مقدمة: من السور التي نقرؤها مرارا وتكرارا وأكثر الناس في غفلة عن معانيها سورة العصر؛ سورة حَوَتْ فِي طياتِهَا كثيراً مِن المعانِي الإيمانيةِ، والفوائدِ التربويةِ والسلوكيةِ، يقول الله تعالى {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 – 3]
والمتأمل في هذه السورة يجد فيها مقومات المجتمع المتكامل الذي قوامه الفضائل المثلى والقيم الفضلى، قال عنها الشَّافِعِي: لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم. وقال: الناس في غفلة عن هذه السورة.(1)
مقصدها: سورة العصر جاءت في غاية الإيجاز والبيان، وفي نفس الوقت غاية الشمول والتكامل والترابط، لتوضيح سبب سعادة الإنسان أو شقائه، ونجاحه في هذه الحياة أو خسرانه ودماره، لذلك كانَ الصحابةُ الكرامُ رضيَ اللهُ عنْهُمْ يقرؤونَهَا إذَا الْتَقَوْا أَوِ افترَقُوا. فعَنْ أَبِي مَدِينَةَ الدَّارِمِيِّ -رضى الله عنه- قَالَ: كَانَ الرَّجُلانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا الْتَقَيَا، لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَقْرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، ثُمَّ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ).(2)
مناسبتها بما قبلها وبعدها
وقعت ( سورة النجاة ) بين سورة التكاثر وسورة الهمزة، وفيهما بيان لأهم أسباب الخسارة وهو (الانشغال بالناس ) فجاءت سورة العصر لتبين أسباب النجاة من الخسران
وقفات مع سورة العصر
– وقفة مع مَن أقسم
إنه الله العلي العظيم القوي المتين، إذا تكلّم فكلامه فصل وليس بالهزل، فما ظنك إذا أقسم؟ سمع أعرابي آية بها قَسَمٌ، فقال: يا سبحان الله! من الذي أغضب الجليل حتى حلف! ألم يصدقوه في قوله حتى ألجئوه إلى اليمين؟.(3)
– وقفة مع القسم
– هذا آخر قسَم في القرآن، فلابد من الانتباه قبل فوات الأوان….متى يتحرك قلبك؟ متى تَفيق من غفلتك؟
– حروف القسم ثلاثة ( والله، وبالله، وتالله ) ويلحق بهم اللام الموطئة للقسم كما في قوله تعالى {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر: 6]
– اللهُ عز وجل يقسم بما شاء من خلقه ونحن لا نُقسم إلا بالله لأن الحلف حق لله لا يُصرف إلا له.
– وقفة مع المقسَم به
معنى العصر والاختلاف فيه ومناسبة كل معنى
– العصر: اسم للزمن كله أو جزء منه لذلك اختلف العلماء فيه على أقوال أشهرها:
1 – الدهر والزمان كله ( جميع العصور الماضية والحاضرة والمستقبلة )
لماذا أقسم بالزمان؟ لأنه محل الحوادث العظام وفيه من العبر والآيات لمن له قلب؛ فأمةٌ تذهب، وتأتي أخرى، ودولة تسقط وتقوم أخرى، جيل يفنى ويولد جيل والزمان كما هو؛ الليل ليل والنهار نهار، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]
الرسالة: هل من معتبر؟ هل من مدّكر؟ هل من صاحب قلب؛ اللهم اجعل لنا عبرة ولا تجعلنا عبرة.
2- العصر: عمُر الإنسان……….لماذا أقسم بعمر الإنسان؟
لأنه محل الربح والخسران؛ فما ربح من ربح إلا من خلال وقت، وما خسر من خسر إلا من خلال وقت، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62]
العجيب: أن يحتفل البعض بعيد الميلاد بعد مرور كل سنة من عمره فيخالف بذلك الشرع والعقل؟ المفترض أن يحزن ويغتم لأنك تقترب من أجلك ومن قبرك!
الرسالة: أوقاتنا هي رأس أموالنا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى قَبْرٍ دُفِنَ حَدِيثًا، فَقَالَ: (رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ مِمَّا تَحْقِرُونَ وَتَنْفِلُونَ، يَزِيدُهُمَا هَذَا فِي عَمَلِهِ، أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ).(4)
– الناجحون في الدنيا هم المستغلون لأوقاتهم، وكذلك السابقون في الآخرة هم أهل اليقظة.
كان عمر بن الخطاب يقول: إني لأرى الرجلَ فيُعجِبُني، فأقول: أَلَهُ حِرفة؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني.(5)
قال عمر -رضى الله عنه- أيضا: إني لأكره أن أرَى أحَدَكم سَبَهْلَلا لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة.(6)
وقال عبد الله بن مسعود: ما نَدِمتُ على شيء نَدَمي على يومٍ غربتْ شمسُه، نقص فيه أجَلِي ولم يَزددْ فيه عملي.
قال الحسن البصري: ما من يوم ينشق فجره، إلا وينادي: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة.
وعن الحسن قال أنه قال: أدركتُ أقواما كان أحدُهم أشحّ على عمره منه على درهمه وديناره.(7)
وكانَ الحسنُ البصريُّ يقُولُ فِي مَوْعِظَتِهِ: الْمُبَادَرَةَ الْمُبَادَرَةَ، فَإِنَّمَا هِيَ الْأَنْفَاسُ، لَوْ قَدْ حُبِسَت انْقَطَعَتْ عَنْكُمْ أَعْمَالُكُمُ الَّتِي تُقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا}.ثُمَّ يَبْكِي وَيَقُولُ: آخِرُ الْعَدَدِ خُرُوجُ نَفْسِكَ، آخِرُ الْعَدَدِ فِرَاقُ أَهْلِكَ، آخِرُ الْعَدَدِ دُخُولُكَ فِي قَبْرِكَ.(8)
– المغبونون حقا إن أعظم شيءٍ يغبن فيه الإنسان هو الصحة والفراغ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضى الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ).(9)
تأمل في قوله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (كثيرٌ مِنَ الناس) فإنه يشير إلى أن الذي يوفق للعمل الصالح، و استغلال أوقات الصحة والفراغ إنما هم قليل، أما أكثر الناس فهم في غبن أي في خسارة وفي ضياع.
قَالَ الشَّافِعِيُّ -رحمه الله-: صَحِبْتُ الصُّوفِيَّةَ فَلَمْ أَسْتَفِدْ مِنْهُمْ سِوَى حَرْفَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُمْ: الْوَقْتُ سَيْفٌ، فَإِنْ قَطَعْتَهُ وَإِلَّا قَطَعَكَ، وَنَفْسُكَ إِنْ لَمْ تَشْغَلْهَا بِالْحَقِّ وَإِلَّا شَغَلَتْكَ بِالْبَاطِلِ.
فَوَقْتُ الْإِنْسَانِ هُوَ عُمُرُهُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ مَادَّةُ حَيَاتِهِ الْأَبَدِيَّةِ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَمَادَّةُ الْمَعِيشَةِ الضَّنْكِ فِي الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَهُوَ يَمُرُّ أَسْرَعَ مِنَ السَّحَابِ.(10)
– اغتنم وقتك قبل فوات الأوان
إلى الذين يقتلون أوقاتهم ويضيعون أعمارهم هذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعونا جميعا إلى استغلال أوقاتنا وانتهاز الفرصة قبل فوات الأوان، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضى الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ).(11)
قال ابن كثير في ترجمة الإمام البخاري: كَانَ الْبُخَارِيُّ يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه فيوقد السِّرَاجَ وَيَكْتُبُ الْفَائِدَةَ تَمُرُّ بِخَاطِرِهِ ثُمَّ يُطْفِئُ سراجه، ثم يقوم مرة أخرى وأخرى حتى كان يتعدد منه ذلك قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً.(12)
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي، عن أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي: كان من أفاضل العالم، وأذكياء بني آدم، مفرط الذكاء، كان يحدث عن نفسه فيقول: إني لا يحل لي أن أضيِّع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة وبصري عن مطالعة أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة.(13)
3 – المقصود بالعصر: صلاة العصر
وخُصت بالفضل لأن التكليف في أدائها أشقّ لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار واشتغالهم بمعايشهم.(14)
أهمية صلاة العصر
قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]
ومعنى الصلاة الوسطى أي وسط بين الصلوات وأفضلها وأرفعها منزلة
عَنْ عَلِيّ -رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الْأَحْزَابِ: (شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ).(15)
– إنها الصلاة المشهودة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ).(16)
– المحافظة عليها سبب لدخول الجنة، عنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ).(17)
– احذر من تأخيرها، فعن أنس -رضى الله عنه- أن رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نظر إلى رجل جاء متأخرا عنها فقال: (تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا).(18)
– والأعظم في الجرم تضييعها: عن بريدة الأسلمي -رضى الله عنه- عن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ مُتَعَمِّدًا حَبِطَ عَمَلُهُ).(19)
– فمصيبة ضياع صلاة العصر أعظم من مصيبة هلاك الأهل والمال، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضى الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ).(20)
الرسالة: هل أنا من المحافظين على صلاة العصر؟
– وأما قوله (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)
جواب القسم، والخسر: قيل: هو الغبن، وقيل: النقص، وقيل: العقوبة، وقيل: الهلكة، والكل متقارب. ولم يبين هنا نوع الخسران في أي شيء، بل أطلق ليعم، وجاء بحرف الظرفية، ليُشعر أن الإنسان مستغرق في الخسران، وهو محيط به من كل جهة.(21)
تعم كل إنسان لماذا؟ لأنه وُصِفَ بهذه الأوصاف في القرآن ( كنود – شحيح – عجول – قنوط – كفور – ظلوم )
والخسران مراتب متعددة متفاوتة:
قد يكون خسارًا مطلقًا، كحال من خسر الدنيا والآخرة، وفاته النعيم، واستحق الجحيم.
وقد يكون خاسرًا من بعض الوجوه دون بعض، ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان، إلا من اتصف بأربع صفات.(22) وسيأتي بيانها
الخسارة الحقيقية هي أن يخسر الإنسان نفسه وأهله يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر: 15]
وأما قوله {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3]
إلا: استثناء يدل على قلة الموصفين بالأوصاف الآتية وكثرة الخاسرين
– إِلَّا الَّذِين: تدلّ على فضل الجماعة والتعاون على الطاعة
قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 28]
وقال العالم لقاتل المائة (انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ)
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3]
هذه أركان الفلاح والنجاة من الخسران وهي أربعة:
1 – الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به.
2 – والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده، الواجبة والمستحبة.
3 – والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه.
4 – والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة.
فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح العظيم.(23)
والإيمان هو: التصديق الجازم بأخبار الله، واليقين التام بوعده ووعيده، والتسليم التام لشرعه وقدره.
والإيمان عند أهل السنة: قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح.
التواصي بالحق، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله على بصيرة وحكمة، وتعليم الجاهل، وتذكير الغافل، ولا يقتصر على نفسه {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا).(24)
وتواصوا بالصبر: العبرة بالثبات، العبرة بالوصول إلى الله، ولا يكون إلا بالصبر (وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ).(25)
– عطف التواصي بالصبر على التواصي بالحق رغم أن التواصي بالصبر من التواصي بالحق؛ لبيان أهمية الصبر، وعظم أثره في تحقيق النجاة والسلامة من الخسارة.
– وذكر التواصي بالصبر بعد التواصي بالحق مُشْعِرٌ بأن الدعوة إلى الحقِّ تحتاج إلى مصابرة وصبر، وأن الدعاة والمصلحين قد يلحقُهم أذًى من الناس؛ فعليهم الصبر على أذى الناس، وتحمل ما ينالونه من الأذى.
رسائل سورة العصر
– شرفُ الوقت وأهميتُه: فالله عَزَّ وجَلَّ أقسم به {وَالْعَصْرِ}وكفى بالوقت شرفًا ورفعة أن يُقسِمَ به ملكُ الملوك.
– وقتك هو مستقبلك الأبدي ( كل ثانية في حياتك لها قدرها )
– عليك بالجماعة الصالحة – البعد عن البيئة الفاسدة ( اخرج من المستنقع حتى تطهر )
– لا تغتر بالكثرة، {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116]
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [البقرة: 243]
– لا تستوحش من قلة السالكين
قال الفضيل بن عياض: عليك بطريق الحق، ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل، ولا تغتر بكثرة الهالكين. وكلما استوحشت في تفردك فانظر إلى الرفيق السابق.(26)
– فضل الإيمان وعمل الصالحات، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. هم الرابحون، ومن سواهم خاسرٌ
– عمل الخير وحدَه لا يكفي للفوز والسعادة في الدارين حتى يكون صادرًا عن إيمان.
– وجوبُ الدعوة إلى الله، فلا يكفي أن يؤمن الإِنسانُ ويعمل الصالحات، ويقتصر على إصلاح نفسه، بل لا بد أن يعمل على إصلاح غيرِه؛ ليفوز وينجوَ من الخسارة.
—
(1) تفسير الإمام الشافعي (3/ 1461)
(2) رواه الطبراني في الأوسط (5124) والبيهقي في شعب الإيمان (11/ 349) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (6/ 307)
(3) تفسير القرطبي (17/ 42)
(4) أخرجه ابن المبارك في الزهد (1/ 10، رقم 31)، صَحِيح الْجَامِع: 3518
(5) ربيع الأبرار ونصوص الأخيار للزمخشري (3/ 115)
(6) مجمع الأمثال لأبي الفضل النيسابوري (1/ 172)
(7) العمر والشيب لابن أبي الدنيا (ص: 81)
(8) قصر الأمل لابن أبي الدنيا (ص: 106)
(9) راه البخاري (6412)
(10) الداء والدواء (ص: 157)
(11) رواه الحاكم في المستدرك (4/ 341) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 311)
(12) البداية والنهاية (11/ 31)
(13) قيمة الزمن عند العلماء (ص: 53)
(14) تفسير الألوسي (15/ 457)
(15) رواه مسلم (627)
(16) رواه البخاري (555) ومسلم (632)
(17) رواه البخاري (548) ومسلم (635)
(18) رواه مسلم (622)
(19) رواه البخاري (553)
(20) رواه البخاري (552) ومسلم (626)
(21) أضواء البيان (9/ 89)
(22) تفسير السعدي (ص: 934)
(23) تفسير السعدي (ص: 934)
(24) رواه مسلم (2674)
(25) رواه مسلم (2699) من حديث أبي هريرة -رضى الله عنه-.
(26) مدارج السالكين (1/ 46)