اغتنام الأوقات في شهر الخيرات
رمضان شهر الخيرات والبركات، يجمع الله فيه للمؤمن ألواناً من الطاعات قلما تتيسر له في غير رمضان، فهو سوق رائجة للجنة «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ومردة الجان» متفق عليه.
وقد جعل الله سبحانه أبواب الجنات على حسب ألوان الخيرات والطاعات، فجعل للصلاة باباً وللصوم باباً وللجهاد في سبيل الله باباً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبوب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها ؟ قال: نعم وأرجو أن تكون منهم» متفق عليه
فهل ترجو أن تكون من أهل هذه الأبواب وقد جمع الله تعالى لعباده في رمضان بين الصلاة فرضاً ونفلاً، ويسر لهم قيام الليل في رمضان، وبين الصوم المفروض في رمضان النافلة بعده، وبين الزكاة والصدقة وإطعام الطعام وتفطير الصائمين ومجاهدة النفس والشيطان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقراءة القرآن وسماعه في الصلاة وخارج الصلاة، والدعوات، والأذكار، والعمرة والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والاعتكاف في المساجد وغيرها من أعمال البر والخيرات والناس ما بين مستقل ومستكثر، ومقبل ومدبر وحريص على الخير ومعرض عنه، فاختر لنفسك، وسل ربك الهداية إلى الخيرات، فإنما التوفيق والسداد بيد الله عزوجل، ولن تنال هذه البركات، وتنهل من معين الخيرات والقربات ما لم تطهر نفسك من الذنوب والآثام بالتوبة النصوح والاستغفار وقد من الله تعالى علينا فجعل صيام رمضان وقيامه سبباً لمغفرة الذنوب والعتق من النيران فلله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة من ليالي رمضان، فمن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، والتعيس البائس الذي يُحرم هذه البركات ومن أدرك رمضان ولم يغفر له أبعده الله، فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ويا طالب المغفرة استغفر ويا مشمراً للجنة هذه جنة الخلد قد تهيأت. منهج عملي لاغتنام رمضان.
*أولاً : ارفع جهاز التلفاز من البيت ودع الأفلام والمسلسلات والفوازير والمباريات فهي أعظم شاغل يحول بينك وبين اغتنام الأوقات في شهر الخيرات، أو على أقل تقدير اضبط جهازك على قنوات تبث القرآن الكريم والعلم الشرعي النافع
*ثانياً : حافظ على أداء الصلوات الخمس في المسجد واحرص على صلاة الجماعة حيث يتضاعف الأجر كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - «صلاة الرجل في جماعة تعدل صلاته في بيته بسبع وعشرين درجة».والزم مسجداً يقيم السنة، ويدحض البدعة، واحرص على احتساب خطواتك إلى المسجد، فإن كل خطوة يكتب الله لك بها درجة كما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم - .واحرص على التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل بعد كل صلاة وقراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين، واعلم أن جلوسك في المسجد بعد الصلاة يساوي ثواب الصلاة، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه.
*ثالثاً : احرص على أداء السنن الرواتب في بيتك ولا تجعل بيتك كالقبر الذي لا يُصلى فيه، واعلم أن ثواب النافلة في البيت خير من ثوابها في المسجد لقول النبي-صلى الله عليه وسلم - : «أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة» ولقوله -صلى الله عليه وسلم - : «صلاة الرجل النافلة في بيته أفضل من صلاة في مسجدي هذا، فإذا كانت الصلاة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم - خير من ألف صلاة فيما سواه عدا المسجد الحرام، فصلاة النافلة في البيت تفضل صلاتها في المسجد بهذا القدر وزيادة. واحرص على ركعتين قبل الصبح، فهما خير من الدنيا وما فيها وأربع قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء لقول النبي-صلى الله عليه وسلم - «من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بُني له بهن بيت في الجنة» ولو صليت أربعاً قبل العصر، وركعتين قبل المغرب، وركعتين قبل العشاء، فضلاً عن تحية المسجد وسنة الوضوء فهو خير، واعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربعاً»، وقال -صلى الله عليه وسلم - : «صلوا قبل المغرب».واحرص على قيام الليل في رمضان مع الإمام، فمن صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، وصلاتك في جوف الليل خير من صلاتك في أوله، واجعل آخر صلاتك من الليل وتراً. ونصيحتي للأئمة في المساجد بالتخفيف في دعاء القنوت وعدم الإطالة فيه، مع الحرص على دعاء الاستفتاح والدعاء قبل السلام فإنه أقرب للسنة وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم - .دخل بعض السلف على أحد الصالحين قال: فأطال الصلاة فلما فرغ قلت: قد كبرت ووهن عظمك ورق جلدك وضعفت قوتك ولو اقتصرت على بعض صلاتك، فقال:اسكت، طريق عرفنا به ربنا، لا ينبغي لنا أن نقتصر منه على بعضه، والنفسُ ما حملتها تتحملُ، والصلاة صلة بين العبد وربه، فالله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت، والسجود قربة كما قال تعالى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ، وقال -صلى الله عليه وسلم - : «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» ومن ترك طريق القرب يوشك أن يُسلَك به طريق البعد، ثم أنشد:
صبرت عن اللذات حتى تولت
وألزمت نفسي هجرها فاستمرتِ
وكانت على الأيام نفسي عزيزة
فلما رأت صبري على الذل ذلتِ
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى
فإن تُوِّقَتْ تاقت وإلا تسلتِ
واعلم أخي المسلم أنك تستطيع أن تصلى في رمضان أكثر من ألف ركعة، في كل يوم أكثر من خمسين ركعة إذا حرصت على هذه النوافل، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
*رابعاً: احرص على قراءة القرآن بترتيل واحرص على تدبره ولا يكن همك كم مرة تختم القرآن، ولكن كيف تأثرت بتلاوة القرآن وسماع القرآن، واعلم أن الله تعالى يستمع إليك كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به». واعلم أن السكينة تتنزل للقرآن، والملائكة تدنو منك تستمع للقرآن، فاحرص على أن تفرغ قلبك من الشواغل والصوارف، وأن تتدبر القرآن لقول الله تعالى:أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا وقوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ .واعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - خرج على الناس يوماً فقال: أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين - عظيمتين - في غير إثم ولا قاطع رحم. فقالوا: يا رسول الله كلنا نحب ذلك، فقال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث وأربع خير من أربع، ومن أعدادهن من الإبل. رواه مسلم
واعلم أن الله عز وجل يعطيك بكل حرف تقرؤه حسنة والحسنة بعشر أمثالها كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - «من قرأ حرفاً من كتاب الله له حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول «ألم» حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
واعلم أن قارئ القرآن يرتقي في درج الجنة كما قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم - : «يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح.فاحرص على ختم القرآن تلاوة وسماعاً في الصلاة وخارج الصلاة واعقد المنافسة بين الأهل والأولاد واشغلهم بالقرآن.
*خامساً: احرص على الأذكار الموظفة في الأوقات كأذكار الصباح والمساء والأدعية والتعوذات الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم - ، واعلم أنه عمل قليل وأجر كبير، تدرك به من سبق، وتسبق به غيرك ويذكرك الله عز وجل فيمن عنده ويُشهد ملائكته أنه سبحانه قد غفر لك، وسوف أضرب لك مثلاً:اقرأ سورة الإخلاص وسورتي المعوذتين ثلاث مرات في الصباح والمساء وعند النوم، واحتسب بها ثواب قراءة القرآن كله ثلاث مرات، وأن يكفيك الله عز وجل من كل شيء. قل سبحان الله وبحمده مائة مرة قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (مائة مرة).ويا حبذا لو استخدمت كتاباً صغيراً يتضمن صحيح الأذكار حتى تحفظها.
*سادساً: احرص على الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ما أمكن ذلك، فإن لم تستطع فليلة من ليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان غلبه الظن على ظنك أنها ليلة القدر.فلقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ثم اعتكف أزواجه من بعده. متفق عليه ويا حبذا لو كان الاعتكاف في المسجد الحرام حيث يضاعف الله سبحانه الأجر أضعافاً كثيرة، والعمرة في رمضان تعدل ثواب الحج كما ذكر النبي-صلى الله عليه وسلم - .
*سابعاً : احرص على الإخلاص وترك الرياء والعجب فإن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان لله خالصاً وابتغى به صاحبه وجه الله عز وجل، فاحرص على المداومة على هذا العمل، واحتسب الثواب على الله عز وجل، ولا تنس ضعفك وعجزك وتقصيرك فاستغفر الله عز وجل، واعلم أن الله هو الغني الحميد، وأنك فقير إلى عفوه ومغفرته ومثوبته.
*ثامناً: طهر صومك، وطهر يومك وليلتك وشهرك من الغيبة والنميمة وقول الزور وشهادة الزور واعلم أن الصوم جُنة وحصن حصين من النار فلا تخرق هذه الجنة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:الصوم جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم، واعلم أن سلفنا الصالح كانوا أحرص الناس على سلامة الصوم من آفات اللسان، وكان بعضهم يجلس في المسجد ويقول نطهر صومنا.
تاسعاً : احرص على الصدقة والجود، وأد زكاة مالك وأنفق في وجوه الخير، واعلم أنه لا ينقص المال بالصدقة وقد أقسم النبي -صلى الله عليه وسلم - على ذلكواعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - كان أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة في رمضان يعرض عليه النبي -صلى الله عليه وسلم - القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة. متفق عليه واحرص على إطعام الطعام، وتفطير الصائمين فمن فطر صائماً كان له مثل أجره، لا ينقص من أجر الصائم شيئاً.
*وأخيراً: تذكر أن العمر قصير، فاغتنم حياتك قبل موتك وشبابك قبلهرمك - شيخوختك - وصحتك قبل مرضك، وسل ربك التوفيق والسداد.