كسوف الشمس بين علماء الشريعة وعلماء الفلك
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رحمة الله للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: انْكَسَفَتِ الشمسُ يومَ ماتَ إبراهيمُ فقال الناس: انْكَسَفَتْ لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الشَّمْسَ والقَمَر آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لا يَنْكَسِفَان لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحياتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ».
وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: خَسَفَت الشمسُ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى، ثم انصرف وقد انجلت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الشَّمْسَ والْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله، لا َينْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا، وتَصَدَّقُوا» ثم قال: «يَا أُمَّةَ محمدٍ، واللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحمدٍ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثىرًا».
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خَسَفَتِ الشمسُ فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعًا يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد فصلى بأطول قيام وركوع وسجود، ما رأيته قط يفعله، وقال: «هَذِهِ الآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ لا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُم شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ».
الحديث الأول؛ حديث المغيرة أخرجه البخاري في ثلاثة مواضع من صحيحِه أولها في كتاب الكسوف باب الصلاة في كسوف الشمس رقم (3401) والثاني في باب الدعاء في الخسوف من نفس الكتاب برقم (0601)، وثالثها في كتاب الأدب باب من سَمَّى بأسماء الأنبياء برقم (9916)، وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب الكسوف باب النداء بصلاة الكسوف الصلاة جامعة برقم (519)، وعزاهُ في تحفة الأشراف للنسائي في الكبرى (الصلاة 608/3).
والحديث الثاني حديث عائشة أخرجه البخاري أيضا في صحيحه في كتاب الكسوف بأرقام: (4401 ـ 6401 ـ 7401 ـ 0501 ـ 6501 ـ 8501 ـ 4601 ـ 5601 ـ 6601) كما أخرجه في مواضع متعددة منها: (2121 ـ 3023 ـ 4264 ـ 1225 ـ 1366) وأخرجه مسلم برقم (109) في كتاب الكسوف باب صلاة الكسوف، وأخرجه النسائي في كتاب الكسوف برقم (5741).
وأما حديث أبي موسى، وهو الحديث الثالث، فأخرجه البخاري في كتاب الكسوف باب الذكر في الكسوف برقم (9501)، وأخرجه مسلم في كتاب الكسوف أيضا باب النداء بصلاة الكسوف برقم (219)، كما أخرجه النسائي في كتاب الكسوف باب الأمر بالاستغفار في الكسوف برقم (4051).
هذا وقد ورد الكسوف في الصحيحين وفي غيرهما من كتب السنن والمسانيد والمستدركات ودواوين الإسلام عن عدد من الصحابة غير هؤلاء الثلاثة، منهم: أبو بكرة، وأبو مسعود الأنصاري، وابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص، وابن عباس، وأسماء بنت أبي بكر، وجابر بن عبد الله، وعبد الرحمن بن سمرة والنعمان بن بشير، وسمرة بن جندب، وابن مسعود، وقبيصة الهلالي، وأبي بن كعب وعلي. هذا العدد من الصحابة وردت عنهم صلاة الكسوف، وكيف صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وماذا قال في خطبة الكسوف وكيف علم الناس توحيد الله عز وجل وردهم إلى الله في جميع أمورهم، وكيف يفزعون إلى الصلاة والذكر والتسبيح والتكبير والتهليل، كما وردت أحاديث أخرى في الشمس وأين تذهب في غروبها.
شرح بعض الألفاظ في الأحاديث الثلاثة
قوله: «انكسفت الشمس» وفي بعض الروايات «كسفت» وفي بعضها الآخر «خسفت»: أما كسفت فمعناه: ذهب ضوؤها واحتجبت، قال في المعجم الوسيط: «احتجاب نور الشمس أو نقصانه بوقوع القمر بينها وبين الأرض. وأما خسفت فمعناه: ذهب نورها أو نقص. قال الحافظ في الفتح: والمشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس، والخسوف للقمر، واختاره ثعلب (من أئمة اللغة)، وذكر الجوهري أنه أفصح، وقيل: يتعين ذلك، وحكى عياض عن بعضهم عكسه، وغَلَّطَهُ لثبوته بالخاء في القمر في القرآن، وقيل: يقال بهما في كل منهما. أي بالكسوف والخسوف للشمس وكذلك للقمر، قال: وبه جاءت الأحاديث، ولا شك أن مدلول الكسوف غير مدلول الخسوف من حيث اللغة؛ لأن الكسوف هو التغير إلى سواد، والخسوف هو النقصان أو الذل، فإن قيل في الشمس كسفت أو خسفت لأنها تتغير ويلحقها النقص ساغ، وكذلك القمر، ولا يلزم من ذلك أن الكسوف والخسوف مترادفان، وقيل في التفريق بين الكسوف والخسوف أن يكون بالكاف في الابتداء وبالخاء في الانتهاء، وقيل بالكاف لذهاب جميع الضوء (أي ما يسمي بالكلي)، وبالخاء لبعضه، وقيل بالخاء لذهاب كل اللون وبالكاف لتغيره. اهـ من فتح الباري بتصرف (جـ2/ ح7401).
قوله: «يوم مات إبراهيم» أي تصادف ذلك في اليوم الذي مات فيه إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر: وقد ذكر جمهور أهل السِّيَر أنه مات السنة العاشرة من الهجرة، وقيل: مات سنة تسع.
قوله صلى الله عليه وسلم: «آيتان من آيات الله» أي علامتان من الدلائل على وحدانية الله تعالى وعظيم قدرته، أو على تخويف العباد من بأس الله وسطوته، ويؤيده قول الله تعالى: (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) [الإسراء: 95] وكذا قوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي موسى: «يخوف الله بها عباده».
قوله: «لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته»: كان أهل الجاهلية إذا كسفت الشمس أو خسف القمر قالوا: إنما حدث ذلك بسبب موت عظيم من عظماء أهل الأرض، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك من آيات الله تعالى ولا تعلق للشمس ولا للقمر بالتأثير في الأرض ولا في أهل الأرض، وإذا كانت الشمس من أكبر الكواكب وهي لا تملك نفعًا ولا ضرًا فما دونها أولى بذلك كما كان أهل الجاهلية يعتقدون نزول المطر بتأثير الكواكب والأنواء. كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فهو مؤمن بالله كافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا فهو كافر بالله مؤمن بالكوكب». وهنا ينفي النبي صلى الله عليه وسلم أن يحدث الكسوف أو الخسوف لموت أحد ولو كان ابنه صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ في الفتح: قوله (ولا لحياته): استُشْكِلت هذه الزيادة، لأن السياق إنما ورد في حق من ظن أن ذلك لموت إبراهيم، ولم يذكروا الحياة، والجواب: أن ذكر الحياة مع الموت نفي أن يكون كل منهما سببًا في الكسوف، حتى لا يُتوهم أن نفي كونه سببًا للموت لا ينفي كونه سببا للإيجاد، فعمم الشارع النفي لدفع هذا التوهم.
قوله: «فإذا رأيتموهما» أي إذا رأيتم كسوف كل منهما، ولا يفهم من ذلك وقوع كسوفهما معا في وقت واحد فإن ذلك مُحَالٌ إلا أن يشاء الله. وفيه دليل على مشروعية الصلاة في خسوف القمر.
قوله في الحديث الثاني: «والله ما من أحد أغير من الله»: فيه القسم لتأكيد الخبر وإن كان السامع غير شاكٍ، وقوله: «ما من أحد أغير» «ما» حجازية و«مِنْ» زائدة وأحد اسم «ما» و«أغير» منصوب خبرها، ويجوز في «أغير» الرفع على أن «ما» تميمية فلا تعمل.
وأما غيرة الله تعالى وبلوغها الذروة فذلك ثابت في غير ما حديث، من ذلك حديث المغيرة بن شعبة في الصحيحين: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مُصْفِح عنه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتعجَبُون من غيرة سعدٍ، والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين، ولا أحد أحب إليه المِدْحَةُ من الله، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة». [البخاري 6486، 6147 ـ مسلم 9941]
وقوله: «يا أمة محمد»: فيه معنى الإشفاق أولا، ثم فيه مبالغة في التواضع عند الوعظ ليكون أقرب إلى انتفاع من يسمعه.
وقوله: «أن يزني عبده أو تَزني أمته»: قال الحافظ في الفتح: لعل تخصيص العبد والأمة بالذكر رعاية لحسن الأدب مع الله تعالى لتنزهه سبحانه عن الزوجة والأهل ممن تتعلق بهم الغيرة غالبًا.
وقوله: «لو تعلمون ما أعلم»: أي من عظيم قدرة الله تعالى وانتقامه من أهل الكفر والمعاصي، وقيل معناه: لو دام علمكم كما دام علمي، لأن علمه متواصل بخلاف غيره، وقيل معناه: لو علمتم من سعة رحمة الله تعالى وحلمه وغير ذلك ما أعلم لبكيتم على ما فاتكم من ذلك.
وقوله في الحديث الثالث: «يخوف الله بها عباده» قال الحافظ في الفتح: فيه رد على من يزعم من أهل الهيئة أن الكسوف أمر عادي لا يتأخر ولا يتقدم، إذ لو كان كما يقولون لم يكن في ذلك تخويف، ويصير بمنزلة الجزر والمد في البحر، وقد رَدَّ عليهم ذلك ابن العربي وغير واحد من أهل العلم بما في حديث أبي موسى حيث قال: «فقام فزعًا يخشى أن تكون الساعة» قالوا (أي العلماء): فلو كان الكسوف بالحساب لم يقع الفزع، ولو كان بالحساب لم يكن للأمر بالعتق والصدقة والصلاة والذكر معنى، فإن ظاهر الأحاديث أن ذلك يفيد التخويف. وأن كل ما ذكر من أنواع الطاعة يرجى أن يدفع به ما يخشى من أثر ذلك الكسوف، وقد وقع في حديث النعمان بن بشير وغيره للكسوف سبب آخر غير ما يزعمه أهل الهيئة وهو ما أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وصححه ابن خزيمة والحاكم بلفظ «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله، وأن الله إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له» وقد استشكل الغزالي هذه الزيادة وقال: إنها لم تثبت فيجب تكذيب ناقلها، قال: ولو صحت لكان تأويلها أهون من مكابرة أمور قطعية لا تصادم أصلا من أصول الشريعة. قال ابن بزيزة: هذا عجب منه، كيف يسلم دعوى الفلاسفة ويزعم أنها لا تصادم الشريعة؟ مع أنها مبنية على أن العالم كُرِيُّ الشكل وظاهر الشرع يعطي خلاف ذلك، والثابت من قواعد الشريعة أن الكسوف أثر لإرادة الله الفاعل المختار، فيخلق في هذين الجرمين النور متى شاء والظلمة متى شاء من غير توقف على سبب أو ربط باقتراب، قال الله تعالى: (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون (71) قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون) [القصص: 17027].
ولقد شهد العالم كله الكسوف الكلي الذي حدث في مصر في منطقة السلوم شمالي البلاد، جاء الباحثون والراصدون من كثير من أنحاء العالم، ورأوا تحول النور إلى ظلمة في لحظات، فهل اعتبر أهل العلم وهل ادكر أهل الحسابات الفلكية؟ هل تفكر أحد في قدرة الله تعالى؟ هل ازداد المؤمنون إيمانًا؟ والله عز وجل ذكر علم النبات بعد إنزال المطر من السماء، وعلم الجبال، واختلاف ألوان الناس والدواب والأنعام، ثم عقَّب على ذلك بأن العلماء وحدهم هم الذين يخشون الله تعالى حق الخشية فقال تعالى في سورة فاطر: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود (27) ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور) [فاطر: 72-82].
فالأصل أن العلم؛ أي علم من العلوم يؤدي إلى خشية الله تعالى ورد الأمر إليه وحده.
والحديث الذي رده الغزالي قد أثبته غير واحد من أهل العلم، وهو ثابت من حيث المعنى أيضا؛ لأن النورية والإضاءة من عالم الجمال الحسي، فإذا تجلت صفة الجلال انطمست الأنوار لهيبته، ويؤيده قوله تعالى: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) [الأعراف: 341] اهـ. كلام ابن بزيزة.ثم قال ابن حجر: ويؤيد هذا الحديث ما رويناه عن طاووس أنه نظر إلى الشمس وقد انكسفت فبكى حتى كاد يموت وقال: هي أخوف لله منا. وقال ابن دقيق العبد: ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله: «يخوف الله بها عباده» وليس بشيء؛ لأن لله أفعالا على حسب العادة، وأفعالا خارجة عن ذلك، وقدرته حاكمة على كل سبب فله أن يقطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض، وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرة الله تعالى على خرق العادة، وأنه يفعل ما يشاء، إذا وقع أمر غريب حدث عندهم الخوف لقوة ذلك الاعتقاد، وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله خرقها. وحاصله أن الذي يذكره أهل الحساب حقا في نفس الأمر لا ينافي كون ذلك مخوفا لعباد الله تعالى. اهـ
بين علم الشريعة وعلم الفلك
ولقد نقلنا ما قاله علماء المسلمين قديما حول هذه القضية، فابن حجر من علماء القرن الثامن وأوائل التاسع الهجري، وقد نقل عن ابن العربي المالكي وهو من علماء القرن السادس الهجري وشيخه الغزالي وهو من علماء القرن الخامس الهجري، والكلام عن كروية الأرض وعن أن قرص القمر يحجب قرص الشمس عند الكسوف، وأن الأرض تحجب قرص الشمس عن القمر فيحدث خسوف القمر، إلى غير ذلك مما يُدعى أنه من العلم الحديث بينما الكلام فيه قديم، كما رأيت أيها الأخ المسلم، لكن كثيرا من المسلمين لمَّا قل علمهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم بهرتهم الدراسات الحديثة حول ظاهرة الكسوف والخسوف، والأمر كما ترى ليس بجديد، ولكن الجديد تأثر أبناء المسلمين بما يقال حول هذه الظواهر حتى رأينا من يصرح بأن هذه الظواهر لم تكن معلومة عند السابقين، فلذلك اتخذوا لها صلاة، فلقد سأل بعض المذيعين بعض الباحثين بعد تفسير ظاهرة الكسوف ـ علميا كما يزعمون ـ سأل قائلا: إذن لماذا عملوا للكسوف صلاة؟ هكذا يفكر أبناء المسلمين في هذا العصر، وهكذا يتساءلون!! ويأتي الجواب على هذا التساؤل بأسوأ مما ورد في السؤال، وهو قول الباحثة: لأنهم كانوا لا يعرفون تفسير هذه الظواهر علميا.
ونحن بدورنا نتساءل: من الذي عمل للكسوف صلاة؟ هل اخترعها قدامى الفقهاء من المسلمين؟ أو أنها جاءت بفكر من بعض المفكرين؟!!
إن الذي سن لنا صلاة الكسوف والخسوف هو الذي سن لنا صلاة الاستسقاء وهو الذي سن لها صلاة العيدين، إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بربه وأخشاهم له وأتقاهم على الإطلاق، فلقد صح عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: «والله إني لأعلمكم بالله وأتقاكم له وأخشاكم له».والله تبارك وتعالى قال في كتابه: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) [فاطر:82].
ولقد مضى في حديث عائشة الذي معنا كيف صلى بالناس صلاة الكسوف، وكيف خطب، وماذا قال في خطبته، والأحاديث في ذلك كثيرة كما أشرنا تبين كيفية صلاة الكسوف، وما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من الفزع إلى ذكر الله والتسبيح والتهليل والتكبير، والاستغفار، والتصدق، وما بينه بعد ذلك من غيرة الله تعالى أن تنتهك محارمه، وذلك كله بعد ما بين صلى الله عليه وسلم أن الشمس والقمر من دلائل قدرة الله وتوحيده وعظمته.
ولكننا رأينا الآن من يصرح في الصحف: أن المصائب التي تصيب المسلمين، والبلايا التي تحل بهم لا علاقة لها بالمعاصي والذنوب، بل من أبناء المسلمين من يصرح بأن الظواهر الطبيعية من كسوف وخسوف وزلازل وأعاصير لا دخل لله فيها، تعالى الله عما يقول الجاهلون والظالمون علوًا كبيرًا.
صلاة الكسوف
يسن للمسلمين صلاة الكسوف ركعتين، وهي مشروعة حضرًا وسفرًا للرجال والنساء والصبيان كالجمعة والعيدين، وإنما لم تجب لحديث الأعرابي الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل عليَّ غيرها؟» أي الصلوات الخمس، قال: «لا: إلا أن تطوع».
وقيل في حكمة مشروعيتها: إن الشمس من أكبر نعم الله تعالى على خلقه، وعليها تتوقف حياة الكائنات، وكسوفها يشعر بأنها قابلة للزوال، بل فيه إعلام بأن العالم كله علويه وسفليه في قبضة إله قدير، قادر على إذهابه في لحظة، والصلاة في هذه الحالة إظهار للتذلل والخضوع لله القوي القاهر، وذلك من محاسن دين الإسلام الذي جاء بالتوحيد الخالص ونبذ عبادة الأوثان، ومنها الشمس والقمر وغيرهما من العوالم. وتُصَلى صلاة الكسوف جماعة أو فرادى، سرّا أو جهرًا، بخطبة أو بلا خطبة، وفعلها في مسجد الجمعة والجماعة أفضل، ولا يشترط لها إذن الإمام، وتشرع بلا أذان ولا إقامة، ويندب أن ينادى لها «الصلاة جامعة» كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
وكيفيتها المختارة الراجحة هي الواردة في حديث عائشة: ركعتان، في كل ركعة ركوعان وسجودان، وقبل كل من الركوعين قراءة، ويسن فيها تطويل القراءة والركوع والسجود.
نسأل الله تعالى أن يلهم المسلمين رشدهم وأن يفقههم في دينهم، وأن يعلي شأنهم، وأن يعز الإسلام وأهله، ويرد ضال المسلمين إلى الصراط المستقيم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.