فاستقيموا إليه
عناصر الخطبة:
- وقال تعالى: [ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ] [فصلت:30].
- قال الله تعالى: [ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ ] [هود: 112]. الأمر هنا للنبي -صلى الله عليه وسلم- أولًا، ثم لأتباعه، [ وَمَن تَابَ مَعَكَ ]
الاستقامة تتضمن في الشرع أمرين:
1- السَّير على الطريق.
2- الاستمرار و الثبات عليه حتى الممات.
فالأول: السير على الطريق :
وهذا المعنى يُفَسِّرُهُ قوله تعالى:
والثاني: الاستمرار والثبات عليه حتى الممات، وذلك في قوله تعالى: [ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ][آل عمران:102] فهذا يتضمن الأمر بالدوام والاستمرار .
والمعنى: استقيموا واثبتوا على التقوى حتى يأتيكم الموت وأنتم على ذلك، كما في الحديث الصحيح: [ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ؛ فلتأته مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَأْتِي إِلَى النَّاسِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ].(
الأول: أداء الفرائض والواجبات، وهذه الفرائض والواجبات التي فرضها الله على عباده على مراتب:
أولًا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله .
فالتوحيد هو أوجب الواجبات، وأعظم الحسنات، وأفضل الطاعات، وهو أول ما أمر الله به عباده، وهو حقه عليهم، وهو مفتاح دعوة الرسل، وتحقيق ذلك بعبادة الله وحده لا شريك له وإخلاص الدين له ويتبع ذلك تحقيق متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإن ذلك مقتضى الشهادتين .
ثانيًا: الصلوات الخمس : وهي قرينة التوحيد في الكتاب والسُّنَّة.
ثالثًا: الزكاة، والصيام، والحج، هذه أركان الإسلام .
رابعًا: الواجبات الأخرى كـ"الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحقوق العباد" كلها تدخل في الفرائض، فتكون مما تحقق به الاستقامة.
إذًا: الاستقامة إنما تتحقق بأداء حقوق الله، وحقوق العباد.
الأمر الثاني مما يحقق الاستقامة : النَّوافل .
ولاشكَّ أَنَّ الْمُحَافَظَة عَلى النَّوافل مِنْ كمال الاستقامة، ومِنْ حكمة الله أَنْ شَرَّع لعباده نوافل الطاعات في جميع العبادات "الصلاة، الصدقة، الصيام، الحج" وسائر الطاعات التي فرضها الله على عباده، شرع من جنسها ما هو تطوع .
الثالث : اجتناب المحرمات .
واجتناب المحرمات يكون بامتثال المأمورات، واجتناب المحظورات، فالتوحيد - مثلًا- لابدَّ فيه مِنْ تَرك الشِّرك، والشِّرك أعظم الذنوب، وتأتي بعده كبائر الذنوب، وتأتي بعده ذنوب على مراتبها في القبح والتحريم التي لابدَّ من تَوَقِّيْها لتحقيق الاستقامة.
كثيرٌ مِنْ النَّاس لا يبالي إذا لم يكن الشيء من الحرام البَيِّن، وممن يُقَال فِيهِ إِنَّ هذا حرام ، أو يُفْتَى بِأَنَّه حرام فَإِنَّه لَا يَدَعَهُ !!وهذا ينبئ عن ضعف الإيمان وضعف التقوى .
الرابع: ترك المكروهات وترك فضول المباحات .
بعد ما علمنا أن حقيقة الاستقامة تشمل امتثال جميع المأمورات، واجتناب جميع المحرَّمات، ومن كمالها أداء النوافل، وهي أيضًا على مراتب في الفضل وفي التأكد، أيضًا من كمالها ترك المكروهات، وترك فضول المباحات .
الخامس: الاستمرار على طريق الاستقامة حتى الموت .
لابدَّ لتحقق الاستقامة من الاستمرار؛ لأن من تراجع لا يصل إلى مطلوبه، ولهذا أكَّد الله هذا بقوله:[ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ] ، وفي الحديث: [ فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ] .
السادس: عدم الانحراف:
والانحراف: خلاف الاستقامة. والانحراف في طريق الدين: إما أن يكون إلى إفراط أو إلى تفريط، وإما أن يكون هناك تجاوز لحدود الله: "غلو، طغيان" وإما تفريط، وتقاعس، وتراجع، وانحراف.
فأما الإفراط: فإنه يكون بتعدي حدود الله، قال تعالى:[تلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا] [البقرة:229].
هذا في الأوامر، ولا تتعدى المباح، ولا تتجاوز ما شَرَعَ الله إلى الغلو والابتداع في الدين.
ومن الإفراط: الغلو في الدين في كل شرائعه، لا
لمَّا أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالاستقامة، نهاه عن ضِدِّها، وهو الطغيان، والمَيْل إلى الكافرين والظالمين، والفاسقين والمنافقين، فقال: [ وَلاَ تَطْغَوْاْ].
الطغيان ضد الاستقامة، تجاوز، وإفراط، وتعدِّي لحدود الله، وإمعان أيضًا في الباطل، قال:[وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
قال تعالى:
1 - صحة الإيمان واليقين:
لأن الانحراف والفتور والتراجع ينشأ عن ضعف اليقين، كلما كان الإيمان أقوى كلما تحققت الاستقامة، وتكاملت، وتمت، قال تعالى: [ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقّ
فاليقين يحمل على الصبر، والصبر هو قاعدة الاستقامة، فكل من الصبر واليقين عماد للاستقامة.
فالاستقامة والسير على الطريق، وامتثال الأوامر، واجتناب النواهي تفتقر إلى اليقين والصبر.
فما يُؤْتَى الإنسان إلا من ضعف إيمانه، ومن ضعف يقينه، ومن ضعف صبره.
2 - التبصر بالدين :
والعلم بما جاء به الرسول من الكتاب والحكمة والتبصر فيهما، التدبر لهما، تدبر القرآن يُورِث معرفة بما أمر الله به وبما نهى عنه، وفي القرآن الترغيب والترهيب والوعد والوعيد.
فالعلم بهذه النصوص واستشعارها واستحضارها من أسباب الاستقامة، أن تَعْلَم أن الله أمرك، أن تعلم عاقبة الطاعة، وعاقبة المعصية وعاقبة تركها، فالعلم بذلك واستشعاره من أسباب الطاعة.
الانحراف إما أن يكون لعدم العلم أو لعدم اليقين، وعدم الإيمان التام، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: [ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ] .(
3- الدعاء :
فيسأل الإنسان ربه الثبات ومن الأدعية:
[ اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي
فسؤال الهداية، وسؤال الثبات، واستمداد العون من الله من أسباب الاستقامة [ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ
4- اختيار الصحبة الصالحة :
فالصحبة الصالحة الذين يُذَكِّرون الإنسان إذا نسي، ويأمرونه بما يجب عليه، وينكرون عليه إذا انحرف، ويعينونه إذا كَسُلَ، قال تعالى: [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ][التوبة:71].
المؤمن إن أصابه شيء احتسبه: قال