من مفردات القرآن الكريم .. الحمد للَّه

بقلم الأستاذ: محمد جميل غازي

رئيس قسم التراث العربي بالمجلس الأعلى للفنون والآداب

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [سورة الفاتحة].

اللَّه الذي نعبده ونوحده ونمجده ونحمده:

·       له الأمر والنهي، ومنه الخلق والرزق، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، يعز ويذل، ويداول الأيام بين الناس.

·       لا يشغله سمع عن سمع، ولا شأن عن شأن، ولا تغلطه كثرة المسائل، ولا يتبرم بإلحاح ذوي الحاجات، بل يحب من عبادة الملحين في الدعاء.

·       الغيب عنده شهادة، والسر عنده علانية؛ له الملك، وله الحمد، وله الدنيا والآخرة، وله ما سكن في الليل والنهار، وله النعمة والفضل والثناء الحسن.

·       بيده الخير، وإليه يرجع الأمر، يغفر الذنوب، ويفرج الكروب، ويجبر الكسير، ويغني الفقير، ويعلم الجاهل، ويهدي الضال، ويرشد الحيران، ويغيث اللهفان، ويفك العاني، ويشبع الجائع، ويكسو العاري، ويشفي المريض، ويعافي المبتلى، ويقبل التائب، ويجزي المحسن، وينصر المظلوم، ويقصم الجبار.

·       يقيل العثرات، ويستر العورات، ويؤمن الروعات، ويرفع أقوامًا ويضع آخرين.

·       لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل.

·       حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، يمينه ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار .. قلوب العباد ونواصيهم بيده، وأزمة الأمور معقودة بقضائه وقدره، والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عما يشركون.

·       أحق من ذكر وعبد وحمد، وأولى من شكر، وأرأف من ملك، وأجود من سئل وأعطى من قدر، وأكرم من قصد، وأعدل من انتقم.

·       حلمه بعد علمه، وعفوه بعد قدرته، ومغفرته عن عزته، ومنعه عن حكمته، وموالاته عن إحسانه ورحمته.

·       هو الملك لا شريك له، والأحد فلا ند له، والغني فلا ظهير له، والصمد فلا ولد له ولا صاحبة له، والعلي فلا شبيه له ولا سمي له.

·       كل شيء هالك إلا وجهه، وكل ملك زائل إلا ملكه، وكل فضل منقطع إلا فضله.

·       يطاع فيشكر؛ ويعصى فيتجاوز ويغفر؛ كل نقمة منه عدل، وكل نعمة منه فضل، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ.

ذلكم اللَّه ربكم.

{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)} [الأنعام].

{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)} [يونس].

{فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)} [يونس].

{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)} [فاطر].

{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)} [الزمر].

{ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (62) كَذَٰلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۗ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65) [غافر].

الحمد للَّه:

و ((الحمد لله)) كلمة يقولها المؤمنون باللَّه، الذاكرون لفضله، الشاكرون لآلائه، قالها ((نوح)) عيه السلام – عندما استوى هو ومن معه على الفلك – {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين} [المؤمنون: 28].

وقالها ((إبراهيم)) عليه السلام – حينما أنعم اللَّه عليه بنعمة الولد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)} [إبراهيم].

وقالها ((داود)) و ((سليمان)) عليهما السلام – لما من اللَّه عليهما بالملك العريض: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)} [النمل].

وتقولها ((الملائكة)) عليهم السلام: {وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [الزمر: 75].

ويقولها أهل الجنة في الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر: 34]، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزمر: 74]، {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43].

بل إن ما في الكون كله؛ يسبح بحمد اللَّه وبقدسه، ويسلم له، ويعنو لسلطانه، {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} [الرعد: 13]. {إِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44].

صاحب لواء الحمد:

وقد كان ((الرسول الخاتم)) صاحب لواء الحمد صلى الله عليه وسلم كثير الحمد للَّه، والضراعة إليه، كما أمره ربه وعلمه.

{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111].

{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59].

{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [النمل: 59].

{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [العنكبوت: 63].

{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [لقمان: 25].

فكان صلى الله عليه وسلم يحمد اللَّه – دائمًا – ويمجده؛ إن صلى أو صام، أو سافر، أو أقام، أو أكل أو شرب، أو حارب، أو خطب.

وكان يقوم لربه من جوف الليل، يدعوه بهذا الدعاء، ويحمده بتلك المحامد:

((اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، والساعة حق، ومحمد حق)).

((اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت)).

مادة الحمد في القرآن الكريم:

وقد وردت مادة ((الحمد)) ومشتقاتها في القرآن الكريم 68 مرة، ومن تتبع ورودها في القرآن الكريم فإنه يجدها تدور حول الاستعمالات التالية:

الاستعمال الأول: حمده؛ بمعنى أثنى عليه، ومنه قوله تعالى: {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ} [آل عمران: 188].

الاستعمال الثاني: حمد اللَّه، بمعنى أثنى عليه ومجده وعظمه، ومنه قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين}.

الاستعمال الثالث: الحميد – من صفات اللَّه تعالى – ومعناه: المحمود، ومنه قوله تعالى: {واعلموا أن اللَّه غني حميد} [البقرة: 267].

الاستعمال الرابع: أحمد، وهو علم منقول من أفعل التفضيل، بمعنى الأكثر حمدًا، ومنه قوله تعالى: {ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} [الصف: 6].

الاستعمال الخامس: محمد، وهو علم أطلق على من كثرت خصاله المحمودة، ومنه قوله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} [آل عمران: 144].

ورود عبارة ((الحمد لله)) في القرآن الكريم:

وأما عبارة ((الحمد لله))، فقد وردت في القرآن الكريم سبعًا وعشرين مرة[1].

وافتتحت بها خمس سور، هي:

الفاتحة: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}.

الأنعام: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}.

الكهف: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا}.

سبأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}.

سورة فاطر: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

كما اختتمت بها خمس سور هي:

الإسراء: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111].

النمل: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [النمل: 93].

الصافات: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 182].

الزمر: {وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر: 75].

الجاثية: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} [الجاثية].

تعريف ((الحمد)):

وقد عرفوا الحمد بأنه الثناء باللسان على الجميل الاختياري على وجه التعظيم والتبجيل. وعرفوه – اصطلاحًا – بأنه فعل أو قول ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعمًا على الحامد أو غيره.

واللَّه – سبحانه وتعالى – وحده، هو المستحق للمحامد كلها، فهو – سبحانه – المحمود من كل وجه، وبكل اعتبار، بجميع أنواع الحمد.

فالحمد لله على إحسانه وآلائه …

والحمد لله على أسمائه الحسنى، وصفاته العليا …

والحمد لله كما يحب ويرضى ..

ونعوذ باللَّه أن نذكر به وننساه.

(وللحديث بقية في عدد يأتي بمشيئة اللَّه تعالى).


[1]  الفاتحة: 2- النعام:1 ،45 – العراف:43 – يونس: 10 – إبراهيم:39 – النحل:35 – الإسراء:111 – الكهف:1 – المؤمنون: 28 – النمل:15 ، 53 ، 59 – القصص:70 – العنكبوت: 63 – الروم: 18 – لقمان:25 – سبأ: 1 – فاطر: 1 ،34 – الصفات:182 – الزمر:29، 74، 75 – غافر :65 – الحاثية: 36 – التغابن: 1.