كرامات الأولياء

الحمد للَّه وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. وبعد :

فإن أهل السنة والجماعة – وهم أسوتنا وقدوتنا – يؤمنون بوقوع الكرامات على أيدي الصالحين ؛ وهم المؤمنون المتقون .

والكرامة – عند علماء الشريعة – أمر خارق للعادة، يظهره اللَّه عز وجل على أيدي أوليائه.

والكرامات للأولياء تشبه معجزات الأنبياء في نقضها للعادة المعروفة ، وبينهما فروق كثيرة ؛ من أهمها أن الكرامة غير مقرونة بدعوى النبوة ، وليست إرهاصـًا لها ، وغير مقرونة كذلك بالتحدي ، ويمكن للعبد الصالح أن تقع له كرامة أو كرامات ، وهو لا يعلم بها !!؟

وأهم الفروق بينهما أن الكرامة – على القول الراجح – لا يمكن أن تبلغ إلى مثل معجزات الأنبياء والمرسلين ، ولا تكون مساوية لها على الإطلاق ؛ فكل ما وقع معجزة لنبي لا يمكن أن يقع كرامة لولي !

ضوابط الكرامة وشروطها(1) :

ليس كل ما يظهر على أيدي الصالحين – أو غيرهم – يكون كرامة من اللَّه عز وجل ؛ بل قد تكون غواية من الشيطان ، أو إضلالاً من بعض الجان ؛ من أجل هذا وضع العلماء شروطـًا تعرف بها الكرامة التي هي منحة إلهية ، وتتميز عن الخوارق التي هي حيلة شيطانية !

ومن أهم تلك الشروط :

1- أن يكون صاحب الكرامة مؤمنـًا تقيـًا؛ لقوله تعالى: { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ يونس : 62 ] .

وهذا يعني : أن كل مؤمن تقي فهو للَّه ولي ، وعلامته أداء الفرائض والواجبات ، وترك المحرمات ، ثم التقرب إلى اللَّه بفعل المستحبات وترك المكروهات .

الأولياء !!

2- أن لا يدعي صاحب الكرامة الولاية .

لأن ادعاء العبد الولاية لنفسه أو لغيره رجم بالغيب! وذلك لأن المؤمن لا يدري ما الذي قبله اللَّه من أعماله، وما الذي ردّه بغير قبول! واللَّه يقول: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } [المائدة: 27 ].

ولأن ادعاء الولاية – كذلك – تزكية للنفس قد نهى عنها القرآن الكريم في قوله تعالى: { فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [ النجم: 32 ].

3- الشرط الثالث: أن لا تكون الكرامة سببـًا في ترك شيء من الواجبات.

4- أن لا تخالف الكرامة أمرًا من أمور الدين.

قال الشاطبي – رحمه اللَّه -: ( إن الشريعة كما أنها عامة في جميع المكلفين ، وجارية على مختلفات أحوالهم ، فهي عامة أيضـًا بالنسبة إلى عالم الغيب ، وعالم الشهادة من جهة كل مكلف ، فإليها نرد كل ما جاءنا من جهة الباطن كما نرد إليها كل ما في الظاهر ) .

فمن أخبر أن رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قد جاءه يقظة بعد موته، فهذا من الكذب وكيد الشيطان.

هذا، وقد وردت أمثلة كثيرة لكرامات الأولياء في الكتاب والسنة الصحيحة نذكر بعضها لتأكيد وتثبيت هذه العقيدة الصحيحة ، وإقامة الحجة الدامغة على منكري الكرامات من أهل الزيغ والضلال .

كرامات وردت في القرآن الكريم :

قوله تعالى في قصة مريم ، عليها السلام : { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } [آل عمران : 37 ] . وقد ذكر المفسرون في بيان هذه الكرامة أقولاً كثيرة يُرجع إليها في كتب التفسير .

وكذلك قوله تعالى في نفس القصة : { وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا } [مريم : 25 ] .

ومن المعلوم أن النخلة لا يقدر على هزها لإسقاط الرطب عصبة من الرجال الأقوياء، فكيف تفعل ذلك امرأة في حال الولادة والضعف ؟!! فهي كرامة ظاهرة .

ومنها قوله تعالى عن زوجة إبراهيم الخليل-صلى الله عليه وسلم-ورضي اللَّه عنها: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ * ‏قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إَِّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } [ هود : 71، 72 ] .

قال المفسرون : ضحكت أي : حاضت !! وهي في سن الشيخوخة !

    ومن الكرامات في القرآن ما جاء في قصة سليمان -عليه السلام- : { قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } [ النمل : 40 ] !! وكان الحديث عن عرش بلقيس .

كرامات وردت في السنة الصحيحة :

منها ما ورد في (( صحيح البخاري )) من حديث عمر بن الخطاب ، رضي اللَّه عنه ، قال : (( وافقت ربي في ثلاث !! فقلت: يا رسول اللَّه، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } [ البقرة : 125 ] ، وآية الحجاب ؛ قلت : يا رسول اللَّه ، لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البرّ والفاجر ، فنزلت آية الحجاب ، واجتمع نساء النبي  -صلى الله عليه وسلم-  في الغيرة عليه ، فقلت لهنَّ : عسى ربه إن طلقكنّ إن يبدلن أزواجـًا خيرًا منكنّ ، فنزلت هذه الآية )) .

وهي كرامات ظاهرة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي اللَّه عنه ، وقد حدث له غيرها كثير من الموافقات وغيرها .

ومن الكرامات الواردة في السنة الصحيحة حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار ، فنزلت صخرة عظيمة فسدت عليهم باب الغار ، فدعا كل منهم ربه وتوسل إليه بأعظم عمل صالح فعله في حياته ، حتى فرج اللَّه عنهم . وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم.

وقد ورد في السنة كرامات كثيرة لأولياء اللَّه الصالحين أصحاب رسول اللَّه-صلى الله عليه وسلم-كأسيد بن خضير ، وعباد بن بشير ، وعاصم بن ثابت ، وغير هؤلاء كثير . وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون وبقية العشرة المبشرين . وكذلك ثبتت كرامات كثيرة للصالحين من التابعين ، رضي اللَّه عنهم .

ومن أراد أن يقف على هذه الكرامات بشيء من التفصيل فليرجع إلى المجلد الخامس من كتاب (( أصول الاعتقاد )) لللالكائي ، وكتاب (( سيف اللَّه على من كذب على أولياء اللَّه )) تأليف صُنع اللَّه الحنفي .

هذا ، وينبغي التنبيه على مسألتين عظيمتين تتعلقان بموضوع كرامات الأولياء :

الأولى : لا توجد علاقة شرعية بين الولاية والضريح ، فليس كل مدفون في ضريح يكون من أولياء اللَّه . فقد يدفن في الضريح فاسق أو فاجر ‍‍‍!! وقد يدفن ولي اللَّه في شق أو لحد لا يعرف أحد مكانه .

وقد تعلق بأذهان العوام والجهال هذه العلاقة الوهمية ، لكن الحقيقة أن الولاية إيمان وتقوى ، والضريح قبر مُبتدع مخالف للسنة الصحيحة ، وإنما وقعت المخالفة ممن بناه وشيدّه وليست ممن دفن فيه إلا إذا أوصى بذلك أو رضي به حال حياته .

وأما المسألة الثانية : فهي الخلط الذي يقع عند بعض الناس بين الكرامة الربانية والخوارق الشيطانية .

وهذا مثال يوضح هذا الفرق المهم :

قال ابن الحاج رحمه اللَّه : حكي عن بعض المريدين أنه كان يحضر مجلس شيخه ، ثم انقطع فسأل الشيخ عنه فقالوا له : هو في عافية فأرسل خلفه فحضر فسأله ما الموجب لانقطاعك ؟!

فقال : يا سيدي كنت أجيء لكي أصل ، والآن قد وصلت فلا حاجة تدعو إلى الحضور . فسأله عن كيفية وصوله ! فأخبره : أنه في كل ليلة يصلي ورده في الجنة . فقال له الشيخ : يا بني ، واللَّه ما دخلتها أبدًا ، فلعلك أن تتفضل عليَّ فتأخذني معك لعلي أن أدخلها كما دخلتها أنت . قال : نعم . فبات الشيخ عند المريد ، فلما أن كان بعد العشاء جاء طائر فنزل عند الباب فقال المريد للشيخ : هذا الطائر الذي يحملني في كل ليلة على ظهره إلى الجنة .

فركب الشيخ والمريد على ظهر الطائر بهما ساعة ثم نزل بهما في موضع كثير الشجر ، فقام المريد ليصلي وقعد الشيخ . فقال له المريد : يا سيدي ، أما تقوم الليلة ؟! فقال الشيخ : يا بني، الجنة هذه وليس في الجنة صلاة . فبقي المريد يصلي والشيخ قاعد . فلما طلع الفجر جاء الطائر ونزل ، فقال المريد للشيخ : قم بنا نرجع إلى موضعنا . فقال له الشيخ : اجلس ، ما رأيت أحدًا يدخل الجنة ويخرج منها . فجعل الطائر يضرب بأجنحته ويصيح حتى أراهم أن الأرض تتحرك بهم . فبقي المريد يقول للشيخ : قم بنا لئلا يجري علينا منه شيء . فقال له الشيخ : هذا يضحك عليك ، يريد أن يخرجك من الجنة ، فاستفتح الشيخ يقرأ القرآن ، فذهب الطائر وبقيا كذلك إلى أن تبين الضوء ، وإذا هما على مزبلة والعذرة والنجاسات حولهما، فصفع الشيخ المريد وقال له : هذه هي الجنة التي أوصلك الشيطان إليها .

إن الصوفية تعيش بين الأوهام والأحلام ! وتستمد معظم عقيدتها من الخيال الذي أورثه الخبال !

واللَّه أعلم .. وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .

 

(1) راجع (( أصول الاعتقاد )) لللالكائي .