حق اليتيم في الشريعة الإسلامية
عناصر الخطبة:
معنى كفالة الأيتام
حقوق وضوابط وفضائل في كفالة
اليتيم
صور مشرقة في كفالة الأيتام
الوسائل المعينة على كفالة الأيتام
صور مهمة في كفالة الأيتام
أخطاء شائعة حول كفالة الأيتام
التفصيل
معنى كفالة الأيتام:
هي ضم اليتيم الذي مات عنه أبوه
وهو صغير لم يبلغ الحلم، والإنفاق عليه والقيام بمصالحه وشئونه ويستمر وصفه باليتم
حتى يبلغ الحلم لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يتم
بعد الاحتلام).(1) قال الحافظ ابن حجر: وكافل اليتيم أي القيم بأمره ومصالحه.(2)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الْيَتِيمُ فِي الْآدَمِيِّينَ
مَنْ فَقَدَ أَبَاهُ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ هُوَ الَّذِي يُهَذِّبُهُ؛ وَيَرْزُقُهُ؛ وَيَنْصُرُهُ:
بِمُوجَبِ الطَّبْعِ الْمَخْلُوقِ؛ وَلِهَذَا كَانَ تَابِعًا فِي الدِّينِ لِوَالِدِهِ؛
وَكَانَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَحَضَانَتُهُ عَلَيْهِ وَالْإِنْفَاقُ هُوَ الرِّزْقُ.
و " الْحَضَانَةُ " هِيَ النَّصْرُ لِأَنَّهَا الْإِيوَاءُ وَدَفْعُ الْأَذَى.
فَإِذَا عُدِمَ أَبُوهُ طَمِعَتْ النُّفُوسُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ ظَلُومٌ جَهُولٌ
وَالْمَظْلُومُ عَاجِزٌ ضَعِيفٌ فَتَقْوَى جِهَةُ الْفَسَادِ مِنْ جِهَةِ قُوَّةِ الْمُقْتَضَى
وَمِنْ جِهَةِ ضَعْفِ الْمَانِعِ وَيَتَوَلَّدُ عَنْهُ فَسَادَانِ: ضَرَرُ الْيَتِيمِ؛
الَّذِي لَا دَافِعَ عَنْهُ وَلَا يُحْسَنُ إلَيْهِ وَفُجُورُ الْآدَمِيِّ الَّذِي
لَا وَازِعَ لَهُ. فَلِهَذَا أَعْظَمَ اللَّهُ أَمْرَ الْيَتَامَى فِي كِتَابِهِ فِي
آيَاتٍ كَثِيرَةٍ.(3)
حقوق وضوابط وفضائل في كفالة
اليتيم
1- أمرنا الله تعالى بالإحسان القولي والفعلي إلى اليتامى
قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى
وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء:
36].
2- أمرنا الله تعالى بمراعاة الجانب النفسي لليتامى بلين الكلام
لهم وعدم قهرهم والابتسامة في وجوههم وبذل المعروف والندى إليهم والتلطف بهم وإكرامهم
قال تعالى: { وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ
فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ
رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ
وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}
[الكهف: 82]، وقال تعالى: {كَلَّا
بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ } [الفجر: 17]، وقال تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ
فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى: 9]، وقال تعالى: {أَرَأَيْتَ
الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ } [الماعون:
1، 2].
قال القرطبي: أي لا تسلط عليه بالظلم، ادفع إليه حقه، واذكر
يتمك.(4)
قال الشيخ السعدي: { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ
} أي: لا تسيء معاملة اليتيم، ولا يضق صدرك عليه، ولا تنهره، بل أكرمه، وأعطه ما تيسر،
واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك.(5)
3-أمرنا الله تعالى بحفظ أموال الأيتام، وعدم التعرض لها بسوء، وعدَّ
ذلك من كبائر الذنوب وعظائم الأمور، ورتب عليه أشد العقاب، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا
وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10]
وقال تعالى:
{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ
إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ
إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا } [الإسراء: 34].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ
الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ
وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ).(6)
قال السعدي في قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ
أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ
سَعِيرًا } شق ذلك على المسلمين، وعزلوا طعامهم عن طعام اليتامى، خوفا على أنفسهم من
تناولها، ولو في هذه الحالة التي جرت العادة بالمشاركة فيها، وسألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فأخبرهم تعالى أن المقصود، إصلاح أموال اليتامى،
بحفظها وصيانتها، والاتجار فيها وأن خلطتهم إياهم في طعام أو غيره جائز على وجه لا
يضر باليتامى، لأنهم إخوانكم، ومن شأن الأخ مخالطة أخيه، والمرجع في ذلك إلى النية
والعمل، فمن علم الله من نيته أنه مصلح لليتيم، وليس له طمع في ماله، فلو دخل عليه
شيء من غير قصد لم يكن عليه بأس، ومن علم الله من نيته، أن قصده بالمخالطة، التوصل
إلى أكلها وتناولها، فذلك الذي حرج وأثم، و الوسائل لها أحكام المقاصد.(7)
4-أمرنا الله تعالى بالنفقة
على اليتامى والشفقة والرحمة بهم وبين سبحانه أن هذه الأعمال من أعظم أعمال البر والخير
والإحسان قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ
عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ
بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ
الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } [البقرة:
177]، وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ
خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ
السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة:
215]
قال الشيخ السعدي: ذكر المنفق عليهم، وهم أولى الناس
ببرك وإحسانك. من الأقارب الذين تتوجع لمصابهم، وتفرح بسرورهم، الذين يتناصرون ويتعاقلون،
فمن أحسن البر
وأوفقه، تعاهد الأقارب بالإحسان المالي والقولي، على
حسب قربهم وحاجتهم.
ومن اليتامى الذين لا كاسب لهم، وليس لهم قوة يستغنون بها،
وهذا من رحمته [تعالى] بالعباد، الدالة على أنه تعالى أرحم بهم من الوالد بولده، فالله
قد أوصى العباد، وفرض عليهم في أموالهم، الإحسان إلى من فقد آباؤهم ليصيروا كمن لم
يفقد والديه، ولأن الجزاء من جنس العمل فمن رحم يتيم غيره، رُحِمَ يتيمه.(8)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله
عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ).(9)
قال ابن بطال: من عجز عن الجهاد في سبيل الله وعن قيام الليل
وصيام النهار، فليعمل بهذا الحديث وليسع على الأرامل والمساكين ليحشر يوم القيامة في
جملة المجاهدين في سبيل الله دون أن يخطو في ذلك خطوة، أو ينفق درهمًا، أو يلقى عدوًا
يرتاع بلقائه، أو ليحشر في زمرة الصائمين والقائمين وينال درجتهم وهو طاعم نهاره نائم
ليله أيام حياته، فينبغي لكل مؤمن أن يحرص على هذه التجارة التي لا تبور، ويسعى على
أرملة أو مسكين لوجه الله تعالى فيربح في تجارته درجات المجاهدين والصائمين والقائمين
من غير تعب ولانصب، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.(10)
5-أمرنا الله تعالى بالمحافظة على أموال اليتامى ودفع المضار عنهم وعن
أموالهم والسعي في إصلاح أحوالهم والإقساط إليهم وعدم ظلمهم قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ
لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ
مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
} [البقرة: 220]، وقال تعالى: { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا
الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ
كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء: 2]، وقال تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى
حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ
أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ
غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا
دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا
} [النساء: 6]
قال الشيخ السعدي – رحمه الله -: { وَآتُوا الْيَتَامَى
أَمْوَالَهُمْ ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا
كبيرا } هذا أول ما أوصى به من حقوق الخلق في هذه السورة. وهم اليتامى الذين فقدوا
آباءهم الكافلين لهم، وهم صغار ضعاف لا يقومون بمصالحهم. فأمر الرءوف الرحيم عباده
أن يحسنوا إليهم، وأن لا يقربوا أموالهم إلا بالتي هي أحسن، وأن يؤتوهم أموالهم إذا
بلغوا ورشدوا، كاملة موفرة، وأن لا { تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ } الذي هو أكل مال اليتيم
بغير حق. { بِالطَّيِّبِ } وهو الحلال الذي ما فيه حرج ولا تبعة. { وَلا تَأْكُلُوا
أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ } أي: مع أموالكم، ففيه تنبيه لقبح أكل مالهم بهذه
الحالة، التي قد استغنى بها الإنسان بما جعل الله له من الرزق في ماله. فمن تجرأ على
هذه الحالة، فقد أتى { حُوبًا كَبِيرًا } أي: إثمًا عظيمًا، ووزرًا جسيمًا. ومن استبدال
الخبيث بالطيب أن يأخذ الولي من مال اليتيم النفيس، ويجعل بدله من ماله الخسيس. وفيه
الولاية على اليتيم، لأن مِنْ لازم إيتاء اليتيم ماله، ثبوت ولاية المؤتي على ماله.
وفيه الأمر بإصلاح مال اليتيم، لأن تمام إيتائه ماله حفظه والقيام به بما يصلحه وينميه
وعدم تعريضه للمخاوف والأخطار.(11)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ
رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ:
إِنِّي فَقِيرٌ لَيْسَ لِي شَيْءٌ وَلِي يَتِيمٌ قَالَ: (كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ
غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُبَادِرٍ وَلَا مُتَأَثِّلٍ).(12)
6-كفالة اليتيم سبب من أسباب مرافقة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة:
عَنْ سَهْلٍ بن سعد الساعدي -رضي الله
عنه- قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (وَأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا
وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا).(13)
قال ابن بطال – رحمه الله -: حق على كل مؤمن
يسمع هذا الحديث أن يرغب فى العمل به ليكون فى الجنة رفيقًا للنبى عليه السلام ولجماعة
النبيين والمرسلين - صلوات الله عليهم أجمعين - ولا منزلة عند الله فى الآخرة أفضل
من مرافقة الأنبياء.(14)
7-الرحمة والشفقة باليتيم سبيل إلى إصلاح القلب وتليينه ولو بالعمل
اليسير وفيها إرضاء للرب جل وعلا: عن أبي
هريرة -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ لَهُ: (إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ
قَلْبِكَ فَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ).(15)
8- بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن كفالة
الأيتام وتقريبهم والقيام على مؤنتهم وما يحتاجونه سبيل إلى دخول الجنة والنجاة من
النار: عن مالك بن الحارث -رضي الله
عنه- قال: النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ
إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ
الْبَتَّةَ وَمَنْ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ يُجْزَى
بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ).(16)
9-كفالة اليتيم تساهم في بناء مجتمع سليمٍ خالٍ من الحقد
والكراهية وتسود فيه روح المحبة والمودة كما في حديث النعمان بن بشير -رضي الله
عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-(( تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ
وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ
جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)).(17)
10-في كفالة اليتيم حفظ لذريتك من بعدك وقيام الآخرين بالإحسان إلى
أيتامك قال تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً
ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}
[النساء: 9]، فكافل اليتيم اليوم إنما يعمل لنفسه لو ترك ذرية ضعافاً، فكما تُحسن إلى
اليتيم اليوم يُحسن إلى أيتامك في الغد، وكما تدين تدان.
صور مشرقة في كفالة الأيتام:
كفالة نبي الله زكريا لمريم عليهما السلام:
قال الله تعالى عن مريم عليها السلام: ﴿ فَتَقَبَّلَهَا
رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا
﴾ [آل عمران: 37].
قال ابن كثير: "أي: جعَلَه كافِلاً لها، قال ابن إسحاق:
وما ذلك إلا أنها كانت يتيمة"، ثم قال - أي: ابن كثير -: "وإنما قدَّر الله
كون زكريا كفلها لسعادتها؛ لتقتَبِس منه علمًا جَمًّا نافِعًا، وعملاً صالحًا. . .
ولأنه كان زوج خالتها - على ما ذكَرَه ابن إسحاق وابن جرير وغيرهما - وقيل: زوج أختها
- كما ورد في الصحيح -: ((فإذا بِيحيى وعِيسَى، وهُمَا ابنَا الخالَة)).(18)
ونجد في الآية الأخرى في السورة نفسها، وفي السياق
نفسه، صورة رائعة لمجموعةٍ من أهل الخير، يَتسابَقون فيما بينهم على كفالة يتيمتهم
مريم بنت عمران؛ يقول - تعالى -: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ
وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ
وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [آل عمران: 44]، فقد كان كلُّ واحدٍ
منهم يطمَع في أن يفوز برعايتها، ولم يجدوا بُدًّا من الاقتِراع فيما بينهم، وإلقاء
أقلامهم في نهر الأردن أيهم يفوز بهذا الشرَف العظيم؛ ألا وهو كفالة اليتيمة، حتَّى
فاز بذلك نبي الله زكريا - عليه السلام.
كفالة النبي -صلى الله عليه وسلم- للأيتام:
ممَّا يضع البلسم على جِراح الأيتام في المجتمع المسلم، أنَّ
نبيَّنا -صلى الله عليه وسلم- أرادَه ربه - عزَّ وجلَّ - أن ينشأ يتيمًا، غير أنه حاز
الكَمال في التربية برِعاية ربِّه له، والذي خاطَبَه - سبحانه - في معرض المنِّ والتَّذكير
بالنِّعمة في قوله - تعالى -: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ﴾ [الضحى:
6]، متنقِّلاً بين حَنان الأم الذي لم يدُم سوى ستِّ سنوات من عمره المبارَك، وبين
رِعاية الجد عبدالمطلب، التي لم تَدُم بعدُ سِوى عامَيْن، ثم كفالة عَمِّه أبي طالب،
حتَّى شبَّ عن الطوق، ودخَل في سن الشباب -صلى الله عليه وسلم- وكان كلُّ ذلك بتدبيرٍ من العليم الحكيم، ليُعْلِمه حقَّ
اليتيم
فعلم من ذلك الفضل في هذا فكان
من صفاته كما قالت خديجة رضي الله عنها للنبي -صلى الله عليه وسلم- معددة الصفات العظيمة التي جبل عليها عليه الصلاة والسلام
قبل البعثة: "كلا والله ما يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتَصِل الرحم، وتحمل الكَلَّ،
وتَكسب المعدوم، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"(19)
ومعنى "تحمل الكل":
تكفل اليتيم.
وكان الصحابة أعلم
الناس بفضل إكرام اليتيم فلذلك كانوا أحرص الناس على ذلك، وإليك بعض الأمثلة:
1- عن الحسن أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا تغدى أو تعشى دعا من
حوله من اليتامى، فتغدى ذات يوم فأرسل إلى يتيم فلم يجده؛ وكانت له سويقة محلاة يشربها
بعد غدائه، فجاء اليتيم وقد فرغوا من الغداء، وبيده السويقة ليشربها، فناولها إياه
وقال: خذها فما أراك غبنت.(20)
وكان حكيم بن حزام لا يأكل طعاما وحده إذا أتي بطعامه قدره
فإن كان يكفي اثنين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك قال ادعوا من أيتام قريش واحدا أو اثنين
على قدر طعامه.(21)
فهذه أمثلة تدل على حرص الصحابة والصحابيات على إكرام اليتيم
وكفالته؛ وهم من يُقتدى بهم رضوان الله عنهم أجمعين.
الوسائل المعينة على كفالة الأيتام:
1-محبة الله تعالى والسعي في بذل الأسباب التي بها
تستجلب محبة الله ومنها كفالة الأيتام.
2-محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- والرغبة
في القرب منه ومجاورته في الجنة.
3-قراءة القرآن الكريم بتدبر لا سيما الآيات التي
وردت في شأن الأيتام وحسن رعايتهم.
4-استشعار المسئولية تجاه الأيتام وضرورة العناية بهم.
5-حب الخير للناس ولا سيما الضعفة والمحتاجين والأيتام.
6-إنشاء الدور والمؤسسات التى تقوم برعاية الأيتام وكفالتهم.
7- توعية المجتمع بضرورة وأهمية كفالة الأيتام عن طريق الوسائل المختلفة.
صور مهمة في كفالة الأيتام:
الكفالة نوعان:
1- الكفالة المادية مثل:
1-إنشاء مشاريع للإغاثة الطارئة لأسر الأيتام للتخفيف من الوضع الاقتصادي.
2- دعم مشروعات كفالات الأيتام والرعاية الشاملة لليتيم.
3- دعم مشروعات تمويل المشاريع الصغيرة لأسر الأيتام.
4- تأمين مراكز متخصصة لإيواء الأيتام.
5- تنفيذ مشروعات كفالة تعليم الأيتام في المدارس والجامعات.
6- دعم مشروعات تشغيل الأيتام بعد بلوغ سن الرشد.
2- الكفالة المعنوية مثل:
1-الرحمة والشفقة بهم والابتسامة في وجوههم ومداعبتهم لإدخال السعادة
عليهم.
2-زيارة الأيتام في منازلهم سواء كانت منازلهم الخاصة أو المراكز المتخصصة
لإيوائهم.
3-الخروج معهم
إلي المنتزهات والرحلات التي تكون سبيل إلى اختلاطهم بالمجتمع من جهة وترفيههم من جهة
أخرى.
4-تعليمهم
الأخلاق الإسلامية والآداب النبوية وتحفيظهم القرآن والسنة.
5-تعليمهم
أحكام الطهارة والصلاة.
6-الاعتناء بالقائمين على الذين يقومون على أمور اليتامى بالتعليم والتدريس
وذلك بإعداد الدورات العلمية والأخلاقية وكيفية إدخال السرور عليهم (صفات المربي).
أخطاء شائعة حول كفالة الأيتام:
ومن المفاهيم
الخاطئة أن كفالة اليتيم تقتصر على الاهتمام المادي به فقط، ولكن الإسلام يرتقي بهذه
المهمة من دركات الماديات والحسيات إلى درجات المعنويات والمعاملة السامية، فيأمر بإصلاحهم،
ويحض على مخالطتهم وإشراكهم في المجتمع، ذلك أن العزلة لها آثارها الخطيرة على نفسية
الطفل، خاصة إذا كان يعاني من هذه الحساسية التي يعاني منها من فقد أحب الناس إليه،
حيث يقول تعالي في معرض حديثه عن منظومة القيم الأسرية والاجتماعية: (ويسألونك عن اليتامى
قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم)، وليعلم كافل اليتيم أن إكرام اليتيم يكون
بقدر مخالطته للمجتمع واندماجه فيه. وليعلم الكثير أن هناك أيتاماً أغنياء، لكنهم يحتاجون
لكفالة وإكرام معنوي، والذي ذكرناه في الصور المعنوية السابقة
والحمد
لله رب العالمين
---
(1)أخرجه أبو داود (2873)، وصححه
الألباني في الصحيحة برقم (3180).
(2)فتح الباري لابن حجر(10/451).
(3)مجموع الفتاوى لابن تيمية
(34/108).
(4)الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
(22/347).
(5)تيسير الكريم الرحمن في تفسير
كلام المنان للسعدي (1/928).
(6)أخرجه البخاري (2766)، ومسلم
(89).
(7)تيسير الكريم الرحمن في تفسير
كلام المنان للسعدي (1/99).
(8)تيسير الكريم الرحمن في تفسير
كلام المنان للسعدي (1/83).
(9)أخرجه البخاري (5353)، ومسلم
(2982).
(10)شرح صحيح البخاري لابن بطال
(9/218).
(11)تيسير الكريم الرحمن في تفسير
كلام المنان للسعدي (1/163).
(12)أخرجه أبو داود (2872)، وابن
ماجة (2718)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (4497).
(13)أخرجه البخاري (5304) ومسلم
(2983).
(14)شرح صحيح البخاري لابن بطال
(9/217).
(15)أخرجه أحمد (7576)، وحسنه
الألباني في الصحيحة برقم (854).
(16)أخرجه أحمد (20331)، وصححه
الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (1895).
(17)أخرجه البخاري (6011).
(18)- تفسير ابن كثير(2/35)
(19)- أخرجه البخاري(3) ومسلم(252)
(20)- حلية الأولياء لأبي
نعيم(1/299)
(21)- تاريخ دمشق لابن
عساكر(15/122)