للأستاذ جميل غازي
7- هل تتحقق الرؤيا فورًا:
ليس حتمًا أن تحقق “الرؤيا الصادقة” فور رؤيتها؛ بل قد يتأخر تحققها إلى أمد بعيد.
فهذه رؤيا يوسف لم تتحقق إلا بعد عشرات السنين، وبعد جهاد طويل خاصة يوسف عليه السلام.
8- المبشرات:
والمبشرات هي ” الرؤيا الصالحة” كما جاء في حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري: ” لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة “.
وليس معنى هذا أن كل رؤيا صادقة تعبر بشارة، بل قد تكون – أحيانًا – نذارة.
يقول القرطبي – ((التفسير)) (ج9 ص127) -: وهذا الحديث بظاهره يدل على أن الرؤيا بشرى على الإطلاق، وليس كذلك، فإن الرؤيا الصادقة قد تكون منذرة من قبل الله تعالى لا تسر رائيها، وإنما يريد الله تعالى المؤمن رفقًا به ورحمة ليستعد لنزول البلاء قبل وقوعه.
ولعل البشرى المشار إليها في قوله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا} هي: الرؤيا الصالحة يرونها أو ترى لهم.
9- رؤيا الكافر:
وقد تصدق رؤيا الكافر، ولا تكون حينئذ من المبشرات، وإنما تكون إنذارًا له أو لغيره أو وعظًا – كما في رؤيا ملك مصر، رجع الفصل لابن حزم (ج5 ص19).
10- تعدد الأحلام في النومة الواحدة:
ويمكن للإنسان أن يرى أكثر من حلم أو رؤيا في ليلة واحدة ونومة واحدة كما حدث لملك مصر.
11- الرؤيا والنبوة:
أخرج البخاري في كتاب التعبير “باب رؤيا الصالحين” عن أنس بن مالك أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: “الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة “.
فما معنى هذا؟
وهل يفيد هذا الحديث … أن حقيقة الرؤيا الصادقة كحقيقة النبوة؟
يقول ابن خلدون – مجيبًا على هذه التساؤلات وغيرها -: “وما ذهب إليه بعضهم في رواية (ستة وأربعين) من أن الوحي كان في مبتدئه بالرؤيا ستة أشهر – وهي نصف سنة – ومدة النبوة كلها بمكة والمدينة ثلاثة وعشرون سنة، فنصف السنة منها جزء من ستة وأربعين – فكلام بعيد عن التحقيق، لأنه إنما وقع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن أين لنا أن هذه المدة وقعت لغيره من الأنبياء “؟
ثم يقول:
” إن ذلك إنما يعطي نسبة زمن الرؤيا من زمن النبوة، ولا يعطي نسبة حقيقتها من حقيقة النبوة “. (وهناك رأي آخر يبديه صاحب كتاب مؤتمر تفسير سورة يوسف (ج1 ص177) مؤداه أن كون الرؤيا الصادقة جزءًا مما ذكر إنما هو باعتبار صدقها لا غير، وإلا لساغ لصاحبها أن يسمي نبيًّا، وليس كذلك.
12- رؤي الأنبياء ورؤي غيرهم:
والفرق كبير بين رؤي الأنبياء، ورؤي غيرهم، فرؤي الأنبياء لا تكذب أبدًا، بل هي صادقة دائمًا، أما رؤي غيرهم فقد تصدق وقد تكذب.
ولا يحكم على رؤيا يراها الناس بالصدق إلا بعد ظهور صدقها، أما قبل ذلك: فلا بخلاف رؤي الأنبياء فإنها وحي مقطوع بصحته.
فمثلاً – رؤيا إبراهيم عليه السلام – لو رآها غير نبي لما كان له أن ينفذها، أو يهم بتنفيذها. ولو فعل لكان فاسقًا أو عابثًا أو مجنونًا.
13- رؤي الأنبياء .. والرمزية:
أحيانًا تكون رؤي الأنبياء من قبيل الرمز والتمثيل والمجاز والاستعارة كما في آية الأنفال، وكما في كثير من رؤي النبي صلى الله عليه وسلم التي روتها كتب السنة.
– “رأيت سوداء ثائرة الرأس تخرج من المدينة إلى مهيعة – (المهيعة هي الجحفة ميقات أهل المدينة) – فأولتها بالحمى “.
– “رأيت سيفي قد انقطع صدره، وبقرًا تنحر، فأولتها برجل من أهل بيتي يقتل، والبقر نفر من أصحابي يقتلون”.
– ” رأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة، فأولتها المدينة “.
– ” رأيت في يدي سوارين فنفختها فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان بعدي “.
14- هل يثبت بالرؤيا حكم شرعي؟
والرؤيا المنامية – ولو كانت صحيحة وحقًا – لا يثبت بها حكم شرعي، فلا تحرم الحلال، ولا تحلل الحرام. (مؤتمر تفسير سورة يوسف المعملي ج1 ص180).
ويقول علاّمة الشام محمد ناصر الدين الألباني – ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة المجلد الأول ج5 ص67)) -:
” ومن المقرر عند العلماء أن الرؤيا لا يثبت بها حكم شرعي، فبالأولى لا يثبت بها حديث نبوي، والحديث هو أصل الأحكام بعد القرآن “.
15- حديث: ” من رآني في المنام فقد رآني “.
وأما حديث: “من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي ” فقد قال فيه صاحب “تحفة الأحوذي” (ج3 ص239): “المراد به إذا رآه على صفته المعروفة في حياته، فإن رأى على خلافها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة “.
قال: “وقد ذهب إلى هذا جماعة، فقالوا: في الحديث أن محل ذلك إذا رآه الرائي على صورته التي كان عليها، ومنهم من ضيق الغرض من ذلك حتى قال: لا بد أن يراه على صورته التي قبض عليها حتى يعتبر عدد الشعرات البيض التي لم تبلغ عشرين شعرة “!!
ثم يقول: ” قال الحافظ: والصواب التعميم في جميع حالاته بشرط أن تكون صورته الحقيقة في وقت ما سواء كان في شبابه ورجولته وكهولته وآخر عمره”.
ويقول القرطبي: “اختلف في معنى الحديث، فقال قوم من القاصرين: هو على ظاهره، فمن رآه في النوم رأى حقيقته كما يرى في اليقظة، وهو قول يدرك فساده ببادئ العقل، إذ يلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها، وأن لا يراه اثنان في وقت واحد في مكانين، وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويخاطب الناس، ويخلو قبره عنه فيزار غير جثته، ويسلم على غائب لأنه يرى ليلاً ونهارًا على اتصال الأوقات، وهذه حالات لا يقول بالتزامها من له أدنى مسكة من عقل وملتزم ذلك مختل مخبول.