حسبنا الله ونعم الوكيل!!

2010-11-27

جمال المراكبى

حسبنا الله ونعم الوكيل ... على الله توكلنا، لا نملك غيرها، ولا نعتمد إلا على ربنا وخالقنا أمام هذا الهجوم الضاري على المسلمين في جميع أنحاء العالم، القاذفات الفتاكة تدك الحصون وتخترق الكهوف، وتقتل الأبرياء في أفغانستان بدعوى ملاحقة الإرهاب، والدبابات والمروحيات تدك المنازل في فلسطين لإسكات صوت الانتفاضة الباسلة، والمسلمون في أوروبا وأمريكا يتعرضون لهجمات ضارية؛ الهدف منها عزل هؤلاء المسلمين عن دينهم وأمتهم، فعلى المرأة المسلمة أن تخلع حجابها حتى لا تتعرض لاضطهاد!! وعلى صاحب اللحية أن يحلق لحيته، خاصة إذا كان ينتمي إلى أصول شرقية؛ لأن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم - صار متهمًا!! والإرهاب هي التهمة الجاهزة لكل ما هو إسلامي!! ولا يجد المسلم المستقيم على دينه المتمسك بسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم - إزاء هذه الفتن إلا أن يردد ما قاله خليل الرحمن إبراهيم حين ألقاه المشركون في النار: ((حسبنا الله ونعم الوكيل))، حقًا، وصدقًا، ويقينًا.

روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ((حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد -صلى الله عليه وسلم - حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيمانًا، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل)). [البخاري، ك التفسير (ح4563)].

وقال صلى الله عليه وسلم: ((كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل)). [البخاري (ح4564)].

إن لنا في خليل الرحمن أسوة، كما قال لنا ربنا عز وجل: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الممتحنة: 4]، وقال تعالى: {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.‏ ‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الممتحنة: 4- 6].

ونحن على ثقة تامة في نصر الله لعباده المؤمنين، كما نصر عبده ورسوله وخليله إبراهيم، {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ. قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ} [الأنبياء: 68- 70]، {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ. فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ} [الصافات: 97، 98].

ولنا في رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم - قدوة، فقد خرج المسلمون يوم أُحد من المعركة وقد أصابهم القرح، قتل منهم سبعون، اتخذهم الله شهداءَ، وتعرض أكثرهم للجراح، وكانت جراح النفس أعظم، ولكن الهزيمة لم تؤثر في إيمانهم بالله، فلما علا صوت الكفر يردد ((اعل هبل))، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا تجيبونه؟ قولوا: اللَّه أعلى وأجل، الله مولانا ولا مولى لكم))، فرددها المؤمنون واثقين في المولى العلي العظيم العزيز الحكيم، الذي قال لهم في كتابه: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. ‏وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ. أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 139- 142].

ولهذا أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم - بالخروج من المدينة لتتبع فلول المشركين في اليوم التالي للمعركة، فخرجوا جميعًا مستجيبين لله ولرسوله، ولم يعبأوا بجراحاتهم وآلامهم، فلما أراد الشيطان تخويفهم بأوليائه من المشركين وبما جمعوا لهم من عدد وعدة لم يجدوا إلا هذه الكلمة التي تعبر عن صدق إيمانهم بالله وحسن توكلهم عليه، فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فكفاهم الله ما أهمهم، ونصرهم على عدوهم، ومكن لهم في الأرض، ومدحهم الله في كتابه، فقال: {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ. الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. ‏فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ. إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 172- 175].

فالله سبحانه وتعالى يكفي من توكل عليه كل ما أهمه، قال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3]، وقال: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36].

بلى إنه حسبنا وكافينا وولينا، وهو نعم المولى ونعم النصير، نشكو إليه ضعفنا وعجزنا وقلة حيلتنا، قد أسلمنا النفوس إليه، ووجهنا الوجوه إليه، وفوضنا أمورنا إليه، وألجأنا ظهورنا إليه، راغبين إليه، راهبين خائفين منه، لا ملجأ لنا ولا منجى ولا ملاذ إلا إليه، هو الذي نصر أصحاب طالوت وهم قلة، ونصر المؤمنين في يوم بدر وهم أذلة، ونصرهم يوم الأحزاب وهم محاصرون، ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا، وهو سبحانه وتعالى القادر على نصرة أوليائه المؤمنين.

يحلو للبعض أن يصف الأحداث المتلاحقة بأنها تنذر بصراع بين الحضارات، ويُعيد البعض ذكرى الحروب الصليبية، وينفض العلمانيون في كل مكان ويقولون: إنها حضارة واحدة، تضم الجميع في عصر العولمة والإنترنت والنظام العالمي الجديد، وأنا أتساءل بدوري: متى خلا العالم من الصراع؟ ومتى خفت حدته، إن الله سبحانه وتعالى أقام الحياة الدنيا على أساس الابتلاء، والصراعُ بين الحق والباطل وبين الكفر والإيمان باق أبدًا إلى قيام الساعة، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى: 17].

إنها قريبة جدًا، والصراع قبلها عظيم، ولا نملك إلا أن نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل.

يحدثنا النبي -صلى الله عليه وسلم - عن قرب الساعة، فيقول: ((كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، وحنى ظهره ينتظر متى يؤمر بالنفخ فينفخ)).

فكأن ذلك ثقل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: قولوا: ((حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا)). [الترمذي، وحسنه الألباني].

أما صراع الكفر مع الإيمان فلن ينتهي حتى قيام الساعة، حتى يتجمع أهل الحق وهم قلة مع المسيح عيسى ابن مريم، ويتجمع أهل الباطل مع المسيح الدجال، عندها يقاتل المسلمون اليهود، فينادي الحجر وينادي الشجر: يا مسلم، يا عبدالله، هذا يهودي ورائي فاقتله.

روى مسلم في صحيحه عن يسير بن جابر قال: هاجت ريحٌ حمراء بالكوفة، فجاء رجلٌ فقال: يا عبد الله بن مسعود، جاءت الساعة، قال: فقعد وكان متكئًا، فقال: إن الساعة لا تقوم، حتى لا يُقسم ميراثٌ، ولا يُفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا (ونحَّاهَا نحو الشام) فقال: عدوٌّ يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام، قُلْتُ: الروم تعني؟ قال: نعم، وتكون عند ذاكم القتالِ ردةٌ شديدةٌ، فيشترط المسلمون شُرطةً للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليلُ، فيفيءُ هؤلاء وهؤلاء، كل غيرُ غالبٍ، وتفنى الشرطةُ، ثم يشترط المسلمون شرطةً للموت، لا ترجعُ إلا غالبةً، فيقتتلون، حتى يحجز بينهم الليلُ، فيفيءُ هؤلاء وهؤلاء، كلٌّ غير غالب، وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطةً للموت، لا ترجع إلا غالبةً، فيقتتلون حتى يمسوا، فيفيءُ هؤلاء وهؤلاء، كل غيرُ غالب، وتفنى الشرطةُ، فإذا كان يوم الرابع، نهد إليهم بقيةُ أهل الإسلام، فيجعل الله الدبرة عليهم، فيَقْتُلون مقتلةً- إما قال لا يُرى مثلها، وإما قال لم يُرَ مثلها- حتى إن الطائر ليمرُّ بجنباتهم، فما يخلفهم حتى يَخِرَّ ميتًا، فيتعادُّ بنو الأب، كانوا مائة فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرحُ؟ أو أي ميراث يقسم؟ فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس، هو أكبر من ذلك، فجاءهم الصريخُ؛ إن الدجال قد خلفهم في ذراريهم فيرفضون ما في أيديهم، ويُقبلون، فيبعثون عشرة فوارس طليعةً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعرفُ أسماءهُمْ، وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خيرُ فوارسَ على ظهر الأرض يومئذٍ، أو من خير فوارس على ظهر الأرض يومئذٍ)).

والله حسبنا ونعم الوكيل.

عدد المشاهدات 9929