رمضانُ وتربيةُ الأمةِ

2013-07-16

أحمد عبد السلام

رمضانُ وتربيةُ الأمةِ

عناصر الخطبة:

مقدمة

1- التربية على التسليم لأوامر الشرع

2- التربية على تقوى الله -عز وجل-

3- التربية على مراقبة الله جل وعلا

4- التربية على الجود والكرم وسخاء النفس

5- التربية على ضبط النفس

6- التربية على الوحدة والأخوة والألفة بين كل المسلمين.

7- التربية على الشعور بآلام ومشاكل الآخرين من المسلمين.

مقدمة:أما بعد،فإنَّ هذا الشهر موسمٌ لتغذية أرواح المؤمنين، وتقوية نفوسهم،وتهذيب أخلاقهم وسلوكهم،وهذه المعاني الإيمانية التربوية كثيرة جدًّا في هذا الشهر،أقتصر هنا على ذكر بعضها:

1- التربية على التسليم لأوامر الشرع

فكلمة الإسلام معناها: أن تستسلم لله -عز وجل- في أمره ونهيه،قال تعالى:[وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ] [الأحزاب:36]، وقال سبحانه: [إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ] [النور:51]، فهذا هو دأبهم،وقال تعالى: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ][البقرة: 208] والأصل في المسلمأن يمتثل الأمر ويجتنب النهي، ولو لم تظهر له الحكمة منهما،ففرض الله -عز وجل- على عباده المؤمنين صيام شهرٍ في العام، وهو شهر رمضان فقال تعالى: [ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ] [البقرة: 185] وعلَّق الشرع الصيام في رمضان برؤية الهلال كما جاء في الأحاديث الصحيحة،ثم بيَّن الله سبحانه أن الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات يبدأ من الفجر إلى غروب الشمس، فقال تعالى: [وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ] [البقرة: 187] كلُّ هذا وغيرُه يُربي عند المسلم الانقيادَ والتسليمَ لأمر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولا يجعله يتوقف عن امتثال الأوامر حتى تظهر له الحكمة منها كما يفعل بعض المسلمين اليوم، قال الطحاوي -رحمه الله- تعالى في عقيدته: وَلا تَثْبُتُ قَدَمُ الإِسْلاَمِ إِلاَّ عَلَى ظَهْرِ التَّسْلِيمِ والاسْتِسْلامِ.([1])

2-التربية على تقوى الله -عز وجل-

إن الصائم الصادق المخلص هو من جعل مخافة الله بين عينيه،فمنعه صومه من كل قول أو فعل لا يرضاه الله -عز وجل-، وهذه هي أعظم الغايات التي شرع من أجلها الصيام، قال تعالى: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ] [البقرة: 183] ففي هذه الآية إشارة إلى حكمة من حكم الصيام، وهي تحقيق تقوى الله؛ فإن النفس إذا تَرَكتْ ما هو مباح في الأصل وهو الأكل والشرب امتثالًا لأمر الله في نهار رمضان؛ كان ذلك داعيًا لترك المحرمات، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: [ من لم يَدَعْ قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ].([2])وقد هيأ الله لنا هذا الشهر بإضعاف كيد الشيطان وشرِّه كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: [ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ ].([3])ولابدَّ من توطين النفس وتهيئتها في أيام الصيام لتحقيق هذه الحكمة كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال: [ والصيام جُنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم ].([4])

قال البغوي: الصَّوْمُ وَصْلَةٌ إِلَى التَّقْوَى لِمَا فِيهِ مِنْ قَهْرِ النَّفْسِ وَكَسْرِ الشَّهَوَاتِ.([5])

قال ابن كثير: لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ تَزْكِيَةٌ لِلْبَدَنِ وَتَضْيِيقٌ لِمَسَالِكِ الشَّيْطَانِ.([6])

قال ابن القيم:فَالصَّوْمُ يَحْفَظُ عَلَى الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ صِحَّتَهَا، وَيُعِيدُ إِلَيْهَا مَا اسْتَلَبَتْهُ مِنْهَا أَيْدِي الشَّهَوَاتِ، فَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْعَوْنِ عَلَى التَّقْوَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] [البقرة: 183].([7])

قال ابن رجب:لما علم المؤمن الصائم أن رضا مولاه في ترك شهواته قدم رضا مولاه على هواه، فصارت لذته في ترك شهواته لله؛ لإيمانه باطلاع الله، وثوابه أعظم من لذته في تناولها في الخلوة؛ إيثارًا لرضا ربه على هوى نفسه.([8])

3- التربية على مراقبة الله جل وعلا

فمن أعظم الأعمال التي تنمي المراقبة في قلب العبدعبادة الصوم؛ لأنها عبادة باطنة لا يطلع عليها إلا الله -عز وجل-، ويستطيع الإنسان أن يدعي أنه صائم ثم يأكل ويشرب ولا يراه أحد،لكن المسلم الصادق يعبد الله جل وعلا على مرتبة الإحسان،كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-سُئل عن الإحسان فقَالَ: [ الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ... ].([9])وعند مسلم: [ أَنْ تَخْشَى اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ].([10])ويظهر هذا المعنى جليًّا في عبادة الصوم التي هي سرٌّ بين العبد وربه جل وعلا،وتدبر معي هذا الحديث فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : [ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ -عز وجل-: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ ].([11])

قال ابن بطال:قوله: [ فإنه لي وأنا أجزى به ] فالصيام وجميع الأعمال لله، لكن لما كانت الأعمال الظاهرة يشرك فيها الشيطان بالرياء وغيره، وكان الصيام لا يطلع عليه أحد إلا الله، فيثيبه عليه على قدر خلوصه لوجهه، جاز أن يضيفه تعالى إلى نفسه. قال الطبري: ألا ترى قوله في الحديث: [ يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلى ].([12])والإنسان منا بحاجة ماسة إلى تنمية روح المراقبة في قلبه؛ لأن المراقبة تعتبر حاجزًاقويًّا بين العبد وبين المعاصي.

قَالَ حاتم الأصم: تَعَهَّدْ نَفْسَكَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: إِذَا عَمِلْتَ فَاذْكُرْ نَظَرَ اللَّهِ إِلَيْكَ، وَإِذَا تَكَلَّمْتَ فَاذْكُرْ سَمْعَ اللَّهِ إِلَيْكَ، وَإِذَا سَكَتَّ فَاذْكُرْ عِلْمَ اللَّهَ فِيكَ.([13])

قَالَ سُلَيْمَانُ بن عبد الملك لأبي حازم سلمة بن دينار: يَا أَبَا حَازِمٍ، أَوْصِنِي.قَالَ: نَعَمْ، سَوْفَ أُوصِيكَ فَأُوجِزُ، نَزِّهِ اللَّهَ وَعَظِّمْهُ أَنْ يَرَاكَ حَيْثُ نَهَاكَ، أَوْ يَفْقِدَكَ حَيْثُ أَمَرَكَ.([14])

قال ابن رجب:من ترك ما تدعوه نفسه إليه لله -عز وجل- حيث لا يطَّلع عليه غير من أَمَره ونهاه، دلَّ على صحة إيمانه، والله تعالى يحب من عباده أن يعاملوه سرًّا بينهم وبينه.([15])

وقال ابن رجب أيضًا: من صام عن شهواته في الدنيا أدركها غدًا في الجنة، ومن صام عما سوى الله فعيده يوم لقائه [مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ][العنكبوت: 5].([16])

4- التربية على الجود والكرم وسخاء النفس

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضى الله عنهما- قَالَ: [ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ ].([17])

قال ابن رجب: وفي تضاعف جوده -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة:

منها: شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه.

ومنها: إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، فينال المعين لهم مثل أجرهم، كما أن من جهز غازيًا فقد غزا، ومن خلفه في أهله فقد غزا، وفي حديث زيد بن خالد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [ من فطَّر صائمًا فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء].

ومنها: أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، لاسيما في ليلة القدر، والله تعالى يرحم من عباده الرحماء كما قال -صلى الله عليه وسلم-: [ إنما يرحم الله من عباده الرحماء ].

فمن جاد على عباد الله؛ جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل.

ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة، كما في حديث علي -رضى الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [ إن في الجنة غرفًا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها ]. قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: [ لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام ]. وهذه الخصال كلها تكون في رمضان فيجتمع فيه للمؤمن الصيام، والقيام، والصدقة، وطيب الكلام، فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث.

ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا، واتقاء جهنم والمباعدة عنها، وخصوصًا إن ضُمَّ إلى ذلك قيام الليل كما في حديث معاذ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [ والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار... ].

ومنها: أن الصيام لا بدَّ أن يقع فيه خلل أو نقص،ولهذا وجب في آخر شهر رمضان زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث.([18])

قال الشافعي -رضى الله عنه-: أحبُّ للرجل الزيادة في الجود في شهر رمضان؛ اقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم.([19])

5- التربية على ضبط النفس

عن أبي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه-قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : [ قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ].([20])تأمل إلى أي حد يربي الصيام على التحكم في الأعصاب، وعلى عدم انفلات اللسان، وعلى كظم الغيظ، وعلى العفو عن الناس.

قال الشيخ ابن عثيمين:

وفي هذا الحديث إرشادٌ للصَّائِمِ إذا سابَّه أحدٌ أو قَاتله أن لا يُقابِلهُ بالمثْلِ لِئَلا يزدادَ السِّبابُ والقِتَالُ، وأن لا يَضْعُف أمامه بالسكوت، بل يخبره بأنه صائم إشارة إلى أنه لن يقابله بالمثل احترامًا للصوم لا عجزًا عن الأخذ بالثأر، وحينئذ ينقطع السباب والقتال: [وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ - وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ].([21])

قال أبو هريرة -رضى الله عنه-: إذا كنت صائمًا، فلا تساب ولا تجهل، فإن جهل عليك فقل: إنى صائم.([22])

قال جابر بن عبد الله -رضى الله عنهما-: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.([23])

وهذه دعوة غير مباشرة لضبط النفس، والكف عن الأذى،فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : [ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ].([24])

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-يَقُولُ:[ رُبَّ قائمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ، ورُبَّ صائِمٍ حظُّه مِنْ صِيَامِهِ الجوع ].([25])

6- التربية على الوحدة والأخوة والألفة بين المسلمين

فشهر رمضان فرصة للتكاتف والتآلف وجمع صف المسلمين على كلمة سواء،فنرى في هذا الشهر الكريم كل المسلمين في كل بقاع الأرض يصومون في وقت واحد، ويفطرون في وقت واحد، يصومون من الفجر، ويفطرون بعد غروب الشمس.

ثم صلاة القيام (التراويح) في كل مساجد العالم الإسلامي،يصطف المسلمون بأعداد كبيرة، الواحد يلتصق بأخيه، يشعر بدفء الأخوة، ودفء المسجد، ودفء الإسلام،تجد الأغنياء يعطفون على إخوانهم الفقراء،إنها مدرسة رمضان التي تجمع قلوب المسلمين على كتاب رب العالمين،وعلى سنة سيد المرسلين،فدينهم واحد وقبلتهم واحدة وشريعتهم واحدة،فينبغي أن يكونوا على قلب رجل واحد،قال تعالى: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ][آل عمران: 103].

7- التربية على الشعور بآلام ومشاكل الآخرين من المسلمين

قال ابن رجب:وسُئل بعضُ السلف: لِمَ شُرِع الصيام؟ قال: ليذوق الغنيُّ طعم الجوع فلا ينسى الجائع، وهذا من بعض حِكَم الصوم وفوائده.([26])

وعن أبي موسى الأشعري -رضى الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ: [ المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا] وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.([27])

إن تشبيك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصابعه بعضها ببعض تدل على العلاقة التي يريدها ربنا سبحانه وتعالى منا، فرمضان يربينا على هذه العلاقة، وبدون هذه العلاقة لن يكون نصر ولن يكون تمكين.

وتدبر معي هذه النماذج الرائعة:

- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رضى الله عنه-: أنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: [ مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ ].([28])

- وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-عَلَيْهِمِ الصُّوفُ فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ، فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَأَبْطَئُوا عَنْهُ حَتَّى رُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ.وفي رواية: فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِنْ وَرِقٍ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ، ثُمَّ تَتَابَعُوا حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : [ مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ].([29])



([1])متن الطحاوية (ص 43 ).

([2])رواه البخاري (1903).

([3]) رواه البخاري (3277) واللفظ له، ومسلم (1079).

([4]) رواه البخاري (1904)، ومسلم (1151) .

([5])تفسير البغوي (1/ 196).

([6]) تفسير ابن كثير (1/ 364).

([7]) زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 28 ).

([8]) لطائف المعارف لابن رجب (ص 153 ).

([9]) البخاري (4777).

([10]) مسلم (10).

([11]) رواه البخاري (7492)، ومسلم (1151) واللفظ له.

([12]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/ 9).

([13]) سير السلف الصالحين لإسماعيل بن محمد الأصبهاني (ص 1102).

([14]) سير السلف الصالحين (ص 799).

([15]) لطائف المعارف لابن رجب (ص 154).

([16]) لطائف المعارف لابن رجب (ص 160).

([17]) رواه البخاري (6) واللفظ له، ومسلم (2308).

([18]) لطائف المعارف لابن رجب (ص 166-168) بتصرف.

([19]) لطائف المعارف لابن رجب (ص 169 ).

([20]) رواه البخاري (1904) واللفظ له، ومسلم (1151).

([21]) مجالس شهر رمضان (ص 13)

([22]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/ 8)

([23]) لطائف المعارف لابن رجب (ص 155).

([24]) رواه البخاري (1903).

([25]) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 656).

([26]) لطائف المعارف لابن رجب (ص 168).

([27]) رواه البخاري (2446) واللفظ له، ومسلم (2585).

([28]) رواه البخاري (1469) واللفظ له، ومسلم (1053).

([29]) رواه مسلم (1017).

عدد المشاهدات 17084