدمه الإنسان في مساعدة الفقراء والمساكين  وكفالة الأيتام وإغاثة الملهوفين

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ”(74)

وعَنْ سَهْلٍ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “وَأَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا” وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا.(75)

(1) تفسير ابن كثير (2/ 214)

(2) تفسير القرطبي (10/ 413)

(3) تفسير البغوي (8/ 422)

(4) تيسير الكريم الرحمن (ص: 933)

(5) البخاري(6436)، مسلم (1049)

(6) الترمذي (2417)، والدارمي(537) من حديث أبي برزة. والترمذي(2416)، والبزار(1435) من حديث ابن مسعود، والطبراني في المعجم الكبير(111) من حديث معاذ بن جبل. وصححه الألباني في الصحيحة (946)

(7) أحمد (17763)، البخاري في الأدب المفرد(299) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (229)

(8) البخاري(843)، مسلم(595)

(9) تيسير الكريم الرحمن (ص: 889)

(10) البخاري(1429 )، مسلم (1033)

(11) البخاري تعليقًا كتاب اللباس، ووصله أحمد(6695)، والنسائي(2559) وحسنه الألباني في صحيح الجامع(4505)

(12) البخاري(3158)، مسلم (2961)

(13) تفسير القرطبي (18/ 142)، تفسير ابن كثير (8/ 139)

(14) أحمد(17471)، والترمذي(2336)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (592)

(15) فيض القدير (2/ 507)

(16) البخاري(6514)، مسلم (2960)

(17) تفسير القرطبي (20/ 123)

(18) تفسير ابن كثير (7/ 206)

(19) قَيْنا: وهو بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون وهو الحداد. فتح الباري لابن حجر (8/ 430)

(20) البخاري(2275)، مسلم (2795)

(21) الترمذي (2417)، والدارمي(537) من حديث أبي برزة. والترمذي(2416)، والبزار(1435) من حديث ابن مسعود، والطبراني في المعجم الكبير(111) من حديث معاذ بن جبل. وصححه الألباني في الصحيحة (946)

(22) البخاري(2059)

(23) فتح الباري لابن حجر (4/ 296)

(24) مسلم (1015)

(25) تيسير الكريم الرحمن (ص: 336)

(26) مسلم (987)

(27) تفسير ابن كثير (8/ 133)

(28) تفسير ابن كثير (6/ 521)

(29) مسلم(2564)

(30) الدارمي(2730)، وأحمد(15784)، والترمذي(2376) وقال حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع(5620)

(31) فيض القدير (5/ 446)

(32) البخاري(6421)، مسلم (1047)

(33) بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية (3/ 13)

(34) أحمد (21590)، ابن ماجه(4105)، وصححه الألباني في الصحيحة (950)

(35) البخاري(6368)، مسلم(589)

(36) فتح الباري لابن حجر (11/ 177)

(37) مسلم (1479)

(38) البخاري(2567)، مسلم (2972)

(39) البخاري(1469)، مسلم (1053)

(40) تفسير ابن كثير (6/ 249)

(41) مسلم (2807)

(42) البخاري(6446)، مسلم (1051)

(43) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (9/ 62)

(44) مسلم(1054)

(45) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (9/ 66)

(46) البخاري(2886)

(47) البخاري تعليقًا كتاب اللباس، ووصله أحمد(6695)، والنسائي(2559) وحسنه الألباني في صحيح الجامع(4505)

(48) مسلم (2964)

(49) الموافقات (2/ 18)

(50) تفسير ابن كثير (8/ 179)

(51) البخاري(2072)

(52) الطبراني في المعجم الكبير(282)، وصححه الألباني في صحيح الجامع(1428)

(53) البخاري(2270)

(54) البخاري(67)، مسلم (1679)

(55) مسلم (2564)

(56) البخاري(1477)، مسلم (593)

(57) شرح النووي على مسلم (12/ 11)

(58) تيسير الكريم الرحمن (ص: 164)

(59) الحاكم في المستدرك(3181)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة(1805)

(60) تيسير الكريم الرحمن (ص: 88)

(61) البخاري(6857)، مسلم (89)

(62) أحمد(6532)، أبوداود(3580)، الترمذي(1337)، ابن ماجه(2313) وصححه الألباني في الإرواء(6532)

(63) البخاري(1442)، مسلم (1010)

(64) مسلم (2038)

(65) كمال النظرة الإسلامية للمال في الميراث من ناحيتين:

أولاً: من ناحية دور الميراث في تفتيت رأس المال وذلك حتى لا تنحصر ملكية المال في مجموعة قليلة من الناس، فإن ما يكوِّنه الميت من رأس المال يوزع على الورثة، وهذا يضاعف نشاط الورثة في العمل لتنمية التركة وإعادة بنائها. كما أنه يحول دون تركيز المال في يد البعض وحرمان الباقين.

ثانياً: من ناحية عدالة التوزيع للتركة

النظام اليهودي: التركة للولد الذكر وإذا كان له إخوة ذكور فيعطى الولد الأكبر نصيب اثنين، أما البنت فلا ترث مع وجود إخوة ذكور، والتركة كلها للذكور، وللبنت التربية حتى تكبر فقط، فإذا لم يكن لها إخوة ذكور فترث بشرط أن تتزوج من شباب العائلة حتى لا تخرج التركة عن العائلة.

الميراث عند العرب: كانت التركة عندهم توزع على الذكور فقط، أمَّا الإناث فلا ميراث لهن بل. أكثر من حرمانهن من الميراث أن المرأة في بعض الأحوال كانت تورث كما يورث المتاع من التركة.

فكان ابن الزوج يلقي ثوبه على زوجة أبيه إذا مات أبوه فتصبح زوجة الأب ملكاً للابن يتصرف فيها كيفما شاء. . . وظل الأمر هكذا حتى حرر الإسلام المرأة من بقايا الجاهلية فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}(سورة النساء آية 19)

كما أن النظام الجاهلي كان لا يورِّث إلا الذكر الذي يحمل السلاح، فإن كان الولد صغيراً يحرم من الميراث، وتدفع التركة لمن يحمل السلاح من أهل الميت سواء كان من أولاده أو من أقاربه.

ولما جاء الإسلام أبطل ذلك كله وجعل لكل فرد نصيبه المحدد. المال في القرآن الكريم: محمود محمد غريب (ص: 77)

(66) أخرجه أحمد(21906) وأبو يعلى(1795)، والدولابي في الكنى(1/176)، والطبراني في الكبير(2446، 3303)) والبيهقي في الشعب(9800) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة(1639)

(67) أحمد (23625)، والبغوي في شرح السنة(4066)، وجود إسناده الألباني في الصحيحة (813)

(68) البخاري(5196)، مسلم (2736)

(69) مسلم (995)

(70) البخاري(1409)، مسلم (816)

(71) أحمد (18031 )، والترمذي(2325) وصححه الألباني في صحيح الجامع(3024)

(72) مسلم(1631)

(73) البخاري(450)، مسلم (533)

(74) البخاري(5353)، مسلم(2982)

(75) البخاري(5304)، وأخرجه مسلم (2983) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.