الغني الشاكر: عبد الرحمن بن عوف

 الحمدُ لله الذي خَلَقَ السموات والأرض، ولم يكن له شريك في الملك، وخَلَقَ كُلَّ شيء فقدره تقديراً، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً. أما بعد:

فإن عبد الرحمن بن عوف هو أحد العشرة الذين بشرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجنة، وأحد أغنياء الصحابة الزاهدين في الدنيا , من أجل ذلك أحببت أن أُذَكِرَ نفسي وإخواني الكرام بشيء من سيرته العطرة،وتاريخه المشرق المجيد،لعلنا نسير على ضوئه فنسعد في الدنيا و الآخرة .

أسألُ اللَه تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعَ به طلاب العِلْمِِ.

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين .

وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمه ونسَبه:

عبد الرحمن بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زُهْرة بن كِلاب. وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو فسماه رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أسلم عبد الرحمن. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ 92)

روى البخاريُّ عن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِي فِي صَاغِيَتِي(أهلي ومالي) بِمَكَّةَ وَأَحْفَظَهُ فِي صَاغِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا ذَكَرْتُ الرَّحْمَنَ قَالَ: لَا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ كَاتِبْنِي بِاسْمِكَ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكَاتَبْتُهُ عَبْدَ عَمْرٍو. (البخاري حديث:2301)

وكُنيته: أبو محمد.

 أمه: الشِّفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زُهْرة بن كلاب ،أَسْلَمتْ وهاجرت إلى المدينة.

(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ 92)

ميلاده:

وُلِدَ عبد الرحمن بن عوف بعد مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- بعشر سنين.(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ 92)

صفات عبد الرحمن بن عوف الخِلْقية:

كان عبد الرحمن بن عوف أبيض مُشْرَباً بحُمْرَة، حَسَنَ الوجه، رقيق البشرة، أعين (واسع العينين)أهدب الأشفار(طويل شعر الأجفان) أقنى(طويل الأنف،دقيق الأرنبة،مع حدب في وسط الأنف) له جُمة(شعر الرأس الذي يسقط على المنكبين) ضخم الكفين , غليظ الأصابع لا يغير لحيته ولا رأسه. (أسد الغابة لابن الأثير جـ 3صـ 380)

أزواج عبد الرحمن بن عوف وأولاده:

رزق اللهُ عبد الرحمن بن عوف بعَددٍ كبيرٍ من الأولاد: من الذكور:عشرون ،ومن الإناث :ثماني

(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ 95:94)

إسلام عبد الرحمن بن عبد عوف:

أَسَلَمَ عبد الرحمن بن عوف، على يد أبي بكر الصديق ،وكان أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام , قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم دار أرقم بن أبي الأرقم .(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ 92)

هجرة عبد الرحمن بن عبد عوف:

 هاجر عبد الرحمن بن عوف إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعاً،ثم هاجر إلى المدينة , وآخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري .(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ 92)

روى البخاريُّ عَنْ إبراهيمَ بنِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَالَ: قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ إِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْصَارِ مَالًا فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي وَانْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ هَوِيتَ نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا قَالَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ قَالَ سُوقُ قَيْنُقَاعٍ قَالَ فَغَدَا إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَتَى بِأَقِطٍ وَسَمْنٍ قَالَ ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجْتَ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَمَنْ قَالَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ كَمْ سُقْتَ قَالَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ.(البخاري حديث:2048)

علم عبد الرحمن بن عوف:

 روى عبد الرحمن بن عوف خمسةً وستينَ حديثا. له في ” الصحيحين ” حديثان.وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث.

 روى عنه من الصحابة ابن عباس، وابن عمر، وأنس بن مالك، جُبير بن مُطعم، وجابر بن عبد الله، والمسور بن مخرمة، و عبد الله بن عامر بن ربيعة.وروى عنه أيضاً عدد من التابعين .

(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 1صـ 69:68)

(1) روى البخاريُّ عن مُصْعَب بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الْأَحْنَفِ،

فَأَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ فَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ.(البخاري حديث:3157:3156)

(2) روى أحمدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا غُلَامُ هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذَا شَكَّ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ مَاذَا يَصْنَعُ؟ قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ فِيمَ أَنْتُمَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: سَأَلْتُ هَذَا الْغُلَامَ هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذَا شَكَّ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ مَاذَا يَصْنَعُ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَوَاحِدَةً صَلَّى أَمْ ثِنْتَيْنِ فَلْيَجْعَلْهَا وَاحِدَةً وَإِذَا لَمْ يَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّى أَمْ ثَلَاثًا فَلْيَجْعَلْهَا ثِنْتَيْنِ وَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَجْعَلْهَا ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْجُدْ إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ سَجْدَتَيْنِ.(حديث حسن لغيره)(مسند أحمد جـ3صـ194حديث1656)

جهاد عبد الرحمن بن عبد عوف:

(1) شهد عبد الرحمن بن عوف بدراً وأُحُداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم، وثبت يومَ أُحدٍ مع رسول الله صلى الله عليه و سلم , حين فَرَّ الناس وأصيب يوم أحد فهتم(انكسرت ثناياه من أصلها) وجرح عشرين جراحة أو أكثر أصابه بعضها في رجله فعرج.

(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ 95)(صفة الصفوة لابن الجوزي جـ1صـ 350)

(2) روى ابنُ سعدٍ عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الرحمن بن عوف في سبعمائة إلى دُومة الجندل ( اسم مكان ) وذلك في شعبان سنة ست من الهجرة فَنَقَضَ عمامته بيده ثم عَمَّمَه بعمامة سوداء فأرخى بين كتفيه منها فَقِدمَ دُومة الجندل , فدعاهم إلى الإسلام فأبوا( رفضوا ) ثلاثاً ثم أسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي , وكان نصرانياً , وكان رأسهم فبعث عبد الرحمن فأخبر النبي صلى الله عليه و سلم بذلك فكتب إليه أن تزوج تماضر بنت الأصبغ فتزوجها عبد الرحمن وبنى بها وأقبل بها وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ7صـ96)

النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي خلف عبد الرحمن بن عوف:

روى مسلمٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ:

تَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَخَلَّفْتُ مَعَهُ فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ قَالَ أَمَعَكَ مَاءٌ ؟ فَأَتَيْتُهُ بِمِطْهَرَةٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ ثُمَّ ذَهَبَ يَحْسِرُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ كُمُّ الْجُبَّةِ فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ وَأَلْقَى الْجُبَّةَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ وَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْتُ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَوْمِ وَقَدْ قَامُوا فِي الصَّلَاةِ يُصَلِّي بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَقَدْ رَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً فَلَمَّا أَحَسَّ بِالنَّبِيِّ  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ فَصَلَّى بِهِمْ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقُمْتُ فَرَكَعْنَا الرَّكْعَةَ الَّتِي سَبَقَتْنَا.(مسلم ـ كتاب الطهارةـ حديث:81)

غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- من أجل عبد الرحمن بن عوف:

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ فَسَبَّهُ خَالِدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ.(مسلم حديث:2541)

هذا الخلاف إنما كان بينهما لما سَيَّرَ رسولُ صلى الله عليه و سلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بعد فتح مكة فقتل فيهم خالد خطأ، فدفع رسول الله صلى الله عليه و سلم دية القتلى وأعطاهم ثَمَنَ ما أُخِذَ منهم . وكان بنو جذيمة قد قتلوا في الجاهلية ” عوف بن عبد عوف ” والد عبد الرحمن بن عوف وقتلوا الفاكه بن المغيرة عَمَّ خالد بن الوليد فقال له عبد الرحمن : إنما قتلتهم لأنهم قتلوا عمك . وقال : خالد : إنما قتلوا أباك، وأغلظ في القول فقال النبي صلى الله عليه و سلم ما قال.(أسد الغابة لابن الأثير جـ 3صـ 379:378)

عبد الرحمن بن عوف أحد أصحاب الشورى:

عبد الرحمن بن عوف هو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو راضٍ عنهم ، وهو أحد الثلاثة الذين انتهت إليهم اختيار الخليفة منهم , وهو الذي اجتهد في تقديم عثمان بن عفان رضي الله عنه للخلافة.

(البداية والنهاية لابن كثير جـ 7صـ 170)

قال الذهبي: من أفضل أعمال عبد الرحمن بن عوف عَزْله نفسه من الأمر (الخلافة ) وقت الشورى، واختياره للأمة مَن أشار به أهل الحَلِّ والعَقْدِ، فنهض في ذلك أتم نهوض على جَمْع الأمة على عثمان، ولو كان محابياً فيها، لأخذها لنفسه، أو لولاها ابن عمه وأقرب الجماعة إليه: سعد بن أبي وقاص.(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 1صـ 86)

عبد الرحمن بن عبد عوف رجل من أهل الجنة:

روى الترمذيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ , وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ , وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ , وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ, وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ , وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ , وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ, وَسَعْدٌ ( ابن أبي وقاص ) فِي الْجَنَّةِ , وَسَعِيدٌ ( ابن زيد ) فِي الْجَنَّةِ , وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ. (حديث صحيح)(صحيح سنن الترمذي للألباني حديث 2946)

رعاية عبد الرحمن بن عبد عوف لأزواج نبينا -صلى الله عليه وسلم-:

روى أحمدٌ عَنْ أُمِّ بَكْرٍ بنت المسْوَر بن مَخْرَمَة أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ بَاعَ أَرْضًا لَهُ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَسَمَهُ فِي فُقَرَاءِ بَنِي زُهْرَةَ وَفِي ذِي الْحَاجَةِ مِنْ النَّاسِ وَفِي أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ الْمِسْوَرُ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ بِنَصِيبِهَا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ مَنْ أَرْسَلَ بِهَذَا قُلْتُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَا يَحِنُّ عَلَيْكُمْ بَعْدِي إِلَّا الصَّابِرُونَ سَقَى اللَّهُ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَبِيلِ الْجَنَّةِ.

(حديث حسن)(مسند أحمد جـ 41 صـ 484 حديث 23883)

روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَوْصَى بِحَدِيقَةٍ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِيعَتْ بِأَرْبَعِ مِائَةِ أَلْفٍ. (حديث حسن)(صحيح سنن الترمذي للألباني حديث 2949)

عبد الرحمن بن عبد عوف أميراً على الحج:

قال ابنُ سعد: لما اُسْتُخْلِفَ عمر بن الخطاب سنة ثلاث عشرة بعث تلك السنة على الحج عبد الرحمن بن عوف فحج بالناس وحج مع عمر أيضا آخر حجة حجها عمر سنة ثلاث وعشرين وأذن عمر تلك السنة لأزواج النبي صلى الله عليه و سلم في الحج فَحُمِلْنَ في الهوادج وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف فكان عثمان يسير على راحلته أمامهن فلا يدع أحداً يدنو منهن وكان عبد الرحمن بن عوف يسير من ورائهن على راحلته فلا يدع أحداً يدنو منهن وينزلن مع عمر كل منزل , فكان عثمان وعبد الرحمن ينزلان بهن في الشِّعاب فيُقْبلانهن(يُوَصِلُّونهن) الشِّعاب وينزلان هما في أول الشِّعب فلا يتركان أحداً يمر عليهن , فلما اُستخلف عثمان بن عفان سنة أربع وعشرين بعث تلك السنة على الحج عبد الرحمن بن عوف فحج بالناس. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ 99)

خوف عبد الرحمن بن عبد عوف:

(1) روى البخاريُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ وَأُرَاهُ قَالَ: وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنْ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ أَوْ قَالَ أُعْطِينَا مِنْ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ.(البخاري حديث:1275)

(2) روى أحمدٌ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ إِنِّي مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا بِعْتُ أَرْضًا لِي بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ. فَقَالَتْ: أَنْفِقْ يَا بُنَيَّ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ إِنَّ مِنْ أَصْحَابِي مَنْ لَا يَرَانِي بَعْدَ أَنْ أُفَارِقَهُ فَأَتَيْتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَتَاهَا فَقَالَ: بِاللَّهِ أَنَا مِنْهُمْ؟ قَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا، وَلَنْ أُبَرِّئَ أَحَدًا بَعْدَكَ.

(حديث صحيح)(مسند أحمد جـ 44 صـ 290 حديث 26694)

(3) قال نوفل بن إياس الهذلي : كان عبد الرحمن بن عوف لنا جليسا وكان نعم الجليس، وأنه انقلب بنا ذات يوم حتى إذا دخلنا بيته ودخل، فاغتسل ثم خرج فجلس معنا وأتانا بجفنة(وعاء) فيها خبز ولحم فلما وُضِعت بكى عبد الرحمن فقلت يا أبا محمد ما يبكيك؟ فقال: فارق رسول الله صلى الله عليه و سلم الدنيا ولم يشبع هو ولا أهل بيته من خبز الشعير. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني جـ1صـ100:99)

أنفاق عبد الرحمن بن عبد عوف في سبيل الله:

كان عبد الرحمن بن عوف من أغنياء المسلمين , الذين يشكرون الله تعالى على نِعمه الكثيرة , وذلك ببذل الكثير من ماله في سبيل الله تعالى .

(1)روى أبو نعيم عن الزُّهْري قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم بشطر ماله أربعة آلاف ثم تصدق بأربعين ألف ثم تصدق بأربعين ألف دينار ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله ثم حمل على ألف وخمسمائة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة.

(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني جـ 1صـ 99)

* الدينار: يُعادل أربع جرامات وربع من الذهب الخالص .

(2)روى ابنُ جرير الطبريُّ عن قتادة قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف بشطر ماله، وكان ماله ثمانية آلاف دينار، فتصدق بأربعة آلاف دينار، فقال ناس من المنافقين: إن عبد الرحمن بن عوف لعظيم الرياء ! فقال الله:( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ)(التوبة:79)(تفسير الطبري جـ 14صـ 385)

(3) قال جعفر بن بُرقان: بلغني أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف بيت.

(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني جـ 1صـ 99)

أقوال سلفنا الصالح في عبد الرحمن بن عبد عوف:

(1) قال إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف:كنا نسير مع عثمان بن عفان في طريق مكة، إذ رأى عبد الرحمن بن عوف، فقال عثمان: ما يستطيع أحدٌ أن يتعدَّ على هذا الشيخ فضلاً في الهجرتين جميعا.

(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 1صـ 75)

(2) قال إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف سمعت علياً بن أبي طالب يقول ـ يوم مات عبد الرحمن بن عوف ـ :اذهب يا ابن عوف، فقد أدركت صفوها، وسبقت رَنْقَهَا(كدرها).

(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني جـ1صـ100)

(3) قال سعيد بن المسيب قال: كان بين طلحة بن عبد الله , وابن عوف تباعد , ( خلاف بينهما ) فمرض طلحة، فجاء عبد الرحمن يعوده، فقال طلحة: أنت والله يا أخي خيرٌ مني.قال: لا تقل يا أخي، قال: بلى والله، لأنك لو مرضت ما عُدتك. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 1صـ 88)

(4) قال سعد بن الحسن : كان عبد الرحمن بن عوف لا يُعرف من بين عبيده.

(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 1صـ 89)

وصية عبد الرحمن بن عبد عوف وميراثه:

قال عُروة بن الزبير: أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله.

(أسد الغابة لابن الأثير جـ 3صـ 379)

 وقال الزهري : أوصى عبد الرحمن لمن بقي ممن شهد بدراً لكل رجل أربعمائة دينار وكانوا مائة فأخذوها وأخذها عثمان بن عفان فيمن أخذ : وأوصى بألف فرس في سبيل الله.

(أسد الغابة لابن الأثير جـ 3صـ 379)

وقال عثمان بن الشريد :ترك عبد الرحمن بن عوف ألف بعير, وثلاثة آلاف شاة بالبقيع , ومائة فرس ترعى بالبقيع , وكان يزرع بالجرف(اسم مكان) على عشرين ناضحاً(بعيراً) وكان يُدخِل قوت أهله من ذلك سنة.

(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ 101)

تُوفي عبد الرحمن بن عوف وكان فيما تَرَكَ ذَهَبٌ قُطِّعَ بالفؤوس حتى مَجَلت أيدي الرجال(ظهرت فيها الجروح) منه ،وترك أربع نسوة فأخرجت امرأة مِن ثُمُنها بثمانين ألفا.

(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ101)

وفاة عبد الرحمن بن عبد عوف:

تُوفيَّ عبد الرحمن بن عبد عوف سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة، ودفن بالبقيع، وعاش خمساً وسبعين سنة.

(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 1صـ 89)

رَحِمَ اللهُ عبد الرحمن بن عبد عوف رحمةً واسعةً، وجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء.

ونسأل الله تعالى أن يجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة،بحبنا له، وإن لم نعمل بمثل عمله.

وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين .