الإيمان بالقدر
بسم الله الرحمن الرحيم
معنى الإيمان بالقدر:
الإيمان بالقدر: هو التصديقُ الجازمُ بأن الله سبحانه قد عَلِمَ مقاديرَ الأشياء قبل حدوثها،فكتبَ ذلك عنده في اللوح المحفوظ،فكل ما يحدث في الكون،مِن خيرٍ أو شرٍ،إنما هو بتقديره سبحانه فهو الفَعَّالُ لما يُريدُ،ولا يخرج شيءٌ عن مَشيئته. (التوحيد ـ لعبد العزيز آل عبد اللطيف ـ صـ100)
الإيمانُ بالقدر مِن أصول عقيدة أهل السُّنة والجماعة،وهو أحدُ أركان الإيمان الست، ولا يصح إيمان العبد إلا به.
الإيمان بالقدر ثابت بالكتاب والسُّنة وإجماع الأمة.
أولاً: القرآن الكريم:
(1) قال الله تعالى (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) ( الحديد :22)
قال الإمام ابنُ جرير الطبري(رحمه الله): يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا أَصَابَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ بِجُدُوبِهَا وَقُحُوطِهَا وَذَهَابِ زَرْعِهَا وَفَسَادِهَا (وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ) بالْأَوْجَاعِ وَالْأَسْقَامِ (إِلَّا فِي كِتَابٍ) يَعْنِي إِلَّا فِي أُمِّ الْكِتَابِ (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا) يَقُولُ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَ الْأَنْفُسَ، يَعْنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ نَخْلُقَهَا. (تفسير الطبري جـ 25صـ449:448)
(2) وقال سبحانه:( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة:51)
قال الإمام ابنُ جرير الطبري(رحمه الله): يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُؤَدِّبًا نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْكَ: (لَنْ يُصِيبَنَا) أَيُّهَا الْمُرْتَابُونَ فِي دِينِهِمْ (إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا) فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَقَضَاهُ عَلَيْنَا. (هُوَ مَوْلَانَا) يَقُولُ: هُوَ نَاصِرُنَا عَلَى أَعْدَائِهِ. (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) يَقُولُ: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَرْجُوا النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَخَافُوا شَيْئًا غَيْرَهُ، يَكْفِهِمْ أُمُورَهُمْ وَيَنْصُرْهُمْ عَلَى مَنْ بَغَاهُمْ وَكَادَهُمْ. (تفسير الطبري جـ 14صـ291:290)
(3) وقال جل شأنه:( وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) (الإسراء:58)
قال الإمام ابنُ جرير الطبري(رحمه الله):قَوْلُهُ تَعَالَى:(كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) يَعْنِي فِي الْكِتَابِ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ كُلُّ مَا هُوَ كَائِنٌ، وَذَلِكَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. (تفسير الطبري جـ 17صـ678)
(4) وقال سبحانه:( اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) (الرعد:8)
قال الإمام ابنُ جرير الطبري(رحمه الله):قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:مَا تَنْقُصُ الْأَرْحَامُ مِنْ حَمْلِهَا فِي الْأَشْهُرِ التِّسْعَةِ بِإِرْسَالِهَا دَمَ الْحَيْضِ، وَمَا تَزْدَادُ فِي حَمْلِهَا عَلَى الْأَشْهُرِ التِّسْعَةِ لِتَمَامِ مَا نَقَصَ مِنَ الْحَمْلِ فِي الْأَشْهُرِ التِّسْعَةِ بِإِرْسَالِهَا دَمَ الْحَيْضِ (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) لَا يُجَاوِزُ شَيْءٌ مِنْ قَدْرِهِ عَنْ تَقْدِيرِهِ،وَلَا يَقْصُرُ أَمْرٌ أَرَادَهُ فَدَبَّرَهُ عَنْ تَدْبِيرِهِ، كَمَا لَا يَزْدَادُ حَمْلُ أُنْثَى عَلَى مَا قُدِّرَ لَهُ مِنَ الْحَمْلِ، وَلَا يَقْصُرُ عَمَّا حَدَّ لَهُ مِنَ الْقَدْرِ وَالْمِقْدَارِ. (تفسير الطبري جـ 16صـ359:358)
(5) وقال تعالى:( مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا) (الأحزاب:38)
قال الإمام ابنُ كثير(رحمه الله):قَوْلُهُ تَعَالَى(وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا) أَيْ: وَكَانَ أَمْرُهُ الَّذِي يقدِّره كَائِنًا لَا مَحَالَةَ، وَوَاقِعًا لَا مَحِيدَ عَنْهُ وَلَا مَعْدَلَ، فَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. (تفسير ابن كثير جـ11صـ:174)
ثانياً: السُّنة :
(1) روى مسلمٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخطاب، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وذلك في حديث سؤال جِبْرِيل) أنَّ جِبْرِيلَ قَالَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ, وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. (مسلم حديث:1)
(2) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ.»(مسلم حديث: 2664)
(3) روى الترمذيُّ عن عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال : كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ:يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ:احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ ،وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ. (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث:2043)
(4) روى أبو داودَ عَنْ أَبِي حَفْصَةَ، قَالَ:قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ " يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي.» (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث3933)
ثالثاً: الإجماع :
أجمع أهلُ العِلْمِ على وجوب الإيمان بالقدر،وأنه ركنٌ من أركان الإيمان الست ، وأن منكر القدر كافرٌ وخارجٌ عن مِلة الإسلام، وذلك بعد إقامة الحجة عليه.
مراتب الإيمان بالقدر:
الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ وَهِيَ:
المرتبة الأولى: الإيمان بأن الله تعالى يعلم كل شيء في السموات والأرض.
يجبُ أَن نؤمنَ بأنَّ عِلْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ وَالْمُسْتَحِيلَاتِ, فَعَلِمَ سُبِحَانَهُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ, وَأَنَّهُ سُبِحَانَهُ عَلِمَ مَا الْخَلْقُ عَامِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ،وَعَلِمَ أَرْزَاقَهُمْ وَآجَالَهُمْ وَأَحْوَالَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ فِي جَمِيعِ حَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ وَشَقَاوَتِهِمْ وَسَعَادَتِهِمْ وَمَنْ هُوَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ هُوَ مِنْهُمْ مَنْ أَهْلِ النَّارِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَهُمْ وَمِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ عَلِمَ دِقَّ ذَلِكَ وَجَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ وَقَلِيلَهُ وَظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ وَسِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَمَبْدَأَهُ وَمُنْتَهَاهُ, كُلُّ ذَلِكَ بِعِلْمِهِ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ وَمُقْتَضَى اسْمِهِ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، عَلَّامِ الْغُيُوبِ. (معارج القبول لحافظ حكمي جـ2صـ264)
(1) قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (الْبَقَرَةِ: 30)
(2)وقال سُبحَانه:(هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (النَّجْمِ: 30)
(3) وَقَالَ سُبحَانه: (عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (سَبَأٍ:3)
(4) وَقَالَ تَعَالَى: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) (الطَّلَاقِ: 12)
(5) وقَالَ جَلَّ شَأْنه: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (الْحَشْرِ: 22)
روى الشيخانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْلاَدِ المُشْرِكِينَ، فَقَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ»
(البخاري حديث:6597/مسلم حديث: 2659)
وروى مسلمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْغُلَامَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ طُبِعَ كَافِرًا، وَلَوْ عَاشَ لَأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ طُغْيَانًا وَكُفْرًا» (مسلم حديث: 2661)
المرتبة الثّانية : الإيمانُ بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ مقاديرَ كل شيء .(معارج القبول لحافظ حكمي جـ2صـ268)
(1) قال الله تعالى (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) ( الحديد :22)
(2) وَقَالَ سُبحانه: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الْحَجِّ: 70)
(3) وَقَالَ تَعَالَى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)(الأنعام: 59)
(4) وَقَالَ جَلَّ شأنه: (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (فَاطِرٍ: 11)
روى الشيخانِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَقِيعِ الغَرْقَدِ فِي جَنَازَةٍ، فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ» ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ؟ فَقَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ» ثُمَّ قَرَأَ: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى) (الليل: 6) إِلَى قَوْلِهِ (لِلْعُسْرَى) (الليل: 10) (البخاري حديث:4945/مسلم حديث: 2647)
قَالَ الإمَامُ النووي(رحمه الله):في هَذِا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِ الْعَمَلِ وَالِاتِّكَالِ عَلَى مَا سَبَقَ بِهِ الْقَدَرُ بَلْ تَجِبُ الْأَعْمَالُ وَالتَّكَالِيفُ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ يَسَّرَهُ اللَّهُ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ يَسَّرَهُ اللَّهُ لعملهم.(مسلم بشرح النووي جـ8صـ450)
(2) روى مسلمٌ عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما أن النبي r قال : كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ . ( مسلم حديث 2653)
(3) روى الشيخانِ (عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ عِنْدَ رَبِّهِمَا، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى(غَلَبَ آدمُ موسى بالْـحُجَّةِ القويةِ)، قَالَ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَأَسْكَنَكَ فِي جَنَّتِهِ، ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الْأَرْضِ، فَقَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ وَأَعْطَاكَ الْأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ وَقَرَّبَكَ نَجِيًّا، فَبِكَمْ وَجَدْتَ اللهَ كَتَبَ التَّوْرَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، قَالَ مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ عَامًا، قَالَ آدَمُ: فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلًا كَتَبَهُ اللهُ عَلَيَّ أَنْ أَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ " قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى(غَلَبَ آدمُ موسى بالْـحُجَّةِ القويةِ) »(البخاري حديث: 6614 /مسلم حديث: 2652)
قَالَ الإمَامُ النووي(رحمه الله): مَعْنَى كَلَامِ آدَمَ:أَنَّكَ يَا مُوسَى تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا كُتِبَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أخلق وقدر علي فلابد مِنْ وُقُوعِهِ وَلَوْ حَرَصْتُ أَنَا وَالْخَلَائِقُ أَجْمَعُونَ عَلَى رَدِّ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْهُ لَمْ نَقْدِرْ فَلِمَ تَلُومُنِي عَلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّ اللَّوْمَ عَلَى الذَّنْبِ شَرْعِيِّ لَا عَقْلِيِّ وَإِذْ تَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى آدَمَ وَغَفَرَ لَهُ زَالَ عَنْهُ اللَّوْمُ فَمَنْ لَامَهُ كَانَ مَحْجُوجًا بِالشَّرْعِ.(مسلم بشرح النووي جـ8صـ454)
المرتبة الثالثة: الْإِيمَانُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ النَّافِذَةِ وَقُدْرَتِهِ الشَّامِلَةِ. (معارج القبول لحافظ حكمي جـ2صـ280)
يجب أن نؤمن بأنه لا يكون شيء في السموات والأرض إلا بإرادة الله تعالى ومشيئته .
(1) قال تعالى:(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (يس83:82)
(2) وقال جل شأنه:( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس:99)
(3) وقال سبحانه:(وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (الإنسان:13)
(4) وقال سبحانه:(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل:93)
(5) وقال تعالى:( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:125)
(6) وقال سبحانه: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) (الإنسان :30)
المرتبة الرابعة:الْإِيمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ.
يجب أن نؤمنَ بأن اللهَ تعالى هُوَ خَالِقُ كُلِّ عَامِلٍ وَعَمَلِهِ, وَكُلِّ مُتَحَرِّكٍ وَحَرَكَتِهِ, وَكُلِّ سَاكِنٍ وَسُكُونِهِ, وَمَا مِنْ ذرة في السموات وَلَا فِي الْأَرْضِ إِلَّا وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَالِقُهَا وَخَالِقُ حَرَكَتِهَا وَسُكُونِهَا, سُبْحَانَهُ لَا خَالِقَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.
(معارج القبول لحافظ حكمي جـ2صـ281)
(1) قال تعالى:( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الأنعام:101)
(2) وقال سبحانه:( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) (الفرقان:2:1)
(3) وقال جل شأنه:(وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات:96)
الإرادة الكونية و الإرادة الشرعية
الإِرَادَةُ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ نَوْعَانِ:إِرَادَةٌ كَوْنِيَّةٌ قَدَرِيَّةٌ،وَإِرَادَةٌ دِينِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ. ( فتاوى ابن تيمية جـ 11 صـ :266)
وسوف نتحدث عن كل منهما:
أولاً:الإرادة الكونية القدرية:
الإرَادَةُ الكَوْنِيَّةُ القَدَرِيَّةُ تَعنِي مَشِيئَةُ اللهِ تعالى الشَّامِلَةُ لِجَمِيعِ الْحَوَادِثِ.فهي تتعلقُ بكل ما يشاء اللهُ تعالى فِعْله وإحداثه، سواءٌ أحبه أو لم يرضه من الكفر والمعاصي . ( فتاوى ابن تيمية جـ 11 صـ :266)
(1) قال سبحانه:( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:125)
(2) وقال تعالى (قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ * وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (هود34:32)
(3) وقال جل شأنه:( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (البقرة:253)
(4)قال الله تعالى:(وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:41)
الْإِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ هِيَ الْإِرَادَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.
ثانياً:الإرادة الدينية الشرعية :
الإِرَادَةُ الدِينِيَّةُ الشَرْعِيَّةُ، تَعنِي إِرَادَةُ اللهِ تعالى الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا،فهي تتعلقُ بكل ما يأمر اللهُ تعالى به عباده مما يحبه ويرضاه . ( فتاوى ابن تيمية جـ 11 صـ :266)
(1) قال تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ( البقرة :185)
(2) وقال سبحانه:( يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النساء:26)
(3) وقال جل شأنه: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) ( النساء :28:27)
(4) وقال سبحانه:(مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة:6)
(5) وقال تعالى:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (الأحزاب:33)
وَالْإِرَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي مِثْلِ قَوْلِ النَّاسِ لِمَنْ يَفْعَلُ الْقَبَائِحَ: هَذَا يَفْعَلُ مَا لَا يُرِيدُهُ اللَّهُ، أَيْ: لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ وَلَا يَأْمُرُ بِهِ.
والفرق بين الإرادتين أن الإرادة الكونية , لابد فيها من وقوع ما أراده الله تعالى، ولا يلزم أن يكون هذا الأمر الواقع محبوباً عند الله تعالى, وأما الإرادة الشرعية , فلا بد أن يكون المراد فيها محبوباًَ لله، ولكن لا يلزم وقوعه، فقد يقع المراد، وقد لا يقع .
والإرادة الكونية تجتمع مع الإرادة الشرعية في مِثْلِ: إيمان المؤمن وطاعة المطيع , وتنفرد الإرادة الكونية في مِثْلِ: كفر الكافر، ومعصية العاصي , وتنفرد الإرادة الشرعية في مِثْلِ: إيمان الكافر وطاعة العاصي . ( شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي جـ 1 صـ 68:66)
الرد على أهل المعاصي الذين يحتجون بالقدر:
(1) قَالَ الإمَامُ النووي(رحمه الله): إِنْ قِيلَ فَالْعَاصِي مِنَّا لَوْ قَالَ:هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ قَدَّرَهَا اللَّهُ عَلَيَّ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ اللَّوْمُ وَالْعُقُوبَةُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِيمَا قَالَهُ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْعَاصِي بَاقٍ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ جَارٍ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَاللَّوْمِ وَالتَّوْبِيخِ وَغَيْرِهَا وَفِي لَوْمِهِ وَعُقُوبَتِهِ زَجْرٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ وَهُوَ محتاج إلى الزجر ما لم يَمُتْ.(مسلم بشرح النووي جـ8صـ454)
(2) وقال الإمامُ ابنُ عثيمين (رحمه الله): أفعالُ العباد كلها من طاعات ومعاصٍ كلها مخلوقة لله ولكن ليس ذلك حجة للعاصي على فعل المعصية وذلك لأدلة كثيرة منها:
(1) أن الله أضاف عمل العبد إليه وجعله كسباً له فقال سبحانه:(الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) (غافر: 17) .
ولو لم يكن له اختيار في الفعل وَقْدرة عليه ما نُسِبَ إليه.
(2) أن الله أمر العبد ونهاه ولم يكلفه إلا ما يستطيع لقوله تعالى:(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) (البقرة: 286)
وقوله سبحانه(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: 16)
ولو كان مجبوراً على العمل ما كان مستطيعاً على الفعل أو الكف؛ لأن المجبور لا يستطيع التخلص.
(3) أن كل واحد يعلم الفرق بين العمل الاختياري والإجباري وأن الأول يستطيع التخلص منه.
(4) أن العاصي قبل أن يقدم على المعصية لا يدري ما قُدَّر له وهو باستطاعته أن يفعل أو يترك فكيف يسلك الطريق الخطأ ويحتج بالقدر المجهول، أليس من الأحرى أن يسلك الطريق الصحيح ويقول هذا ما قُدَّر لي؟!
(5) أن الله أخبر أنه أرسل الرسل لقطع الحجة:قال سبحانه:(لئلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء: 165) .
ولو كان القدر حجة للعاصي لم تنقطع بإرسال الرسل.ونعلم أن الله سبحانه وتعالى ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك، وأنه لم يجبر على معصية ولا اضطره إلى ترك طاعةٍ. قال الله تعالى:(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) (البقرة: 286).
وقال الله تعالى:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم) (التغابن: 16) .
وقال سبحانه:(الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ)( غافر: 17).فدل على أن للعبد فعلاً وكسبًا يُجزى على حسنه بالثواب، وعلى سيئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره. (شرح لمُعة الاعتقاد ـ لابن عثيمين صـ:94:93)
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به طلاب العلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .