التوسل و الشفاعة
التوسل
معنى التوسل:
يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ) (المائدة :35)
الوسيلة في اللغة:
الوَسِيلَةُ: مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلى
الغَيْر، وَالْجَمْعُ الوَسَائِلُ. وَالوَسِيلَةُ أيضاً: المَنْزِلةُ عِنْدَ
المَلِك، والدَّرَجةُ، والقُرْبةُ. (لسان العرب لابن منظورجـ6صـ4837)
الوسيلة في الشرع:
عَمَلٌ صالحٌ مشروعٌ يتقربُ به المسلمُ إلى الله تعالى ليصلَ إلى أمْرٍ مَرغُوبٍ
فيه. (الشرك ومظاهره لمبارك الميلي صـ202)
أنواع التوسل:
التوسل نوعان: توسل مشروع وتوسل ممنوع.وسوف نتحدث عن كل منهما
بإيجاز.
أولاً:التوسل المشروع:
التوسل المشروع هو التوسل الذي شرعه الله تعالى ويؤدي إلى
استجابة الله لدعاء عبده المسلم، إذا توفرت معه شروط إجابة الدعاء وهي:
(1) الإخلاص في الدعاء. (2) المأكل والمشرب والملبس الحلال. (3)
عدم الدعاء بإثم أو قطيعة رحم.
(4) أن يوقن المسلم بإجابة الله تعالى لدعائه.
(5) أن يكون الدعاء بالأمور الجائزة شرعاً.
والتوسل المشروع ثلاثة
أنواع وهي:
(1) التوسل لله تعال باسم من أسمائه الحسنى ، أو بصفة من صفاته العليا.
كأن يقول المسلم في دعائه : اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن
الرحيم ، اللطيف الخبير أن تعافيني . أو يقول : اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت
كل شيء أن ترحمني وتغفر لي .
قال الله تعالى (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ
بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ) ( الأعراف :180 )
قال الإمامُ القرطبي (رحمه الله) قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَادْعُوهُ
بِها) أَيِ اطْلُبُوا مِنْهُ بِأَسْمَائِهِ، فَيُطْلَبُ بِكُلِّ اسْمٍ مَا يَلِيقُ
بِهِ، تَقُولُ يَا رَحِيمُ ارْحَمْنِي، يَا حَكِيمُ احْكُمْ لِي، يَا رَازِقُ
ارْزُقْنِي، يَا هادي اهْدِنِي، يَا فَتَّاحُ افْتَحْ لِي، يَا تَوَّابُ تُبْ
عَلَيَّ، هَكَذَا. فَإِنْ دَعَوْتَ بِاسْمٍ عَامٍّ قُلْتُ: يَا مَالِكُ ارْحَمْنِي،
يَا عَزِيزُ احْكُمْ لِي، يَا لَطِيفُ ارْزُقْنِي. وَإِنْ دَعَوْتَ بِالْأَعَمِّ
الْأَعْظَمِ فَقُلْتَ: يَا أَللَّهُ، فَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِكُلِّ اسْمٍ.(تفسير القرطبي جـ7
صـ311)
وقال سبحانه حكاية عن سليمان -صلى الله
عليه وسلم- في دعائه( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي
أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ
وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ) ( النمل : 19 )
(1) روى النسائيُّ عن عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قال: كَانَ
النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَدْعُو فيقول:
اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا
عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا
لِي . ( حديث صحيح ) ( صحيح النسائي جـ3 صـ54)
(2) روى مسلمٌ عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: اللَّهُمَّ
إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي . ( مسلم
حديث 2717 )
(3) روى الترمذيُّ عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:كَانَ
النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَرَبَهُ
أَمْرٌ قَالَ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ . ( حديث حسن ) (
صحيح الترمذي للألباني حديث 2796)
(2) التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي :
كأن يقول الداعي : اللهم بإيماني بك ، ومحبتي لك ، واتباعي
لرسولك محمد -صلى الله عليه وسلم- ، اغفر لي واعف
عني . أو يقول : اللهم إني أسألك بحبي لنبيك محمد -صلى
الله عليه وسلم- وإيماني به أن تفرج عني همي . وكذلك بأن يذكر الداعي عملاً
صالحاً قام به خالصاً لوجه الله تعالى ، فيه خوفه من الله ، وتقواه إياه ، وإيثاره
رضاه على كل شيء ليكون أرجى لقبوله وإجابته .
قال الله تعالى : (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا
آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) ( آل عمران : 16
)
وقال سبحانه :( رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ
وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) ( آل عمران : 53)
وقال جل شأنه :( رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا
يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ
لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ
) ( آل عمران : 193 : 194 )
وقال سبحانه :( إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ
رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ) (
المؤمنون : 109 )
روى الشيخانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله
عليه وسلم- يَقُولُ:
" انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا
المَبِيتَ إِلَى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ
عَلَيْهِمُ الغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ
إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ:
اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ
قَبْلَهُمَا أَهْلًا، وَلاَ مَالًا فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا، فَلَمْ
أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا(شراب العِشاء)،
فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ
مَالًا، فَلَبِثْتُ وَالقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ، أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى
بَرَقَ الفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ
فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ
هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ "، قَالَ
النَّبِيُّ-صلى الله عليه وسلم- : " وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ
أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي
حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ(حاجة شديدة) مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي، فَأَعْطَيْتُهَا
عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ
حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: لاَ أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ
الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ
عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي
أَعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ
عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ
الخُرُوجَ مِنْهَا"، قَالَ النَّبِيُّ-صلى الله
عليه وسلم- : " وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ
أُجَرَاءَ، فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي
لَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي
بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ:
كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ وَالرَّقِيقِ،
فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ تَسْتَهْزِئُ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ
أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ
شَيْئًا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ
عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ " (البخاري حديث: 2272/مسلم حديث:
2743)
وروى أبو داودَ عَنْ بُرَيْدَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله
عليه وسلم- سَمِعَ
رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ
اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ
يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَقَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ
بِالِاسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ» .(حديث
صحيح)(صحيح أبي داود للألباني حديث:1324)
شروط قبول الأعمال الصالحة
العمل الصالح لا يقبله
الله تعالى إلا إذا توفرَ فيه شرطان معاً وهما :
الأول : إخلاص العمل لله
تعالى وحده . والثاني : متابعة سُّنة
النبي .-صلى الله عليه وسلم-
يقول الله تعالى : (فَمَنْ
كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ
بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) (الكهف : 110 )
قال الإمامُ ابن كثير (رحمه
الله) في تفسير هذه الآية : (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ )أَيْ:
ثَوَابَهُ وَجَزَاءَهُ الصَّالِحَ، (فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا) ، مَا كَانَ
مُوَافِقًا لِشَرْعِ اللَّهِ (وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) وَهُوَ
الَّذِي يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهَذَانَ
رُكْنَا الْعَمَلِ الْمُتَقَبَّلِ. لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَالِصًا لِلَّهِ، صوابُا
عَلَى شَرِيعَةِ رَسُولِ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم-.
( تفسر القرآن العظيم لابن كثير جـ9 صـ205 )
الثالث : التوسل إلي الله بدعاء الرجل الصالح :
كأن يقع المسلم في ضيق شديد ، أو تحل به مصيبة كبيرة ، ويعلم من
نفسه التفريط في جنب الله تعالى ، فيذهب إلى رجل ، على قيد الحياة ، يعتقد فيه
الصلاح والتقوى ، والفضل والعلم بالكتاب والسُّنة ، فيطلب منه أن يدعو الله له
ليفرج عنه كربه ، ويزيل عنه همه .
قال تعالى حكايةً عن أبناء يعقوب -صلى
الله عليه وسلم-:( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا
إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (يوسف 98:97)
(1) روى الشيخانِ عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَذْكُرُ أَنَّ
رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وِجَاهَ الْمِنْبَرِ
وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَائِمٌ
يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه
وسلم- قَائِمًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْمَوَاشِي
وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَيْهِ فَقَالَ
اللَّهُمَّ اسْقِنَا اللَّهُمَّ اسْقِنَا اللَّهُمَّ اسْقِنَا قَالَ أَنَسُ وَلَا
وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةً وَلَا شَيْئًا
وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ. قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ
وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ
انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ ) (البخاري حديث 1013 / مسلم حديث 897 )
روى البخاريُّ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ
إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ:
اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا
وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا قَالَ فَيُسْقَوْنَ
) (
البخاري حديث 1010 )
(2) روى ابنُ عساكر بسَندٍ صحيحٍ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ
الْخَبَائِرِيِّ: أَنَّ السَّمَاءَ قَحَطَتْ، فَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي
سُفْيَانَ وأهل دمشق يستسقون، فَلَمَّا قَعَدَ مُعَاوِيَةُ عَلَى الْمِنْبَرِ
قَالَ: أَيْنَ يَزِيدُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيِّ؟ فَنَادَاهُ النَّاسُ، فَأَقْبَلَ
يَتَخَطَّى النَّاسَ فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ فَقَعَدَ عِنْدَ
رِجْلَيْهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اللَّهمّ إِنَّا نَسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ
الْيَوْمَ بِخَيْرِنَا وَأَفْضَلِنَا، اللَّهمّ إِنَّا نَسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ
بِيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيِّ. يَا يَزِيدُ ارْفَعْ يَدَيْكَ إِلَى
اللَّهِ، فَرَفَعَ يَزِيدُ يَدَيْهِ وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ، فما كان أو
شك أَنْ فَارَتْ سَحَابَةٌ فِي الْغَرْبِ كَأَنَّهَا تِرْسٌ وَهَبَّتْ لَهَا رِيحٌ
فَسُقِينَا حَتَّى كَادَ النَّاسُ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مَنَازِلَهُمْ. ( التوسل للألباني
صـ41 )
ثانياً: التوسل الممنوع:
يمكن أن نوجزَ أنواع التوسل الممنوع فيما يلي :
الأول : التوسل بذات الأنبياء و الصالحين:
يجب أن يكون من المعلوم أنه لا واسطة ولا شفاعة في الدعاء بين
العبد وخالقه سبحانه وتعالى ، ولذا قال سبحانه : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي
عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) ( البقرة :
186 )
ولقد عاب الله تعالى على أهل الجاهلية اتخاذهم الأصنام وسيلة
إليه سبحانه. قال تعالى حكاية عن أهل الجاهلية :( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا
لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) ( الزمر : 3 ) وقال أيضاً :(هَؤُلَاءِ
شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ) ( يونس : 101 )
إن التوسلَ بذات الأنبياء و الصالحين الأحياء أو الأموات لم
يفعله أحدٌ من أصحاب نبينا-صلى الله عليه وسلم- ولو
كان خيراً لسبقونا إليه.
كان أصحاب نبينا-صلى الله عليه وسلم- يُبتلون
بأنواع البلاء بعد موته، فتارة بالجدب، وتارة بنقص الرزق، وتارة بالخوف وقوة العدو،
وتارة بالذنوب والمعاصي، ولم يكن أحدٌ منهم يأتي إلى قبر الرسول -صلى الله
عليه وسلم- ولا قبر
الخليل إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- ولا قبر أحد من الأنبياء فيقول: نشكو
إليك جدب الزمان أو قوة العدو، أو كثرة الذنوب ولا يقول: سل الله لنا أو لأمتك أن
يرزقهم أو ينصرهم أو يغفر لهم، بل هذا وما يشبهه من البدع المحدثة. ( التوسل للألباني
صـ126)
الثاني: التوسل إلى الله بجاه أو بحق أحد من الأنبياء أو الصالحين
:
الجاهُ : المَنْزِلَةُ العَالِيَةُ والقَدْرُ. (لسان العرب
جـ1صـ773)
إن جاه نبينا محمدٍ -صلى الله
عليه وسلم-
ومنزلته عند الله أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين ، ومع ذلك لا يجوز لنا أن
نتوسل به إلي الله تعالى لعد م ثبوت الأمر به عن النبي -صلى
الله عليه وسلم- ولا الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان . وأما ما يرويه بعض
الناس بلفظ إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي ، فإن جاهي عند الله عظيم . فهذا باطل ،
ولا أصل له في شيء من كتب الحديث. ( التوسل للألباني صـ118 : صـ120 )
ولا يجوز التوسل إلى الله تعالى بحق أحد من الخَلقْ ، وكل ما
ورد في ذلك أحاديث لا تقوم بها حجة عند أهل الحديث . ( التوسل للألباني صـ94 :
صـ102 )
إن التوسل بحقِ أحدٍ مِن الناس لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا الصحابة ولا التابعين لهم
بإحسان . وليس لأحدٍ من المخلوقين حقٌ على الله تعالى إلا حقاً تفضل به سبحانه على
عباده المؤمنين. (الشرك ومظاهره لمبارك الميلي صـ211)
الثالث : التوسل إلى الله عند قبور الصالحين :
لا يجوز التوسل إلى الله تعالى بالدعاء عند قبور الصالحين لأن
هذا مما نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- وحذر
منه أمته .
روى أحمدٌ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- قال « اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ
قَبْرِى وَثَناً ، لَعَنَ اللَّهُ قَوْماً اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ
مَسَاجِدَ . ( حديث صحيح ) ( مسند أحمد جـ2 صـ246)
روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: لَا تَجْعَلُوا
بُيُوتَكُمْ قُبُورًا وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ
صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ . ( حديث صحيح ) (صحيح أبي داود للألباني
حديث 1796 )
التوسل إلى الله تعالى بالدعاء عند قبور الأنبياء أو الصالحين
لم يفعله أحدٌ من الصحابة أو التابعين.ويدل على ذلك أن الخليفة الراشد عمر بن
الخطاب لم يذهب إلى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-لكي
يَدْعُوَ اللهَ تعالى عنده برفع البلاء عن المسلمين، ولكنه توسل إلى الله سبحانه
بدعاء العباس بن عبد المطلب، فاستجاب الله لدعاء العباس. ( التوسل للألباني صـ65 )
الشفاعة
معنى الشفاعة:
الشفاعة في اللغة:
الشَّفَاعَةُ:الطلبُ.والشَّفَاعَةُ:كَلَامُ
الشَّفِيعِ لِلْمَلِكِ فِي حَاجَةٍ يسأَلُها لِغَيْرِهِ. وشَفَعَ إِليه: طَلَبَ
إِليه. والشَّافِعُ: الطَّالِبُ لِغَيْرِهِ . وَالْجَمْعُ شُفَعاءُ. (لسان العرب لابن
منظورجـ4 صـ2289)
الشفاعة في الشرع:
التوسط للغير بجلب منفعةٍ مشروعةٍ له، أو دفع مضرة عنه. (العقيدة
الصافية لسيد عبد الغني صـ184)
الحكمة من الشفاعة:
تكريمُ اللهِ تعالى للشافعين ورفعُ شأنهم على رؤوس الأشهاد يوم
القيامة ، وإفاضة كرمِ الله وعفوه على المشفوع لهم. (الإيمان باليوم الآخر لأحمد البيانوني صـ83)
أنواع الشفاعة :
الشفاعة نوعان:شفاعة في الدنيا وشفاعة في الآخرة وسوف نتحدث كل
منهما.
أولاً: الشفاعة في الدنيا:
الشفاعة في الدنيا منها ما هو مشروع ومنها ما هو غير مشروع.
قال الله تعالى:( مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ
مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ
اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا) (النساء:85)
قَالَ مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي شَفَاعَاتِ
النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ. (تفسير ابن كثير جـ4صـ182)
قال الإمامُ ابنُ كثير(رحمه الله): قَوْلُهُ: (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً
حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها) أي من يسعى في أمر فيترتب عَلَيْهِ خَيْرٌ
كَانَ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ ذَلِكَ، (وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ
كِفْلٌ مِنْها) أَيْ يَكُونُ عَلَيْهِ وِزْرٌ مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ الَّذِي تَرَتَّبَ
عَلَى سَعْيِهِ وَنِيَّتِهِ.(تفسير ابن كثير جـ4صـ182)
أولاً: الشفاعة الدنيوية
المشروعة:
الشفاعة المشروعة هي التي يترتب عليها قضاء حوائج الناس
المشروعة.
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِي، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ
طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى
لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ» (البخاري
حديث:1432/مسلم حديث: 2627)
روى البخاريُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ
عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا
يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله
عليه وسلم- لِعبَّاسٍ:
«يَا عَبَّاسُ، أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَمِنْ بُغْضِ
بَرِيرَةَ مُغِيثًا» فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله
عليه وسلم-: «لَوْ
رَاجَعْتِهِ» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا
أَشْفَعُ» قَالَتْ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ.(البخاري حديث:5283)
ثانياً:الشفاعة الدنيوية
غير المشروعة :
تحرمُ الشفاعة في إقامة الحدود إذا وصلت إلى ولي أمر المسلمين
أو من ينوب عنه، وكذلك تحرمُ الشفاعة في كل أمرٍ يترتبُ عليه ظلمٌ للناس، أو أخْذُ
شيءٍ بغير حقٍ.
(1) روى الشيخانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ
قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا:
وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه
وسلم- ؟ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ
زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله
عليه وسلم- أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ
فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ
كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ
الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ
بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا 0 (البخاري حديث 3475 / مسلم حديث1688)
(2) روى أبو داودَ عَنْ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ، قَالَ:
جَلَسْنَا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَجَلَسَ، فَقَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَنْ حَالَتْ
شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ»( حديث صحيح)(صحيح أبي
داود للألباني حديث:3066)
(3) روى البيهقيُّ عَنْ الزُّبَيْرِ
بْنِ الْعَوَّامِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: اشْفَعُوا فِي الْحُدُودِ مَا لَمْ
تَبْلُغِ السُّلْطَانَ ، فَإِذَا بَلَغَتِ السُّلْطَانَ فَلَا تَشْفَعُوا .(إسناده
صحيح)(السنن الكبرى للبيهقي جـ8صـ577)
ثانياً: الشفاعة في الآخرة
:
أجمع أهل السُّنة على ثبوت الشفاعة في الآخرة، وتشتمل على نوعين
: شفاعة مثبتة، وشفاعة منفية. وسوف نتحدث عن كلٍ منهما.
أولاً: الشفاعة المثبتة :
الشفاعة المثبتة المقبولة هي الشفاعة التي أثبتها الله تعالى في
كتابة العزيز ، وهي خاصة بأهل التوحيد.
(1) قال تعالى(مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا
بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ
بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) ( البقرة :255)
(2) وقال سبحانه (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى
وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) ( الأنبياء:48)
(3) وقال جل شأنه (يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا
مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا) ( طه :109) ( فتح المجيد شرح
كتاب التوحيد صـ 265 )
شروط الشفاعة المقبولة:
الشفاعة المقبولة عند
الله تعالى لا بد أن تتوفر فيها ثلاثةُ شروطٍ هي :
أولاً : إسلام المشفوع له.
قال الله تعالى:( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ
لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ
يُطَاعُ) (غافر:18)
قال الإمامُ البيهقيُّ (رحمه الله): الظَّالِمُونَ هَهُنَا هُمُ
الْكَافِرُونَ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مُفْتَتَحُ الْآيَةِ إِذْ هِيَ فِي ذِكْرِ
الْكَافِرِينَ. (شعب الإيمان للبيهقي جـ1صـ471)
وقال الإمامُ ابنُ كثير(رحمه الله): قوله سبحانه وتعالى:( مَا
لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) أَيْ لَيْسَ لِلَّذِينِ
ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ مِنْ قَرِيبٍ مِنْهُمْ يَنْفَعُهُمْ
وَلَا شَفِيعٍ يُشَفَّعُ فِيهِمْ بَلْ قَدْ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ مِنْ
كل خير.(تفسير ابن كثير جـ12 صـ181)
ويُستثنى من المشركين أبو طالب فإنه يكون في قليل مِن نار، تغلي
منها دماغه .
ثانياً : رضا الله تعالى عن
الشافع و المشفوع له .
قال تعالى (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي
شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ
وَيَرْضَى) ( النجم :26)
وقال جل شأنه: (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى
وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) ( الأنبياء:48)
ثالثاً : إذن الله تعالى
بالشفاعة.
قال سبحانه:( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)البقرة:255)
وقال تعالى:( مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ
اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (يونس:3) (الشفاعة لمقبل
الوادعي صـ13:12)
أنواع الشفاعة المثبتة:
(1) شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين :
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله
عليه وسلم- يَقُولُ
اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ
الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً
مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ
عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ
لَهُ: نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ
السَّيْلِ.(مسلم
حديث:183)
وروى الشيخانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، (وذلك في حديث الشفاعة)
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- (وهو يتحدث عن المؤمنين الذين
نجاهم الله من النار) وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا، فِي إِخْوَانِهِمْ،
يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا، كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ
مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا، فَمَنْ
وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، وَيُحَرِّمُ
اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي
النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ، وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ
عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ
مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ
يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا.(البخاري حديث:
7439/مسلم حديث:183)
(2) شفاعة نبينا -صلى الله عليه وسلم-:
لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- شفاعات عديدة
يوم القيامة وهي :
(1) الشفاعة العظمى له -صلى الله عليه
وسلم- للفصل بين العباد، وهي المقام المحمود الذي وعده الله تعالى به.
وهذه الشفاعة خاصة بنبينا محمد -صلى
الله عليه وسلم- دون سائر الأنبياء و المرسلين .
(2) شفاعته-صلى الله عليه وسلم-
في دخول المؤمنين الجنة .
(3) شفاعته -صلى الله عليه وسلم-
لأقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم ، أن يدخلوا الجنة .
(4) شفاعته -صلى الله عليه وسلم-لأقوام
من أهل الجنة، وذلك برفع درجاتهم فيها .
(5) شفاعته-صلى الله عليه وسلم-
في إخراج العُصاة مِن الموحدين مِن النار، ودخولهم الجنة.
(6) شفاعته-صلى الله عليه وسلم-
في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب ، فيكون في قليل مِن نار، تغلي منها دماغه .
(7) شفاعته -صلى الله عليه وسلم-
لأقوام من الموحدين ، قد استوجبوا دخول النار ، فيشفع لهم ألا يدخلوها .
(8) شفاعته-صلى الله عليه وسلم-
في أقوام يدخلون الجنة بغير حساب كعُكاشة بن مِحْصن،رضي الله عنه. ( شرح العقيدة الطحاوية
جـ 1 صـ274 : صـ284 ) ( النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير جـ2 صـ202 : صـ209 )
حديث الشفاعة العظمى
لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-:
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أُتِيَ
بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَشَ مِنْهَا
نَهْشَةً، ثُمَّ قَالَ: أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَهَلْ
تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي
صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ البَصَرُ، وَتَدْنُو
الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الغَمِّ وَالكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلاَ
يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ، أَلاَ
تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ
لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمْ بِآدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ أَبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ
فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ المَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى
رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ
بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ
يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ
نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا
إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا
نُوحُ، إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ
اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا
نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ
غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ
قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا
إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ
فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ
الأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَقُولُ
لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ
مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ
ثَلاَثَ كَذِبَاتٍ - فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِي الحَدِيثِ - نَفْسِي
نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى فَيَأْتُونَ، مُوسَى
فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَضَّلَكَ اللَّهُ
بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ
تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ
غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي
قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا
إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُونَ:
يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ
وَرُوحٌ مِنْهُ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي المَهْدِ صَبِيًّا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى
رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ
غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَلَنْ يَغْضَبَ
بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا
إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فَيَقُولُونَ:
يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتِمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ
اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى
رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ،
فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ
مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا، لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ
قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ
تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ،
أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ
حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ البَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، وَهُمْ
شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ، كَمَا
بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ - أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى(مدينة بالشام). (البخاري
حديث: 4712/مسلم حديث:194)
أسباب الشفاعة في الآخرة:
(1) تلاوة القرآن:
روى مسلمٌ عَنْ أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَال:َ سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ:
اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا
لِأَصْحَابِهِ . ( مسلم حديث 804 )
(2) الإكثار من الصلاة :
روى أحمدٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، مَوْلَى بَنِي
مَخْزُومٍ، عَنْ خَادِمٍ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه
وسلم-، رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِمَّا يَقُولُ لِلْخَادِمِ:
" أَلَكَ حَاجَةٌ؟ قَالَ: حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللهِ، حَاجَتِي قَالَ: وَمَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: حَاجَتِي أَنْ تَشْفَعَ لِي
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: وَمَنْ دَلَّكَ عَلَى هَذَا ؟ قَالَ: رَبِّي(أي سيده)
قَالَ: إِمَّا لَا، فَأَعِنِّي بِكَثْرَةِ السُّجُودِ.(حديث صحيح)(مسند أحمد
جـ25صـ 479 حديث: 16076)
(3) الصيام:
روى أحمدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بنِ العَاصِ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ
لِلْعَبْدِ يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ
بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النُّوْمَ
بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ فيُشَفعانِ.( حديث صحيح)(صحيح الجامع
للألباني حديث: 3882)
(4) صلاة الجنازة على الميت:
روى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي
عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ
لَهُ إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ . ( مسلم حديث 947 )
روى مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مَاتَ
ابْنٌ لَهُ بِقُدَيْدٍ أَوْ بِعُسْفَانَ فَقَالَ يَا كُرَيْبُ انْظُرْ مَا
اجْتَمَعَ لَهُ مِنْ النَّاسِ. قَالَ: فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَاسٌ قَدْ اجْتَمَعُوا
لَهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ تَقُولُ هُمْ أَرْبَعُونَ قَالَ نَعَمْ قَالَ
أَخْرِجُوهُ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ-صلى الله
عليه وسلم- يَقُولُ مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى
جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا
شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ . ( مسلم حديث 948 )
(5) ترديد الأذان والصلاة على النبي -صلى
الله عليه وسلم- طلب الوسيلة له:
روى مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ
سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ
الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ
مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا
اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي
إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ
سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» (مسلم حديث: 384)
(6) سكنى المدينة والصبر على شدائدها:
روى مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: «مَنْ صَبَرَ عَلَى لَأْوَائِهَا
وَشِدَّتِهَا، كُنْتُ لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يَعْنِي
الْمَدِينَةَ.
(مسلم حديث:1377)
(7) الشهادة في سبيل الله:
روى أبو داودَ عَنْ أبي الدَّرْدَاءَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله
عليه وسلم-: «يُشَفَّعُ
الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. ( حديث صحيح)(صحيح أبي
داود للألباني حديث:2201)
(8) دعاء الأولاد الصالحين لأبائهم:
روى ابنُ ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-قال : إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ
دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَنَّى هَذَا ؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ
وَلَدِكَ لَكَ . ( حديث حسن ) ( صحيح ابن ماجه للألباني حديث 2953 )
ثانياً : الشفاعة المنفية
:
الشفاعة التي نفاها
القرآنُ الكريمُ هي الشفاعة للمشركين .(فتح المجيد صـ238)
(1) قال الله تعالى (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ
عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ
وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) ( البقرة :48)
(2) وقال سبحانه (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا
رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ
وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ( البقرة :254)
(3) وقال سبحانه:( وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ
يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الأنعام:51)
(4) وقال جَلَّ شأنه (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا
صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (
الشعراء 102:100)
(5) وقال تعالى (أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ
الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا
شَفِيعٍ يُطَاعُ) ( غافر :18)
المسلم
الذي لا يقبل الله شفاعته يوم القيامة :
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: «إِنَّ اللَّعَّانِينَ
لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ، وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (مسلم حديث:2598)
اللعن : هو الطردُ من رحمة الله
تعالى التي وسعت كُلَّ شيءٍ.
اللَّعَّانُون: الذينَ يُكْثِرُونَ
مِن اللعْنِ.
وختاماً : أسأل الله
تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن
ينفع به طلاب العلم.وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين ،وصلى الله وسلم على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين .