النبي -صلى الله عليه وسلم- سيد المتوكلين على الله
أمر الله تعالى نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بالتوكل عليه في تسع آيات من القرآن الكريم في جميع مراحل الدعوة، ففي القرآن المكي نجد قول الله تعالى:
- {وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: 123].
- {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} [الفرقان: 58].
- {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [الشعراء: 217].
- {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [النمل: 79].
وفي القرآن المدني نجد قول الله تعالى:
- {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
- {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [النساء: 81].
- {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال: 61].
- {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [الأحزاب: 3].
وجاء الأمر للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالتوكل بصيغة أخرى:
- {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} [المزمل: 9].
- {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129].
- {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} [الملك: 29].
لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- سيد المتوكلين، قام بأعباء الدعوة إلى اللَّه عز وجل، ولم يلتفت إلى إعراض المعرضين وتوليهم ولا إلى جمع المشركين، ولا إلى تفلت المنافقين، ولكنه أخذ بأسباب البلاغ والنصر والتمكين واعتمد على ربه ووثق بوعده ونصره فكان النصر المبين والتمكين للمؤمنين، ولهذا قال للصديق في الغار: ((ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا)). {فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} [التوبة: 40]. وقال بعد أُحد: (( حسبنا الله ونعم الوكيل)). {فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران: 174].
وبشر أصحابه يوم الأحزاب عند حفر الخندق بفتح فارس والروم، ولهذا قام أصحابه من بعده بواجب الدعوة إلى اللَّه خير قيام، فأقاموا خلافة راشدة على منهاج النبوة، ومكن اللَّه عز وجل لهم في الأرض.
ومن تمام توكله على ربه سماه اللَّه عز وجل المتوكل، فقال: ((يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميًا، وأذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا)). [البخاري (4838)].
قال ابن حجر: سماه ربه المتوكل على اللَّه لقناعته باليسير والصبر على ما كان يكره. اهـ.
قلت: ولا يقدر على القيام بأعباء الدعوة والرسالة إلا من صدق في توكله على اللَّه واعتماده عليه، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه الدعوة خير قيام بحسن توكله، فأعانه ربه ووفقه ومكن له حتى أقام الملة العوجاء، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وكان أكثر الأنبياء تابعًا يوم القيامة.
الأخذ بالأسباب من تمام التوكل
يعتقد البعض أن من تمام التوكل ترك الأسباب بالكلية، وهذا غير صحيح، بل إن فيه تعطيلاً لنصوص الشرع، وبطالة لا يرضاها الله عز وجل ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم- .
إن التوكل من أعظم الأسباب التي يحقق بها العبد مطلوبه من الله عز وجل، ولهذا فمَن أنكر الأسبابَ لم يستقم معه التوكل، ومن ترك الأسباب فقد سلك طريق العجز، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)). رواه مسلم (2664).
ولكن من تمام التوكل عدم الركون إلى الأسباب، وترك تعلق القلب بها، ولكن يتعلق القلب بمسبب الأسباب ومدبر الأمر.
إن القعود عن الأسباب وترك السعي ليس من التوكل في شيء بل هو تواكل واتكال حذرنا منه النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وقد خاف النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتكل الناس على مجرد قول كلمة التوحيد دون حرص على العمل النافع، فقال لمعاذ بن جبل: ((لا تبشرهم فيتكلوا)). [متفق عليه].
ولما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا هريرة يبشر الناس من لقى منهم يشهد ألا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه يشره بالجنة، قال عمر بن الخطاب: لا تفعل، إني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((فخلهم يعملون)). [متفق عليه].
وقد يقول قائل: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أثنى على المتوكلين الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ومدحهم بأنهم ((لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون)). [متفق عليه]. أليست هذه دعوة لترك الرقى والتداوي وهما من أعظم الأسباب المعينة على الشفاء؟
والجواب أن الحديث لا يدل على أنهم لا يباشرون الأسباب أصلاً، إنما المراد أنهم يتركون الأمور المكروهة شرعًا مع حاجتهم إليها توكلاً على اللَّه تعالى، فإنهم لا يسترقون؛ أي: لا يطلبون من غيرهم الرقية، وإنما يطلبون الشفاء من اللَّه عز وجل مباشرة ويستعملون الرقى الشرعية الثابتة في آيات الكتاب وصحيح السنة، ولا يكتوون؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يحب الكي، وينهى عنه، ولا يتطيرون ولا يتعلقون بالأوهام معتقدين أن التدبير بيد الله عز وجل.
وسعي العبد إما أن يكون لجلب نفع مفقود، كسعيه في طلب الرزق، وسعيه في فعل الخيرات، وإما أن يكون لحفظ نفع موجود؛ كادخار القوت، وإما أن يكون لدفع ضرر لم ينزل؛ كدفع أثر البرد بارتداء الملابس الثقيلة، ودفع المرض بتجنب أسباب العدوى أو بالتطعيم ضده، أو بتعقيم الأدوات الطبية وخلافه، وإما لإزالة ضرر قد نزل؛ كالتداوي من المرض.
والأسباب تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: سبب مقطوع به بتقدير الله عز وجل، كالطعام الذي يدفع أثر الجوع، والزرع الذي يُرجى منه النماء، ومثل هذه الأسباب يجب الأخذ بها شرعًا، ولا يجوز لأحد أن يتركها بدعوى التوكل على الله.
القسم الثاني: سبب مظنون- ظني- يرجى من مباشرته تحقق المطلوب بتوفيق الله عز وجل، كالتداوي لدفع المرض وجلب العافية، فكم من مريض وصف له الدواء ولم يتم الشفاء، ولكن لا يجوز التداوي بمحرم كالخمر، ولا يستحب التداوي بمكروه؛ كالكي، وهذا القسم يجب على العبد أن يأخذ به أيضًا.
القسم الثالث: سبب وهمي يعتقد كثير من الناس أنه يجلب النفع ويدفع الضر، وهو في الحقيقة لا تأثير له، ولهذا نهى الشرع عنه كالتطير والتشاؤم، والذهاب للكاهن والعراف والاستسقاء بالأنواء والنجوم، وتعليق التمائم، وسؤال غير اللَّه. وهذا لا يجوز للعبد أن يتعاطاه، وإن ثبت بالتجربة أنه يتحقق المطلوب به أحيانًا فهذا من الابتلاء والافتتان، نعوذ بالله من الخذلان، بل إن التوكل الحقيقي يكون بالإعراض عن هذا البلاء، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (( الطيرة شرك)). قال ابن مسعود: وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل.
ومعنى كلام ابن مسعود أن الإنسان قد يجد في قلبه مكانًا للتطير، وذلك بتأثير البيئة أو العادة، ولكن العبد إذا حسن توكله على الله أذهب الله عنه كل أثر للتطير.
مجالات التوكل
التوكل في أمر الرزق:
لا شك أن أمر الرزق يشغل عامة الناس، وكذلك أمر الأجل، والمؤمن المتوكل على الله لا ينشغل كثيرًا بهما؛ لأنه مطمئن تمامًا إلى أن الرزق مقسوم، والأجل معلوم، فلا يملك أحد أن ينقص من رزقه، كما لا يملك أحد من الخلق أن يغير أو يقدم أجله، وهذا لا يعني أن يهمل المتوكل أمر السعي لطلب الرزق، ولكنه يسعى وهو مطمئن إلى أن أحدًا لا يأكل رزقه، ولا يقدم أجله، وأن ما أصابه من خير لا يمكن أن يخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، ولهذا فهو لا يقتل ولده من إملاق أو خشية إملاق؛ كما فعل أهل الجاهلية الأولى، ولا يمنع نسله ويجهض امرأته؛ كما يفعل أهل الجاهلية في العصر الحديث، وإنما يتعامل مع النسل على أنه رزق من عند الله، قد كفله الله وكفاه، ولكنه يأخذ بالأسباب لتحسين مستوى النسل، ورفع مستوى الفرد، وتعليمه وتثقيفه بما يحقق نفعه في الدنيا والآخرة. وهذه مسئولية الرجل في بيته وأسرته، ومسئولية المرأة في بيتها مع أولادها، ومسئولية المعلم مع تلامذته، ومسئولية الحاكم في المجتمع المسلم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (( كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته...)) الحديث.
والمتوكل على اللَّه في أمر الرزق لا يركن إلى الحرام، فيسعى إلى كل كسب طيب، ويبتعد عن سبل الكسب الخبيث، وقد علم أن رزقه لن يخطئه أبدًا، فلماذا يحرص على الحرام ويستكثر منه طالما أن الرزاق قد كفل له رزقه، وهو كذلك لا ينشغل عن آخرته بسعيه لأجل دنياه، بل يحرص على الخيرات، ويسابق إلى الطاعات؛ لأنه يتطلع إلى الحظ الأوفر، والنصيب الأعظم من الرزق المقسوم؛ ألا وهو الجنة، فيطمع في الفردوس الأعلى، ويسأل ربه التوفيق والمعونة؛ عملاً بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، فوقه عرش الرحمن منه تفجر أنهار الجنة)). [رواه البخاري (2760)].
لقد وثق المسلمون الأوائل بوعد الله، واطمأنوا إلى كفايته، فبذلوا الأموال والأرواح في سبيل الله، شوقًا إلى الجنة، وخوفًا من النار، حتى جاء الصديق في غزوة العسرة بماله كله، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((ما أبقيت لأهلك؟)) فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. [متفق عليه].
ورغم أهمية الرزق فهو ليس ما يطلبه الناس من أمر الدنيا فحسب، فالرزق أشمل وأعم من المال أو المتاع، ولهذا يحرص المؤمن المتوكل على طلب الزوجة الصالحة ذات الدين التي تعينه على أمري الدنيا والآخرة، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)). [رواه مسلم]. وقال: ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)). [متفق عليه].
وكذلك يحرص المؤمن على طلب الذُرية الصالحة التي تقر بها عينه وترثه من بعده في عمارة الأرض، وعبادة الله سبحانه، فيلحقه من عملها ودعائها بعد موته الخير الكثير، ولهذا قال إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100]، وقال زكريا عليه السلام: {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: 38]، ومن فضل الله ورحمته أن جعل عمل الذرية الصالح ودعاءها في ميزان الآباء، وألحق الأبناء بالآباء، قال عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له)). [رواه مسلم].
{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
وأفضل ما يحرص عليه المؤمن بعد الإيمان واليقين أن يرزقه الله العافية في الدنيا والآخرة، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((أيها الناس، سلوا الله العافية، فإن أحدًا لم يُعط بعد اليقين خيرًا من العافية)). [رواه أحمد والترمذي].
التوكل على الله في أمر الدين
إن أعظم غاية ومقصود عند المؤمن أن ينال رضوان الله والجنة، ولهذا فهو يستعين باللَّه ويتوكل عليه ليسلك سبيل الاستقامة والنجاة ويثبت عليه حتى يلقى ربه ومولاه، فيكون من الذين تتلقاهم الملائكة بالبشرى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30].
وكذلك يتوكل المؤمن على ربه في إعلاء كلمته وتبليغ دعوته، وجهاد أعدائه ونصرة دينه، وهذا هو توكل الأنبياء وورثة الأنبياء، وإن عاندهم المعاندون، {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إبراهيم: 12]، ولهذا ينصرهم الله عز وجل ويمكن لهم ويكفيهم ما أهمهم، {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51].
مواطن التوكل
- عند طلب النصر؛ لقوله تعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 160].
- وكذلك عند جمع الأعداء لاستئصال شأفة المؤمنين؛ لقوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ. الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 172، 173].
- وكذلك عند اليأس من هداية الكفار؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [الأحزاب: 48].
- وعند إعراض الخلق وتوليهم؛ لقوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129].
- وعند إرادة السلم وكف القتال؛ لقوله تعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال: 61].
- وعند خداع الكفار للمسلمين؛ لقوله تعالى: {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 62].
- كذلك إذا حُم القضاء ونزل البلاء؛ لقوله تعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51].
- وإذا أردت محبة الله عز وجل لك؛ لقوله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.
- وكذلك إذا شاورت وعزمت فتوكل على الله؛ لقوله تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: 159].
- وإذا خرجت من بيتك؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- : ((بسم الله توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله)). [صحيح. رواه أبو داود والنسائي عن أنس].
- إذا كنت في كرب وضيق؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- : ((حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم حين ألقي في النار)). [البخاري (4563)].
- عند التشاؤم والتطير؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- : ((الطيرة شرك)). وقول ابن مسعود: ولكن الله يذهبه بالتوكل.
- عند قرب القيامة وظهور أماراتها؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- : ((كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فينخ)). [رواه أحمد والترمذي، وهو صحيح بطرقه]. فكأن ذلك ثقل على أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فقال لهم: ((قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا)). [الترمذي، وحسنه].
- عند السعي في طلب الرزق؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- : ((لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصًا وتروح بطانًا)). [رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وأحمد (1/30)، وهو صحيح].
- إذا أردت دخول الجنة بغير حساب فعليك بالتوكل؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- : ((هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)). [متفق عليه].
- عند النوم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- : ((اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، ووجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك...)) الحديث.
- عند الاستخارة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- : (( اللهم إني استخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم....)) الحديث.
والتوكل على اللَّه أشمل وأعم من أن نحيط بمجالاته ومواطنه، فهو يعم جميع مجالات الحياة في الدنيا والآخرة.
نسأل اللَّه أن يعيننا على طاعته وذكره وشكره وحسن عبادته، فهو حسبنا ونعم الوكيل.