أنصار السنة والانتخابات

2011-05-05

جمال المراكبى

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد..

كثرت الأسئلة: لماذا تتحدث جماعة أنصار السنة المحمدية في السياسة وكانت تهجرها، ولماذا تحدثوا عن خوض الانتخابات وكانوا ينهون عنها!!

ويسعد أسرة تحرير مجلة التوحيد-في خضم الأحداث المعاصرة- أن تُطلِع قراءها على دُرتين من درر تراث مجلة التوحيد، يظهر فيها دور الجماعة في المشاركة السياسية بالنصيحة والتوجيه، والحديث عن الانتخابات ما يجوز وما لا يجوز، ولعله يكون في ذلك رد على من لا يقرأ عن الجماعة من خلال مجلتها، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بتراث علماء صالحي هذه الأمة.

 

الدرة الأولى: مقال لفضيلة الشيخ صفوت الشوادفي، رحمه الله، رئيس مجلة التوحيد، ونائب الرئيس العام الأسبق، بعنوان أنصار السنة والانتخابات، وقد نشرت هذه المقالة في مجلة التوحيد في عدد جمادى الآخرة 1421هـ من السنة التاسعة والعشرين.

والدرة الثانية: وكتبها الرئيس العام السابق للجماعة الدكتور جمال المراكبي في عدد رجب 1421هـ تحت عنوان «حقًا إنها أمانة».

أولاً: يقول الشيخ صفوت الشوادفي، رحمه الله: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه, وبعدُ:

1- المرشحون لمجلس الشعب:

تحدث القرآن الكريم عن الشعراء، فقال الله فيهم: «أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ» [الشعراء: 225-226]، ثم استثنى منهم فئة قليلة صالحة.

ولو طبقت هذه الصفات على المرشحين فإنها تنطبق.

فأكثرهم في كل وادٍ وشارع وحارة يهيمون على وجوههم يخطبون وُدّ الناخبين، وفي أثناء هذه الجولات الدعائية والمؤتمرات الكلامية يقولون ما لا يفعلون؛ حيث تكثر الوعود الكاذبة، والتأشيرات الوهمية.

ويقع بين المرشحين تنافس غير شريف يُفضي أحيانًا إلى الضرب أو الشتائم، وقد يتضاعف إلى القتل.

فإن سألت: لماذا يقتل المرشح أخاه المرشح؟

فالجواب: لكي ينفرد بشرف خدمة أبناء الدائرة!!

وكثير من هؤلاء المرشحين ينسجم في جولته مع الجماهير؛ فإذا وجد قومًا يصلون، صلى معهم، وإذا وجد غيرهم يرقصون، رقص معهم، فهو يصلي مع المصلين، ويرقص مع الراقصين، ويعزي مع المعزين، ويخوض مع الخائضين، ويأكل مع الآكلين، لكنه لا يجوع مع الجائعين، ولا يشعر بأنين الأرامل والمساكين .

وأخيرًا: فإنه ينبغي للعقلاء أن يتفكروا؛ وأن يعرضوا الواقع على الشرع؛ فالحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، وما سكت عنه فهو عفو !!

2- العمال والفلاحون:

ينقسم مجلس الشعب إلى طبقتين لا ثالث لهما:

طبقة الفئات (حملة الشهادات العليا)، وهذه الطبقة تعادل 50% من أعضاء مجلس الشعب.

والطبقة الثانية: العمال والفلاحون، وهي تعادل 50% من أعضاء المجلس.

وهذا التقسيم فيه ظلم كبير للفئات والعمال والفلاحين!! فعندما تكون الأمية هي السائدة، والجهل أكثر انتشارًا يكون السواد الأعظم من العمال والفلاحين ولهم نصف المقاعد فقط، وعندما نقضي على الأمية في الواقع لا على الورق! .. يتحول الشعب كله أو جلّه إلى فئات ولهم نصف المقاعد فقط، ومع ذلك فالمشكلة الأكثر خطرًا وضررًا هي أن مجلس الشعب-بنص الدستور- سلطة تشريعية؛ فكيف يشرع لنا من لا يفهم ديننا؟

ثم نخدع الجمهور ونقول لهم: إن الشريعة مطبقة في مصر بنسبة عالية!!

والعدل يقتضي أن تخصص نصف مقاعد مجلس الشعب لعلماء الأزهر الشريف، ونصفه للخبراء المتخصصين في جميع المجالات؛ لأن الله يقول: «فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» [الأنبياء: 7]، وأهل الذكر هم: علماء الدين، وعلماء الدنيا، ولا يكون التشريع صوابًا أبدًا إلا بعد إقراره من علماء الدين العاملين .

نسأل الله أن يجعل قولنا وعملنا خالصًا صوابًا، والخالص ما يبتغي به العبد وجه الله، والصواب ما يكون موافقًا لشريعة الله، والله يقول الحق ويهدي السبيل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 

ثانيا: المقال الثاني: للدكتور جمال المراكبي:

والمقال الثاني: حقًّا إنها أمانة.. وهو مقال نُشر في العدد الذي يليه-في عدد شهر رجب 1421هـ- كتب الدكتور جمال المراكبي، الرئيس العام السابق للجماعة بعنوان: حقًّا إنها أمانة، فكتب قائلاً:

أما بعد .. فقد رحل عنا أخونا صفوت الشوادفي- رحمه اللَّه تعالى- تاركًا لنا أمانة ثقيلة في الدعوة إلى اللَّه تعالى، ونَشْرِ السنة ونبذ البدعة، وكان آخر ما نشر من كتاباته قبل موته تلك النصائح الغالية المستفادة من سُنة الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - وهديه وهدي سلفنا الصالح رضوان اللَّه عليهم أجمعين، ثم كانت مقالته عن أنصار السنة والانتخابات، والتي نُشرت بعد موته- رحمه اللَّه- بيَّن فيها منهج الساعين إلى المناصب الدنيوية بكل السبل والوسائل المشروعة وغير المشروعة، وقد تناسوا عظم الأمانة التي يسعون إلى حملها وعدم قدرتهم على القيام بأعبائها، وكأن الشيخ رحمه اللَّه يوصينا قبل أن يودعنا، وينصحنا حتى لا ننخدع، ويحذرنا منهج الذين لا يعلمون، ولا يقيمون لهذه الأمانة وزنًا، فتكون العاقبة خزيًا وندامة.

حقًّا إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من كان أهلاً لها فأخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها بتوفيق اللَّه ومعونته.

لقد كانت نصيحةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر الغفاري- وقد جاء طالبًا الولاية، طامعًا في عطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - نصيحةَ محب صادق حريص على من يحب، فقال له: «يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا، وإني أُحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمَّرَنَّ على اثنين، ولا تولين مال يتيم».. «إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها». [صحيح مسلم- ك الإمارة (ح1825، 1826)] .

إن غياب الضوابط الشرعية عن المرشحين للمجالس النيابية وعن الناخبين الذين يختارون من يمثل الأمة ظاهرة خطيرة، وقد جعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - نذيرًا لقرب قيام القيامة وزوال الدنيا؛ لأنها تمثل ضياعًا للأمانة، فقال: «إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة». قالوا: كيف إضاعتها؟ قال: «إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة». [البخاري- ك العلم (59)].

وبهذا تضيع الأمانة، وتنزع من القلوب نزعًا، «ينام الرجل النومة فتُنزع الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوَكْت، ثم ينام الرجل النومة فتنزع الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر المَجْل: كجمر دحرجته على رِجْلك فنفط فتراه منتبرًا وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يُقال: إن في بني فلان رجلاً أمينًا، وحتى يقال للرجل: ما أعقله! ما أجلده! ما أظرفه! وما في قلبه مثقالُ حبة خردل من إيمان». [متفق عليه].

«فلا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له». [أحمد (ج3، 135، 154)] .

وجوب تولية- اختيار- الأصلح:

إن أبسط الضوابط التي ينبغي للأمة أن تراعيها عند الاختيار وجوب تولية الأصلح والأقدر على تحمل أعباء الولاية، وهذا يغيب عن معظم المرشحين، وأكثر الناخبين، فنرى ذلك التنافس الشديد والحرص على الوصول للمنصب بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ببذل الأموال، وتكثيف الدعايات، وخداع البسطاء من الناخبين، واستجداء أصواتهم، ومثل هذا التنافس لا يفرز دائمًا أصلح الأشخاص في ظل غياب الوعي الديني والثقافة النافعة، فينسى المرشحون أنها أمانة عظيمة سيُسألون عنها أمام اللَّه تعالى، وأنها خزي وندامة في الدنيا والآخرة على من أخذها بغير حقها، ولم يؤد ما وجب عليه فيها .

لأجل هذا أقول للمرشحين للمجلس النيابي ونحن على أبواب الانتخابات: اتقوا اللَّه فيما أنتم مقدمون عليه، ألا تعلمون أنكم ستقومون على وظيفة التشريع وسَنّ القوانين، وأنكم ستُسألون أمام اللَّه تعالى عن كل تشريع يخالف شرع اللَّه تعالى، فاتقوا اللَّه في دينه وشريعته، واتقوا اللَّه في الأمة التي اختارتكم، ولا تحيدوا عن شريعة اللَّه تعالى، واذكروا قول اللَّه تعالى: «أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ» [المائدة: 50] .

«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً» [النساء: 58- 59] .«فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا» [النساء: 65] .

إن مدار الصلاحية لأي منصب على القوة والأمانة، القوة على تحمل أعباء المنصب والقيام عليه على الوجه اللائق، والأمانة التي تجعلك تؤدي إلى كل ذي حق حقه، ويدخل في هذا العلم بحدود المنصب أو الولاية، والعلم بشريعة اللَّه وما تحكم الناس به، ثم القدرة على القيام بهذه الأعباء، والاستعانة بالأمناء الأقوياء من أهل العلم والتخصص، ثم مراعاة العدالة لإيصال الحقوق إلى أربابها دون مجاملة أو محاباة .

قال يوسف عليه السلام لملك مصر وقد جاء منقذًا: «اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» [يوسف: 55]، فكانت مؤهلاته في علمه وحفظه وأمانته وقوته . وقالت المرأة الصالحة لأبيها: «يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ» [القصص: 26].

وأقول للناخبين: احرصوا على اختيار من ترونه صالحًا قادرًا على القيام بأعباء النيابة، وإياكم والتعصب لأحدٍ، لأجل قرابة أو صلة أو لأهواء النفس؛ لأنكم توليتم عملية الانتخاب والاختيار: «ومن ولي من أمر المسلمين شيئًا فولَّى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان اللَّه ورسوله والمؤمنين» [أخرجه الحاكم 7023 وضعفه الألباني] .

واعلموا أن من أعظم الخيانة: أن تختاروا الرجل لأجل الدنيا والمنافع الخاصة: «ثلاثة لا يكلمهم اللَّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم- منهم-: رجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها وفّى، وإن لم يعط منها لم يفِ». [متفق عليه].

فيا ليت كل إنسان يدخل في هذا الأمر ينظر جيدًا إلى نفسه ليرى مواطن القوة والضعف فيها، فإن كان من الأمناء الأقوياء الحافظين العلماء تقدم مستعينًا باللَّه، وإلا نأى بنفسه عن السقوط في هاوية الظلم والخيانة . ويا ليت كل واحد منا يعرف كيف يميّز الأمناء الأقوياء فيختار منهم لا من غيرهم؛ رعايةً لمصالح الأمة.

طالب الولاية لا يُوَلَّى

ومن الضوابط الشرعية أيضًا أن طالب الولاية لا يولى؛ لأن طالب الولاية حريص عليها، يسعى لتحقيق المكاسب الشخصية من ورائها، ولا يلقي بالاً للأعباء التي سيقوم بها، وللأمانة التي ستكون في عنقه، ولهذا نراه ينفق الأموال الطائلة في سبيل الوصول إلى غرضه، ويبذل الوعود الكاذبة يخدع بها الناس، فإذا وصل إلى غايته كان همّه تعويض ما أنفقه وتحصيل كل كسب ممكن .

أما من يدرك عِظَم الأمانة، ويفكر في أعبائها، ويخشى ألا يكون قادرًا عليها ولا يزاحم غيره في طلبها؛ فإنه يكون أقدر الناس على تحمُّل عبئها، وأبعدهم عن الطمع في مكاسبها، ومثل هذا يُعينه اللَّه ويوفقه ويسدد خطاه.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن سمرة: «يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أُعطيتها عن مسألة وُكلت إليها، وإن أعطيتها من غير مسألة أُعنت عليها» [متفق عليه].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنا لا نولي هذا الأمر مَن سأله ولا من حرص عليه». [متفق عليه].

محاسبة الولاة والعمال

لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحاسب الولاة على ما قدموا حسابًا دقيقًا، وكذلك كان الخلفاء الراشدون يحاسبون الولاة، فلا يسمحون لهم بممارسة التجارة والتربح على حساب الولاية، ولا يُقِرّونهم على قبول الهدايا، ويحسبون عليهم أموالهم قبل الولاية وبعدها؛ لمنعهم من الإثراء غير المشروع، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للوالي الذي قَبِلَ الهدية وأرادها لنفسه: « فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لا؟» [متفق عليه] وكان عمر رضي الله عنه يقول للوالي: «إنما بعثناك واليًا ولم نبعثك تاجرًا».

وأخيرًا أقول لمن قدر اللَّه لهم النجاح في الانتخابات، ولكل ولاة الأمور: اعلمـوا أنكم أُجَراء تعملون في مصالح الرعية، ولذا يجب عليكم أن تلينوا لهم الجانب وترفقوا بهم، اخفضوا الجناح لهم، ولا تتعالوا عليهم، ولا تغلقوا الأبواب دونهم، وابذلوا كل الجهد في النصح لهم، والعدل بينهم، واعلموا أنكم إن فعلتم ذلك تبتغون به وجه اللَّه وترجون ثوابه، كان ذلك سبيلكم إلى الجنة، وإن ضيعتم وقصرتم كان ذلك سبيلكم إلى النار، وتذكروا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من عبدٍ استرعاه اللَّه رعيةً فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة» [البخاري 7150] . «ما من والٍ يلي رعيةً من المسلمين فيموت وهو غاشٌ لهم إلا حرم اللَّه عليه الجنة» . [البخاري 7151].

احذروا بطانة السوء

واحذروا بطانة السوء، والمنافقين الذين يمتدحونكم في وجوهكم ويثنون على أعمالكم ما دمتم في مناصبكم، فإذا أدرتم وجوهكم عنهم، سلقوكم بألسنة حداد، ونالوا من أعراضكم .

وعليكم بأهل العلم والتقوى والورع فاقبلوا منهم واعملوا بنصحهم، وأحسنوا إليهم، واعلموا أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما بعث اللَّه من نبي، ولا استخلف من خليفة، إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصمه اللَّه تعالى». [البخاري 7198].

وختامًا.. اعلم أيها القارئ العزيز أن الناس إذا أعرضوا عن ضوابط الشرع وأحكامه، وخاضوا في هذه الأمور بغير وازع من دين أو ضمير، فلا خير فيهم ولا في مشاركتهم، فلا تكن معهم على منكر تعارفوا عليه، وأْمُرْهم بالمعروف وشاركهم فيه، وإلا فعليك بخاصة نفسك كما قال تعالى: «عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ» [المائدة: 105] .

وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم وخَفَّتْ أماناتهم، وكانوا هكذا»- وشبك بين أصابعه- قالوا: فما المخرج من ذلك؟ قال: «تأخذون ما تعرفون، وتدعون ما تنكرون، وتقبلون على أمر خاصتكم- أي أهل السنة والعلم- وتدعون أمر العامة». [أبو داود 4342 وصححه الألباني].

فخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة، والزم بيتك حال الفتن.

نسأل اللَّه أن يعصمنا من الزيغ والضلالة، وأن يعيننا على أداء الأمانة. إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه.

مجلة التوحيد : العدد 473 - 1432هـ

عدد المشاهدات 10743