بقلم الأستاذ/ مصطفى عبد اللطيف درويش
رئيس فرع سوهاج
(هو الأستاذ محمد نجيب المطيعي صاحب تكملة المجموع للنووي، ردًا على مقال نشره بمجلة المسلم الصوفية أجاز فيه التوسل بحق الأولياء).
[بحق الأولياء .. أم برحمة رب الأرض والسماء!!!؟؟؟ ] إن للقائنا السابق معك لتكملة … يا صاحب التكملة!!! فقد اختتمت مقالك في مجلة (المسلم) – وكان ينبغي أن تسمى (المتصوف) – فقلت بالحرف: ((فإذا دعا العبد بهذه الصيغة ((اللهم بحق الأولياء أو بحق الأنبياء أو بحق الصالحين)) فإن ذلك جائز باتفاق ولا يعارضه إلا غير فاقة لجوج)) فهي من اللجاجة يعني الخصومة، ومعنى هذا أن الذي يعارض سؤال اللَّه تعالى بحق الأولياء والأنبياء والصالحين هو عندك يا صاحب التكملة خارج على اتفاق العلماء وجاهل ومخاصم!!! فهل يمكن يا صاحب التكملة أن تدلني على اتفاق العلماء هذا ومن أين جاءك؟؟؟
إن كنت تقصد اتفاق أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهم العلماء بدين اللَّه، فجزاك اللَّه عنا خير الجزاء لو أرشدتنا إلى مثل هذا الاتفاق ومصدره!!!
وإن كنت تقصد غيرهم فقد قال أبو الحسن القدوري في شرح الكرخي: قال بشر بن الوليد: سمعت أبا يوسف: قال أبو حنيفة رحمه اللَّه: لا ينبغي لأحد أن يدعو اللَّه إلا به، وأكره أن يقول: بمعاقد العز من عرشك، أو بحق خلقك. وهو قول لأبي يوسف.
وقال أبو يوسف وأكره: بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك … فأين هذا الاتفاق يا صاحب التكملة!!!؟؟؟ ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم)) ((واتفقوا على أن اللَّه تعالى هو الذي يسأل وحده ويقسم عليه بأسمائه وصفاته. ثم أورد الشيخ الأدعية المعروفة في السنن ومنها:
((اللهم إني أسألك بأن لك الحمد)).
((الهم إني أسألك بأنك أنت اللَّه الأحد …. )).
((أسألك بكل اسم هو لك … )).
فهي كلها سؤال للَّه تعالى بوحدانيته وبحمده وبأسمائه وليس فيها مجال لحق فلان وفلان.
وإذا كان سؤال اللَّه ((بحق فلان وبحق الأولياء … )) قد أحاطت بها الريب والشكوك فإن سؤالنا للَّه تعالى بأسمائه وصفاته لا ريب فيه، فحديث الرسول الكريم صريح حين يقول: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك))، وإذا كان هذا في الفروع فعقيدة التوحيد أولى.
والباء المفردة في اللغة حرف جر لأربعة عشر معنى، وهي في كلمة ((اللهم بحق الأولياء … )) لا تحتمل إلا معنيين: الاستعانة أو القسم. أما عن الاستعانة فمن المعلوم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لابن عباس وهو خلفه ((وإذا ستعنت فاستعن باللَّه))، ولم يقل له بحقي على اللَّه!!! أما عن القسم، فالحلف بغير اللَّه شرك صريح، فإذا قلنا إن الدعاء ((اللهم بحق الأولياء … )) إقسام على اللَّه بخلقه، نقول: إن اللَّه تعالى وصف نفسه فقال: {وهو يجير ولا يجار عليه} فكيف مع هذا تقسم على اللَّه تعالى بمخلوقاته؟؟؟
وكيف يا صاحب التكملة يكون الدعاء بحق الأولياء جائزًا باتفاق؟ وقد عرفنا أن السلف الصالح لا يقر هذا، بل وأيضًا العقلاء في عصرنا: يقول الشيخ محمد عبده في تفسيره المنار ج4 ص10 في وصف كتاب الشيخ أبو بكر خوتير ((فصل المقال في توصل الجهال)) ((أيد فيه التوحيد وبين فساد وما طرأ على الناس من نزعات الوثنية التي يعبرون عنها بالتوسل بالأولياء)). ويقول الشيخ محمد نعمان الجارم في كتابه أديان العرب في الجاهلية: إن اللَّه تعالى ((خص نفسه بغاية التعظيم ولم يرض بالوساطة بينه وبين عباده، لأنه قريب يجيب دعوة الداع إذا دعاه وهو أقرب إليه من حبل الوريد)). ويقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه عقيدة المسلم ص89 ((ولا نعرف في كتاب اللَّه ولا في سنة رسوله توسلاً بالأشخاص مهما علت منزلتهم – سواء أكانوا أحياء أم أمواتًا)).
ويقول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه ((العقيدة الإسلامية)) ص 70: توسيط بعض الصالحين في الدعاء بأن يقول الداعي: بحق فلان أو بمقام فلان أو أتجه إليك، وإن ظاهر النصوص أن هذا التوس لا يجوز لأن اللَّه تعالى يقول: {أدعوني أستجيب لكم}، لأن اللَّه تعالى يقول: {فإني قريب … }، ويقول الدكتور محمد محمد الفحام شيخ الأزهر السابق نقلاً عن مجلة الإخلاص عدد شوال 1391 ((ما تعارف عليه بعض الناس من قولهم توسلت بفلان إلى اللَّه أو توسلت بجاه محمد صلى الله علية وسلم، أو جاه بعض الأولياء إلى اللَّه، فاعلم أن التوسل إلى اللَّه لا يكون إلا بالإيمان به وطاعته … )).
ولعلي أذكرك يا صاحب التكملة أن حق فلان وجاه فلان هي التي جعلت الجاهلية الأولى تتمرغ في أوحال الشرك والضلال فاعتقدت أن لللات حقًا وأن لود وسواع ويغوث ويعوق ونسر جاهًا فراحت تدعو الله بحق اللات وجاه ودا وغيرها من الطواغيت وتقول {شفاؤنا عند اللَّه} و {ليقربونا إلى اللَّه زلفى} ولقد دب الشرك بين الناس على هذا الطريق البغيض، يعتقد الناس أن هناك طائفة لها على اللَّه حق وجاه فيجعلهم الناس وسائط في الدعاء ثم ينتهي الأمر إلى تقديس الوسطاء!!
يا قوم: إن ربكم كتب على نفسه الرحمة وليس حق فلان أو جاه فلان هو الذي يوصل إليكم رحمة ربكم – وإن ربكم يقول: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون} فوسيلتكم إلى رحمة اللَّه التقوى وإن ربكم يقول: {إن رحمة اللَّه قريب من المحسنين}، فوسيلتكم إلى رحمة الله الإحسان وإن ربكم يقول: {أليس الله بكاف عبده} فكيف يسأل الرب بحق العبد!!؟؟
وإذا كان حق العبد كما قالت مجلة ((المسلم))!!! في تعليقها ودفاعها عن مقالك فلا … ولكن الله أهدى هذا الحق لأهله منه تكرمًا وفضلاً، فما الذي يدعو إلى هذا اللف والدوران وبدلاً من أن تدعو الله بحق فلان فلماذا لا تدعوه بكرمه وفضله!!؟؟
ونحن نعلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث البخاري حين اعترض صلى الله عليه وسلم على أم العلاء وهي تقول عندما توفي عثمان بن مظعون في أبياتهم ((رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله … )) فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم معترضًا: ((وما يدريك أن الله أكرمه…))!!؟؟ فهل يمكن أن يقال مع هذا: ((اللهم بحق أبي السائب…))!!!
وإذا كانت المجلة المسكينة – أي مجلة (المسلم) – يا صاحب التكملة أجازت السؤال بحق فلان لأن هذا الحق أهداه اللَّه لفلان تكرمًا وفضلاً، وما دام اللَّه تعالى قد أهدى هذا الحق لفلان تكرمًا وفضلاً منه تعالى فالسؤال بهذا الحق جائز!!! وبالطبع يا صاحب التكملة لا يستطيع أحد أن ينكر أن اللَّه تعالى، أعطانا الأنعام تكرمًا وفضلاً منه {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة}، فهل يمكن أن نتجه إلى اللَّه تعالى بالسؤال بهذه الأنعام لأنها أيضًا من فضله وكرمه!!؟؟
يا صاحب التكملة أمامك حق فلان وجاه فلان، ثم رحمه الله وكرمه، ولك الخيار أن تسأل مستعينًا بما تريد. أرجو الله تعالى لي ولك الهداية إلى صراطه المستقيم.
وختامًا نقول: لقد جاءت صيحة الحق على باطل شرك الوساطات والتوسلات تقول: {فمن يملك من اللَّه شيئًا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعًا … }.
ربنا أفرغ علينا صبرًا وتوفنا مسلمين.
وسلام على من اتبع الهدى.