المُراقبة
ملخص الخطبة:
1- تعريف المراقبة
2- الآيات الواردة في المراقبة
3- الأحاديث الواردة في المراقبة
4- أقوال السلف في المراقبة
5- حقيقة المراقبة
6- عاقبة من لم يراقب الله
7- من ثمرات المراقبة
تعريف المراقبة:
المراقبة لغة:مصدر قولهم: رَاقَبَ مُراقبَةً وهو مأخوذٌ مِنْ مادّةِ (رَقَبَ) الّتي تَدُلُّ عَلَى انْتِصَابٍ لِمُرَاعَاةِ شَيْءٍ.ومِنْ ذَلِكَ الرَّقِيبُ، وَهُوَ الْحَافِظُ. يُقَالُ مِنْهُ رَقَبْتُ أَرْقَبُ رِقْبَةً وَرِقْبَانًا. وَالْمَرْقَبُ: الْمَكَانُ الْعَالِي يَقِفُ عَلَيْهِ النَّاظِرُ.وراقبَ اللهَ تَعَالَى فِي أَمرِهِ أَي خافَه.(
المراقبة اصطلاحًا:
هي:دَوَامُ عِلْمِ الْعَبْدِ، وَتَيَقُّنِهِ بِاطِّلَاعِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ. فَاسْتَدَامَتُهُ لِهَذَا الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ هِيَ الْمُرَاقَبَةُ وَهِيَ ثَمَرَةُ عِلْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ رَقِيبٌ عَلَيْهِ، نَاظِرٌ إِلَيْهِ، سَامِعٌ لِقَوْلِهِ. وَهُوَ مُطَّلِعٌ عَلَى عَمَلِهِ كُلَّ وَقْتٍ وَكُلَّ لَحْظَةٍ، وَكُلَّ نَفَسٍ وَكُلَّ طَرْفَةِ عَيْنٍ.(
وَقَالَ ذُو النُّونِ:عَلَامَةُ الْمُرَاقَبَةِ إِيثَارُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَتَعْظِيمُ مَا عَظَّمَ اللَّهُ، وَتَصْغِيرُ مَا صَغَّرَ اللَّهُ.(
وَالْمُرَاقَبَةُ هِيَ التَّعَبُّدُ بِاسْمِهِ الرَّقِيبِ، الْحَفِيظِ، الْعَلِيمِ، السَّمِيعِ، الْبَصِيرِ، فَمَنْ عَقَلَ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ، وَتَعَبَّدَ بِمُقْتَضَاهَا: حَصَلَتْ لَهُ الْمُرَاقَبَةُ.(
المراقبة في القرآن
قال الله سبحانه: [أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ][المجادلة: 7].
قال ابن كثير:أي مطلعٌ عَلَيْهِمْ يَسْمَعُ كَلَامَهُمْ وَسِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَرُسُلُهُ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ تَكْتُبُ مَا يَتَنَاجَوْنَ بِهِ مَعَ علم الله به وسمعه لهم، كما قال تعالى:[أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ] [التوبة: 78]، وقال تعالى: [أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ] [الزُّخْرُفِ: 80] فَهُوَ سُبْحَانَهُ وتعالى مُطَّلِعٌ عَلَى خَلْقِهِ لَا يَغِيبُ عَنْهُ مِنْ أمورهم شيء.(
وقال جلَّ شأنه[يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ][الحديد: 4].
وقال سبحانه: [وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ][يونس: 61].
قال ابن كثير -رحمه الله-: يُخْبِرُ تَعَالَى نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم-أَنَّهُ يَعْلَمُ جَمِيعَ أَحْوَالِهِ وَأَحْوَالِ أُمَّتِهِ وَجَمِيعَ الخلائق في كل ساعة وأوانٍ وَلَحْظَةٍ وَأَنَّهُ لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ وَبَصَرِهِ مثقال ذرة في حقارتها وصغرها في السموات وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْهَا وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ كَقَوْلِهِ:[وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ][الْأَنْعَامِ: 59] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يَعْلَمُ حَرَكَةَ الْأَشْجَارِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْجَمَادَاتِ وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ السَّارِحَةُ فِي قَوْلِهِ:[وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ]
وقال سبحانه: [وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا
الأحاديث الواردة في المراقبة:
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-كَانَ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ يَمْشِي...،وفيه: قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ:[الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ...].(
وعند مسلم:
- عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضى الله عنهما-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: [ بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ، إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ...].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ:[سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ].(
- عن أبي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : [قَالَ اللهُ -عز وجل-: إِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً، فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَلْ، فَإِذَا عَمِلَهَا، فَأَنَا أَكْتُبُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا، فَإِذَا عَمِلَهَا، فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا ].
- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضى الله عنهما- قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-
- عن مُعَاذ بْن جَبَلٍ -رضى الله عنه- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْصِنِي، فَقَالَ:
في مسند الإمام أحمد بإسنادٍ صحيح عَنْ عَائِشَةَ
أقوالُ السلفِ في المراقبة:
* عَنْ أَنَسٍ -رضى الله عنه-، قَالَ: [إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا، هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ، إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ-صلى الله عليه وسلم-مِنَ المُوبِقَاتِ].(
قَالَ نَافِعٌ مولى ابن عمر: خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَصْحَابٌ لَهُ فَوَضَعُوا سُفْرَةً لَهُمْ فَمَرَّ بِهِمْ رَاعٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: هَلُمَّ يَا رَاعِي فَأَصِبْ مِنْ هَذِهِ السُّفْرَةِ فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الشَّدِيدِ حَرُّهُ وَأَنْتَ بَيْنَ هَذِهِ الشِّعَابِ فِي آثَارِ هَذِهِ الْغَنَمِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْجِبَالِ تَرْعَى هَذِهِ الْغَنَمَ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟! فَقَالَ الرَّاعِي: أُبَادِرُ أَيَّامِيَ الْخَالِيَةَ. فَعَجِبَ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنَا شَاةً مِنْ غَنَمِكَ نَجْتَرِزُهَا نُطْعِمُكَ مِنْ لَحْمِهَا مَا تُفْطِرُ عَلَيْهِ وَنُعْطِيكَ ثَمَنَهَا؟ قَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي إِنَّهَا لِمَوْلايَ. قَالَ: فَمَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ لَكَ مَوْلاكَ إِنْ قُلْتَ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ؟ فَمَضَى الرَّاعِي وَهُوَ رَافِعٌ إِصْبَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ يَقُولُ: فَأَيْنَ اللَّهُ؟ قَالَ: فَلَمْ يَزَلِ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ الرَّاعِي: فَأَيْنَ اللَّهُ! فَمَا عَدَا أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَبَعَثَ إِلَى سَيِّدِهِ فَاشْتَرَى مِنْهُ الرَّاعِيَ وَالْغَنَمَ فَأَعْتَقَ الرَّاعِيَ وَوَهَبَ لَهُ الْغَنَمَ.(
* قال ابنُ المبارك لرجلٍ: راقبِ اللهَ تعالى.فسأله عن تفسيرها فقال:كنْ أبدًا كأنّك ترى اللهَ -عز وجل-.
* قال حميدُ الطويل لسليمان بن علي بن عبد الله بن عباس: عظني. فقال: لئن كنتَ إذا عصيتَ اللهَ خاليا ظننتَ أنه يراك لقد اجترأتَ على أمرٍ عظيمٍ, ولئن كنتَ تظنُّ أنه لا يراك فلقد كفرتَ.(
* قال سفيان الثوري: عليك بالمراقبة ممن لا تخفي عليه خافية وعليك بالرجاء ممن يملك الوفاء وعليك بالحذر ممن يملك العقوبة.(
* عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَا يَقْدِرُ رَجُلٌ عَلَى حَرَامٍ ثُمَّ يَدَعُهُ لَيْسَ بِهِ إِلا مَخَافَةُ اللَّهِ عز وجل إِلا أَبْدَلَهُ اللَّهُ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ذَلِكَ.(
* وَقَالَ حاتم الأصم: تَعَاهَدْ نَفْسَكَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: إِذَا عَمِلْتَ فَاذْكُرْ نَظَرَ اللَّهِ إِلَيْكَ، وَإِذَا تَكَلَّمْتَ فَاذْكُرْ سَمْعَ اللَّهِ إِلَيْكَ، وَإِذَا سَكَتَّ فَاذْكُرْ عِلْمَ اللَّهَ فِيكَ.(
* قال ابن الجوزي: الحقّ عز وجل أقربُ إلى عبده من حبل الوريد. لكنّه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه، فأمر بقصد نيّته، ورفع اليدين إليه، والسّؤال له. فقلوب الجُهّال تستشعر البعد، ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحقّقت مراقبتُهم للحاضر النّاظر لكفّوا الأكفّ عن الخطايا. والمتيقّظون علموا قربَه فحضرتهم المراقبة، وكفتْهم عن الانبساط.(
* قال الإمام أحمد بن حنبل مِنْ شِعْر أبي نوَّاس:
إِذا ما خَلَوتَ الدَهرَ يَومًا فَلا تَقُل | خَلَوتُ وَلَكِن قُل عَلَيَّ رَقيبُ |
وَلا تَحسَبَنَّ اللَهَ يَغفَلُ ساعَةً | وَلا أَنَّ ما يَخفي عَلَيكَ يَغيبُ |
لهونا لعمْرُ الله حَتَّى تَتَابَعَت | ذنُوبٌ على آثارهن ذنُوب |
فيا لَيْت أَن الله يغْفر مَا مضى | وَيَأْذَن فِي توباتنا فنتوب |
* ويقول الإمام القحطاني صاحب النونية:
وَإِذا خَلَوتَ بِرِيبَةٍ في ظُلمَةٍ | وَالنَفسُ داعيَةٌ إِلى الطُغيانِ |
فاِستَحي مِن نَظَرِ الإِلَهِ وَقُل لَها | إِنَّ الَّذي خَلَقَ الظَلامَ يَراني( |
حَقِيقَةُ الْمُرَاقَبَةِ:
قال ابن القيم:المشهدُ الرَّابِع مشْهد الْإِحْسَان وَهُوَ مشْهد المراقبة وَهُوَ أَن يعبد الله كَأَنَّهُ يرَاهُ وَهَذَا المشهد إِنَّمَا ينشأ من كَمَال الْإِيمَان بِاللَّه وأسمائه وَصِفَاته حَتَّى كَأَنَّهُ يرى الله سُبْحَانَهُ فَوق سمواته مستويًا على عَرْشه يتَكَلَّم بأَمْره وَنَهْيه وَيُدبر أَمر الخليقة فَينزل الْأَمر من عِنْده ويصعد إِلَيْهِ وَتعرض أَعمال الْعباد وأرواحهم عِنْد الموافاة عَلَيْهِ فَيشْهد ذَلِك كُله بِقَلْبِه وَيشْهد أسماءه وَصِفَاته وَيشْهد قيومًا حَيًّا سميعًا بَصيرًا عَزِيزًا حكيمًا آمرًا ناهيًا يحب وَيبغض ويرضى ويغضب وَيفْعل مَا يَشَاء وَيحكم مَا يُرِيد وَهُوَ فَوق عَرْشه لَا يخفي عَلَيْهِ شَيْء من أَعمال الْعباد وَلَا أَقْوَالهم وَلَا بواطنهم بل يعلم خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور,ومشهد الْإِحْسَان أصل أَعمال الْقُلُوب كلهَا فَإِنَّهُ يُوجب الْحيَاء والإجلال والتعظيم والخشية والمحبة والإنابة والتوكل والخضوع لله سُبْحَانَهُ والذُّلّ لَهُ.(
قال الغزالي:
وَأَمَّا النَّظَرُ الثَّانِي لِلْمُرَاقَبَةِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَذَلِكَ بِتَفَقُّدِ كَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ لِيَقْضِيَ حَقَّ اللَّهِ فِيهِ، وَيُحْسِنَ النِّيَّةَ فِي إِتْمَامِهِ، وَيَتَعَاطَاهُ عَلَى أَكْمَلِ مَا يُمْكِنُهُ، وَهَذَا مُلَازِمٌ لَهُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي طَاعَةٍ أَوْ فِي مَعْصِيَةٍ أَوْ فِي مُبَاحٍ، فَمُرَاقَبَتُهُ فِي الطَّاعَاتِ بِالْإِخْلَاصِ وَالْإِكْمَالِ وَمُرَاعَاةِ الْأَدَبِ وَحِرَاسَتِهَا عَنِ الْآفَاتِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَعْصِيَةٍ فَمُرَاقَبَتُهُ بِالتَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ وَالْإِقْلَاعِ وَالْحَيَاءِ وَالِاشْتِغَالِ بِالتَّفْكِيرِ، وَإِنْ كَانَ فِي مُبَاحٍ فَمُرَاقَبَتُهُ بِمُرَاعَاةِ الْأَدَبِ، ثُمَّ بِشُهُودِ الْمُنْعِمِ فِي النِّعْمَةِ وَبِالشُّكْرِ عَلَيْهَا. وَلَا يَخْلُو الْعَبْدُ فِي جُمْلَةِ أَحْوَالِهِ عَنْ بَلِيَّةٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَيْهَا، وَنِعْمَةٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الشُّكْرِ عَلَيْهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْمُرَاقَبَةِ.(
عاقبةُ مَن لم يراقب الله:
* عَنْ ثَوْبَانَ -رضى الله عنه-،عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، أَنَّهُ قَالَ: [لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا,
* قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: تُغْلِقُ بَابَكَ، وَتُرْخِي سِتْرَكَ، وَتَسْتَحِي مِنَ النَّاسِ، وَلَا تَسْتَحِي مِنَ الْقُرْآنِ الَّذِي فِي صَدْرِكَ، وَلَا تَسْتَحِي مِنَ الْجَلِيلِ الَّذِي لَا يَخْفي عَلَيْهِ خَافِيَةٌ.(
* قال أَعْرَابِيٌّ:خَرَجْتُ فِي بَعْضِ اللِيَالِي المظْلِمَةِ فَإِذَا أَنَا بِجَارِيَةٍ كَأَنَّهَا عَلَمٌ[جميلة جدًّا] فَأَرَدْتُهَا عَن نَفْسِهَا، فَقَالَتْ: وَيْلَكَ أَمَا لَكَ زَاجِرٌ مِنْ عَقْلٍ؟أما لَكَ نَاهٍ مِنْ دِينٍ؟! فَقُلْتُ لَهَا: إِيهًا وَاللَّهِ مَا يَرَانَا إِلا الْكَوَاكِبُ! قَالَتْ: فَأَيْنَ مُكَوْكِبُهَا؟!(
مِن ثمرات المراقبة:
- سبب لإيجاد مجتمع قوي في كل مؤسساته.
- سبب للنجاة من الشدائد.
- سبب لحفظ النعم وزيادتها.
- الفوز بالجنَّة والنَّجاة من النَّار.
- الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة.
- دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام.
- تثمر محبّة الله تعالى ورضاه.
- دليل على حسن الخاتمة.
- مظهر من مظاهر صلاح العبد واستقامته.