أمراض القلب

يقول الله عز وجل : (  أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ) [الأنعام :122] .

أي كان ميتًا فأحييناه بالإيمان .

فالقلب الصحيح قلب حي سليم من المرض والقلب الميت هو قلب الكافر الذي لا يفرق بين الحسن والقبيح،والنوع الثالث من القلوب، القلب المريض وذلك لقول الله تعالى : (  وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ(8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ(9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ  ) ، ولقوله تعالى : ( يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) ، ولقوله تعالى : ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ(13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) .

وأمراض القلوب على قسمين :

أمراض شبهات وأمراض شهوات.

أمراض الشهوات :

تجعل صاحبها يميل مع الشهوات ويجري وراءها. وهذه علاجها في غض البصر وعدم الخضوع بالقول فضلاً عن منع اختلاط الرجال بالنساء أو كشف العورات وغير ذلك من التدابير الواقية التي حمى بها الشرع الشريف قلب المسلم نقيًا نظيفًا. ومن هذه الأمراض شهوة حب الدنيا وزينتها قد شرع الإسلام علاج القلوب من أمراض الشهوات.

أمراض الشبهات .

وهي الأشد فتكًا بالعبد وقلبه . ودواؤها العلم النافع .

وقد يشتد مرض القلب بصاحبه فيزداد خبثًا حتى لا يشعر صاحبه بالمرض فلا يطلب له دواء فيبلغ به إلى موت هذا القلب . وهذا علامته أنه لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا ، بل ينظر إلى أهل المنكرات فيقربهم ويحبهم وينظر إلى أهل الحق فيزدريهم ويكرههم . فتكون محابه منقادة بالمرض أو الموت الذي أصاب القلب وهؤلاء يقول الله سبحانه عنهم : (  إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) .

وقد يمرض القلب فيشعر صاحبه بمرض قلبه لكنه يشتد عليه تحمل الدواء فيفضل بقاء الألم على مشقة الدواء لأن الهوى يدفعه إلى تتبع خطوات الشيطان. ومخالفة الهوى أصعب شيء على نفس العبد، ومن لم يصبر على ذلك بقي في قلبه أثر المرض، ومن أخذ نفسه بالصبر أعقب ذلك صحة القلب. فعلاج القلب يحتاج إلى قوة صبر ويقين فمتى ضعف صبره ويقينه رجع عن الطريق ولم يصبر على مشقتها. ويعين العبد على الصبر صدق التوكل على الله والحرص على الرفقة الصالحة. ومن قلّ حوله الرفيق فلا يستوحش، فإن الله معه والملائكة من حوله، ويمكن أن يستشعر رفقة الرعيل الأول: ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ).

وعلامة مرض القلب عدوله عن منافعه إلى مضاره ، فتراه يؤثر قضاء الوقت في اللهو الباطل عن العلم النافع والذكر والعبادة ، وتراه ينفق المال فيما لا ينفعه ويبخل به عن مصارفه التي شرعها من رزقه بالمال .

وأنفع الأدوية وأطيب الأغذية للقلب الإيمان والقرآن ، لقول الله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) .

ومن طلب الشفاء في غير القرآن والإيمان فقد ضل وجهل : (  قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ  ) ، والله سبحانه يقول : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ) ، ويقل عز وجل : (  يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ  ) .

فالقرآن هو الشفاء التام لكل داء . فإذا أحسن المريض التداوي به بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم لم يبق عنده داء أبدًا. وكيف يقاوم الداء كلام رب الأرض والسماء وهو الذي إذا نزل على الجبال صدعها أو على الأرض قطعها. فمن من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه والنجاة منه لمن وفق الله لفهم كتابه والتزام شرعه.

والعبد المفلح من عرض نفسه للخيرات وأبوابها كرمضان والقرآن والدعاء والذكر والصلاة والصوم والصدق والبر وغير ذلك من أبواب الخير.

والخاسر من ضيع ذلك كله حتى جاءه الموت فصار بالدنيا متعلقًا يريد ألا يخرج منها وأنى له ذلك والله هو القائل: ( لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ).

لذا ينبغي على المسلم أن يحرص على صلاح قلبه وعلاج مرضه لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ).