تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم

2012-07-17

زكريا حسينى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول على المنبر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارى ابْنَ مَرْيَم فإِنَّمَا أنا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ)

هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب (واذكر في الكتاب مريم) برقم وفي كتاب الحدود مطولا باب (رجم الحبلى في الزنا إذا أحصنت) كما أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم، ومطولا برقم، وكذلك أخرجه الدارمي في السنن في كتاب الرقاق باب في (قول النبي صلى الله عليه وسلم) (لا تطروني) برقم

راوي الحديث

هو أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح، وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم

مولده بمكة قبل الفجار الأخير بأربع سنين، وقيل مولده يوم الاثنين لأربع بقين من ذي الحجة، أسلم عمر رضي الله عنه بعد تسعة وثلاثين رجلا وإحدى عشرة امرأة، وكان إسلامه عزًا ظهر به الإسلام قال أبو عمر بن عبد البر ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر عمر رضي الله عنه ثلاث مرات وقال (اللهم أخرج ما في صدر عمر من غلّ وأبدله إيمانا) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه)، وعن أبي هريرة وعقبة بن عامر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم (لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب)

وَلِي الخلافة بعد أبي بكر الصديق، واستمرت خلافته عشر سنين وستة أشهر، قتل لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين للهجرة، ودفن إلى جوار أبي بكر الصديق رضي الله عنهما

شرح الحديث

قوله (لا تطروني) قال في النهاية الإطراء مجاوزة الحد في المدح، والكذب فيه، جاء في لسان العرب أطرى الرجل أحسن الثناء عليه، وأطرى فلانٌ فلانا إذا مدحه بما ليس فيه

والمقصود أنه نهى أمته عن الكذب في مدحه برفعه فوق منزلته، كما فعلت النصارى بعيسى ابن مريم عليه السلام

وأما رسولنا فقد بين الله عز وجل أنه بشر، وأنه رسول مثل الرسل قبله؛ فقال تعالى قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ الكهف، وقال سبحانه وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ آل عمران

ولقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون وتابعوهم بإحسان يعظمون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوقرونه ويعزرونه كما أمرهم الله عز وجل في كتابه وكما بين لهم رسولهم صلوات الله وسلامه عليه، فكانوا يأتون من ذلك كله الحق لا يجاوزونه؛ فلا يرفعونه فوق منزلته التي أنزله الله إياها ولم يجعلوه شريكا لله يتصرف في ملك الله، ولا نسبوا إليه ما ليس بصحيح من أمور اعتقادية كأن يكون خلق من نور، أو أن الله خلق الخلق من أجله، أو ما شابه ذلك من الكذب والباطل الذي درج عليه المبتدعة وأهل الأهواء قديما وتابعهم عليه مبتدعة زماننا حديثا

وانظر رحمني الله وإياك إلى ما رواه الترمذي في الشمائل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو من أقرب الناس إليه - يصفه بالأوصاف البشرية التي تفوق كل البشر، ومع ذلك لا تخرجه عن كونه بشرًا صلوات ربي وسلامه عليه يقول (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس صدرًا وأصدقهم لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعتُهُ لم أر قبله ولا بعده مثله)

وأما قوله (فإنما أنا عبدُهُ) وفي رواية (عبدٌ) أي عبد الله، فهو يبين لنا أنه عبد لله مخلوق لله لا يرتفع عن منزلته التي أنزله الله تبارك وتعالى، والله عز وجل وصفه بوصف العبودية في أشرف الأحوال، فقال الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا الكهف، وقال سبحانه سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الإسراء، وقوله فقولوا عبد الله ورسوله، أمرنا أن نصفه بهذين الوصفين وصف العبودية لله، ووصف الرسالة، فهما أعظم وصف يوصف به المخلوق أن يكون عبدًا لله تعالى وهذا أشرف مقام للمخلوق مع خالقه، ثم وصف الرسالة الذي يتميز به عن عامة البشر، فإنه يعني أنه يوحى إليه من ربه فلذلك أمره ربه سبحانه أن يقول ذلك لأمته وللناس جميعًا أنه جمع الله تعالى له بين الوصفين، قال سبحانه وتعالى قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ الكهف، أي معلنا توحيد الله تعالى وعدم الإشراك به فإن كان هو عبدًا لله يوحي إليه الله بشرعه فإن الله واحد لا شريك له لا في الخلق ولا في الأمر، فينبغي أن يعظم ويحب ويؤله، إنما يكون الحب والتعظيم لمن أمر الله بحبه وتعظيمه وهو عبده ورسوله محمد والصالحون من عباده، وهناك فرق عظيم بين الحب والعبادة التي يشرك فيها المبطلون بربهم رسوله أو أولياءه من رفع بعضهم فوق منزلته التي أنزله الله تعالى وصرف كثير من العبادات لغير الله تعالى سواء لرسوله أو لأوليائهم الذين يتخذونهم أندادًا من دون الله

فحقوق الرسول صلى الله عليه وسلم التي تقتضي منا القيام بها هي

 - الإيمان به قال تعالى فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا التغابن

وقال هو (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به)، ومعنى الإيمان به التصديق بنبوته ورسالته، وأن كل ما جاء به وما أخبر به فهو صدق

 - محبته قال تعالى قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ التوبة

وقال (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)

 - طاعته قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ محمد، وقال تعالى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ النساء، وقال تعالى وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا الحشر، وقال (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه)

 - متابعته إن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم عقيدة وعملا وقولا واجبة، بل هي الدين كله، ومخالفته في ذلك هي الخروج من الدين كله، قال تعالى وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ الأعراف، وقال تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ آل عمران

ومن مظاهر هذه المتابعة

 أ-  أن لا يبتدع المسلم بدعة، وألا يعمل ببدعة ابتدعها غيره مهما كان هذا المبتدع

 ب-  رد كل قول لقوله، وترك كل تشريع لشرعه، والإعراض عن كل ما خالف هديه في الاعتقاد والقول والعمل

 جـ-  التمسك بالسنة الواجبة والمستحبة على السواء

 - الاقتداء به قال الله تعالى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ الأحزاب

كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول (القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة، وكان أبي بن كعب رضي الله عنه يقول (إن اقتصادًا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة وموافقة بدعة، وانظروا أن يكون عملكم إن كان اجتهادًا واقتصادًا أن يكون على منهج الأنبياء وسنتهم)

 - توقيره وتوقير النبي صلى الله عليه وسلم معناه تعظيمه وإجلاله والإكبار من شأنه ورفع قدره حتى لا يدانيه أحد من الناس وهذا واجب المسلم، وضد ذلك هو الاستخفاف به وهو كفر وخروج من ملة الإسلام قال تعالى إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً الفتح،

فالتعزير النصرة والتأييد، والتوقير الإجلال والتعظيم

ومن مظاهر توقيره

 أ-  ما أرشد الله إليه في كتابه بقوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الحجرات، أي لا تقولوا قبل أن يقول، وإذا قال فاستمعوا له وأنصتوا

 ب-  وما أرشد الله إليه بقوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ الحجرات فرفع الصوت عنده يدل على عدم توقيره وعدم الأدب معه، وكذلك الجهر بالقول له إذا خاطبوه وكلموه

 جـ-  عدم ندائه باسمه العلم (يا محمد) وإرشادهم أن يدعوه بلقب الرسالة والنبوة قال تعالى لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا النور

 - تعظيم شأنه أي احترام كل ما له تعلق به، كاسمه وحديثه وسنته وشريعته وآل بيته وصحابته وأفراد أمته، إذ كل ذلك داخل تحت حرمات الله تعالى والله يقول وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ الحج ولقد بلغ الصحابة والتابعون وتابعوهم في ذلك مبلغا عظيما

 - النصح له قال تعالى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ التوبة وقال (الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله) فجعل النصح له دينا، ومن النصيحة للرسول

 أ - التصديق بنبوته والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه

 ب -  شدة المحبة له ولآل بيته وجميع أصحابه

 جـ  -إبلاغ رسالته بعده ونشر دعوته وإقامة شريعته وإعزاز أهل ملته، وإذلال أهل بغضه وعداوته من الكائدين لدينه ولأمته وملته

 محبة آل بيته وصحابته إذ محبة آل بيته ومحبة أصحابه من محبته، وما دامت محبته واجبة فمحبة ما يحب واجبة أيضا ويكفي في ذلك بعض الأحاديث التي وردت عنه ومنها (أنشدكم الله في أهل بيتي) وقوله (الله الله في أصحابي) إلى آخر ما جاء عنه في هذا الشأن، ولقد كان الصحابة نعم من يعمل بذلك وينفذه

 الصلاة عليه إن الصلاة عليه من أوجب الواجبات، وهي واجبة بالقرآن والسنة والإجماع فقد قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا الأحزاب

وقال (رغم أنف امرئ ذكرت عنده ولم يصل عليَّ) وقال (وصلوا عليَّ حيث كنتم فإن صلاتكم تبلغني) إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك

وأخيرًا فأين المدعون لمحبته المحتفلون بيوم مولده من هذه الحقوق العشرة؟ إنهم أبعد الناس عن ذلك ولا سيما اتباعه والعمل بسنته، والنصح له وطاعته وما أيسر الكلام والادعاء، وما أصعب العمل والمتابعة

نسأل الله تعالى الهداية والتوفيق والسداد لجميع المسلمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

عدد المشاهدات 13470