العدل شريعة الإسلام
المقدمة
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينا، وجعلنا خير أمة أُخرجت للناس، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ الذي أرسله ربه هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله تعالى بإذنه وسراجاً منيراً، أما بعد:فإن العدل هو شريعة الإسلام، وقد تناولت في هذه الرسالة الحديث عن معنى العدل، والعدل وصية رب العالمين، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يحثنا على العدل، والعدل بين الأبناء، وأقوال سلفنا الصالح في العدل، وأنواع العدل، ووسائل تحقيقه، والعدل حصن أمان للبلاد، والتحذير من تولية القضاء لمن لا قدرة له، والتحذير من شهادة الزور، وسماع القاضي لكلام المتخاصمين، والقاضي لا يحكم وهو غضبان، واجتهاد القاضي في الحكم بين الناس، وصفة الإمام العادل، ووصية الحاكم لولاته بالعدل بين الناس، والعدل مع غير المسلمين، وعدل نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ثم ختمت الرسالة بذكر صور من عدل سلفنا الصالح.أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته أن يجعل هذا العمل خالصاًَ لوجهه الكريم .وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رَبِّ العالمين
وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
صلاح نجيب الدق
بسم الله الرحمن الرحيم
معنى العدل:
العَدْلُ: الحُكْمُ بِالْحَقِّ. (لسان العرب لابن منظور جـ4صـ2838)
العدل وصية رب العالمين:
(1) قال الله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء:58)
قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): قَوْلُه ُتعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) أَمْرٌ مِنْهُ تَعَالَى بِالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ النَّاسِ. (تفسير ابن كثير جـ1صـ782)
(2) وقال سبحانه:( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90)
(3) وقال جل شأنه:(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )(الحجرات:9)
(4) وقال سبحانه:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء:135)
قال الإمام ابنُ كثير (رحمه الله): يَأْمُرُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ، أَيْ بِالْعَدْلِ، فَلَا يَعْدِلُوا عَنْهُ يَمِينًا وَلَا شَمَالًا وَلَا تَأْخُذَهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَلَا يَصْرِفَهُمْ عَنْهُ صَارِفٌ، وَأَنْ يَكُونُوا مُتَعَاوِنِينَ مُتَسَاعِدِينَ مُتَعَاضِدِينَ مُتَنَاصِرِينَ فِيهِ، وَلِيَكُنْ أَدَاء الشهادةِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، فَحِينَئِذٍ تَكُونُ صَحِيحَةً عَادِلَةً حَقًّا، خَالِيَةً مِنَ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ وَالْكِتْمَانِ؛ وَلَوْ عَادَ ضَرَرُهَا عَلَيْكَ وَإِذَا سُئِلت عَنِ الْأَمْرِ فَقُلِ الْحَقَّ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مَضرة عَلَيْكَ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لِمَنْ أَطَاعَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا مَنْ كُلِّ أَمْرٍ يَضِيقُ عَلَيْهِ.وَإِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى وَالِدَيْكَ وَقَرَابَتِكَ، فَلَا تُراعهم فِيهَا، بَلِ اشْهَدْ بِالْحَقِّ وَإِنَّ عَادَ ضَرَرُهَا عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ الْحَقَّ حَاكِمٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ.وَلَا يَحْمِلْنَّكُمُ الْهَوَى وَالْعَصَبِيَّةُ وبغْضَة النَّاسِ إِلَيْكُمْ، عَلَى تَرْكِ الْعَدْلِ فِي أُمُورِكُمْ وَشُؤُونِكُمْ، بَلِ الْزَمُوا الْعَدْلَ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَنْ لا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (الْمَائِدَةِ: 8) (تفسير ابن كثير جـ1صـ859)
نبينا -صلى الله عليه وسلم- يحثنا على العدل :
(1) روى مسلمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ العَاص قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا.»(مسلم حديث: 1827)
(2) روى الشيخانِ عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قالَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ :إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. (البخاري حديث660/مسلم حديث1031)
(3) روى الشيخانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، قَالَ: فَسَمِعْتُ هَؤُلاَءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.(البخاري حديث2409/مسلم حديث1829)
(4) روى مسلمٌ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ الْمُزَنِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» (مسلم حديث:142)
(5) روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ. (حديث صحيح ) (صحيح أبي داود للألباني حديث1867)
العدل بين الأبناء:
روى البخاريُّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ (والدة النعمان):لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟»، قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ»، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ .(البخاري حديث: 2587)
أقوال سلفنا الصالح في العدل:
(1) قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -: أُعْطِينَا مَا أُعْطِيَ النَّاسُ وَمَا لَمْ يُعْطَوْا، وَعَلِمْنَا مَا عَلِمَ النَّاس وَمَا لَمْ يَعْلَمُوا، فَلَمْ نَرَ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ الْعَدْلِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَالْقَصْدِ فِي الْغِنَى وَالْفَقْر وَخَشْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ.» (الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي جـ1صـ183:182)
(2) قَالَ مُجَاهِدُ بن جبر: يُؤْتَى بِمُعَلِّمِ الْكُتَّابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنْ كَانَ عَدَلَ بَيْنَ الْغِلْمَانِ، وَإِلَّا؛ أُقِيمَ مَعَ الظَّلَمَةِ. (المجالسة وجواهر العلم للدينوري جـ2صـ282رقم 619)
(3) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: صِفْ لِي الْعَدْلَ يَا ابْنَ كَعْبٍ.قُلْت: بَخٍ بَخٍ سَأَلْتَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ:كُنْ لِصَغِيرِ النَّاسِ أَبًا، وَلِكَبِيرِهِمْ ابْنًا، وَلِلْمِثْلِ مِنْهُمْ أَخًا، وَلِلنِّسَاءِ كَذَلِكَ، وَعَاقِبْ النَّاسَ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ عَلَى قَدْرِ احْتِمَالِهِمْ وَلَا تَضْرِبَنَّ لِغَضَبِك سَوْطًا وَاحِدًا فَتَكُونَ مِنْ الْعَادِينَ. (الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي جـ1صـ180)
(4) قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ لِلنَّاسِ وُجُوهٌ يَرْفَعُونَ حَوَائِجَ النَّاسِ إِلَيْهِمْ؛ فَأَكْرِمْ وُجُوهَ النَّاسِ، فَبِحَسْبِ الْمُسْلِمِ الضَّعِيفِ مِنَ الْعَدْلِ أَنْ يُنْصَفَ فِي الْحُكْمِ وَالْقِسْمَةِ.(المجالسة وجواهر العلم للدينوري جـ2صـ282رقم431)
(5) قال عمرو بن العاص(رَضِيَ اللهُ عَنْهُ): لا سلطان إلا برجال، ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل.(العقد الفريد لابن عبد ربه جـ1صـ33)
(6) قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ (رَحِمَهُ اللهُ): إِنِّي لَأَجْمِعُ أنْ أُخْرِجَ لِلنَّاسِ أَمْرًا مِنْ أَمْرِ الْعَدْلِ، فَأَخَافُ أَنْ لَا تَحْمِلَهُ قُلُوبُهُمْ، فَأُخْرِجُ مَعَهُ طَمَعًا مِنْ طَمَعِ الدُّنْيَا، فَإِنْ نَفَرَتِ الْقُلُوبُ إِلَى هَذِهِ سَكَنَتْ إِلَى هَذَا. (المجالسة وجواهر العلم للدينوري جـ5صـ331رقم2204)
(7) قَالَ أبو جَعفَر الْمَنْصُور: الْخَلِيفَةُ لا يُصْلِحُهُ إِلا التَّقْوَى، وَالسُّلْطَانَ لا يُصْلِحُهُ إِلا الطَّاعَةُ، وَالرَّعِيَّةَ لا يُصْلِحُهَا إِلا الْعَدْلُ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْعَدْلِ أَقْدَرُهُمْ عَلَى الْعُقُوبَةِ، وَأَنْقَصُ النَّاسِ عَقْلًا مَنْ ظَلَمَ مَنْ هُوَ دُونِهِ. (المجالسة وجواهر العلم للدينوري جـ5صـ391رقم2252)
(8) قال ابن حزم(رحمه الله):«أفضل نِعَم الله تَعَالَى على الْمَرْء أَن يطبعه على الْعدْل وحبه وعَلى الْحق وإيثاره» (الأخلاق والسير لابن حزم صـ 38)
(9) قال ابنُ تيمية(رحمه الله): بِالصِّدْقِ فِي كُلِّ الْأَخْبَارِ وَالْعَدْلِ فِي الْإِنْشَاءِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ تَصْلُحُ جَمِيعُ الْأَحْوَالِ، وَهُمَا قَرِينَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا)(الأنعام:115) (فتاوى ابن تيمية جـ28صـ66)
أنواع العدل:
يشتمل العدل على نوعين:
(1) عَدْلُ الْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ. (2) عَدْلُ الْإِنْسَانِ فِي الناس.
وسوف نتحدث بإيجاز عن كِلا النوعين:
أولاً: عَدْلُ الْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ:
عَدْلُ الْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ يَكُونُ بِحَمْلِهَا عَلَى الْمَصَالِحِ، وَكَفِّهَا عَنْ الْقَبَائِحِ، ثُمَّ بِالْوُقُوفِ فِي أَحْوَالِهَا عَلَى أَعْدَلِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ تَجَاوُزٍ أَوْ تَقْصِيرٍ. فَإِنَّ التَّجَاوُزَ فِيهَا جَوْرٌ، وَالتَّقْصِيرَ فِيهَا ظُلْمٌ. وَمَنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ فَهُوَ لِغَيْرِهِ أَظْلَمُ، وَمَنْ جَارَ عَلَيْهَا فَهُوَ عَلَى غَيْرِهِ أَجْوَرُ.قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ تَوَانَى فِي نَفْسِهِ ضَاعَ. (أدب الدنيا والدين للماوردي صـ175)
ثانياً: عَدْلُ الْإِنْسَانِ فِي النَّاس:
يَنْقَسِمُ عَدْلُ الْإِنْسَانِ مَعَ غَيْرِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ: عَدْلُ الْإِنْسَانِ مَعَ مَنْ دُونَهُ كَالسُّلْطَانِ فِي رَعِيَّتِهِ، وَالرَّئِيسِ مَعَ صَحَابَتِهِ، فَعَدْلُهُ فِيهِمْ يَكُونُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ:(1) اتِّبَاعِ الْمَيْسُورِ(2) حَذْفِ الْمَعْسُورِ(3) تَرْكِ التَّسَلُّطِ بِالْقُوَّةِ(4) ابْتِغَاءِ الْحَقِّ فِي الْمَيْسُورِ.
فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْمَيْسُورِ أَدْوَمُ، وَحَذْفَ الْمَعْسُورِ أَسْلَمُ، وَتَرْكَ التَّسَلُّطِ أَعَطْفُ عَلَى الْمَحَبَّةِ، وَابْتِغَاءَ الْحَقِّ أَبْعَثُ عَلَى النُّصْرَةِ.
الثَّانِي: عَدْلُ الْإِنْسَانِ مَعَ مَنْ فَوْقَهُ:كَالرَّعِيَّةِ مَعَ سُلْطَانِهَا، وَالصَّحَابَةِ مَعَ رَئِيسِهَا، فَيَكُونُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:
(1) إِخْلَاصِ الطَّاعَةِ (2) بَذْلِ النُّصْرَةِ (3) صِدْقِ الْوَلَاءِ.
فَإِنَّ إخْلَاصَ الطَّاعَةِ أَجْمَعُ لِلشَّمْلِ، وَبَذْلَ النُّصْرَةِ أَدْفَعُ لِلْوَهَنِ(الضغف)وَصِدْقَ الْوَلَاءِ أَنْفَى لِسُوءِ الظَّنِّ. وَهَذِهِ أُمُورٌ إنْ لَمْ تَجْتَمِعْ فِي الْمَرْءِ تَسَلَّطَ عَلَيْهِ مَنْ كَانَ يَدْفَعُ عَنْهُ وَاضْطُرَّ إلَى اتِّقَاءِ مَنْ يَتَّقِي بِهِ.
(الثَّالِثُ): عَدْلُ الْإِنْسَانِ مَعَ أَقْرَانِه وَيَكُونُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:(1) بِتَرْكِ الِاسْتِطَالَةِ (التكبر) (2) مُجَانَبَةِ المَنِّ بفضله عليهم. (3)كَفِّ الْأَذَى.
لِأَنَّ تَرْكَ الِاسْتِطَالَةِ آلَفُ، وَمُجَانَبَةَ المَنِّ أَعْطَفُ، وَكَفَّ الْأَذَى أَنْصَفُ. وَهَذِهِ أُمُورٌ إنْ لَمْ تَخْلُصْ فِي الْأَقْرَانِِ أَسْرَعَ فِيهِمْ تَقَاطُعُ الْأَعْدَاءِ فَفَسَدُوا وَأَفْسَدُوا. (أدب الدنيا والدين للماوردي صـ176:175)
وسائل تحقيق العدل:
الْعَدْلُ مِيزَانُ اللَّهِ الَّذِي وَضَعَهُ لِلْخَلْقِ، وَنَصَبَهُ لِلْحَقِّ، فَيجبُ عَلى المسْلمِ أن لَا يُخَالِفْ اللهَ تعالى فِي مِيزَانِهِ، وَلَا يُعَارِضْهُ فِي سُلْطَانِهِ، وَيُمْكِنُ للمُسْلِمِ أَن يَسْتَعِينَ عَلَى الْعَدْلِ بصفتين: (1) قِلَّةُ الطَّمَعِ (2) كَثْرَةُ الْوَرَعِ (أدب الدنيا والدين للماوردي صـ174)
العدل حصن أمان للبلاد :
العَدْلُ يَدْعُو إلَى الْأُلْفَةِ، وَيَبْعَثُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَتَعْمُرُ بِهِ الْبِلَادُ، وَتَنْمُو بِهِ الْأَمْوَالُ، وَيَكْثُرُ مَعَهُ النَّسْلُ، وَيَأْمَنُ بِهِ السُّلْطَانُ.وَلَيْسَ شَيْءٌ أَسْرَعُ فِي خَرَابِ الْأَرْضِ وَلَا أَفْسَدُ لِضَمَائِرِ الْخَلْقِ مِنْ الْجَوْرِ(شدة الظلم)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَقِفُ عَلَى حَدٍّ وَلَا يَنْتَهِي إلَى غَايَةٍ، وَلِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ قِسْطٌ مِنْ الْفَسَادِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ.(أدب الدنيا والدين للماوردي صـ174)
وإذا عَمَّ العَدْلُ استغنت الأمة عن المحاكم وقضاتها ومحاميها والوكلاء والسماسرة، وانقطع دابر شهداء الزور، فأكثر الحكام وظيفتهم إقامة العدل، فإذا وُجدَ العدل فلا حاجة إليهم، وبذلك يتوفر على الأمة عدد كبير يشتغل فِي مصالح أخرى، ويتوفر مقدار كثير من المال.ولهذا كان السلف تمر المدة الكثيرة على القاضي لا يأتيه خصوم. (موارد الظمآن للسلمان جـ3صـ557)
* كَتَبَ بَعْضُ عُمَّالِ(أمراء) عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَيْهِ: َإِنَّ مَدِينَتَنَا قَدْ خَرِبَتْ، فَإِنَّ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقْطَعَ لَهَا مَالًا يَرُمُّهَا(يصلح خَللها) بِهِ فَعَلَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: قَدْ فَهِمْتُ كِتَابَكَ، وَمَا ذَكَرْتَ أَنَّ مَدِينَتَكُمْ قَدْ خَرِبَتْ، فَإِذَا قَرَأْتَ كِتَابِي هَذَا فَحَصِّنْهَا بِالْعَدْلِ، وَنَقِّ طُرُقَهَا مِنَ الظُّلْمِ، فَإِنَّهُ مَرَمَّتُهَا وَالسَّلَامُ. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 5 صـ 305)
التحذير من تولية القضاء لمن لا قدرة له:
روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ.» (حديث صحيح ) (صحيح أبي داود للألباني حديث3049)
روى أبو داودَ عَنِ بُرَيْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ.(حديث صحيح ) (صحيح أبي داود للألباني حديث3051)
التحذير من شهادة الزور:
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ» قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ " فَمَا زَالَ يَقُولُهَا، حَتَّى قُلْتُ: لاَ يَسْكُتُ. (البخاري حديث: 5976)
سماع القاضي لكلام المتخاصمين :
روى أبو داودَ عَنْ عَلِيٍّ بنِ أبي طالبٍ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُرْسِلُنِي وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ، وَلَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ، وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ، فَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصْمَانِ، فَلَا تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الْآخَرِ، كَمَا سَمِعْتَ مِنَ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ»، قَالَ: «فَمَا زِلْتُ قَاضِيًا، أَوْ مَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَعْدُ.» (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني حديث3057)
القاضي لا يحكم وهو غضبان:
روى أبو داودَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَقْضِي الْحَكَمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ.» (حديث صحيح ) (صحيح أبي داود للألباني حديث3060)
اجتهاد القاضي في الحكم بين الناس:
روى البخاريُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أَخْبَرَتْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ فَأَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَتْرُكْهَا.( البخاري حديث 2458 )
روى أبو داودَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ.» (حديث صحيح ) (صحيح أبي داود للألباني حديث3052)
صفة الإمام العادل:
كَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) لَمَّا وَلِيَ الْخِلافَةَ إِلى الْحَسَنِ الْبَصَرِي(رحمه الله) لِيُخْبِرَهُ عَنْ صِفَةِ الإِمَامِ الْعَادِل فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحَسَن: اعْلَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ اللهَ جَعَلَ الإِمَامَ الْعَادِلَ قِوّامَ كُلِّ مَائِلِ وَقَصْدَ كُلِّ جَائِرٍ وَصَلاحَ كُلِّ فَاسِدٍ وَقُوَّةَ كُلِّ ضَعِيف وَنَصَفَةَ كُلِّ مَظْلُوم وَمَفْزَعَ كُلِّ مَلْهُوف. وَالإِمَامُ الْعَادِل يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَالرَّاعِي الشَّفِيقِ عَلَى إِبْلِهِ الرَّفِيقِ بِهَا الَّذِي يَرْتَادُ لَهَا أَطْيَبَ الْمَرْعَى وَيَذُودُهَا عَنْ مَرَاتِعِ الْهَلَكَةِ وَيَحْمِيهَا عَنِ السِّبَاعِ وَيُكِنُّهَا عَنْ أَذَى الحَرَّ وَالْقَر.وَالإِمَامُ الْعَادِلُ كَالأَبِ الْحَانِي عَلَى وَلَدِهِ، يَسْعَى لَهُمْ صِغَارًا وَيُعَلِّمُهُمْ كِبَارًا يَكْتَسِبُ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ وَيَدّخِرُ لَهُمْ بَعْدَ مَمَاتِهِ.وَالإِمَامُ الْعَادِلُ كَالأُمِّ الشَّفِيقَةُ الْبَرَّةِ الرَّقِيقَةِ بِوَلَدِهَا َحَمَلَتْهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَرَبَّتْهُ طِفْلاً تَسْهَرُ بِسَهَرِهِ وَتَسْكُنُ بِسُكُونِهِ تُرْضِعُهُ تَارَةً وَتُفْطِمُهُ أُخْرَى وَتَفْرَحُ بِعَافِيَتِهِ وَتَغْتَمُّ بِشِكَايَتِهِ.وَالإِمَامُ الْعَادِلُ وَصِيُّ الْيَتَامَى وَخَازِنُ الْمَسَاكِين يُرَبِّي صَغِيرَهُمْ وَيَمُونُ كَبِيرَهُمْ وَالإِمَامُ الْعَادِلُ هَوُ الْقَائِمُ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ يَسْمَعُ كَلامَ اللهِ وَيُسْمِعَهُمْ وَيَنْظُر إِلى اللهِ وَيُرِيهم وَيَنْقَادُ إلى اللهِ وَيَقُودُهُمْ فَلا تَكُنْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا مَلَّكَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كَعَبْدٍ ائْتَمَنَهُ سَيِّدُهُ وَاسْتَحْفَظَهُ مَالُهُ وَعِيَالَه فَبَدَّدَ الْمَالَ وَشَرَّدَ الْعِيَالَ فَأَفْقَرَ أَهْلَهُ وَفَرَّقَ مَاله.
وَأَعْلَمْ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ الْحُدُودَ لِيَزْجُرَ بِهَا عَن الْخَبَائِث وَالْفَوَاحِشِ فَكَيْفَ إِذَا أَتَاهَا مِنْ يَلِيهَا وَإِنَّ اللهَ أَنْزَلَ الْقِصَاصَ حَيَاةً لِعِبَادِهِ فَكَيْفَ إِذَا قَتَلَهُمْ مَنْ يَقْتَصُّ لَهُمْ وَاذْكُر الْمَوْتَ وَمَا بَعْدَهُ وَقِلَّةَ أَشْيَاعِكَ عِنْدَهُ وَأَنْصَارَكَ عَلَيْهِ فَتَزَوَّدْ لَهُ وَلِمَا بَعْدَهُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ لَكَ مَنْزِلاً غَيْرَ مَنْزِلِكَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ يَطُولُ فِيهِ ثَواؤُكَ وَيُفَارِقُكَ أَحِبَّاؤُكَ يُسْلِمُونَكَ فِي قَعْرِهِ وَحِيدًا فَرِيدًا فَتَزَوَّدْ لَهُ مَا يَصْحَبُكَ ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) (عبس:36:34) وَاذْكُرْ (إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ، وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) (العاديات:10:9) فَالأَسْرَارُ ظَاهِرَة وَالْكِتَابُ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا.فَالآنَ وَأَنْتَ في مَهْلٍ قَبْلَ حُلُولِ الأَجَل وَانْقِطَاعِ الأَمَلِ لا تَحْكُمُ فِي عِبَادِ اللهِ بِحُكْمِ الْجَاهِلِينَ وَلا تَسْلُكَ بِهِمْ سَبِيلَ الظَّالِمِينَ وَلا تُسَلِّطْ الْمُسْتَكْبِرِينَ عَلَى الْمُسْتَضِعِفينَ فَإِنَّهُمْ لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً فَتَبُوءَ بِأَوْزَارِكَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكَ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالَكَ.وَلا يَغُرَّنَّكَ الَّذِينَ يَتَنَعَّمُونَ فِي بُؤْسِكَ وَيَأْكُلُونَ الطَّيِّبَاتِ في دُنْيَاهُمْ بِإِذْهَابِ طَيِّبَاتِكَ في آخِرَتِكَ وَلا تَنْظُرْ إِلى قُدْرَتِكَ الْيَوْمَ وَلَكِنْ انْظُرْ إِلى قُدْرَتِكَ غَداً وَأَنْتَ مَأْسُورٌ فِي حَبَائِلِ الْمَوْتِ وَمَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَي اللهِ في مَجْمَعٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَقَدْ عَنِتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ الَّذِي لا تَأْخُذُهُ سِنَةُ وَلا نَوْم.إني يا أمير المؤمنين إن لم أبلغ بعِظَتي ما بلغ أُولو النُّهى(العقول الراجحة) من قَبلي فلم آلُك شفقة ونصحاً، فأنزل كتابي إليك كمداوي حبيبه ويسقيه الأدوية الكريهة لما يرجوه من ذلك في العافية والصحة.والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. (العقد الفريد لابن عبد ربه جـ1صـ35:33)
وصية الحاكم لولاته بالعدل بين الناس:
روى ابنُ سعدٍ عَنْ عَطَاءِ بنِ أبي رَبَاح قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْمُرُ عُمَّالَهُ أَنْ يُوَافُوهُ بِالْمَوْسِمِ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ عُمَّالِي(الولاة) عَلَيْكُمْ لِيُصِيبُوا مِنْ أَبْشَارِكُمْ(أجسامكم) وَلَا مِنْ أَمْوَالِكُمْ، إِنَّمَا بَعَثْتُهُمْ لِيَحْجِزُوا بَيْنَكُمْ، وَلِيَقْسِمُوا فَيْئَكُمْ بَيْنَكُمْ، فَمَنْ فُعِلَ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ فَلْيَقُمْ»، فَمَا قَامَ أَحَدٌ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ قَامَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ عَامِلَكَ فُلَانًا ضَرَبَنِي مِائَةَ سَوْطٍ، قَالَ: «فِيمَ ضَرَبْتَهُ؟ قُمْ فَاقْتَصَّ مِنْهُ»، فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هَذَا يَكْثُرُ عَلَيْكَ وَيَكُونُ سُنَّةً يَأْخُذُ بِهَا مَنْ بَعْدَكَ، فَقَالَ: «أَنَا لَا أُقِيدُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يُقِيدُ مِنْ نَفْسِهِ»، قَالَ: فَدَعْنَا فَلْنُرْضِهِ، قَالَ: دُونَكُمْ فَأَرْضُوهُ «، فَافْتَدَى مِنْهُ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ، كُلُّ سَوْطٍ بِدِينَارَيْنِ.» (الطبقات الكبر لابن سعد جـ3صـ293)
العدل مع غير المسلمين :
قال سبحانه:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة:8)
قال ابنُ جرير الطبري: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ , لِيَكُنْ مِنْ أَخْلَاقِكُمْ وَصِفَاتِكُمُ الْقِيَامُ لِلَّهِ , شُهَدَاءَ بِالْعَدْلِ فِي أَوْلِيَائِكُمْ وَأَعْدَائِكُمْ , وَلَا تَجُورُوا فِي أَحْكَامِكُمْ وَأَفْعَالِكُمْ , فَتُجَاوِزُوا مَا حَدَّدْتُ لَكُمْ فِي أَعْدَائِكُمْ لِعَدَاوَتِهِمْ لَكُمْ , وَلَا تَقْصُرُوا فِيمَا حَدَّدْتُ لَكُمْ مِنْ أَحْكَامِي وَحُدُودِي فِي أَوْلِيَائِكُمْ لِوَلَايَتِهِمْ , وَلَكِنِ انْتَهُوا فِي جَمِيعِهِمْ إِلَى حَدِّي , وَاعْمَلُوا فِيهِ بِأَمْرِي. (تفسير ابن جرير الطبري جـ10صـ 95)
وأما قوله: ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا) فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ عَدَاوَةُ قَوْمٍ عَلَى أَلَا تَعْدِلُوا فِي حُكْمِكُمْ فِيهِمْ وَسِيرَتِكُمْ بَيْنَهُمْ , فَتَجُورُوا عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ. (تفسير ابن جرير الطبري جـ10صـ 95)
وأما قوله ( اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) فقال ابنُ جرير الطبري: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: اعْدِلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَلِيًّا لَكُمْ كَانَ أَوْ عَدُوًّا , فَاحْمِلُوهُمْ عَلَى مَا أُمِرْتُمْ أَنْ تَحْمِلُوهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِي , وَلَا تَجُورُوا بِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَنْهُ. (تفسير ابن جرير الطبري جـ10صـ 96)
(1) روى أبو داودَ عن صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً(متصلو النسب) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ: أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ(خصمه) يَوْمَ الْقِيَامَةِ . (حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 2626)
(2) قال عبد الله بن أبي حَدْرَد: لما قدمنا مع عمر بن الخطاب الجابية(مكان) إذا هو بشيخ من أهل الذمة يستطعم، فسأل عنه فقلنا: يا أمير المؤمنين، هذا رجل من أهل الذمة كبر وضعف فوضع عنه عمر الجزية التي في رقبته وقال: كلفتموه الجزية حتى إذا ضعف تركتموه يستطعم، فأجرى عليه من بيت المال عشرة آلاف دراهم، وكان له عيال. (مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر جـ12صـ101)
(3) روى أحمدٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: أَفَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْبَرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَمَا كَانُوا وَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَخَرَصَهَا(قَدَّرَها) عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ أَنْتُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، قَتَلْتُمْ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ (أظلمكم)قَدْ خَرَصْتُ عِشْرِينَ أَلْفَ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَلِي. فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ قَدْ أَخَذْنَا فَاخْرُجُوا عَنَّا. (إسناده جيد)(مسند أحمد جـ 23صـ210)
عدل نبينا -صلى الله عليه وسلم- :
(1) روى الشيخانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا 0 (البخاري حديث 3475 / مسلم حديث1688)
(2) روى مسلمُ عن جابر بن عبد الله أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال ( وذلك في حجة الوداع ) وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ . ( مسلم حديث 1218)
(3) روى أبو داودَ عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزبيرقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ، مِنْ مُكْثِهِ عِنْدَنَا، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا، فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ(جِماع)، حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتَ عِنْدَهَا. (حديث حسن صحيح ) (صحيح أبي داود للألباني حديث1868)
(4) روى ابنُ ماجه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَقَاضَاهُ دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ لَهُ أُحَرِّجُ عَلَيْكَ إِلَّا قَضَيْتَنِي فَانْتَهَرَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا وَيْحَكَ تَدْرِي مَنْ تُكَلِّمُ قَالَ: إِنِّي أَطْلُبُ حَقِّي فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : هَلَّا مَعَ صَاحِبِ الْحَقِّ كُنْتُمْ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَ لَهَا: إِنْ كَانَ عِنْدَكِ تَمْرٌ فَأَقْرِضِينَا حَتَّى يَأْتِيَنَا تَمْرُنَا فَنَقْضِيَكِ. فَقَالَتْ: نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَأَقْرَضَتْهُ، فَقَضَى الْأَعْرَابِيَّ وَأَطْعَمَهُ.فَقَالَ: أَوْفَيْتَ أَوْفَى اللَّهُ لَكَ. فَقَالَ: أُولَئِكَ خِيَارُ النَّاسِ إِنَّهُ لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لَا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ.(أي من غير أن يصيبه أذى يقلقه ويزعجه) (حديث صحيح ) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث1969)
(5) روى البخاريُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلاَمٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً(حبشية)، فَنِلْتُ مِنْهَا(ذمها ووصفها بأنها سوداء )، فَذَكَرَنِي إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ لِي: «أَسَابَبْتَ فُلاَنًا» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «أَفَنِلْتَ مِنْ أُمِّهِ» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» قُلْتُ عَلَى حِينِ سَاعَتِي: هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ يُكَلِّفُهُ مِنَ العَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ» (البخاري حديث: 6050)
صور من عدل سلفنا الصالح :
(1) أبو بكر الصديق :
(1) لَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ وَلِيتُ أَمْرَكُمْ، وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، وَلَكِنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَسَنَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- السُّنَنَ، فَعَلَّمَنَا فَعَلِمْنَا، اعْلَمُوا أَنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التَّقْوَى، وَأَنَّ أَحْمَقَ الْحُمْقَ الْفُجُورَ، وَأَنَّ أَقْوَاكُمْ عِنْدِيَ الضَّعِيفُ حَتَّى آخِذَ لَهُ بِحَقِّهِ، وَأَنَّ أَضْعَفَكُمْ عِنْدِيَ الْقَوِيُّ حَتَّى آخِذَ مِنْهُ الْحَقَّ، أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا مُتَّبِعٌ، وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ، فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي.» (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ182)
(2) قَالَتْ عَائِشَةَ: قَسَمَ أَبِي(أبو بكر الصِّدِّيق) أَوَّلَ عَامٍ الْفَيْءَ(ما أُخِذَ مِن الأعداء بغير قتال) فَأَعْطَى الْحَرَّ عَشَرَةً وَأَعْطَى الْمَمْلُوكَ عَشَرَةً وَالْمَرْأَةَ عَشَرَةً وَأَمَتَهَا عَشَرَةً، ثُمَّ قَسَمَ فِي الْعَامِ الثَّانِي فَأَعْطَاهُمْ عِشْرِينَ عِشْرِينَ. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ144)
(3) روى البيهقيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَامَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَقَالَ: إِذَا كَانَ بِالْغَدَاةِ فَاحْضُرُوا صَدَقَاتِ الْإِبِلِ تُقْسَمُ، وَلَا يَدْخُلْ عَلَيْنَا أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا: خُذْ هَذَا الْخِطَامَ لَعَلَّ اللهَ يَرْزُقُنَا جَمَلًا، فَأَبَى الرَّجُلُ فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْا قَدْ دَخَلُوا إِلَى الْإِبِلِ فَدَخَلَ مَعَهُمَا، فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: مَا أَدْخَلَكَ عَلَيْنَا؟ ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُ الْخِطَامَ فَضَرَبَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ قَسْمِ الْإِبِلِ دَعَا بِالرَّجُلِ فَأَعْطَاهُ الْخِطَامَ وَقَالَ: اسْتَقِدْ(اضربني)، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَاللهِ لَا يَسْتَقِيدُ، لَا تَجْعَلْهَا سُنَّةً قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَمَنْ لِي مِنَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَرْضِهِ فَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ غُلَامَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِرَاحِلَتِهِ وَرَحْلِهَا وَقَطِيفَةٍ وَخَمْسَةِ دَنَانِيرَ، فَأَرْضَاهُ بِهَا. (السنن الكبرى للبيهقي جـ8 صـ89 رقم: 16025)
(2) عمر بن الخطاب :
(1) روى مالكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ: اخْتَصَمَ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ وَيَهُودِيٌّ، فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْيَهُودِيِّ، فَقَضَى لَهُ. فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَضَيْتَ بِالْحَقِّ. فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ(عصى يُضربُ بها)، ثُمَّ قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: إِنَّا نَجِدُ أَنَّهُ لَيْسَ قَاضٍ يَقْضِي بِالْحَقِّ، إِلَّا كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ، وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ، يُسَدِّدَانِهِ وَيُوَفِّقَانِهِ لِلْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ الْحَقِّ، فَإِذَا تَرَكَ الْحَقَّ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ. (صحيح)(موطأ مالك ـ كتاب الأقضية ـ صـ514)
(2) خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا تَسْمَعُونَ؟ فَقَالَ سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ: لَا نَسْمَعُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَلِمَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: إنَّك قَسَّمْت عَلَيْنَا ثَوْبًا ثَوْبًا وَعَلَيْك ثَوْبَانِ، فَقَالَ: لَا تَعْجَلْ. يَا عَبْدَ اللَّهِ، يَا عَبْدَ اللَّهِ، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: نَشَدْتُك اللَّهَ الثَّوْبُ الَّذِي ائْتَزَرْتُ بِهِ أَهْوَ ثَوْبُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، اللَّهُمَّ نَعَمْ. فَقَالَ سَلْمَانُ: أَمَّا الْآنَ فَقُلْ نَسْمَعْ. (صفة الصفوة لابن الجوزي جـ1صـ535)
(3) قَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ: قَدِمَ بَرِيدُ مَلِكِ الرُّومِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَاسْتَقْرَضَتِ امْرَأَةُ عُمَرَ دِينَارًا، فَاشْتَرَتْ بِهِ عِطْرًا، وَجَعَلَتْهُ فِي قَوَارِيرَ، وَبَعَثَتْ بِهِ مَعَ الْبَرِيدِ إِلَى امْرَأَةِ مَلِكِ الرُّومِ، فَلَمَّا أَتَاهَا؛ فَرَّغَتْهُنَّ وَمَلَأَتْهُنَّ جَوَاهِرَ، وقالت: اذهب به إِلَى امْرَأَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَلَمَّا أَتَاهَا فَرَّغَتْهُنَّ عَلَى الْبُسَاطِ، فَدَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَأَخْبَرَتْهُ بِالْخَبَرِ، فَأَخَذَ عُمَرُ الْجَوَاهِرَ، وَبَاعَهُ، وَدَفَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ دِينَارًا، وَجَعَلَ مَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. (المجالسة وجواهر العلم للدينوري جـ2صـ83 رقم 215)
(4) روى ابنُ سعدٍ عَنْ أَسْلَم قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَصُومُ الدَّهْرَ، قَالَ: فَكَانَ زَمَانُ الرَّمَادَةِ إِذَا أَمْسَى أُتِيَ بِخُبْزٍ قَدْ ثُرِدَ بِالزَّيْتِ، إِلَى أَنْ نَحَرُوا يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ جَزُورًا فَأَطْعَمَهَا النَّاسَ، وَغَرَفُوا لَهُ طَيِّبَهَا فَأُتِيَ بِهِ، فَإِذَا فِدَرٌ مِنْ سَنَامٍ وَمِنْ كَبِدٍ، فَقَالَ: أَنَّى هَذَا؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مِنَ الْجَزُورِ الَّتِي نَحَرْنَا الْيَوْمَ، قَالَ: بَخْ بَخْ، بِئْسَ الْوَالِي أَنَا إِنْ أَكَلْتُ طَيِّبَهَا وَأَطْعَمْتُ النَّاسَ كَرَادِيسَهَا(رؤوس العظام)، ارْفَعْ هَذِهِ الْجَفْنَةَ، هَاتِ لَنَا غَيْرَ هَذَا الطَّعَامِ، قَالَ: فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ قَالَ: فَجَعَلَ يَكْسَرُ بِيَدِهِ وَيَثْرُدُ ذَلِكَ الْخُبْزَ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ يَا يَرْفَا، احْمِلْ هَذِهِ الْجَفْنَةَ حَتَّى تَأْتِيَ بِهَا أَهْلَ بَيْتٍ بِثَمْغٍ، فَإِنِّي لَمْ آتِهِمْ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَحْسَبُهُمْ مُقْفِرِينَ، فَضَعْهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. (الطبقات الكبر لابن سعد جـ3صـ312)
(5) روى ابن أبي شيبة عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ عُتْبَةُ بن فَرْقَد أَذْرَبِيجَانَ بِالْخَبِيصِ(طعام من التَّمر والسَّمن) فَذَاقَهُ فَوَجَدَهُ حُلْوًا»، فَقَالَ: لَوْ صَنَعْتُمْ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذَا، قَالَ: فَجَعَلَ لَهُ سَفَطَيْنِ(وعاءين) عَظِيمَيْنِ، ثُمَّ حَمَلَهُمَا عَلَى بَعِيرٍ مَعَ رَجُلَيْنِ فَبَعَثَ بِهِمَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَا عَلَى عُمَرَ قَالَ: أَيَّ شَيْءٍ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا خَبِيصٌ، فَذَاقَهُ فَإِذَا هُوَ حُلْوٌ، فَقَالَ: أَكُلَّ الْمُسْلِمِينَ يَشْبَعُ مَنْ هَذَا فِي رَحْلِهِ(منزله)؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَرُدَّهُمَا، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَدِّكَ وَلَا مِنْ كَدِّ أَبِيكَ، وَلَا مِنْ كَدِّ أُمِّكَ أَشْبِعِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي رَحْلِكَ.
(إسناده صحيح) (مصنف ابن أبي شيبة جـ6صـ460 رقم: 32917)
(5) روى البيهقيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ لِلْعَبَّاسِ دَارٌ إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ فِي الْمَدِينَةِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: بِعْنِيهَا أَوْ هَبْهَا لِي؛ حَتَّى أُدْخِلَهَا فِي الْمَسْجِدِ .فَأَبَى، فَقَالَ: اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَجَعَلَا بَيْنَهُمَا أُبِيَّ بْنَ كَعْبٍ، فَقَضَى لِلْعَبَّاسِ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَجْرَأَ عَلَيَّ مِنْكَ، فَقَالَ أُبِيُّ بْنُ كَعْبٍ: أَوْ أَنْصَحَ لَكَ مِنِّي، ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَمَا بَلَغَكَ حَدِيثُ دَاوُدَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَهُ بِبِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَأَدْخَلَ فِيهِ بَيْتَ امْرَأَةٍ بِغَيْرِ إِذْنِهَا، فَلَمَّا بَلَغَ حُجَزَ الرِّجَالِ مَنَعَهُ اللهُ بِنَاءَهُ، قَالَ دَاوُدُ: أَيْ رَبِّ، إِنْ مَنَعْتَنِي بِنَاءَهُ، فَاجْعَلْهُ فِي خَلَفِي. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَلَيْسَ قَدْ قَضَيْتَ لِي بِهَا وَصَارَتْ لِي؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ جَعَلْتُهَا لِلَّهِ . (السنن الكبرى للبيهقي جـ6 صـ278رقم: 11938)
(6) روى البيهقي عَنْ جَرِيرٍ بن عبد الله، أَنَّ رَجُلًا كَانَ ذَا صَوْتٍ وَنِكَايَةٍ عَلَى الْعَدُوِّ مَعَ أَبِي مُوسَى فَغَنِمُوا مَغْنَمًا فَأَعْطَاهُ أَبُو مُوسَى نَصِيبَهُ وَلَمْ يُوفِّهِ، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهُ إِلَّا جَمِيعًا، فَضَرَبَهُ عِشْرِينَ سَوْطًا وَحَلَقَ رَأْسَهُ، فَجَمَعَ شَعْرَهُ وَذَهَبَ بِهِ إِلَى عُمَرَ بنِ الخطاب. قَالَ جَرِيرٌ: وَأَنَا أَقْرَبُ النَّاسِ مِنْهُ، فَأَخْرَجَ شَعْرًا مِنْ جَيْبِهِ فَضَرَبَ بِهِ صَدْرَ عُمَرَ قَالَ: مَا لَكَ؟ فَذَكَرَ قِصَّتَهُ قَالَ: فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى: سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ أَخْبَرَنِي بِكَذَا وَكَذَا، وَإِنِّي أُقْسِمُ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ فِي مَلَأٍ مِنَ النَّاسِ جَلَسْتَ لَهُ فِي مَلَأٍ مِنَ النَّاسِ فَاقْتَصَّ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ فِي خَلَاءٍ فَاقْعُدْ لَهُ فِي خَلَاءٍ فَلْيَقْتَصَّ مِنْكَ قَالَ لَهُ النَّاسُ: اعْفُ عَنْهُ، قَالَ: لَا وَاللهِ، لَا أَدَعُهُ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ فَلَمَّا دَفَعَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ قَعَدَ لِلْقَصَاصِ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ قَالَ: قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ لِلَّهِ. (السنن الكبرى للبيهقي جـ8 صـ89 رقم: 16027)
(3) عثمان بن عفان :
(1) عثمان يقيم الحد على أخيه :
روى مُسلِمٌ عَنْ حُضَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَأُتِيَ بِالْوَلِيدِ (هو:الوليد بن عُقبة:أخو عثمان لأمه) قَدْ صَلَّى الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: أَزِيدُكُمْ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا حُمْرَانُ(مولى عثمان) أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّأُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأْ حَتَّى شَرِبَهَا، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، قُمْ فَاجْلِدْهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: قُمْ يَا حَسَنُ فَاجْلِدْهُ، فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلِّ حَارَّهَا(الشديد المكروه) مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا(البارد الهنيء الطيب )، فَكَأَنَّهُ وَجَدَ(غضب) عَلَيْهِ.فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ قُمْ فَاجْلِدْهُ، فَجَلَدَهُ وَعَلِيٌّ يَعُدُّ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ، فَقَالَ: أَمْسِكْ، ثُمَّ قَالَ: «جَلَدَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-أَرْبَعِينَ»، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ.(مسلم حديث: 1707)
(2) قَالَ:أَبِو الْفُرَاتِ: كَانَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَبْدٌ، فَاسْتَشْفَعَ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنْ يُكَاتِبَهُ، فَكَاتَبَهُ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِالْعَبْدِ، فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ عَرَكْتُ(فركت) أُذُنَكَ، فَاقْتَصَّ مِنِّي. فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ.ثُمَّ قَالَ عُثْمَانُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : شُدَّ، شُدَّ، يَا حَبَّذَا قَصَاصُ الدُّنْيَا، لا قَصَاصُ الآخِرَةِ. (تاريخ واسط ـ أسلم بن سهل الرازي صـ184)
(4) علي بن أبي طالب :
(1) روى البيهقي عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ الْهَاشِمِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَتَتْ عَلِيًّا امْرَأَتَانِ تَسْأَلَانِهِ؛ عَرَبِيَّةٌ وَمَوْلَاةٌ لَهَا(جارية وأصبحت حرة) , فَأَمَرَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِكُرٍّ مِنْ طَعَامٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَأَخَذَتِ الْمَوْلَاةُ الَّذِي أُعْطِيَتْ وَذَهَبَتْ , وَقَالَتِ الْعَرَبِيَّةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، تُعْطِينِي مِثْلَ الَّذِي أَعْطَيْتَ هَذِهِ، وَأَنَا عَرَبِيَّةٌ وَهِيَ مَوْلَاةٌ؟ قَالَ لَهَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ أَرَ فِيهِ فَضْلًا لِوَلَدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَى وَلَدِ إِسْحَاقَ . (السنن الكبرى للبيهقي جـ6صـ567 رقم: 12990)
(2) روى أبو نُعَيم عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْوَالِبِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: جَاءَهُ ابْنُ النَّبَّاجِ(أمين بيت المال) فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ امْتَلَأَ بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ صَفْرَاءَ(الذهب) وَبَيْضَاءَ0الفضة)، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى ابْنِ النَّبَّاجِ حَتَّى قَامَ عَلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهِ وَكُلُّ جَانٍ يَدُهُ إِلَى فِيهِ. يَا ابْنَ النَّبَّاجِ: عَلَيَّ بِأَشْيَاعِ(أهل) الْكُوفَةِ . قَالَ: فَنُودِيَ فِي النَّاسِ، فَأَعْطَى جَمِيعَ مَا فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَقُولُ: «يَا صَفْرَاءُ وَيَا بَيْضَاءُ غُرِّي غَيْرِي، هَا وَهَا» حَتَّى مَا بَقِيَ مِنْهُ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِنَضْحِهِ، وَصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ80)
(3) روى أبو نُعَيم عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ عَلِيٌّ بْن أَبِي طَالِبٍ إِلَى حَرْبِ مُعَاوِيَةَ بن أبي سفيان، افْتَقَدَ دِرْعًا لَهُ، فَلَمَّا انْقَضَتِ الْحَرْبُ وَرَجَعَ عَلِيٌّ إِلَى الْكُوفَةِ أَصَابَ الدِّرْعَ فِي يَدِ يَهُودِيٍّ يَبِيعُهَا فِي السُّوقِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا يَهُودِيُّ، هَذِهِ الدِّرْعُ دِرْعِي، لَمْ أَبِعْ وَلَمْ أَهَبْ. فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: دِرْعِي وَفِي يَدِي. فَقَالَ عَلِيٌّ: نَصِيرُ إِلَى الْقَاضِي. فَتَقَدَّمَا إِلَى شُرَيْحٍ بْنِ الْحَارِثِ الْقَاضِي. فَقَالَ الْقَاضِي شُرَيْحٌ: قُلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: نَعَمْ، إِنَّ هَذِهِ الدِّرْعَ الَّتِي فِي يَدِ الْيَهُودِيِّ دِرْعِي، لَمْ أَبِعْ وَلَمْ أَهَبْ. فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَا تَقُولُ يَا يَهُودِيُّ؟ فَقَالَ: دِرْعِي وَفِي يَدِي. فَقَالَ شُرَيْحٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَيِّنَةً , قَالَ: نَعَمْ. قَنْبَرٌ(مولى عَلي) وَالْحَسَنُ يَشْهَدَانِ أَنَّ الدِّرْعَ دِرْعِي. قَالَ: شَهَادَةُ الِابْنِ لَا تَجُوزُ لِلْأَبِ.(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ4صـ140)
(5) معاذ بن جبل :
روى أبو نُعَيم عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ إِحْدَاهُمَا لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ بَيْتِ الْأُخْرَى،
ثُمَّ تُوُفِّيَتَا فِي السَّقَمِ(طاعون عَمَواس) الَّذِي أَصَابَهُمَا بِالشَّامِ، وَالنَّاسُ فِي شُغُلٍ، فَدُفِنَتَا فِي حُفْرَةٍ فَأَسْهَمَ بَيْنَهُمَا، أَيَّتُهُمَا تُقَدَّمُ فِي الْقَبْرِ.» (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ234)
(6) عمر بن عبد العزيز:
كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ بِالْعِرَاقِ: أَنْ «أَخْرِجْ لِلنَّاسِ أُعْطِيَاتِهِمْ» فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْحَمِيدِ: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ لِلنَّاسِ أُعْطِيَاتِهِمْ، وَقَدْ بَقِيَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنِ «انْظُرْ كُلَّ مَنِ ادَّانَ فِي غَيْرِ سَفَهٍ وَلَا سَرَفٍ فَاقْضِ عَنْهُ»، فَكَتَبَ إِلَيْهِ، إِنِّي قَدْ قَضَيْتُ عَنْهُمْ، وَبَقِيَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مَالٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنِ «انْظُرْ كُلَّ بِكْرٍ لَيْسَ لَهُ مَالٌ فَشَاءَ أَنْ تُزَوِّجَهُ فَزَوِّجْهُ وَأَصْدِقْ عَنْهُ»، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنِّي قَدْ زَوَّجْتُ كُلَّ مَنْ وَجَدْتُ، وَقَدْ بَقِيَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مَالٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بَعْدَ مَخْرَجِ هَذَا:أَنِ «انْظُرْ مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ فَضَعُفَ عَنْ أَرْضِهِ فَأَسْلِفْهُ مَا يَقْوَى بِهِ عَلَى عَمَلِ أَرْضِهِ، فَإِنَّا لَا نُرِيدُهُمُ لِعَامٍ وَلَا لِعَامَيْنِ.» (الأموال للقاسم بن سلام صـ109 رقم:625)
أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته أن يجعل هذا العمل خالصاًَ لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخْرَاً لي عنده يوم القيامة( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رَبِّ العالمين .
وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
فهرس الموضوعات
المقدمة
معنى العدل
العدل وصية رب العالمين
نبينا -صلى الله عليه وسلم- يحثنا على العدل
العدل بين الأبناء
أقوال سلفنا الصالح في العدل
أنواع العدل
وسائل تحقيق العدل
العدل حصن أمان للبلاد
التحذير من تولية القضاء لمن لا قدرة له
التحذير من شهادة الزور
سماع القاضي لكلام المتخاصمين
القاضي لا يحكم وهو غضبان
اجتهاد القاضي في الحكم بين الناس
صفة الإمام العادل
وصية الحاكم لولاته بالعدل بين الناس
العدل مع غير المسلمين
عدل نبينا -صلى الله عليه وسلم-
صور من عدل سلفنا الصالح