“إن المؤامرة على الإسلام والمسلمين أكبر بكثير مما نفكر فيه ونتصوره، والمؤامرة على مصرنا العزيزة لها وجه قبيح لا يعرفه الكثيرون والله من ورائهم محيط!!”.
{إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يُغلبون}[الأنفال: 36].
{ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}[البقرة: 120].
{ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}[آل عمران: 139].
ثلاث حقائق في ثلاث آيات:
الأولى تتحدث عن الأموال الطائلة والمبالغ الخيالية التي ينفقها أعداء الإسلام في الصد عن سبيل الله وهو الإسلام، ثم يجنون ثمرتها حسرة وندامة في الدنيا والآخرة؛ فلقد رأينا آية عجيبة مضمونها أنه كلما زادت الأموال التي ينفقونها في محاربة الإسلام؛ وهذا – والله أعلم – من أعظم الحسرة، ولهذا كانت النهاية في هذه الآية: {ثم يُغلبون}!!
وهي بشرى صادقة يسوقها القرآن للمؤمنين الصادقين.
وأما الآية الثانية فتقرر حقيقة ينبغي ألا تُنسى، والآية أوضح من أن تشرح!!
وأما ثالثة الحقائق ففي الآية الثالثة، وهي تنهى عن الوهن – وهو الضعف – وعن الحزن ـ، وتبشر بعلو الإسلام وأهله، بشرط أن يكونوا مؤمنين صادقين لا منتسبين بالوراثة!!
ولقد حاول اليهود والصليبيون في قديم الزمان وحديثه أن يكيدوا للإسلام ويطعنوا في مصدريْه: القرآن والسنة. فباءت كل محاولة لهم بالفشل. ولقد ظهرت منذ فترة يسيرة محاولة جديدة على شبكات الإنترنت تشتمل على محاكاة القرآن بتأليف أربع سور على نسقه!! وسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- والطعن في أحكام الشريعة، والاستهزاء بها، وتكرار الدعاوى الزائفة أن عيسى ابن الله، مع التأكيد في نفس المحاولة على أن الله لم يتخذ ولدًا!؟ وأخيرًا التشكيك في مصدر القرآن!؟
وقبل أن نرد هذه الشبهات المتهافتة؛ فإننا نلفت أنظار القراء إلى أن هذه المحاولة اليائسة لمحاكاة القرآن وقبول التحدي الوارد في مثل قول الله: {فأتوا بسورة من مثله}[البقرة: 23].
أقول: إنها امتداد لمحاولة مسيلمة الكذاب، ومن على شاكلته من أهل الزيغ والضلال.
يقول صاحب الفضيلة العلامة محمد عبد العظيم الزرقاني في كتابه “مناهل العرفان”:
(وهل أتاك نبأ الخصم إذ هموا أن يعارضوا القرآن؟ فكان ما أتوا به باسم المعارضة، لا يخرج عن أن يكون محاولات مضحكة مخجلة، أخجلتهم أمام الجماهير، وأضحكت الجماهير منهم، فباءوا بغضب من الله وسخط من الناس، وكان مصرعهم هذا كسبًا جديدًا للحق، وبرهانًا ماديًا على أن القرآن كلام الله القادر وحده، لا يستطيع معارضته إنسان ولا جان، ومن ارتاب فأمامه الميدان.
يذكر التاريخ أن مسيلمة الكذاب؛ زعم أنه أوحى إليه بكلام كالقرآن، ثم طلع على الناس بهذا الهذر: “إنا أعطيناك الجماهر * فصل لربك وجاهر”، وبهذا السخف: “الطاحنات طحنًا، والعاجنات عجنًا، والخابزات خبزًا”، وأنت خبير بأن مثل ذلك الإسفاف ليس من المعارضة في قليل ولا كثير، وأين محاكاة الببغاء من فصاحة الإنسان؟ وأين هذه الكلمات السوقية الركيكة، من ألفاظ القرآن الرفيعة ومعانيه العالية؟ وهل المعارضة إلا الإتيان بمثل الأصل في لغته وأسلوبه ومعانيه أو بأرقى منه في ذلك؟
يقول حجة الأدب العربي، فقيدنا الرافعي، عليه سحائب الرحمة: أن مسيلمة لم يرد أن يعرض للقرآن من ناحية الصناعة البيانية؛ إذ كانت هذه الناحية أوضح من أن يلتبس أمرها عليه، أو أن يستطيع تلبيسها على أحد من العرب، وإنما أراد أن يتخذ سبيله إلى استهواء قومه، من ناحية أخرى ظنها أهون عليه وأقرب تأثيرًا في نفوسهم، ذلك أنه رأى العرب تعظم الكهان في الجاهلية، وكانت عامة أساليب الكهان من هذا السجع القلق الذي يزعمون أنه من كلام الجن، كقولهم: “يا جليج. أمر نجيح. رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله”، البخاري في المناقب؛ إسلام عمر فكذلك جعل يطبع مثل هذه الأسسجاع في محاكاة القرآن، ليوهمهم أنه يوحى إليه كما يوحى إلى محمد، كأنما النبوة والكهانة ضرب واحد، على أنه لم يفلح في هذه الحيلة أيضًا، فقد كان كثيرون من أشياعه يعرفونه بالكذب والحماقة ويقولون: أنه لم يكن في تعاطيه الكهانة حاذقًا ولا في دعوى النبوة صادقًا، وإنما كان اتباعهم إياه كما قال قائلهم: “كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر”.
ويروي التاريخ أن أبا العلاء المعري وأبا الطيب المتنبي وابن المقفع حدثتهم نفوسهم مرة أن يعارضوا القرآن، فما كادوا يبدءون في هذه المحاولة، حتى انتهوا منها بتكسير أقلامهم وتمزيق صحفهم؛ لأنهم لمسوا بأنفسهم وعورة الطريق واستحالة المحاولة.
وتحدثنا الأيام القريبة أن زعماء البهائية، والقاديانية وضعوا كتبًا يزعمون أنهم يعارضون بها القرآن، ثم خافوا وخجلوا أن يظهروها للناس، فأخفوها ولكن على أمل أن تتغير الظروف ويأتي على الناس زمان تروج فيه أمثال هذه السفاسف، إذا ما استحر فيهم الجهل باللغة العربية وآدابها، والدين الإسلامي وكتابه، ألا خيبهم الله وخيب ما يأملون. اهـ.
نعود إلى ما بثته شركات الإنترنت بشأن محاكاة القرآن والطعن في الشريعة، فنقول:
لقد فشلت جميع المحاولات التي بذلها الصليبيون لإقناع الشعوب الفقيرة في آسيا وإفريقيا للدخول في النصرانية والإيمان بالإنجيل!! ولهذا فإننا نرى أن هذا الحدث الجديد يبشر بنصر من الله وفتح قريب!! عدول المنصرين عن الدعوة إلى الإيمان بالإنجيل إلى محاكاة القرآن هو اعتراف بالفشل، وبأن الإنجيل بعد تحريفه وتبديله لم يعد قادرًا على هداية أتباعه، فضلاً عن أعدائه!!
لقد اختلق الصهاينة والصليبيون معًا أربع سور كلها هراء وهواء بلغة عربية ركيكة يسخر منها أهل الفصاحة والبيان، فكيف تكون من كلام رب العالمين!؟
وأطلقوا على الفرية الأولى اسم “سورة الإيمان”، وهي عشر جمل ساقطة هابطة صوروا فيها الرب على أنه ركب السفينة مع أحد الحواريين، فسكنت بعد أن عصفت بها الريح! وأعلنوا – كعادتهم – أن المسيح هو ابن الله؛ وهو كفر صريح، وقد نزه الله نفسه عن ذلك. تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.
ثم في الفرية الثانية “سورة التجسد” قالوا: “لو شاء ربكم لاتخذ من الحجارة أولادًا له”!! ثم قالوا بعدها: “سبحان رب العالمين أن يتخذ من خلائقه ولدًا”.
ثم في نفس السورة المختلفة قالوا عن المسيح، عليه السلام: “وإلى أبيه السماوي بعد ثلاثة أيام صعد”!!
فالله عندهم منزه عن الولد، وهو أب وله ابن في نفس الوقت!! فهل يوجد في الكون بأكمله تناقض كهذا!؟
وفي الفرية الثالثة سب صريح لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد قالوا – وبئس ما قالوا-: “وإذ قال الله: يا محمد، أغويت عبادي وجعلتهم من الكافرين، قال: ربي إنما غواني الشيطان، إنه كان لبني آدم أعظم المفسدين”!! وصدق الله القائل في قرآنه: {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر}[آل عمران: 188]، فهذا بعض ما عندهم من حسد وحقد وعداوة وبغض، وما خفى كان أعظم!!
وفي الفرية الرابعة والأخيرة استهزاء بأحكام الشريعة، كله كذب وافتراء لا يستحق ثمن المداد الذي يكتب به الرد؛ لأنه كلام ساقط متهافت.
وفي آخر الفرية الأخيرة اتهام للرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنه كان يتلقى الوحي من ورقة بن نوفل، وهي فرية قديمة نبه القرآن على أصلها في قوله تعالى: {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين}[النحل: 103].
يقول العلامة الزرقاني: يقولون: إنه -صلى الله عليه وسلم- كان يلقى ورقة بن نوفل فيأخذ عنه ويسمع منه، وورقة لا يبخل عليه؛ لأنه قريب لخديجة زوج محمد، يريدون بهذا أن يوهموا قراءهم وسامعيهم بأن هذا القرآن استمد علومه من هذا النصراني الكبير الذي يجيد اللغة العبرية ويقرأ بها ما شاء الله.
وندفع هذه الشبهة بمثل ما دفعنا به ما قبلها، ونقرر أنه لا دليل عندهم على هذا الذي يتوهمونه ويوهمون الناس به، بل الدليل قائم عليهم، فإن الروايات الصحيحة تثبت أن خديجة ذهبت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حين بدأه الوحي إلى ورقة، ولما قص الرسول -صلى الله عليه وسلم- قصصه قال: هذا هو الناموس الذي أنزل الله على موسى، ثم تمنى أن يكون شابًا فيه حياة وقوة ينصر بهما الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويؤازره حين يخرجه قومه، ولم تذكر هذه الروايات الصحيحة أنه ألقى إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عظة أو درس له درسًا في العقائد أو التشريع، ولا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يتردد عليه كما يتوهمون أو يوهمون، فأنى لهم ما يقولون؟ وأي منصف يسمع كلمة ورقة هذه ولا يفهم منها أنه كان يتمنى أن يعيش حتى يكون تلميذًا لمحمد -صلى الله عليه وسلم-، وجنديًا مخلصًا في صفه ينصره ويدافع عنه في وقت المحنة، ولكن القوم ركبوا رءوسهم على رغم ذلك، وحاولوا قلب الأوضاع وإيهام أن ورقة هو الأستاذ الخصوصي الذي استقى منه محمد -صلى الله عليه وسلم- دينه وقرآنه: {ألا ساء ما يحكمون}[النحل: 59]. اهـ.
ونريد في هذا المقام أن نؤكد على عقيدتنا الراسخة، فنحن نؤمن بالتوراة التي نزلت على موسى، عليه السلام، ونكفر بالتوراة التي ألفها اليهود، فغيروا وبدلوا وحرفوا! ونحن نؤمن بالإنجيل الذي نزل على عيسى، عليه السلام، ونكفر بالإنجيل الذي صنعه المنصرون فحرفوا وبدلوا، حتى أصبح في أيديهم أناجيل كثيرة؛ وكل طائفة منهم تؤمن بإنجيلها تكفر بإنجيل غيرها!!
ونحن نؤمن بجميع الأنبياء والمرسلين الذين أرسلهم الله، لا نفرق بين أحد منهم، ونصلي ونسلم على عيسى، عليه السلام، ونعتقد أنه بشر يوحى إليه كإخوانه الأنبياء، وأمه، عليها السلام، صديقة طاهرة، وأن مثله عند الله كمثل آدم خلقه من تراب.
بقى أن يقال: إن المؤامرة على الإسلام والمسلمين أكبر بكثير مما نفكر فيه ونتصوره، والمؤامرة على مصرنا العزيزة لها وجه قبيح لا يعرفه الكثيرون، قد أفصح عنه القصيص بولس – أحد المنصرين – في مقال نشرته مجلة أمريكية 1980م جاء فيه: (إن جمهورية مصر العربية يمكنها أن تتحول كلية إلى جمهورية مسيحية، لقد زرت القاهرة مبشرًا بالديانة المسيحية قبل خمسة وعشرين عامًا، لكنني لم أجد أمامي إلا الصمود وعدم المبالاة بما أقول!! لكنني زرت مصر مرة أخرى عام 1980م، ومعي جماعة من المبشرين للضغط على الرئيس المصري أنور السادات لكي نوصل البث الإعلامي من محطات التلفزيون الأمريكية إلى مصر، وخاصة منطقة سيناء بالذات، فرحب الرئيس المصري بالفكرة، وبدأنا فعلاً العمل في منطقة سيناء؛ وهذا نصر أكيد للمسيحية في جمهورية مصر العربية، إننا بواسطة تلك المحطة التي سنقيمها في سيناء سنتمكن من الدخول على قلوب كثير من المصريين، وسنبث النشاط التبشيري المسيحي بينهم، وبهذا سنتمكن من القضاء على الإسلام في مصر)(1)!! والله من ورائهم محيط. صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.