لفضيلة الأستاذ الجليل
الشيخ السيد سابق
إن الحياة سننًا ثابتة وقوانين مضطردة لا تقبل التغيير ولا التبديل، وأن موافقة هذه السنن والسير على مقتضاها تثمر ثمارها وتنتج آثارها، كما أن مخالفتها تنتج العكس.
وأن من سنن اللَّه في الأمم أن لا يغير ما بها من ضعف وذل واستعباد حتى يغيروا ما بأنفسهم فيأخذوا بأسباب القوة والعزة والحرية.
واللَّه سبحانه يقول: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
وأسباب العزة تتمثل في إذ كاء روح الشجاعة وإلهاب عواطف الحماس وإثارة الحمية من أجل الحق وفي سبيل الحياة الحرة الكريمة.
إن المبادئ لا تنهض وحدها والحق لا يقوم بنفسه وإنما يحتاج إلى الدرع الذي تقيه والقوة التي تفديه والحماه الذين يذودون عنه ويهبونهم كل ما وسعهم من طاقة وجهد، وهذه سنة اللَّه في قيام الحق ورفع رايته: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).
وكان ضروريًا أن يجتمع الإسلام إلى مبادئه الكريمة ومثله العليا تشريع الجهاد ليقيم المسلمون حياتهم على أساس من الواقع ولتبقي عزتهم مصونة وأعلامهم خفاقة.
(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ).
وما كان الإسلام باغيًا ولا عاديًا وإنما كان عزيزًا يأبى الذل، كريمًا يستعصى على الخضوع والاستسلام .. وأول آية نزلت في الإذن بالقتال بينت أن هذا الإذن إنما كان من أجل الدفاع عن النفس ولرد العدوان ومنع الظالمين من الاسترسال في الظلم (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ).
وهذا الجهاد لا بد وأن يصحبه ظهير يقويه ويشد أزره، وهذا الظهير يتمثل في قوة الترابط بين الأفراد وفي توثيق العلاقات بينهم حتى يكون المجتمع كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا.
وقد أقام الإسلام هذه العلاقات على مبادئ خالدة تتجلى في الإيثار وطرح الأثرة وفي التاييد والنصرة وفي المحبة والمودة، وفي التعاطف والتراحم، وفي التعارف والتآلف، وفي التعاون والتضامن، وفي الأمانة والعدل.
فهذه هي المبادئ التي صنعت المجتمع الإسلامى الأول وصاغته صياغة عجز العلماء والمربون والمصلحون عن أن يأتوا بمثلها أو شبيه لها … وهذه المبادئ هي التي صانته طوال هذه القرون من التصدع وحالت بينه وبين التداعى والسقوط مع كثرة المؤامرات وقوة الضربات التي وجهت إليه.
وكما تتمثل القوة في إعداد الحربى والترابط الإجتماعى فإنها تفتقر أشد ما تفتقر في توفير الثروة سواء أكانت ثروة مائية أم ثروة نباتية أم ثروة معدنية أم ثروة حيوانية، فإن المال عصب الحياة لا تستغنى عنه الدولة وهي تريد أن تنهض بتبعاتها وتقوم بمسؤلياتها من العلم والعمل والإعداد وإعلاء الكلمة وبسط النفوذ، وتوفير أسباب الرخاء والرفاهية.
واللَّه سبحانه جعل الكون الفسيح مجالا طبيعيًا لنشاط الإنسان وسخره له ليتعرف سننه ويكشف عن مجاهله ويأخذ منه المنافع والخيرات ما يرقى وجوده المادى والأدبى (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ).
فهذه العناصر الثلاثة من الاستعداد الحربى والتمساك الإجتماعى والنشاط الإقتصادى هي دعائم العزة التي نهضت بها مجتمعنا الأول فكانت له القيادة الحكيمة والسيادة الرحيمة ولا تزال هذه العناصر تعمل عملها في مجتمعنا الحاضر.
فهذه الثورات المتأججة ضد الاستعمار في الشرق والغرب، وهذا الترابط الوثيق بين شعوب العروبة واإسلام وهذه الرغبة الأكيدة في اكتساب المال واستثماره ما هي إلا مظهر من مظاهر العزة التي تنطوى عليها جوائجنا وقلوبنا. إن تبعاتنا تنحصر في المحافظة على مكاسبنا وحماية مبادئنا وفي حرصنا على التزود بأسباب القوة والتذرع بأسباب النصر فإن اللَّه مع الذين يعينون أنفسهم.
فلنكن أوفياء للحق وأنصارًا للمظلومين ودعاة خير وأمناء على ما استحفظنا اللَّه إياه حتى تسود مبادئ العدالة ويتحقق الأمن والسلام.
واللَّه لا يتخلى أبدًا عن الذين يجهرون بالحق ويدافعون عنه ويحاربون الباطل ويطاردون الشر والبغي والفساد (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ).
إن هذه الأمة مهما حاول اعداؤها أن ينالوا منها فإنها لا تزال فيها عناصر الصلاحية ودعائم النهوض وهي لا تخلو من قائمين لله بالحجة يجمعون ما تفرق ويصلحون ما فسد وهي لا تؤثر فيهم التيارات ولا تنال منهم الزلازل ولا تثنيهم على غايتهم أية قوة في الأرض.