عن أبي هريرة: سئل
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟
قال: " إيمان باللَّه ورسوله". قيل
ثم ماذا؟ قال: " الجهاد في سبيل اللَّه"؟
قيل ثم ماذا؟ قال: " حج مبرور".
متفق عليه
المفردات
:
أي الأعمال أفضل =
أرفع درجة وأكثر ثوابًا عند اللَّه تعالى.
إيمان باللَّه
ورسوله = الإيمان باللَّه تجريد التوحيد من كل شبهة تدعو إلى الشرك باللَّه.
وإن كان يقول لا
إله إلا اللَّه: فلا بد أن يعمل بشروطها فاهمًا معناها، عاملاً بمقتضاها. فلا يترك
صلاة، ولا يلجأ إلا إلى اللَّه في دعائه واستعانته وخشيته وجميع أنواع العبادة.
والإيمان برسوله
والتصديق بكل ما جاء به، واتباعه في كل ما أمر ونهى.
الحج
المبرور = هو الذي لا يرتكب صاحبه فيه معصية.
المعنى سأل سائل
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال
عند اللَّه تعالى، وأحبها إليه، ليكون حرصه عليها أشد، وعنايته بها أكبر.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد أجاب في مواطن أخرى عن سؤال أفضل
الأعمال بغير هذه الإجابة، لأنه كان يجيب كل سائل بما يناسب حاله، أو يلتئم مع
رغبته وميوله، أو بما يحد من أخطاء وقع فيها
- ففي أوقات الحرب:
يجيب بأن الجهاد أفضل الأعمال.
- وفي أوقات الشدة
والمجاعات، يجيب بإطعام الطعام، وبذل الصدقات.
- وإن كان السائل
كثير الكلام: قال له أمسك لسانك. وإن كان كثير الغضب. قال لا تغضب. وهكذا، فكان
النبي صلى الله عليه وسلم كالطبيب الحاذق يشخص
الداء ويصف الدواء. وكان يعطي كل حال لبوسها، ويجيب بما يسايرها، وهو البليغ
الحكيم صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا الحديث:
بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان باللَّه
ورسوله.
لأنه مفتاح
الإسلام، وأساس الدين، وكل عمل لا يستند على التوحيد الصحيح فهو باطل.
كما أن الحديث يؤكد
فرضية الجهاد في سبيل اللَّه، ليكون الدين كله لله، وإن الدين عند اللَّه الإسلام،
لترفرف راية التوحيد التي تحمل معاني الأخوة والمساواة بين الناس، وكيلاً يتخذ
بعضهم بعضًا أربابًا من دون اللَّه، فلا يعبد من دون اللَّه سواه.
ولئن كان الجهاد في
سبيل اللَّه لم يرد ضمن أركان الإسلام الخمسة إلا أن الآيات القرآنية والأحاديث
النبوية، جعلت الجهاد فريضة على كل قادر. وجعلت من تخلف عنه بغير عذر مع زمرة
المنافقين والعياذ باللَّه.
قال صلى الله عليه وسلم: [ من
مات ولم تحدثه نفسه بغزو في سبيل اللَّه، مات على شعبة من النفاق ] ومعلوم
أن الدين لم يحتل مكانته، ولم يأخذ عزته إلا بالجهاد في سبيل اللَّه.
فإذا سكت المسلمون
عنه تمكن منهم عدوهم، وكانوا غثاء كغثاء السيل، تداعى عليهم الأمم من كل جانب،
وتخلى عنهم ربهم، فهانوا على اللَّه، ولله عاقبة الأمور.
والأمر الثالث في
الحديث هو الحج المبرور إلى بيت اللَّه الحرام.
فالحج يذكر الحاج
بالنشأة الأولى للإسلام، كما يرى أول بيت وضع للناس، ويقوم بأعمال كلها قربات إلى
اللَّه تعالى: من صلاة وطواف وسعي ووقوف بعرفات، وتلبية وتهليل،وذكر وتكبير، وذبح
القرابين وتصدق على الفقراء والمساكين، فتتهذب النفوس- ويجتمع المسلمون وقد أتوا
من كل فج عميق، فيفكرون فيما يعيد للإسلام عزه ومجده، ويقفون على عرفات في خضوع
وخشوع داعين رب الكائنات: أن يغفر لهم جميع الذنوب ويكفر عنهم السيئات.
ولا ينعقد الحج
المبرور إلا إذا حسنته النية، وخلص العمل لله، دون شهرة ولا سمعة ولا رياء، كما
يفعل البعض في هذا الزمان جريًا وراء لقب ( حاج ). أو لحن الأحدوثة بين الناس.
فإن اللَّه تعالى
أغنى الشركاء عن الشرك، فمن أشرك في العمل غير اللَّه تركه وشركه، كما أن اللَّه
تعالى لا يقبل العمل من مراءٍ ولا مسمعٍ ولا منان، قال تعالى: [ وَمَا أُمِرُوا إِلاَ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ حُنَفَاء ] أي متحنفين وبعيدين عن الشرك.
لأن كل عمل لا يراد
به وجه اللَّه، يؤدي إلى الشرك باللَّه والعياذ به.
كما أن الحج
المبرور لا يحصل إلا بالنفقة الطيبة والمال الحلال.
وقد
أجاد من قال:-
إذا حججت بمال أصله سحت فما
حججت ولكن حجت العيــر
ما يقبل اللَّه إلا كل
صالحـــة ما كل من حج بيت اللَّه مبرور
وفي الأوسط
للطبراني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: [ إذا خرج الحاج حاجًا بنفقة طيبة، ووضع رجله في
الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك. زادك حلال،
وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور. وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز
فنادى لبيك: ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك. زادك حرام ونفقتك حرام. وحج
مأزور غير مبرور ].
ومعنى ذلك أنه يجب
على العبد إذا أراد الحج أو أي عمل لله تعالى: أن تكون النفقة حلالاً ليقبل اللَّه
عمله، وقد روى أحمد عن عبد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : [ من
اشترى ثوبًا بعشرة دراهم وفيه درهم من حرام، لم يقبل اللَّه عز وجل له صلاة ما دام
عليه ].
ويترتب
على الحج المبرور ما يلي:
1- حصول المغفرة من
اللَّه تعالى، إن حسنت النية وصلح العمل.
2- لما كان الحج
نوعًا من الجهاد: منح اللَّه الحاج ما يمنح المجاهد في سبيل اللَّه، فعن عائشة رضي
اللَّه عنها قالت: قلت يا رسول اللَّه: نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ فقال صلى الله عليه وسلم : [ أفضل الجهاد حج مبرور ] رواه البخاري.
3- الكسب المضاعف
والربح العظيم الذي وعد به رب العالمين: [ وَلاَ
يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ
كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ]
[ التوبة: 121
]
ويقول تعالى: [ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ
لاَ تُظْلَمُونَ ] [ البقرة: 272 ].
فأي
إنعام أفضل من هذا الإنعام؟ وأي إكرام أتم من هذا الإكرام؟
إن في
الحج معاني جمة؟
فهو وسيلة للتعارف
بين المسلمين في جميع المشارق والمغارب وفي يوم عرفة يلتقي الجمع الحاشد من أمم
متباينة، وأجناس مختلفة، وإذا بهم قلوب مؤتلفة، وألسنة متفاهمة، كأنهم على قلب رجل
واحد، ينبض بتوحيد اللَّه تعالى، ويهتفون بلسان واحد: ( لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة
لك والملك لا شريك لك ) يقف الحجاج على عرفات، فتخلص القلوب مما ران
عليها من الأهواء، وتتجرد الصدور مما سيطر عليها من غل وحقد، فلا ينفرون من عرفات
إلا أرواحًا نقية تمكنت منها المعاني السامية إخاء ومحبة وصفاء.
ولو فطن المسلمون
لمعاني الحج وحكمته السامية لأدركوا مقصد الرسول المعصوم من قوله الكريم: [ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد إذا
اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ].
واللَّه الموفق.