الصوم وحفظ الجوارح

2012-07-17

زكريا حسينى

الحمد لله رب العالمين، نحمده حمدًا كثيرًا طيبًا ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعدُ:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به؛ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».

هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب الصوم من صحيحه باب «من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم» برقم (1903) وطرفه برقم (6057) في كتاب الأدب باب (قول الله عز وجل: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}، وأخرجه الإمام أبو داود في سننه في كتاب الصوم، باب «الغيبة للصائم» برقم (2362)، وكذا الإمام الترمذي في جامعه في كتاب الصيام برقم (707) باب (التشديد في الغيبة)، وعزاه الإمام المزي في تحفة الأشراف للإمام النسائي في السنن الكبرى (93/2)، وأخرجه الإمام ابن ماجه في السنن في كتاب الصيام حديث رقم (1689)، باب ما جاء في الغيبة والرفث للصائم.

شرح الحديث

لقد جاءت الشريعة الإسلامية بحفظ العبد في دينه وفي بدنه، وشرع الله تبارك وتعالى من العبادات ما يحقّق ذلك، فهناك عبادات بدنية محضة، وعبادات مالية كذلك، وهناك من العبادات المشتركة بين البدن والمال، وكل العبادات مدارها على حفظ القلب والجوارح بتأثيرها عليها، وبيَّن القرآن الكريم والسنة المطهرة أن القلب سيد الجوارح وقائدها، فإذا استقام القلب تبعته الجوارح في ذلك، وإذا اعوج القلب وانحرف وأصابه مرض من الأمراض التي تصيبه؛ فإن الجوارح تتبعه أيضًا في انحرافه، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «التقوى هاهنا». ويشير إلى صدره، صلوات الله وسلامه عليه [أحمد 7727 وصححه الألباني].

ومن هذه العبادات الصوم؛ فإنه يحفظ على الجوارح قوتها وصحتها، ويخلّصها من الأخلاط الرديئة والمواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها، ويستفرغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها، فالصوم يحفظ على القلب والأعضاء صحتها، ويعيد لها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى؛ لذا قال الله تعالى فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 185]. وقال عنه صلى الله عليه وسلم: «الصوم جُنَّة» [متفق عليه].

وأمر به صلى الله عليه وسلم من اشتدت عليه شهوة النكاح، ولا قُدرة له عليه بالصيام، وجعله وِجَاءً لهذه الشهوة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع؛ فعليه بالصوم فإنه لو جاء». [متفق عليه].

قال ابن القيم في «الزاد»: لما كان المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية؛ لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكوا به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الجوعُ والعطشُ من حدتها وسَوْرتها، ويذكِّرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، ويضيِّق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، ويحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لِحُكْمِ الطبيعة فيما يضرها في معاشاتها ومعاداتها، ويسكِّن كل عضو منها وكل قوة عن جماحه، وتلجم بلجامه، فهو لجام المتقين، وجُنّة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال كما جاء في الحديث القدسي: «قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به». [متفق عليه]. قال: فإن الصائم لا يفعل شيئًا، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارًا لمحبة الله ومرضاته، وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه، والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده، فهو أمر لا يطلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصوم. وقد جاء في الحديث: «يترك طعامه وشرابه وشهواته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها». [متفق عليه]. وقال صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه»[متفق عليه].

حفظ الجوارح من الوقوع في الخطايا

أولاً: حفظ اللسان:

في هذا الحديث يقول: «من لم يدع قول الزور والعمل به». أي: يترك، قال الحافظ: زاد في نسخة الصغاني: «في الصوم». وزاد المصنِّف في الأدب: «والجهل».

وقول الزور هو الإفك والبهتان والكذب، وأما الجهل فهو السفه، والعمل به أي بمقتضاه، فالمسلم منهي عن الكذب، ومنهي عن السفه على كل حال، وكون ذلك في الصيام أعظم؛ لأن الصائم يجب أن يحفظ صيامه مما يخدشه من المنهيات التي نهى عنها الشرع، فالكذب حرَّمه الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وبين أنه من أشنع الظلم وأعظم النفاق؛ قال الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 144]، وقال سبحانه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [هود: 18]، وقال جل ذكره: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل: 105]، وقال تبارك وتعالى: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة: 42- 43]، وقال جل ثناؤه: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تتحدث عن المنافقين وكذبهم الذي بنوا عليه حياتهم.

وأما من السنة فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الكذب صفة من صفات المنافقين الملازمة لهم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه كما في الصحيحين: «آية المنافق ثلاث؛ إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» [متفق عليه]، وفيهما أيضًا عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر».[متفق عليه].

وحذر النبي صلوات الله وسلامه عليه من الكذب حتى في المزاح، وبيَّن أنه يضمن بيتًا في وسط الجنة لمن يترك الكذب وإن كان يمزح، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خلقه». [أبو داود 4802 وحسنه الألباني].

وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البِرّ، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق؛ حتى يُكتب عند الله صِدّيقًا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذابًا»[متفق عليه].

حفظ اللسان من الغِيبَة

أخرج أصحاب السنن هذا الحديث: «من لم يدع قول الزور...» إلخ الحديث. مترجمين له بالغِيبة والتشديد في الغِيبَة، وكأنهم فهموا أن الغيبة داخلة في قول الزور، ومما يحذر منه في الصيام الغيبة، والغيبة منهيّ عنها على كل حال وفي جميع الأوقات، وهي في الصيام أشد، وهي كبيرة من الكبائر، ومرض خطير وداء فتاك، ومِعْول هدم، وسلوك يفرّق بين الأحبة، وبهتان يغطّي محاسن الآخرين، وينشر الشرور في المجتمع المسلم، ويقلب ميزان العدل والإنصاف إلى كذب وجور.

ولا علاج للغيبة إلا بالعلم والعمل، فإذا عرف المغتاب أنه بغيبته تعرَّض لسخط ربه بإحباط عمله، وأن حسناته تُعطَى لمن يغتابه، أو يُوضع عليه من سيئاته، وربما طُرح في النار، وأنه قد يهاجمه من يغتابه في الدنيا، وقد يسلطه الله عليه، فإذا عرف ذلك وعمل بمقتضاه؛ فإنه حينئذ قد وفقه الله تعالى لمعالجة نفسه من هذا الداء الوبيل.

وقد ورد النهي عن الغيبة صراحة في القرآن الكريم في موضع واحد وشبّهها رب العالمين أشنع تشبيه وصوّرها في أبشع صورة، وهي أن يأكل الإنسان لحم أخيه ميتًا، وذلك في سورة الحجرات؛ حيث قال سبحانه: {وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} أي: إذا كنتم تكرهون ذلك بطبعكم؛ فاكرهوا هذا من حيث الشرع الذي شرعه الله لكم.

وأما من السنة فقد وردت أحاديث كثيرة تبين تعريف الغيبة، وتحذّر منها، ومن الوقوع فيها:

فمن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذكرك أخاك بما يكره». قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بَهَتَّهُ» [مسلم 2589].

ومنه حديث جابر رضي الله عنه قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فهاجت ريح منتنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين».[أحمد 14784 وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن لغيره، رواه أحمد وابن أبي الدنيا، ورواة أحمد ثقات].

ومن ذلك حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير؛ أما أحدهما فيعذب في البول، وأما الآخر فيعذب في الغيبة»[ابن ماجه 349 وصححه الألباني].

إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في الغيبة وما في معناها.

حفظ الجوارح في الصوم

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام جُنة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم (مرتين)، والذي نفسي بيده لَخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها». [البخاري: 1894، ومسلم: 1151].

فقوله: «الصيام جنة» قال الحافظ: زاد سعيد بن منصور عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد: «جنة من النار»، وللنسائي من حديث عائشة مثله، وله من حديث عثمان بن أبي العاص: «الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال»، ولأحمد من طريق أبي يونس عن أبي هريرة: «جنة وحصن حصين من النار»، وله من حديث أبي عبيدة بن الجراح: «الصيام جنة ما لم يخرقها» زاد الدارمي «بالغيبة»، قال: وبذلك ترجم له هو وأبو داود، والجُنَّة معناها الوقاية والستر.

قال الحافظ: وقد تبين بهذه الروايات متعلق هذا الستر وأنه من النار، وبهذا جزم ابن عبد البر، وقال صاحب النهاية: معنى كونه جنة: أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات، وقال القرطبي: جنة: أي سترة، يعني بحسب مشروعيته، فينبغي للصائم أن يصونه مما يفسده وينقص ثوابه، وإليه الإشارة بقوله: «فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث.. إلخ». ويصح أن يكون ستره بحسب فائدته، وهو إضعاف شهوات النفس، وإليه الإشارة بقوله: «يدع شهواته.. إلخ»، ويصح أن يراد أنه سترة بحسب ما يحصل من الثواب وتضعيف الحسنات.

وقال عياض في «الإكمال»: معناه سترة من الأنام أو من النار أو من جميع ذلك.

وقال ابن العربي: إنما كان الصوم جُنة من النار؛ لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات. فالحاصل أنه إذا كفَّ نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترًا له عن النار في الآخرة.

وقوله: «فلا يرفث» أي: الصائم، وفي الموطأ: «الصيام جنة، فإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث..» إلخ، والمراد بالرَّفَثِ هنا الكلام الفاحش، وهو يطلق على هذا وعلى الجماع وعلى مقدماته، وعلى ذكره مع النساء أو مطلقًا، ويطلق أيضًا على ما هو أعم من ذلك، وهو كل فعل وقول قبيح مُسْتَفحش، ولا شك أنه مطلوب التحرز من ذلك كله في كل حين ولاسيما للصائمين.

وقوله: «ولا يجهل» أي: لا يفعل شيئًا من أفعال أهل الجهل كالصيام والسفه ونحو ذلك. قال الحافظ: ولسعيد بن منصور من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه: «فلا يرفث ولا يجادل». فالمجادلة والمراء من أفعال أهل الجهل.

قال القرطبي: لا يفهم من هذا أن غير الصوم يباح فيه ما ذكر، وإنما المراد أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم.

ولتأكيد صوم الجوارح عن ارتكاب ما يؤثر في الصوم جاء قوله صلى الله عليه وسلم: «وإن امرؤ قاتله أو شاتمه». وفي رواية: «فإن سابَّه أحد أو قاتله». وفي رواية: إن شتمه إنسان فلا يكلمه. وفي رواية: «فإن سابَّه أحد أو ماراه». أي: جادله، وفي رواية: «فإن سابك أحد فقل: إني صائم، وإن كنت قائمًا فاجلس»، وفي رواية: «فإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم». وفي حديث عائشة عند النسائي: «وإن امرؤ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبه».

واتفاق الروايات كلها على قوله: «إني صائم» يدل على أنه لا يعامل من سبّه أو شتمه أو قاتله بمثل عمله، بل يقتصر على قوله: إني صائم، ذلك ليبين لمقابله أنه صائم، والصائم لا ينبغي له أن يعامل الجاهل بمثل معاملته، فضلاً عن أن يكون هو بادئًا بشيء من ذلك، أو يقول في نفسه: إني صائم؛ فلا ينبغي لي مجاراة هذا السفيه أو الجاهل فيما يفعله، فيذكّر نفسه بذلك.

وقال النووي: إن جمع بينهما فهو حسن، وقال: القول باللسان أقوى، ولو جمعهما لكان حسنًا، ونقل ابن حجر عن الرواياني التفصيل في ذلك، فإن كان رمضان فليقل بلسانه وإن غيره (إي كان صيام تطوع) فليقله في نفسه، وذلك أبعد عن الرياء، وأما تكرير قوله: «إني صائم» فليتأكد الانزجار منه، وممن يخاطبه بذلك.

هذا، وقد وردت آثار للعلماء من السلف، ومن المفسرين في الصوم، منها: عن علي رضي الله عنه قال: «ليس الصيام من الطعام ومن الشراب، ولكن من الكذب، والباطل واللغو». [مصنف ابن أبي شيبة 2/422].

وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم صيامك ويوم فطرك سواء». وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: «إذا صمت فتَحَفَّظْ ما استطعت».

نسأل الله تعالى أن يوفقنا والمسلمين إلى صيام رمضان وقيامه، وأن يرزقنا حُسن الخُلق، ويباعد بيننا وبين سوء الخلق، وأن يعيننا على حفظ جوارحنا عند الصيام وفي سائر الأحوال والأيام، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

والحمد لله رب العالمين.

عدد المشاهدات 13472