الرق والكفالة فى ميزان التربية فى الإسلام

يقول الله سبحانه : { يا أيها النبى قل لمن فى أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم . وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم } .

 نزلت هذه الآية الكريمة فى العباس ورجال من قريش أسروا فى بدر فأخذ النبى -صلى الله عليه وسلم- منهم الفداء وأطلقهم . وقد قال رجال من الأنصار : يا رسول الله ائذن لنا فلنترك لابن اختنا عباس فداءه فقال -صلى الله عليه وسلم- : ” والله لا تذرن منه درهماً ” . وقال العباس : يا رسول الله قد كنت مسلماً فقال -صلى الله عليه وسلم- : ” الله أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول فإن الله يجزيك وأما ظاهرك فقد كان علينا فافتد نفسك وابن أخيك نوفل وعقيل وحليفك عتبة ” قال : ما ذاك عندى يا رسول الله . ” قال فأين المال الذى دفنته أنت وأم الفضل ” فقلت لها : إن أصبت فى سفرى هذا فهذا المال الذى دفنته لبنى الفضل وعبد الله وقتم . قال : والله يا رسول الله إنى لأعلم أنك رسول الله إن هذا لشىء ما علمه أحد غيرى وغير أم الفضل فاحسب لى يا رسول الله ما أصبتم منى ، عشرين أوقية من مال كان معى . فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ” لا ذلك شىء أعطانا الله تعالى منك ” ففدى نفسه وابنى أخويه وحليفه فنزل فيه :  { يا أيها النبى قل لمن في أيديكم … } الآية.

  قال العباس : فأعطانى الله مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبداً كلهم فى يده مال يضرب به ( أى يتاجر به ) مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل .

  وقد أخرج البخاري عن أنس : أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- بمال من البحرين فقال : انثروه فى مسجد فكان أكثر مال أتى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه العباس فقال : يا رسول الله أعطني فإني فاديت نفسي وفاديت عقيلاً فقال ” خذ ” . فحثا فى ثوبه ثم ذهب يُقله فلم يستطع فقال : مر بعضهم يرفعه على ، قال: ” لا “، قال : فارفعه أنت على، قال: “لا”، فنثر منه ثم ذهب يقله فلم يرفعه .

 فقال : مر بعضهم يرفعه على ، قال : ” لا ” قال : فارفعه أنت على قال : ” لا ” . فنثر منه ثم احتمله على كاهله ثم انطلق فما زال يتبعه النبي -صلى الله عليه وسلم- ببصره حتى خفى علينا عجباً من حرصه .

  فانظر أرشدك الله كيف أن الله عوضه الخير عن المال بالرجال كل أوقية برجل يتاجر له وعوضه هذا المال الكثير مكان المال الذى دفعه فى الفداء .

 والآية الكريمة أعم من أن يكون الخير الذى يؤتيه الله سبحانه للأسرى هو المال الذى فيه تعويض عن الفداء وزيادة . بل الخير كل الخير أن الإسلام إنما يستبقى الأسرى لديه ليوقظ فى قلوبهم مكامن الخير والرجاء والصلاح وليحيى فى نفوسهم الاستجابة للهدى فيدخلون فى دين الله مسلمين مؤمنين . وليس استبقاؤهم استذلالاً ولا انتقاماً ولا تسخيراً ولا استغلالا إنما ليعيشوا بين المسلمين وقد فقدوا حريتهم التى أعطتهم عداء الإسلام وحربه فصاروا أرقاء فيشاهدون عن كثب ويعاينون عن قرب جمال الإسلام وروعته فى حياة المسلمين وتعاونهم وتعاطفهم وأثر العقيدة فى سلوكهم والعبادة فى حياتهم وأثر الدين على معاملتهم لغيرهم حتى الأسرى . فتشرح بذلك صدورهم فيكون فى فقدهم لحريتهم . ودخولهم الرق خير لهم حيث مهد لهم طريق الإيمان وأدخلهم إلى الإسلام .

 وإنما كان انشراح صدورهم بالإسلام لما رأوه من القدوة الحسنة والمثال الجليل الذى ضربه المسلمون بأنفسهم وبحياتهم على أمر الإسلام .

 فهذا أبو ذر الغفاري رضى الله عنه يلبس بردة ويلبس غلامه ( العبد الرقيق ) مثلها فقيل له لو أخذت برد غلامك إلى بردك فكانت حُلة وكسوته ثوباً غيره ؟ قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : ” إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليكسه مما يكتسى ولا يكلفه ما يغلبه فغن كلفه ما يغلبه فليعنه ” .

 وهذا أبو مسعود البدرى يضرب غلامه فسمع صوتاً خلفه يقول : اعلم أبا مسعود .. قال فلم أفهم الصوت من الغضب ، فلما دنا منى إذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : ” اعلم أبا مسعود أن الله عز وجل أقدر عليك منك على هذا الغلام ” فقلت : يا رسول الله هو حر لوجه الله تعالى . فقال : ” أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار ” .

وفى صحيح مسلم مرفوعاً : ” من ضرب غلاماً له احداً لم يأته أو لطمه فكفارته أن يعتقه ” فانظر أرشدك الله تعالى إلى هؤلاء وجدوا فى الرق حسناً في المعاملة لعلهم لم يجدوه فى الحرية بين أهليهم ومن تدبر حال الناس فى العامل والأجير والخادم ونظر في أحكام الإسلام فى الرفيق وجد رق الإسلام خيرّ معاملة وأحسن عشرة من كل ذلك .

 إذا عرفت هذا أخ الإسلام فاعلم أن الكثير من الموالى والعبيد والإماء قد انشرحت صدورهم للإسلام فدخلوه ثم انشرحت فتعلموه ثم انشرحت فصاروا فيه فقهاء علماء بل قادة وأمراء ولم يمنعهم من ذلك أنهم كانوا أرقاء.

  أخا الإسلام إذا عرفت هذا فتذكر أن أبناء المسلمين في البوسنة والهرسك يأخذهم الأعداء الكافرون يربونهم فى بيوتهم . فعلى أى منهج يتعلمون ؟ وإذا أردنا أن نحضرهم إلى بيوت المسلمين فهل توجد القدوة الحسنة التى تحببهم فى الإسلام فيتعلمونه ثم تحببهم فيفقهونه ؟ هل هذه القدوة فى بيوتنا ؟ أم أن البيوت عندنا على غير المنهج ؟! فتعلمهم ما يشوه الإسلام فى أنظارهم .

 هذا أمر جدير بالتدبر والتبصر فالأمر جد والخطب خطير والواقع مر والبديل كفر فهذه المؤسسات التربوية هى البديل فلابد أن تقوم بالدور لأنه هام وخطير بالتعاون المنظم والتناصح المستمر والله المعين . والله من وراء القصد .

 ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم.