وما آتاكم الرسول فخذوه

بقلم الدكتور طه عبد الفتاح مقلد

انتهينا في مقالنا السابق عند قول الحق تبارك وتعالى في سورة الفرقان {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ للْإِنسَانِ خَذُولاً}.

ولهذه الآية قصة ذكرتها كتب التفاسير وهي أن عقبة ابن أبي معيط قد ههم بالإسلام واتباع رسول الإسلام بأنه قد صنع وليمة فدعا إليها قريشًا ودعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فأبى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن يسلم عقبة. فأسلم عقبة وشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه. فأتاه الرسول وأكل من طعامه.

فلما علم خليله وصاحبه أمية بن خلف عاتبه على إسلامه وقال له: كيف تتبع محمدًا؟ فقال عقبة: رأيت عظيمًا ألا يحضر طعامي رجل من أشراف قريش.

فقال له خليله أمية بن خلف: لا أرضى حتى ترجع وتبصق في وجهه وتطأ عنقه وتتبعني وتتبع أصنامنا. ففعل عقبة ابن أبي معيط ما أمره به أمية بن خلف.

ولم يصرح القرآن الكريم باسم هذا الظالم الذي يأتي يوم القيامة وهو يعض على يديه دليل على الحسرة والندامة وهو يقول: يا ويلتا: أي يا عذابي ويا هلاكي على مخالفة رسول اللَّه ليتني لم أتخذ فلانًا خليلاً.

والحكمة في أن القرآن الكريم – كما أجمع أئمة التفسير – لم يصرح باسم الظالم وخليله لئلا يكون هذا الوعد مخصوصًا بفرد أو مقصورًا على ما أنزلت فيه الآية ولا مقصورًا على من نزلت كما قال القرطبي. وقال مجاهد وأبو رجاء: الظالم عام في كل ظالم لم يتبع الرسول.

وإذا نظرنا إلى مضمون هذه الآيات نجد أنها قد اشتملت على تحذير لمن يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ويترك سنته ويتبع مبدأ من المبادئ أو مذهبًا من المذاهب أو شخصية من الشخصيات مهما عظم أمرها، ويترك أوامر الرسول فهم الظالم الذي يؤتى به يوم القيامة وعليه الحسرة والندامة.

أو أن يتخذ له شيخًا أو وليًا يتبع تعاليمه دون أن يدري هل تتفق تعاليمه ومبادئه مع ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم وما أنزل إليه من ربه، بل الأضل من ذلك والأشد ظلمًا وضلالاً أن يتخذ بعض الشباب الذين أوتوا من العلم حظًا قليلاً من ((لينين)) أسوة أو أفلاطون منهجًا أو أرسطو مذهبًا يدرسون ويتأملون ويسيرون وفقًا لتعاليمهم، وقد تركوا تعالم هادي الأمة ورسول رب العالمين الذي هم به مسلمون.

بل لقد غرتهم دنياهم وضلت بهم الأهواء وجرهم التقليد الأعمى. والعيب كل العيب أنهم لم يتربوا على تعاليم نبي الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حتى أنهم حين يسألون عن شيء من هدي الرسول وتعاليمه ما أجابك منهم أحد ولو سألته عن مذهب من مذاهب الإلحاد والكفر لعلمت أنه يعرف تاريخه ويدرس مؤسسه بل من الغريب أن تجد عقله قد قف تمامًا عن أن يتفهم هذه المبادئ الهدامة، وغره التقليد، كما أغرى فتاة اليوم حب التقليد الأعمى فقلدت فتاة الغرب وأخذت تسير وفق ما أملته شياطين الإنس وما هدفت إليه الدعايات المسمومة المغرضة في الداخل والخارج.

فهل آن الوقت أن نرجع إلى سنة نبينا، وفيها الدواء من كل داء والنجاة من كل شر، والعصمة من كل سوء، فقد حل بنا ما حل وصرنا نتخبط في ظلمات لا ندري أين الطريق ولا نعرف أين المسير تاركين تعاليم خير الإنسانية وهاديها من الظلمات إلى النور بل لقد وقف كثير من الدارسين في الغرب وفي الشرق أمام تعاليم الرسول r وهم أشد بها تمسكًا وإيمانًا ويقينًا. ونحن نترك هذه التعاليم ونترك الهدى والنور إلى تقاليد وتعاليم أملاها البشر.

فالويل كل الويل لمن فعل ذلك ولننظر إلى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((كلكم تدخلون الجنة إلا من أبى)) قالوا: ومن يأبى يا رسول اللَّه؟ قال: ((من طاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)).