الحمد للَّه رب العالمين، وأشهد أن
لا إله إلا اللَّه ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم
وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على طريقته وانتهج نهجه إلى يوم الدين، وعلى
رسل اللَّه أجمعين.. أما بعد :
فقد أظلنا شهر عظيم مبارك، خصه
اللَّه تبارك وتعالى بصنوف من البركات، وجعله عيدًا للطاعات والخيرات، يعود علينا
كل عام بنفحات رحمانية، من حُرمها فقد حُرِمَ الخير كله ، قال رسول اللَّه صلى
الله عليه وسلم : [ إن هذا الشهر قد حضركم ، وفيه ليلة خير من ألف
شهر ، من حُرِمَها فقد حُرِمَ الخير كله ، ولا يُحرم خيرها إلا محروم
] . [ صحيح سنن ابن ماجه]
وشهر رمضان لا يدانيه في هذا الفضل
إلا شهر ذي الحجة، حيث جعلهما اللَّه تبارك وتعالى شهري عيد يعودان على المسلمين
بالبر والخير والفرح والسرور.قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [ شهران
لا ينقصان: شهرا عيد رمضانُ، وذو الحجة ]. [
البخاري ك الصوم 1912 ] .
وفي رواية لمسلم والترمذي وأبي داود
وابن ماجه وأحمد بلفظ : [ شهرا
عيدٍ لا ينقصان : رمضان ، وذو الحجة ] .
وقد اختلف أهل العلم في معنى هذا
الحديث، فمنهم من حمله على ظاهره، فقال: لا يكون إلا ثلاثين يومًا، وهذا قول ضعيف
يكفي لرده قول النبي صلى الله عليه وسلم : [ صوموا
لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غُبِّيَ عليكم - أي : خفي عليكم - فأكملوا عدة شعبان ثلاثين
] . [ البخاري ]
.
ومنهم من تأول له معنى لائقًا. فقال
أحمد والبخاري: لا يجتمعان كلاهما ناقص، فإن جاء أحدهما تسعًا وعشرين، جاء الآخر
ثلاثين ولا بد.
وقال إسحاق بن راهويه : لا ينقصان
في الفضيلة، وإن كان ناقصًا فهو تمام، وقيل : لا ينقصان في الأحكام، فالأحكام الشرعية
فيهما متكاملة غير ناقصة. وفائدة الحديث رفع ما يقع في القلوب من شك لمن صام تسعًا
وعشرين أو وقف في غير يوم عرفة.
وأطلق على رمضان أنه شهر عيد؛ لقربه
من العيد، أو لأن العيد يكون ختامًا لرمضان، وتتويجًا للعاملين فيه، وفرحًا
واحتفالاً بالفطر. ولو تتبعنا ما في الشهرين من فضائل لوجدنا توافقًا عجيبًا؛
فرمضان محل فريضة الصوم؛ الركن الرابع من أركان الإسلام، وسبب مغفرة الذنوب. كان
النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على الاعتكاف في العشر
الأواخر من رمضان، ويجتهد في العبادة ويحث أمته على ذلك !!
[ من صام
رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه ]. [ الصلوات
الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر
]. [ من أدرك رمضان فلم يُغفر له فأبعده اللَّه ].
وذو الحجة محل فريضة الحج ، الركن
الخامس من أركان الإسلام وسبب مغفرة الذنوب . [ من حج
فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ] .
وشهر رمضان فيه ليلة خير من ألف
شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم، وشهر ذي الحجة فيه أفضل يوم في العام، يوم عرفة ويوم
النحر، فمن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام
يوم عرفة كفَّرَ له ذنوب سنتين. والعشر الأواخر من رمضان كان النبي صلى الله عليه
وسلم يحرص فيهن على الاعتكاف، والاجتهاد في العبادة ، ويحث أمته على ذلك، والعشر
الأول من ذي الحجة كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في العمل الصالح فيهن مِن
ذكر للَّه وصلاة وصوم ، حتى قال صلى الله عليه وسلم : [ ما من
أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى اللَّه من هذه الأيام العشر ]
. فليالي رمضان أفضل ليالي العام، وأيام العشر أفضل أيام العام، وفي رمضان بدأ
تنزل القرآن على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم،
وفي يوم عرفة أكمل اللَّه الدين، ونزلت آية التمام : [ الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإِسْلاَمَ دِينًا ] [ المائدة : 3 ] .
ثم يُتوج رمضان بعيد الفطر وتمام
الصوم والتكبير على الهداية، ويُتوج ذو الحجة بعيد الأضحى وتمام الحج وذبح الأضاحي
والهدي والتكبير والذكر على ما رزق اللَّه من بهيمة الأنعام.
وفضائل رمضان كثيرة، فاحرص أخي
المسلم على اغتنامها، ففي رمضان تفتح أبواب السماء لاستقبال الدعاء. قال رسول
اللَّه صلى الله عليه وسلم: [ إذا دخل
شهر رمضان فتحت أبواب السماء ] . [
البخاري ]. إشارة إلى إجابة الدعاء،
فدعوة الصائم لا ترد، ورب العزة يقول في أثناء آيات الصيام : [ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ
دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي
لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ] [ البقرة : 186 ] .
وفي رمضان تفتح أبواب الجنة، وتغلق
أبواب النار، وتُسلسل الشياطين، ويرغب الناس في الخير، وتعتق الرقاب من النار. [ وإذا
كانت أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجان، وغُلقت أبواب النار، فلم يفتح
منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يُغلق منها باب، ونادى منادٍ: يا باغي الخير
أقبل، ويا باغي الشر أقصر، وللَّه عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة
] . [صحيح ابن ماجه والترمذي عن أبي هريرة ] .
[ إن للَّه
عند كل فطر عتقاء ، وذلك في كل ليلة ] . [صحيح
ابن ماجه] .
فهذه أبواب الجنة تنادي الطائعين ،
والريان ينادي الصائمين . [ من أنفق زوجين في سبيل اللَّه
نودي من أبواب الجنة : يا عبد اللَّه ، هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من
باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصيام
دعي من باب الريان ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة
] . [البخاري].
وأرجو أن نكون أخي المسلم ممن يُدعى
من تلك الأبواب كلها، وأن يعتق مولانا رقابنا من النار، إنه سبحانه ولي ذلك
والقادر عليه. وصلى اللَّه على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين