حق الجار
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين .
وبعــدُ :
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : «ما زال جبريل يوصيني بالجار
حتى ظننت أنه سيورثه».
هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب الأدب
(باب الوصاة بالجار)، برقم (6014)، كما أخرجه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله
عنهما في الموضع نفسه برقم (6015)، وأخرجه الإمام مسلم في الصحيح أيضًا في كتاب
البر والصلة، في باب الوصية بالجار والإحسان إليه برقم (2624)، ومن حديث ابن عمر
رضي الله عنهما في نفس الموضع برقم (2625).
تعريف الجار
قال الراغب في المفردات : الجار من يقرب مسكنه
منك، وهو من الأسماء المتضايفة، فالجار لا يكون جارًا لغيره إلا وذلك الغير جار
له، وذلك مثل الأخ والصديق، ولما استعظم حق الجار عقلاً وشرعًا عبر عن كل من يعظم
حقه أو يستعظم حق غيره بالجار، قال الله تعالى : { وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى }، { ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ
قَلِيلاً } . اهـ. (ص: 103) بتصرف .
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح : واسم الجار يشمل
المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصديق والعدو، والغريب والبلدي، والنافع
والضار، والقريب والأجنبي، والأقرب دارًا والأبعد، وله مراتب بعضها أعلى من بعض،
فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأُوَل كلها، ثم أكثرها، وهلم جرا إلى الواحد،
وعكسه من اجتمعت فيه الصفات الأخرى كذلك، فيعطى كلٌّ حقه بحسب حاله».
بم يحصل حق الجوار ؟!
نقل الحافظ عن ابن أبي جمرة : يحصل بإيصال ضروب
الإحسان إليه بحسب الطاقة ؛ كالهدية، والسلام، وطلاقة الوجه عند لقائه، وتفقد حاله،
ومعاونته فيما يحتاج إليه، وكذلك كفّ أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه؛ حسية
كانت أو معنوية، فقد نفى النبي -صلى الله عليه وسلم- الإيمان
عمن لا يأمن جاره بوائقه .
إلى أن قال : ويفترق الحال في ذلك بالنسبة للجار
الصالح وغير الصالح ؛ والذي يشمل الجميع إرادة الخير له، وموعظته بالحسنى، والدعاء
له بالهداية، وترك الإضرار له إلا في الموضع الذي يجب فيه الإضرار له بالقول
والفعل، والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم، وغير الصالح كفّه عن الذي يرتكبه
بالحسنى، على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعظ الكافر بعرض
الإسلام عليه، ويبين محاسنه والترغيب فيه برفق، ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرفق
أيضًا، ويستر عليه زلـله عن غيره، وينهاه برفق، فإن أفاد فيه وإلا فيهجره قاصدًا
تأديبه على ذلك؛ مع إعلامه بالسبب ليكفَّ .
وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «من كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره». [متفق عليه].
وفي
حديث أبي شريح العدوي رضي الله عنه قال : سمعتْ أذناي وأبصرتْ عيناي حين تكلم
النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال : «مَن كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فليكرم جاره...». [متفق عليه أيضًا] .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح : قوله : «فلا يؤذ
جاره». وفي حديث أبي شريح : «فليكرم جاره». وقد أخرج مسلم حديث أبي هريرة من طريق
الأعمش عن أبي صالح بلفظ : «فليحسن إلى جاره». وقد ورد تفسير الإكرام والإحسان
للجار، وترك أذاه في عدة أحاديث أخرجها الطبراني من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن
جده، والخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأبو الشيخ
في «كتاب التوبيخ» من حديث معاذ بن جبل قال : يا رسول الله، ما حق الجار على الجار
؟ قال : «إن استقرضك أقرضته، وإن استعانك أعنته، وإن مرض عُدته، وإن احتاج أعطيته،
وإن افتقر عدت عليه، وإن أصابه خير هنيته، وإن أصابته مصيبة عزيته، وإذا مات اتبعت
جنازته، ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذيه بريح قدرك
إلا أن تغرف له، وإن اشتريت فاكهة فأهد له، وإن لم تفعل فأدخلها سرًّا ولا تُخرج
بها ولدك ليغيظ بها ولده»، قال الحافظ : وألفاظهم متقاربة، والسياق أكثره لعمرو بن
شعيب، وفي حديث بهز بن حكيم : «وإن أعوز سترته». قال : وأسانيدهم واهية، لكن
اختلاف مخرجها يُشعر بأن للحديث أصلاً .
قال : ثم الأمر بالإكرام يختلف باختلاف الأشخاص
والأحوال، فقد يكون فرض عين، وقد يكون فرض كفاية، وقد يكون مستحبًّا، ويجمع الجميع
أنه من مكارم الأخلاق.
حد الجوار
قد أورد البخاري حديث أم المؤمنين عائشة رضي
الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله، إن لي جارين فإلى أيهما أهدي ؟ قال -صلى الله عليه وسلم- : «إلى أقربهما منك بابًا». ومعنى
قوله -صلى الله عليه وسلم- : «أقربهما منك بابًا»
أي : أشدهما قربًا، والحكمة في ذلك أن الأقرب يرى الأشياء التي تدخل بيت جاره من
الهدايا وغيرها؛ فيتشوف لها، وذلك بخلاف الأبعد، فإنه لا يطلع على شيء من ذلك،
ونقل الحافظ عن أبي محمد بن أبي جمرة أن الإهداء إلى الأقرب مندوب ؛ لأن الهدية في
الأصل ليست واجبة، فلا يكون الترتيب فيها واجبًا.
وحد الجوار قد اختُلف فيه، فورد عن علي بن أبي
طالب رضي الله عنه : «من سمع النداء فهو جار». وقيل : «من صلى معك صلاة الصبح في
المسجد فهو جار». وجاء عن عائشة رضي الله عنها : «حد الجوار أربعون دارًا من كل
جانب». وجاء مثله عن الأوزاعي، وأخرج البخاري في «الأدب المفرد» عن الحسن مثله،
وللطبراني بسند ضعيف عن كعب بن مالك مرفوعًا : «ألا إن أربعين دارًا جار».
وأخرج ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب : «أربعون
دارًا عن يمينه وعن يساره ومن خلفه ومن بين يديه. قال الحافظ : وهذا يحتمل
كالأولى: ويحتمل أن يريد التوزيع؛ فيكون من كل جانب عشرة.
إثم من لا يأمن جاره بوائقه
تحت هذه الترجمة أورد الإمام البخاري حديث أبي
شريح رضي الله عنه، وأسنده أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : «والله لا يؤمن، والله لا
يؤمن، والله لا يؤمن». قيل : يا رسول الله، ومَن ؟ قال : «الذي لا يأمن جاره
بوائقه».
قوله -صلى الله عليه
وسلم- : «والله لا يؤمن»: وقع تكريرها ثلاثًا بالتصريح هنا، ووقع عند
الإمام أحمد : «والله لا يؤمن ثلاثًا». قال ابن حجر : وكأنه اختصار الراوي، قال :
ولأبي يعلى من حديث أنس : «والله ما هو بمؤمن»، وللطبراني من حديث كعب بن مالك : «لا
يدخل الجنة»، ولأحمد نحوه بسنده صحيح . وقوله : «قيل : يا رسول الله ومن ؟» وقع
لأحمد من حديث ابن مسعود أنه السائل عن ذلك . وذكره المنذري في ترغيبه بلفظ : «قالوا
: يا رسول الله، لقد خاب وخسر من هو ؟».
وقوله : «الذي لا يأمن جاره بوائقه». وفي حديث
أنس : «من لم يأمن» . وفي حديث كعب : «من خاف». زاد أحمد والإسماعيلي «قالوا : وما
بوائقه؟ قال: شرّه».
وقد نقل الحافظ في الفتح عن ابن بطال قوله : في
هذا الحديث تأكيد حق الجار؛ لقَسَمه -صلى الله عليه وسلم-
على ذلك، وتكريره اليمين ثلاث مرات، وفيه نفي الإيمان عمن يؤذي جاره بالقول
أو الفعل، ومراده الإيمان الكامل، ولا شك أن العاصي غير كامل الإيمان . ثم نقل
كلامًا للنووي مؤداه أن نفي الإيمان في مثل هذا له جوابان: أحدهما أنه في حق
المستحل، والثاني أنه ليس مؤمنًا كاملاً . اهـ . قال الحافظ : ويحتمل أن يكون
المراد أنه لا يجازى مجازاة المؤمن بدخول الجنة من أول وهلة مثلاً، أو أن هذا خرج
مخرج التغليظ والزجر، وظاهره غير مراد . والله أعلم.
ثم نقل بعد ذلك كلامًا لابن أبي جمرة جيدًا، وهو
قوله : إذا أكّد حق الجار مع الحائل بين الشخص وبينه، وأمر بحفظه وإيصال الخير له،
وكفّ أسباب الضر عنه، فينبغي له أن يراعي حق الحافظين [الملَكَين] اللذين ليس بينه
وبينهما جدار ولا حائل فلا يؤذيهما بإيقاع المخالفات في مرور الساعات، فقد جاء
أنهما يُسَرَّان بوقوع الحسنات، ويحزنان لوقوع السيئات، فينبغي مراعاة جانبهما،
وحفظ خواطرهما بالتكثير من عمل الطاعات والمواظبة على اجتناب المعصية، فهما أولى
برعاية الحق من كثير من الجيران . اهـ.
وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رجل : يا رسول الله، إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها
تؤذي جيرانها بلسانها . قال : «هي في النار». قال : يا رسول الله، فإن فلانة يُذكر
من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها
بلسانها . قال : «هي في الجنة». [أورده المنذري في الترغيب والترهيب، وعزاه إلى
أحمد والبزار وابن حبان والحاكم وصححه الألباني] .
وعن المقدام بن الأسود رضي الله عنه قال : قال
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه : «ما
تقولون في الزنا ؟» قالوا : حرام، حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة .
قال : فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «لأن
يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره». قال : «ما تقولون في
السرقة؟» قالوا : حرمها الله ورسوله، فهي حرام . قال : «لأن يسرق الرجل من عشرة
أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره» . [عزاه المنذري في الترغيب والترهيب لأحمد
والطبراني في الكبير والأوسط، وصححه الألباني] .
الحث على مودة الجارة لجارتها ولو بالقليل
ساق الإمام البخاري حديث أبي هريرة رضي الله عنه
قال : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول : «يَا
نِسَاءَ المسلماتِ، لا تحقرنَّ جارةٌ لجارَتها ولو فِرْسِنِ شاةٍ». [متفق عليه
واللفظ لمسلم].
قوله -صلى الله عليه
وسلم- : «يا نساء المسلماتِ» قال القاضي عياض : الأصح الأشهر نصب النساء،
وجر المسلمات على أنه منادى مضاف، وهي من إضافة الشيء إلى صفته كمسجد الجامع .
وقال السهيلي وغيره : جاء برفع الهمزة على أنه منادى مفرد، ويجوز في المسلمات
الرفع صفة على اللفظ، على معنى يا أيها النساءُ المسلماتُ، ونصب المسلمات صفة على
محل النساء فهو منادى في محل نصب، وكسرة التاء علامة النصب . قال الحافظ : وأنكر
ابن عبد البر رواية الإضافة، ورده ابن السيد بأنها قد صحت نقلاً، وساعدتها اللغة؛
فلا معنى لإنكارها . وقد رواه الطبراني من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ : «يا
نساء المؤمنين». الحديث .
وقوله : «جارة لجارتها» كذا للأكثر، ولأبي ذر : «لجارةٍ»
. والمتعلق محذوف تقديره (هدية مهداة).
وقوله : (فِرْسِن) بكسر الفاء وسكون الراء وكسر
السين آخره نون . وهو حافر الشاة، وهو قليل الفائدة أو عديمها، والمقصود المبالغة
في إهداء الشيء اليسير وقبوله لا حقيقة الفرسن، لأنه لم تجرِ العادة بإهدائه، أي
لا تمتنع جاره من الإهداء لجارتها الموجود عندها لقلته، بل ينبغي أن تجود لها بما
تيسر، وإن كان قليلاً فهو خير من عدمه .
ويحتمل أن يكون النهي إنما وقع للمهدي إليها،
وأنها لا تحتقر ما يُهدى إليها ولو كان قليلاً، وحمله على الأعم أولى ؛ أي حمله
على المهدية والمهدي إليها، وقد جاء في حديث عائشة المشار إليه : «يا نساء
المؤمنين، تهادوا ولو فرسن شاة، فإنه ينبت المودة ويذهب الضغائن». وفي الحديث الحض
على التهادي ولو باليسير ؛ لأن الكثير قد لا يتيسر كل وقت، وإذا تواصل اليسير صار
كثيرًا، وفيه استحباب المودة وإسقاط التكلف. قال الحافظ في الفتح : وخص النساء
بالنهي لأنهن موارد المودة والبغضاء، ولأنهن أسرع انفعالاً في كل من المودة
والبغضاء كذلك.
أصناف الجيران
قال العلماء : الجيران ثلاثة ؛ جار له حق واحد،
وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق . فالجار الذي له ثلاثة حقوق هو الجار المسلم ذو
الرحم، أي ذو القرابة، فله حق الجوار وحق الإسلام وحق الرحم . وأما الذي له حقان
فالجار المسلم ؛ له حق الجوار وحق الإسلام . وأما الذي له حق واحد فالجار غير
المسلم . وجاء بذلك حديث لكنه ضعيف .
وهذا التقسيم موافق لما جاءت به الآيات
والأحاديث بالنسبة لحق المسلم وحق القريب وحق الجار، كما أنه موافق للتقسيم العقلي
الاستقرائي، وعلى هذا فللجار الكافر مهما كان كفره حق الجوار في الإحسان إليه وترك
إيذائه. [اهـ. من نضرة النعيم] .
وقد جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله
عنهما أنه ذبح شاة فقال : أهديتم لجاري اليهودي ؟ فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : «مازال جبريل يوصيني بالجار
حتى ظننت أنه سيورثه». [أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الألباني].
نصائح غالية لبعض السلف في حسن الجوار
يروى أن الصديق رضي الله عنه رأى ابنه عبد
الرحمن يناصي جارًا له (أي يأخذ بناصيته) فقال له: «لا تناصِ جارك، فإن هذا يبقى
والناس يذهبون».
ويروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : «خلال
المكارم عشرة تكون في الرجل ولا تكون في أبيه، وتكون في العبد ولا تكون في سيده،
يقسمها الله تعالى لمن أحب : صدق الحديث، وصدق الناس، وإعطاء السائل، والمكافأة
بالصنائع، وصلة الرحم، وحفظ الأمانة، والتذمم للجار، والتذمم للصاحب، وقِرَى
الضيف، ورأسهن الحياء».
ويروى أن رجلاً جاء إلى ابن مسعود رضي الله عنه
فقال له : إن لي جارًا يؤذيني ويشتمني ويضيق عليَّ، فقال له : اذهب، فإن هو عصى
الله فيك فأطع الله فيه .
ويروى عن الحسن البصري رحمه الله أنه كان لا يرى
بأسًا أن تطعم جارك اليهودي والنصراني من أضحيتك .
وعن بعض العلماء : جملة حق الجار : أن يُبدأ
بالسلام، ولا يطيل معه الكلام، ويعوده في المرض، ويعزيه في المصيبة، ويقوم معه في
العزاء، ويهنئه في الفرح، ويظهر الشركة في السرور معه، ويصفح عن زلاته، ولا يتطلع
من السطح إلى عوراته، ولا يضايقه في وضع الجذع على جداره، ولا في مصب الماء في
ميزابه، ولا في مطرح التراب في فنائه، ولا يضيق طرقه إلى الدار، ولا يتبعه النظر
فيما يحمله إلى داره، ويستر ما ينكشف له من عوراته، وينعشه من صرعته إذا نابته
نائبة، ولا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته، ولا يسمع عليه كلامًا، ويغضّ بصره عن
حرمته، ولا يديم النظر إلى خادمته، ويتلطف بولده في كلمته، ويرشده إلى ما يجهله من
أمر دينه ودنياه .
وجاء في نصيحة بعضهم : اعلم أنه ليس حق الجوار
كفّ الأذى فقط، بل احتمال الأذى، ولا يكفي احتمال الأذى، بل لا بد من الرفق وإسداء
الخير والمعروف ؛ إذ يقال : إن الجار الفقير يتعلق بجاره الغني يوم القيامة فيقول
: يا رب، سل هذا لِمَ منعني معروفه، وسدَّ بابه دوني ؟
نماذج من حفظ الجار في عرضه
أنشد أبو جعفر العدوي:
شراء جارتي سترًا فضول لأنني
جعلت جفوني ما حييت لها سترًا
وما جارتي إلا كأمي وإنني
لأحفظها سرًّا وأحفظها جهرًا
بعثت إليها انعمي وتَنَعَّمِي
فلست مُحِلا منك وجهًا ولا شعرًا
وقال حاتمٌ الطائي :
ناري ونار الجار واحدة
وإليه قبلي تنزل القدرُ
ما ضَرَّ جارًا لي أجاوره
أن لا يكون لبابه سترُ
أغضي إذا ما جارتي برزت
حتى يواريَ جارتي الخدرُ
وهكذا نرى الإسلام عَظَّمَ حق الجار، وحثّ على
حسن الجوار، وحذّر من سوء الجوار، سواء كان الجار مسلمًا أم غير مسلم، وسواء كان
ذا قرابة أم من الأباعد، فله حق الإحسان، وتحرم أذيته بأي نوع من أنواع الإيذاء ؛
لكن بعض المسلمين لا يأبهون لهذا، ولا يهتمون له، فبعضهم يتعمد أذى جاره، بإلقاء
الزبالات على بابه، أو بوضع الأذى أمام بيته، أو بإيذائه بما يزعجه من الموسيقى
والأغاني التي غالبًا ما يصحبها ضجيج مؤذٍ، وقد يكون جاره مريضًا أو عنده أولاد
يدرسون ويحتاجون إلى الهدوء، فلا يراعي ذلك .
نسأل الله تعالى أن يهدينا والمسلمين أجمعين إلى
التخلق بأخلاق الإسلام العظيمة، مقتفين في ذلك أثر النبي الكريم نبينا محمد صلوات
الله وسلامه عليه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.