الإسلام دين الحق … وما سواه باطل

[ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ ] [ الأنعام : 1 ] ، والصلاة والسلام على رسولنا محمد وعلى رسل اللَّه أجمعين .. وبعد :

فقد أشرف فجر عام جديد ، فوجد الأرض قد ملئت ظلمـًا وجورًا ، بعد أن ملأها الإسلام – قبل ذلك – عدلاً وفضلاً .. وأمتنا اليوم لا ينفعها، ولا يغير من واقعها أن تحتفل بالهجرة النبوية الشريفة ! ولكننا – اليوم- بحاجة ماسة إلى وقفة جادة مع أنفسنا لنضع أقدامنا التي زلت عير السنوات على بداية الطريق الصحيح، ونضع نصب أعيننا هدفين جليلين عظيمين:

أولهما: أن يعود المسلمون إلى الإسلام الحق الذي أنزله اللَّه !!

والثاني: أن نقدم الإسلام من جديد للبشرية الحائرة في صورته الصحيحة التي شوهها انصراف أتباعه عنه !! وتحذير أعدائه منه !!

من أجل هذا فإننا نحتاج مع بداية العام الجديد أن نتدارس مجموعة من الحقائق حول الإسلام نسوقها كما يلي:

الحقيقة الأولى:

معنى الإسلام : هو إسلام الوجه للَّه تعالى ؛ بمعنى التذلل لطاعته ، والإذعان لأمره ، والخضوع الكامل له بالجوارح ظاهرًا وباطنـًا ، والخلوص من الشرك بكل صوره وأشكاله ، قال تعالى : [ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ] [ البقرة : 112 ] .

ويعني هذا أن الإنسان في ظل الإسلام يكون عبدًا كامل العبودية للَّه؛ رجاؤه في اللَّه، وخوفه من اللَّه، وقلبه معلق باللَّه، لا يلتفت إلى أحد سواه ! فيدرك في ظل الإيمان الأمن والأمان الذي يبحث عنه كل البشر، ولا يدركه إلا المؤمنون الصادقون !!

الحقيقة الثانية :

الإسلام دين جميع الأنبياء ، عليهم السلام ؛ وهي حقيقة هامة ينبغي أن يعرفها كل مسلم ، وأن يعلنها للناس ، فجميع الأنبياء والمرسلين من آدم ونوح إلى محمد ، عليه وعليهم أجمعين الصلاة والسلام ، مسلمون مؤمنون موحدون ، ولا يوجد في الأنبياء نبي يهودي ، ولا نبي نصراني ، ولا غير ذلك إلا الإسلام !

وبهذا نطق القرآن ، وبينت السنة الصحيحة . قال اللَّه تعالى في القرآن على لسان نوح عليه السلام: [ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ] [ يونس: 72 ]. وقال عن إبراهيم عليه السلام: [إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ] [ البقرة: 131 ].

ونفى القرآن عن إبراهيم عليه السلام اليهودية والنصرانية فقال: [ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ] [ آل عمران: 67 ].

وأخبر القرآن عن إبراهيم وإسماعيل أنهما قالا في دعائهما عند بناء الكعبة : [ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ] [ البقرة : 128 ] .

بل إن إبراهيم عليه السلام وصى أبناءه – إسماعيل وإسحاق بأن يموتوا على الإسلام.

وكذلك فعل يعقوب عليه السلام – ويعقوب هو إسرائيل – فقد وصى أبناءه كذلك أن يموتوا على الإسلام.

قال تعالى : [ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ] [ البقرة : 132 ] .

وقد أراد يعقوب  عليه السلام أن يؤكد هذه الوصية وأن يؤكد للبشرية أن الإسلام هو الدين الحق ؛ فجمع بني إسرائيل وهو على فراش الموت – وهم أبناؤه – وسأل بني إسرائيل عن الدين الذي سيتمسكون به طيلة حياتهم !! وقد جاء بيان ذلك في القرآن : [ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ] [ البقرة : 133 ] .

هذا ما أعلنه إسرائيل  عليه السلام ، وقد أنكرته وكذبته بنو إسرائيل بعد ذلك بزمن طويل : [وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى ] [ البقرة : 111 ] .

وقد توجه يوسف عليه السلام – وهو ابن إسرائيل ومن أنبياء بني إسرائيل – إلى اللَّه بهذا الدعاء : [ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ] [ يوسف : 101 ] .

ونبي اللَّه موسى  عليه السلام قد دعا قومه إلى الإسلام : [ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ] [ يونس : 84 ] .

وكتب نبي اللَّه سليمان  عليه السلام في الرسالة التي وجهها إلى بلقيس : [ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلاَ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ] [ النمل : 30، 31 ] . ولما دخلت بلقيس في الإسلام : [ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ] [ النمل : 44 ].

ولما دخل سحرة فرعون في دين موسى عليه السلام قالوا: [ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ] [ الأعراف: 126 ]. ولما دخل الحواريون أتباع عيسى عليه السلام في الإسلام قالوا له: [ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ] [ المائدة: 111 ].

وقد أمر اللَّه خاتم الأنبياء والمرسلين  صلى الله عليه وسلم  أن يعلن ذلك فقال له : [ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ] [ الأنعام : 162، 163 ] .

فهل بعد هذه الأدلة القاطعة شك أو ارتياب على أن الإسلام هو دين جميع الأنبياء والمرسلين، وأنه: [.. مَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ] [ آل عمران: 85 ].

الحقيقة الثالثة:

الدعوة إلى توحيد اللَّه منهج كل الأنبياء :فكما أن جميع الرسل ، عليهم السلام ، قد دعوا أقوامهم إلى توحيد اللَّه ونهوهم عن الإشراك به ؛ فلا يوجد نبي من الأنبياء دعا قومه إلى عبادته واتخاذه إلهـًا مع اللَّه أو من دون اللَّه ، ولا يوجد نبي من الأنبياء قال بأن اللَّه ثالث ثلاثة ! ولا يوجد نبي من الأنبياء قال : إن عزيرًا ابن اللَّه ؛ وإنما قال جميع الرسل لأقوامهم : [ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ] [ النحل : 36 ] .

فهذا نبي اللَّه نوح  عليه السلام يقول : [ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ] [ الأعراف : 59 ] ، وهذا نبي اللَّه هود  عليه السلام يقول : [ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ ] [ الأعراف : 65 ] ، وكذلك نبي اللَّه صالح  عليه السلام يقول : [ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ ] [ الأعراف : 73 ]، وهذا نبي اللَّه شعيب  عليه السلام يقول : [ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ ] [ الأعراف : 85 ].

ونبي اللَّه موسى  عليه السلام يقول له ربه تبارك وتعالى : [ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي ] [ طه : 14 ] .

ونبي اللَّه عيسى  عليه السلام يسأله اللَّه عز وجل يوم القيامة هذا السؤال : [ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ ] [ المائدة : 116 ] ؟!! فيجيب عيسى  عليه السلام على سؤال ربه بقوله : [ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَن اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ] [ المائدة : 116، 117 ] .

فجميع الأنبياء والمرسلين يدعون إلى توحيد اللَّه، ويرفضون تثنية اليهود، وتثليث النصارى.

الحقيقة الرابعة:

الكفر برسول واحد كفر بجميع الأنبياء والرسل !!

فالإسلام دين الأنبياء جميعـًا يدعو إلى الإيمان بجميع الرسل، عليهم السلام، دون تفريق؛ ويعتبر عدم الإيمان ولو بواحد فقط من الرسل هو كفر بهم جميعـًا.

ويؤكد القرآن هذه الحقيقة الهامة فيقول : [ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ] [ الشعراء : 105 ] ، ومن المعلوم أنهم كذبوا رسولاً واحدًا هو نوح  عليه السلام فاعتبرهم القرآن مكذبين لجميع الرسل الذين سيأتون بعد نوح ؛ لأنهم كفروا بواحد منهم ، فقد كفروا بجميعهم .

وبمثل هذا وصف القرآن بقية الأقوام ، فقال : [ كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ ] [ الشعراء : 123 ]، وقال : [ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ ] [ الشعراء : 141 ]، وقال : [ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ ] [ الشعراء : 160 ]، وهكذا يقرر القرآن هذه الحقيقة تقريرًا عامـًا شاملاً ، فيقول الحق تبارك وتعالى : [ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ] [ النساء : 150، 151 ] .

الحقيقة الأخيرة:

حاجة البشرية إلى الإسلام :

إن عالم اليوم يموج بالفتن والضلالات ، والبدع والخرافات التي علت في عالم الأمس قبل أن ينزل الوحي على رسول اللَّه  صلى الله عليه وسلم  ، وقد فشلت جميع النظم الأرضية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تحقيق السعادة للبشر ، ولم يعد أمام البشرية مخرج يخلصها من ويلات الظلم والجور سوى الإسلام ، وهذا الإسلام يحتاج إلى الدعاة المخلصين والزعماء المخلصين الذين يؤمنون به حق الإيمان ويفهمونه حق الفهم ؛ ويجعلون حياتهم وقفـًا على الدعوة إليه والدفاع عنه ، فإذا وفقنا اللَّه إلى هذا وأعاننا عليه كان ذلك سببـًا في أن يعود المسلمون إلى الإسلام الحق عودًا حميدًا .

وبهذا نقدم الإسلام من جديد في صورته النقية الخالصة إلى البشرية الحائرة، فتجد فيه ضالتها المنشودة. وعندها يدخل الناس في دين اللَّه أفواجـًا: [ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ] [ الروم: 4 ]. وما ذلك على اللَّه بعزيز .

وآخر دعوانا أن الحمد للَّه رب العالمين . وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .