عناصر الخطبة (وتقسم إلى خطبة أو خطبتين ) :
- 1. المقدمة.
- 2. منزلة العشر الأواخر والاجتهاد فيها.
- 3. الاعتكاف عبادة ربانية وسنة نبوية.
- 4. منزلة ليلة القدر وفضلها عند الله عز وجل.
- 5. زكاة الفطر آخر أعمال الصائم.
- 6. العيد آداب وأحكام.
1- المقدمة
أيها الإخوة، هذه أيام شهر رمضان تنقضَّي، ولياليه الشريفة تمر، شاهدة بما عملتم، وحافظة لما أودعتم، هي لأعمالكم خزائن محصنة، ومستودعات محفوظة، قال تعالى: [يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ] [آل عمران: 30]. ينادي ربكم: [ يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ].([1])
2- منزلة العشر الأواخر والاجتهاد فيها.
عن عائشة -رضى الله عنها- : [ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ ].([2])
وعنها: قالت: [ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ].([3])
ففي هذه الأحاديث دليل على فضيلة هذه العشر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجتهد فيه أكثر مما يجتهد في غيره، وهذا شامل للاجتهاد في جميع أنواع العبادة من قيام لليل، وقراءة للقرآن، وذكر وغيرها.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن عشر ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان، أيهما أفضل؟
فأجاب: أيَّام عشر ذي الحِجَّة؛ أفضل من أيّام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان؛ أفضل من ليالي عشر ذي الحِجّة.
قلت: وسبب تفضيل الأيام العشر من ذي الحجة أن فيها يوم عرفة ويوم النحر، وسبب تفضيل ليالي العشر من رمضان أن فيها ليلة القدر، والله أعلم.([4])
3- الاعتكاف عبادة ربانية وسنة نبوية
والاعتكاف هو: لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله عز وجل، وهو من السنن الثابتة بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، قال الله عز وجل: [وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ][البقرة: 187]، واعتكف النبي -صلى الله عليه وسلم- واعتكف أصحابه معه وبعده، فعن أبي سعيد الخدري -رضى الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم قال: [ إني أعتكف العشر الأول ألتمس هذه الليلة ثم أعتكف العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف ].([5])
وعن عائشة -رضى الله عنها- قالت: [ كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفَّاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده ].([6])
قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: لا أعلم عن أحد من العلماء خلافًا أن الاعتكاف مسنون.([7])
والمقصود بالاعتكاف: انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله في مسجد من مساجده طلبًا لفضله وثوابه وإدراك ليلة القدر، ولذلك ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والقراءة والصلاة والعبادة، وأن يتجنب ما لا يَعنيه من حديث الدنيا، ولا بأس أن يتحدث قليلا بحديث مباح مع أهله أو غيرهم لمصلحة، لحديث صفية أم المؤمنين -رضى الله عنها- قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَسْرَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : [ عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ ] فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: [ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا، أَوْ قَالَ: شَيْئًا ].([8])
بعض آداب الاعتكاف
ويحرم على المعتكف الجماع ومقدِّماته من التقبيل واللمس لشهوة لقوله تعالى: [وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ] [البقرة: 187] ، وأما خروجه من المسجد فإن كان ببعض بدنه فلا بأس به لحديث عائشة -رضى الله عنها- قالت: [ وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنَ المَسْجِدِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ ].([9])
وإذا أراد المعتكف الخروج فالخروج على ثلاثة أقسام:
* الأول: الخروج لأمر لا بدَّ منه طبعًا أو شرعًا كقضاء حاجة البول والغائط، والوضوء الواجب، والغسل الواجب لجنابة أو غيرها، والأكل والشرب، فهذا جائز إذا لم يمكن فعله في المسجد، فإن أمكن فعله في المسجد فلا يخرج ، مثل أن يكون في المسجد حمام يمكنه أن يقضي حاجته فيه وأن يغتسل فيه، أو يكون له من يأتيه بالأكل والشرب فلا يخرج حينئذ لعدم الحاجة إليه.
* الثاني: الخروج لأمر طاعة لا تجب عليه كعيادة مريض وشهود جنازة ونحو ذلك، فلا يفعله.
* الثالث: الخروج لأمر ينافي الاعتكاف كالخروج للبيع والشراء وجماع أهله ومباشرتهم ونحو ذلك، فلا يفعله لا بشرط ولا بغير شرط؛ لأنه يناقض الاعتكاف وينافي المقصود منه.
4- منزلة ليلة القدر وفضلها عند الله عز وجل.
إن من صدق إيمان العبد، ودلائل توفيق الله له أن يغتنم هذه الليلة المباركة، بجلائل الأعمال الصالحة، وأنواع العبادة والطاعة، والتذلل بين يدي الله عز وجل، والإنابة إليه، أملا في إحراز فضل هذه الليلة، ونيل بركتها، فلقد بلغ من عظيم فضلها وجليل ثوابها أن الله عز وجل قال في كتابه المبين: [إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ] [الدخان: 3 - 8]، وصفها الله سبحانه بأنها مباركة لكثرة خيرها وبركتها وفضلها، ومن بركتها أن هذا القرآن المبارك أُنْزِل فيها، ووصفها سبحانه بأنه يفرق فيها كل أمر حكيم، يعني يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكَتَبَة ما هو كائن من أمر الله سبحانه في تلك السنة من الأرزاق والآجال والخير والشر وغير ذلك من كل أمر حكيم من أوامر الله المحكمة المتقنة، التي ليس فيها خلل ولا نقص ولا سفه ولا باطل ذلك تقدير العزيز العليم.
وقال تعالى: [إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ] [القدر: 1 - 5] . القدر بمعنى الشرف والتعظيم، أو بمعنى التقدير والقضاء؛ لأن ليلة القدر شريفة عظيمة يقدِّر الله فيها ما يكون في السنة ويقضيه من أموره الحكيمة، [لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ] يعني في الفضل والشرف وكثرة الثواب والأجر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : [ مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ القَدْرِ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ].([10]) فقوله: (إيمانا واحتسابا) يعني إيمانًا بالله وبما أعد الله من الثواب للقائمين فيها، واحتسابًا للأجر وطلب الثواب، وهذا حاصل لمن علم بها ومن لم يعلم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يشترط العلم بها في حصول هذا الأجر، [تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا] الملائكة عباد من عباد الله قائمون بعبادته ليلًا ونهارًا [لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ] [الأنبياء: 19، 20] ، يتنزلون في ليلة القدر إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة، (وَالرُّوحُ) هو جبريل-عليه السلام-خصَّه بالذكر لشرفه وفضله. [سَلَامٌ هِيَ] يعني أن ليلة القدر ليلة سلام للمؤمنين من كل مخوف لكثرة من يُعتق فيها من النار، ويسلم من عذابها، [حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ] يعني أن ليلة القدر تنتهي بطلوع الفجر لانتهاء عمل الليل به.
وليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : [ تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ].([11]) وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : [ تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ].([12])
وهي في السبع الأواخر أقرب؛ لحديث ابن عمر -رضى الله عنهما-، أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، أُرُوا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي المَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : [ أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ].([13]) ولا تختص ليلة القدر بليلة معينة في جميع الأعوام، بل تتنقل فتكون في عام ليلة سبع وعشرين مثلا، وفي عام آخر ليلة خمس وعشرين تبعا لمشيئة الله وحكمته, فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضى الله عنهما-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- ، قَالَ: [ التَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ القَدْرِ، فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى].([14]) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وَأَرْجَحُهَا كُلِّهَا أَنَّهَا فِي وِتْرٍ مِنَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ وَأَنَّهَا تَنْتَقِلُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ وَأَرْجَاهَا أَوْتَارُ الْعَشْرِ .([15])
وقد أخفي سبحانه علمها على العباد رحمة بهم؛ ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والدعاء فيزدادوا قربة من الله وثوابا، وأخفاها اختبارا لهم أيضا ليتبين بذلك من كان جادا في طلبها حريصا عليها ممن كان كسلان متهاونا، فإن من حرص على شيء جد في طلبه وهان عليه التعب في سبيل الوصول إليه والظفر به , وربما يُظْهِر الله علمها لبعض العباد بأمارات وعلامات يراها كما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- علامتها أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين، فنزل المطر في تلك الليلة فسجد في صلاة الصبح في ماء وطين.([16])
5- زكاة الفطر آخر أعمال الصائم.
ومما اختصت به هذه الأيام إخراج زكاة الفطر، وتسمى صدقة الفطر، وهي المقصودة في قوله تعالى: [قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى] قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي قَوْله تَعَالَى: [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى][الأعلى: 14]: هُوَ زَكَاةُ الْفِطْرِ.([17])
وقد أضيفت إلى الفطر لأنها تجب بالفطر من رمضان، وهي صدقة عن البدن والنفس.([18])
وزكاة الفطر يخرجها المسلم قبل صلاة العيد شكرًا لله تعالى على نعمة التوفيق لصيام رمضان وقيامه، يختم بها المسلم عمل رمضان.
أما عن وقتها فإن زكاة الفطر تجب بغروب الشمس ليلة العيد؛ لأنه الوقت الذي يكون به الفطر من رمضان، وزمن دفعها له وقتان: وقت فضيلة ووقت جواز، فأما وقت الفضيلة فهو صباح العيد قبل الصلاة، كما في حديث ابن عمر -رضى الله عنهما- السابق. وأما وقت الجواز فهو قبل العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أخرها فهي صدقة من الصدقات.
6- العيد آداب وأحكام
تعريف الْعِيدُ: هو كلُّ يومٍ فيه جَمْعٌ، واشتقاقه من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه، وقيل: اشتقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه، والجمع أعياد. ويقال: عَيَّدَ المسلمون: شهدوا عِيدهم. قال ابنُ الأعرابيُّ: سُمي العيدُ عيدًا لأنه يعود كل سنة بفرح مُجدد.([19])
أولًا: التكبير يوم العيد
وهو من السنن العظيمة في يوم العيد لقوله تعالى: [وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ] [البقرة: 185] وعن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي ومالك بن أنس عن إظهار التكبير في العيدين، قالا: نعم كان عبد الله بن عمر يظهره في يوم الفطر حتى يخرج الإمام.([20])
وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : كَانَ النَّاسُ يُكَبِّرُونَ فِي الْعِيدِ ، حِينَ يَخْرُجُونَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ حَتَّى يَأْتُوا الْمُصَلَّى ، وَحَتَّى يَخْرُجَ الإِمَامُ ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ سَكَتُوا ، فَإِذَا كَبَّرَ كَبَّرُوا.([21]) ولقد كان التكبير من حين الخروج من البيت إلى المصلى وإلى دخول الإمام، كان أمرًا مشهورًا جدًّا عند السلف.
ووقت التكبير في عيد الفطر يبتدئ من ليلة العيد إلى أن يدخل الإمام لصلاة العيد.
وصيغة التكبير: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. أو يكبر ثلاثًا فيقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. وكل ذلك جائز، وينبغي أن يرفع الإنسان صوته بهذا الذكر في الأسواق والمساجد والبيوت، ولا ترفع النساء أصواتهن بذلك.
ثانيًا:الاغتسال
من الآداب الاغتسال قبل الخروج للصلاة فقد صح في الموطأ وغيره: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كان يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى.([22])
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: سُنَّةُ الْفِطْرِ ثَلَاثٌ: الْمَشْيُ إِلَى الْمُصَلَّى، وَالْأَكْلُ قَبْلَ الْخُرُوجِ، وَالِاغْتِسَالُ.([23])
وذكر البدر العيني -رحمه الله- اتفاق العلماء مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر، وعن الشافعي -رحمه الله- أنه سنة كالجمعة ذكره في "المهذب" و"نهاية المطلب" على استحباب الاغتسال لصلاة العيد.([24])
ثالثًا: الأكل قبل الخروج
من الآداب ألا يخرج في عيد الفطر إلى الصلاة حتى يأكل تمرات فعن أنس بن مالك -رضى الله عنه- قال: [ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لاَ يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ] وَقَالَ مُرَجَّأُ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، [ وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا ].([25])
وإنما استحب الأكل قبل الخروج مبالغة في النهي عن الصوم في ذلك اليوم، وإيذانا بالإفطار، وانتهاء الصيام، وذكر ابن حجر -رحمه الله- بأنّ في ذلك سدًّا لذريعة الزيادة في الصوم، وفيه مبادرة لامتثال أمر الله.([26]) ومن لم يجد تمرًا فليفطر على أي شيء مباح.
رابعًا: التجمل للعيدين
يلبس أحسن ثيابه، وهذا للرجال فعن جابر -رضى الله عنه- قال: كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- جبة يلبسها للعيدين ويوم الجمعة.([27]) فينبغي للرجل أن يلبس أجمل ما عند من الثياب عند الخروج للعيد. أما النساء فيحرم عليها أن تخرج متطيبة متبرجة، فإنها ما خرجت إلا لعبادة وطاعة.
خامسًا: ومن أحكام صلاة العيد أنه عند كثير من أهل العلم أن الإنسان إذا جاء إلى مصلى العيد قبل حضور الإمام فإنه يجلس ولا يصلي ركعتين؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ يَوْمَ أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنٍ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا.([28])
قال ابنُ القيم -رحمه الله-:
ولم يكن هو -صلى الله عليه وسلم- ، ولا أصحابُه يُصَلّون إذا انتهوا إلى المُصلَّى قبل الصلاة ولا بعدها.([29])
سادسًا:صلاة العيد
قال ابن قدامة : وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ. وَصَلَاةُ الْعِيدِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، إذَا قَامَ بِهَا مَنْ يَكْفِي سَقَطَتْ عَنْ الْبَاقِينَ، وَإِنْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهَا قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ. وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَلَيْسَتْ فَرْضًا، لِأَنَّهَا صَلَاةٌ شُرِعَتْ لَهَا الْخُطْبَةُ، فَكَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْأَعْيَانِ، وَلَيْسَتْ فَرْضًا. كَالْجُمُعَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: قِيلَ إنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ ذَكَرَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: [ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ ]. وَقَوْلُهُ -عليه السلام-: [ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ ]. واستدلوا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر حتى ذوات الخدور والعواتق ومن لا عادة لهن بالخروج أن يحضرن مصلى العيد، إلا أن الحيض يعتزلن المصلى.([30])
ويقرأ الإمام في الركعة الأولى (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية (هل أتاك حديث الغاشية).([31])
أو يقرأ سورة (ق) في الأولى، وسورة القمر في الثانية.([32])
سابعًا: حكم الاستماع لخطبة العيد
قال النووي -رحمه الله-:
ويستحب للناس استماع الخطبة، وليست الخطبة ولا استماعها شرطًا لصحة صلاة العيد، لكن قال الشافعي: لو ترك استماع خطبة العيد أو الكسوف أو الاستسقاء أو خطب الحج أو تكلم فيها أو انصرف وتركها كرهته ولا إعادة عليه.([33])
ثامنًا : التهنئة
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن التهنئة فأجاب:
أما التهنئة يوم العيد، بقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد: تقبّل اللهُ منا ومنكم، وأحالَ اللهُ عليك، ونحو ذلك، فهذا قد رُوي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ورخَّص فيه الأئمة، كأحمدَ وغيرِه، لكن قال أحمد: أنا لا أبتدىء أحدًا، فإن ابتدأني أحدٌ أجبتُه، وذلك لأنّ جوابَ التحية واجبٌ، وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأمورًا بها، ولا هو أيضًا مما نُهي عنه، فَمَن فعله فله قدوة، ومن تركه فله قدوة، والله أعلم.([34])
تاسعًا:الذهاب من طريق والعودة من آخر
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضى الله عنهما- قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ.([35])
قال الإمام ابن قيم الجَوْزِيَّة:
وكان -صلى الله عليه وسلم- يخالف الطريق يوم العيد، فيذهب في طريق، ويرجع في آخر، فقيل: ليُسلّم على أهل الطريقين، وقيل: لينال بركتَه الفريقان، وقيل: ليقضي حاجةَ من له حاجةٌ منهما، وقيل: ليُظهر شعائر الِإسلام ... وقيل - وهو الأصح-: إنه لذلك كلِّه، ولغيره من الحِكَم التي لا يخلو فعله -صلى الله عليه وسلم- منها.([36])
تنبيهات على بعض المنكرات والمحظورات التي تقع يوم العيد
1- بعض الناس يعتقدون مشروعية إحياء ليلة العيد، ويتناقلون في ذلك حديثا لا يصح، وهو أن من أحيا ليلة العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب وهذا الحديث موضوع فلا يشرع تخصيص ليلة العيد بذلك من بين سائر الليالي، وأما من كان يقوم سائر الليالي فلا حرج أن يقوم في ليلة العيد.([37])
2- اختلاط النساء بالرجال في بعض المصليات والشوارع وغيرها.
3- ذهاب بعض الناس لزيارة المقابر وهذا لم يشرعه النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم العيد فيوم العيد يوم فرحة وسعادة وسرور لا يوم حزن وبكاء وعويل.
4- مصافحة النساء الأجنبيَّات- غير المُحَرَّمات- وهذا مما تعم به البلوى، ولم يَنْجُ منه إلا من رحم اللهُ، وهومُحَرَّمٌ، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: [ لأن يُطعن في رأس رجل بمخيط من حديد، خير من أن يمس امرأة لا تحل له ].([38])
خامسًا: التشبُّه بالكفار والغربيين في الملابس واستماع المعازف وغيرهما من المنكرات، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: [ من تشبه بقوم فهو منهم ].([39])
([1]) صحيح مسلم (4/ 1994) من حديث أبي ذر -رضى الله عنه-.
([4]) مجموع الفتاوى (25/ 287).
([7]) نقلًا عن الصنعاني في سبل السلام (1/ 593).
([15]) فتح الباري لابن حجر (4/ 266).
([16]) مجالس شهر رمضان للعثيمين (ص 115: 125) بتصرف يسير.
([17]) المغني لابن قدامة - إحياء التراث (2/ 351).
([18]) انظر المغني لابن قدامة - إحياء التراث (2/ 351).
([20]) نقلًا عن إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (3/ 122).
([21]) مصنف ابن أبي شيبة (2/ 165).
([22]) موطأ مالك ت عبد الباقي (1/ 177).
([23]) أحكام العيدين للفريابي (ص 84).
([24]) البناية شرح الهداية (3/ 99).
([28]) رواه البخاري (989)، والترمذي (537)، والنسائي (3/193)، وابن ماجه (1291).
([30]) المغني لابن قدامة (2/ 272).
([31]) رواه مسلم (878)، والترمذي (533)، والنسائي(3/184)، وابن ماجه (1281) عن النعمان بن بشير -رضى الله عنه-.
([32]) رواه مسلم (891)، والنسائي (8413)، والترمذي (534)، وابن ماجه (1282) عَن أبي واقد اللَّيثي -رضى الله عنه-.
([33]) المجموع شرح المهذب (5/ 23).
([34]) مجموع الفتاوي (24/253).
([37]) انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة (520)، (521).
([38]) صحيح، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/ 447).