دعوة المسلمين للتمسك بسنة سيد المرسلين
عناصر الخطبة:
مكانة السنة
وجوب اتباع السنة والأدلة على ذلك
أقوال السلف والعلماء في التمسك بالسنة
ثمرات اتباع السنة
التفصيل
مكانةُ السنة:
اتفق علماء الأمة على أن السنة وحي من الله، وأنها إن ثبتت فهي حجة ومصدر رئيس من مصادر الأحكام واستدلوا على ذلك:
- فقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم3: 4]
-قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء: 59]
- قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل: 44]
- قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}[الأحزاب: 36]
- قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران: 31]
- قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[النساء: 80]
- وقوله تعالى مخاطبًا نبيه -صلى الله عليه وسلم- {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113]
وعن الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : "أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ. . . "([1])
وعَنْ حَسَّانِ بْنِ عَطِيَّةَ(ت130) قَالَ: كَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَنْزِلُ على رسول الله بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَيُعَلِّمُهُ إِيَّاهَا كَمَا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ. ([2])
وجوب اتباع السنة وتعظيمها:
1- الأدلةُ من القرآن
*قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال: 24].
قال قتادة بن دعامة(ت120): هو هذا القرآن، فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة. ([3])
قال أحمدُ بنُ حنبل(ت241): "مَنْ رَدَّ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَهُوَ عَلَى شَفا هَلَكَةٍ"([4])
وقال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}[الحجرات: 1 - 2].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: في قوله (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة. ([5])
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ(ت161): {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}بقول ولا فعل. ([6])
وقال مالك بن أنس(ت179): "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- خَانَ الرِّسَالَةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، فَمَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ دِينًا، فَلَا يَكُونُ الْيَوْمَ دِينًا"([7])
قَالَ الشَّافِعِي(ت204): أجمع الْمُسلمُونَ على أَن من استبانت لَهُ سنة رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- ، لم يكن لَهُ أَن يَدعهَا لقَوْل أحد من النَّاس. ([8])
وقال الله تبارك وتعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور: 63].
عن سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ(ت198) قال: سَمِعْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مِنْ أَيْنَ أُحْرِمُ؟ قَالَ: مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- . فَقَالَ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْرِمَ مِنْ الْمَسْجِدِ. فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ. قَالَ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْرِمَ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْ عِنْدِ الْقَبْرِ. قَالَ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْك الْفِتْنَةَ. قَالَ: وَأَيُّ فِتْنَةٍ فِي هَذَا؟ إنَّمَا هِيَ أَمْيَالٌ أَزِيدُهَا. قَالَ: وَأَيُّ فِتْنَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَرَى أَنَّك سَبَقْت إلَى فَضِيلَةٍ قَصَّرَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ، إنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. ([9])
وقال ابن تيمية(ت728): وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُعَارِضَ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضى الله عنه- مَا لِرَجُلِ سَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَهُ فِيهَا بِحَدِيثِ فَقَالَ لَهُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَتَقُولُونَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟! ([10])
*وقال تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: 21]
قال ابن كثير(ت774): هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي التَّأَسِّي بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ. ([11])
قال السعدي: فالأسوة نوعان: أسوة حسنة، وأسوة سيئة. فالأسوة الحسنة، في الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، فإن المتأسِّي به، سالك الطريق الموصل إلى كرامة الله، وهو الصراط المستقيم. وهذه الأسوة الحسنة، إنما يسلكها ويوفق لها، من كان يرجو الله، واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان، وخوف الله، ورجاء ثوابه، وخوف عقابه، يحثه على التأسي بالرسول -صلى الله عليه وسلم- . وأما الأسوة بغيره، إذا خالفه، فهو الأسوة السيئة، كقول الكفار حين دعتهم الرسل للتأسِّي بهم{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}([12])
*وقال أيضًا: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[آل عمران: 31].
قال ابن كثير: هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ حَاكِمَةٌ عَلَى كُلِّ مَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَإِنَّهُ كَاذِبٌ فِي دَعْوَاهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، حَتَّى يَتَّبِعَ الشَّرْعَ الْمُحَمَّدِيَّ وَالدِّينَ النَّبَوِيَّ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ وَأَحْوَالِهِ. . . وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ: زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّهَ فَابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ. ([13])
قال ابن القيم (ت751): لَمَّا كَثُرَ الْمُدَّعُونَ لِلْمَحَبَّةِ طُولِبُوا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى. فَلَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى الْخَلِيُّ حُرْقَةَ الشَّجِيِّ، فَتَنَوَّعَ الْمُدَّعُونَ فِي الشُّهُودِ. فَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الدَّعْوَى إِلَّا بِبَيِّنَةٍ{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]. فَتَأَخَّرَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ. وَثَبَتَ أَتْبَاعُ الْحَبِيبِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَخْلَاقِهِ. ([14])
* وقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
ب- الأدلة من السنة:
وفي جابر بن عبد الله، أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في خطبته "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"([15])
وفي حديث الْعِرْبَاض بْن سَارِيَةَ، قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: " قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ، فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ. . . . "([16])
وفي حديث الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : "أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. . . " وفي رواية: "وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله"
وفي حديث أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: تَرَكْنَا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ، وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ، إِلَّا وَهُوَ يُذَكِّرُنَا مِنْهُ عِلْمًا، قَالَ: فَقَالَ: -صلى الله عليه وسلم- : "مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الْجَنَّةِ، ويُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ، إِلَّا وَقَدْ بُيِّنَ لَكُمْ"([17])
أقوال السلف والعلماء في التمسك بالسنة
كان أبو بكر الصديق -رضى الله عنه- يقول: لستُ تاركًا شيئًا كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يعملُ به إلا عملتُ به، وإني لأخشى إن تركتُ شيئًا من أمرِه أن أزيغ.
وقد عقب ابن بطة(ت387) على كلمة الصديق تلك فقال: هذا يا إخواني الصِّديقُ الأكبرُ يتخوف على نفسه من الزيغ إنْ هو خالفَ شيئًا من أمر نبيِّه -صلى الله عليه وسلم- ، فماذا عسى أن يكون من زمان أضحى أهلُه يستهزئون بنبيِّهم وأوامره ويتباهون بمخالفته ويسخرون بسنته؟! نسأل الله عصمةً من الزلل ونجاةً من سوء العمل. ([18])
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: (السنن السنن، فإن السنن قوام الدين)([19])
قال الحسن البصري(ت110): لا تغترَّ بقولك: المرءُ مع من أَحَبّ، إنه من أَحَبّ قومًا اتبع آثارهم، ولن تلحقَ بالأبرار حتى تتبع آثارهم، وتأخذ بهديهم، وتقتدي بسنتِهم، وتصبحَ وتمسي وأنت عَلَى منهاجهم، حريصًا أن تكون منهم، وتسلك سبيلهم، وتأخذ طريقهم، وإن كنت مقصرًا في العمل؛ فإن مَلاكَ الأمرِ أن تكون عَلَى استقامة، أما رأيت اليهود والنصارى وأهل الأهواء المردية يحبون أنبياءهم ليسوا معهم؛ لأنهم خالفوهم في القول والعمل، وسلكوا غير طريقتهم فصار مأواهم النار؟ نعوذ بالله من النار.([20])
وعن الزهري قال: (كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة)([21])
عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ(ت131) أَنَّهُ قَالَ: إِذَا حَدَّثْتَ الرَّجُلَ بِالسُّنَّةِ فَقَالَ دَعْنَا مِنْ هَذَا حسْبُنَا الْقُرْآنُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ ضَالٌّ. - قَالَ الَأوزاعي: وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ قَاضِيَّةُ عَلَى الْكِتَابِ وَلَمْ يَجِيء الْقُرْآنُ قَاضِيًا عَلَى السُّنَّةِ. ([22])
عَنْ مَكْحُولٍ الشامي(ت112) قَالَ: "الْقُرْآنُ أَحْوَجُ إِلَى السُّنَّةِ مِنَ السُّنَّةِ إِلَى الْقُرْآنِ"([23])
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الرحمن الأوزاعي(ت157)أنه قال: (كان يقال: خمس كان عليها أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- والتابعون بإحسان: لزوم الجماعة، واتباع السنة، وعمارة المسجد، وتلاوة القرآن، والجهاد في سبيل الله)([24])
وقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أيضًا: اصْبِرْ نَفْسَكَ عَلَى السُّنَّةِ وَقِفْ حَيْثُ وَقَفَ الْقَوْمُ وَقُلْ بِمَا قَالُوا، وَكُفَّ عَمَّا كَفُّوا عَنْهُ وَاسْلُكْ سَبِيلَ سَلَفِكَ الصَّالِحِ فَإِنَّهُ يَسَعُكُ مَا وَسِعَهُمْ، وَلَا يَسْتَقِيمُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِالْقَوْلِ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْقَوْلُ إِلَّا بِالْعَمَلِ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْإِيمَانُ وَالْقَوْلُ وَالْعَمَلُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ مُوَافَقَةً لِلسُّنَّةِ. ([25])
وقال الْأَوْزَاعِيّ أيضًا: عَلَيْكَ بِآثَارِ مَنْ سَلَفَ وَإِنْ رَفَضَكَ النَّاسُ، وَإِيَّاكَ وَرَأْي الرِّجَالِ، وَإِنْ زَخْرَفُوهُ بِالْقَوْلِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ يَنْجَلِي وَأَنْتَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ. ([26])
وقال الْأَوْزَاعِيّ أيضًا: "نَدُورُ مَعَ السُّنَّةِ حَيْثُ دَارَتْ"([27])
وعن عبد الله الديلمي أنه قال: (بلغني أن أول ذهاب الدين ترك السنة، يذهب الدين سنة سنة كما يذهب الحبل قوة قوة)([28])
قال أبو القاسم الْجُنَيْدُ(ت297): "الطُّرُقُ كُلُّهَا مَسْدُودَةٌ عَلَى الْخَلْقِ إِلَّا مَنِ اقْتَفَى أَثَرَ الرَّسُولِ وَاتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَلَزِمَ طَرِيقَتَهُ فَإِنَّ طُرُقَ الْخَيْرَاتِ كُلَّهَا مَفْتُوحَةٌ عَلَيْهِ" ([29])
قال ابن القيم في نونيته:
يا من يريد نجاته يوم الحسا. . . ب من الجحيم وموقد النيران
اتبع رسول الله في الأقوال والأ. . . عمال لا تخرج عن القرآن([30])
مِنْ لازِم المحبةِ الاتباعُ:
قال القاضي عياض(ت544): فَبِالْحَقِيقَةِ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَحَبَّ كُلَّ شَيْءٍ يُحِبُّهُ، وَهَذِهِ سِيرَةُ السَّلَفِ حَتَّى فِي الْمُبَاحَاتِ وَشَهَوَاتِ النَّفْسِ. وَقَدْ قَالَ أَنَسٌ حِينَ رَأَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيِ الْقَصْعَةِ "فَمَا زِلْتُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ"([31])
فانظر إلى شدة المحبة! واتباع السنة ثمرة طبيعية للمحبة، وكلما قرت المحبة في القلب حرص الإنسان على أن يقتدي بمحبوبه، وهذا نراه في أحوال الناس، حتى الذين يقتدون بلاعبي الكرة أو بالممثلين أو بالفنانين، حيث تجد أحدهم يغير شكله لشدة محبته لهذا الشخص بما يتوافق مع هيئته، ويهتم جدًا بماذا يأكل وماذا يلبس، وأي الألوان يحب، وأي الطعام يحب، وما هو المشروب المفضل عنده! وكل هذه التفاهات في أمثال هؤلاء الناس، فأولى ثم أولى أن يتحرى المسلمون الاتباع المطلق للنبي -صلى الله عليه وسلم- .
قَالَ أَحْمَدُ بن حنبل: مَا كَتَبْتُ حَدِيثًا إِلَّا وَقَدْ عَمِلْتُ بِهِ، حَتَّى مَرَّ بِي أَنّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- احْتَجَمَ وَأَعْطَى أَبَا طَيْبَةَ دِينَارًا، فَأَعْطَيْتُ الْحَجَّامَ دِينَارًا حِينَ احْتَجَمْتُ. ([32])
واتباعه -صلى الله عليه وسلم- يكون في الشدة كما يكون في الرخاء:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ: اخْتَفَى عِنْدِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ قَالَ: "اطْلُبْ لِي مَوْضِعًا حَتَّى أَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ". قُلْتُ: لَا آمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "إِذَا فَعَلْتَ أَفَدْتُكَ"، فَطَلَبْتُ لَهُ مَوْضِعًا، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ لِي: "اخْتَفَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْغَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ تَحَوَّلَ، وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ نَتَّبِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الرَّخَاءِ وَنَتْرُكَهُ فِي الشِّدَّةِ". ([33])
ثمرات التمسك بالسنة:
1- التمسك بالسنة سبب لتحصيل الأجور العظيمة
ويدل على ذلك حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- : "إن من ورائكم أيام الصبر، للمتمسك فيهن يومئذٍ بما أنتم عليه أجرُ خمسين منكم. قالوا: يا نبي الله أو منهم؟ قال: بل منكم"([34])
قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَيْسَ هَذَا عَلَى إِطْلَاقِهِ بَلْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ الْأَعْمَالَ تَشْرُفُ بِثَمَرَاتِهَا وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْغَرِيبَ فِي آخِرِ الْإِسْلَامِ كالغريب في أوله وبالعكس لقوله عليه السلام بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ مِنْ أُمَّتِي يُرِيدُ الْمُنْفَرِدِينَ عَنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَنَقُولُ الْإِنْفَاقُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ -رضى الله عنه- لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مَدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ أَيْ مُدَّ الْحِنْطَةِ وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ تِلْكَ النَّفَقَةَ أَثْمَرَتْ فِي فَتْحِ الْإِسْلَامِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ مَا لَا يُثْمِرُ غَيْرُهَا وَكَذَلِكَ الْجِهَادُ بِالنُّفُوسِ لَا يَصِلُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ إِلَى فَضْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ لِقِلَّةِ عَدَدِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقِلَّةِ أَنْصَارِهِمْ فَكَانَ جِهَادُهُمْ أَفْضَلَ وَلِأَنَّ بَذْلَ النَّفْسِ مَعَ النُّصْرَةِ وَرَجَاءِ الْحَيَاةِ لَيْسَ كَبَذْلِهَا مَعَ عَدَمِهَا وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر جَعَلَهُ أَفْضَلَ الْجِهَادِ لِيَأْسِهِ مِنْ حَيَاتِهِ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ بَيْنَ ظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَإِظْهَارِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ ذَلِكَ شَاقٌّ عَلَى الْمُتَأَخِّرِينَ لِعَدَمِ الْمُعِينِ وَكَثْرَةِ الْمُنْكَرِ فِيهِمْ كَالْمُنْكِرِ عَلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَكُونُ القابض كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ لَا يَسْتَطِيعُ دَوَامَ ذَلِكَ لِمَزِيدِ الْمَشَقَّةِ فَكَذَلِكَ الْمُتَأَخِّرُ فِي حِفْظِ دِينِهِ وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ فَلَيْسُوا كَذَلِكَ لِكَثْرَةِ
الْمُعِينِ وَعَدَمِ الْمُنْكَرِ فَعَلَى هَذَا يَنْزِلُ الْحَدِيثُ. ([35])
قال ابن القيم في نونيته:
هَذَا وللمتمسكين بِسنة الْمُخْتَار عِنْد فَسَاد ذِي الْأَزْمَان
أجر عَظِيم لَيْسَ يقدر قدره إلا الَّذِي أعطَاهُ للْإنْسَان
فروى أَبُو دَاوُد فِي سنَن لَهُ وَرَوَاهُ أَيْضًا أحْمَد الشَّيْبَانِيّ
أثرًا تضمن أجر خمسين امريء من صحب أحْمَد خيرة الرَّحْمَن
إِسْنَاده حسن ومصداق لَهُ فِي مُسلم فافهمه فهم بَيَان
إن العبادة وقت هرج هجرة حَقًّا إلي وَذَاكَ ذُو برهَان
هَذَا فكم من هِجْرَة لَك أَيهَا السّني بالتحقيق لَا بِأَمَان
- وكذلك من أحيا سنةً أُميتتْ أو دَلَّ الناس على ما جهلوه من السنة فله من الأجر مثل أجورهم،
فعن جرير بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ. . "([36])
2- الفرحُ والسعادةُ وقرةُ العين لمن تمسك بالسنة في زمن الغربة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : "بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ". ([37])
وفسر ابن عَبَّاس الطوبى فقال: فَرَحٌ وقُرة عَيْنٍ. وَقَالَ عِكْرِمة: نعم ما لهم. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: غِبْطَةٌ لَهُم.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخعي: خَيْرٌ لَهُمْ. ([38]) قال مجاهد وعكرمة: هي الجنة. ([39])
*عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال: المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من
ضرب السيف في سبيل الله عز وجل. ([40])
3- العمل بالسنة سبب لحصول رحمة الله للعبد:
قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ. . . . } [الأعراف: 156، 157]
4- العمل بالسنة سبب لحصول محبة الله ومغفرة الذنوب
قال تعالى{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[آل عمران: 31].
وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا وفيه[. . . وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ]([41])
5- العمل بالسنة سبب لدخول الجنة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ، قَالَ: "كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى"([42])
6- اتباع السنة أمانٌ من الفُرقةِ والاختلاف
لأن الاجتماع على العمل بالسنة يسدُّ باب الاختلافات والافتراقات التي تؤدي إلى العداوات والبغضاء، كما في الحديث: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنتي). إذًا: لا يصلح أبدًا أي علاج للفرقة إلا إذا كان على وفق سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ؛ لذلك كلما كان المجتمع أكثر تمسكًا بالسنة، كلما قلَّ فيه الاختلاف والتنازع.
يقول شيخ الإسلام: والبدعة مقرونة بالفرقة كَمَا أن السّنة مقرونة بِالْجَمَاعَة فَيُقَال أهل السّنة وَالْجَمَاعَة كَمَا يُقَال أهل الْبِدْعَة والفرقة. ([43])
وقد قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}[آل عمران: 105]
قال قتادة في تفسيرها: يعني أهل البدع.
وسُئِلَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ -رضى الله عنه- عَنِ السُّنَّةِ؟ قَالَ: "هِيَ مَا لَا اسْمَ لَهُ غَيْرُ السُّنَّةِ، وَتَلَا{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}([44])
ولذلك أهل السنة لا ينسبون إلى أحد خلاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
7- العمل بالسنة نجاة:
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: " كَانَ مَنْ مَضَى مِنْ عُلَمَائِنَا يَقُولُونَ: الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ نَجَاةٌ. ([45])
وقَالَ عبد الله بْنُ وَهْبٍ(ت197) كنت عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فَذُكِرَتِ السّنة فَقَالَ مَالك: (السُّنَّةُ سَفِينَةُ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ)([46])
قال ابن تيمية معلقًا على كلام مالك: وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ وَالشَّرِيعَةَ وَالْمِنْهَاجَ: هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي يُوَصِّلُ الْعِبَادَ إلَى اللَّهِ. وَالرَّسُولُ: هُوَ الدَّلِيلُ الْهَادِي الْخِرِّيتُ فِي هَذَا الصِّرَاطِ. . . قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}([47])
8- اتباع السنة من علامات التقوى
قال تعالى: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ). الحج: 32]
وشعائر الله أوامره وأعلام دينه الظاهرة، ومن أبرزها وأعلاها طاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- واتباع شرعه.
وأخيرًا: يقول ابن قدامة رحمه الله(ت620): وفي اتباع السنة بركة موافقة الشرع، ورضا الرب سبحانه وتعالى، ورفع الدرجات، وراحة القلب، ودعة البدن، وترغيم الشيطان، وسلوك الصراط المستقيم)([48])