خطورة النفاق
عناصر الخطبة
1- تعريف النفاق[لغة/اصطلاحا].
2- أنواع النفاق
3- خوف السلف من النفاق
4- خطورة النفاق.
5- أسباب النفاق.
6- أشهر صفات المنافقين.
7- كيفية التعامل مع المنافقين.
مقدمة بين يدي الموضوع
قال ابن القيم رحمه الله:
وأما النفاق: فالداء العضال الباطن الذي يكون الرجل ممتلئا منه وهو لا يشعر فإنه أمر خفي على الناس وكثيرا ما يخفى على من تلبس به فيزعم أنه مصلح وهو مفسد.
وقد هتك الله سبحانه أستار المنافقين وكشف أسرارهم في القرآن وجلى لعباده أمورهم ليكونوا منها ومن أهلها على حذر وذكر طوائف العالم الثلاثة في أول سورة البقرة: المؤمنين والكفار والمنافقين «فذكر في المؤمنين أربع آيات» «وفي الكفار آيتين» «وفي المنافقين ثلاث عشرة آية» لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله فإن بلية الإسلام بهم شديدة جدا لأنهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالاته وهم أعداؤه في الحقيقة يخرجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنه علم وإصلاح وهو غاية الجهل والإفساد.
(فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه! وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه! وكم من علم له قد طمسوه! وكم من لواء له مرفوع قد وضعوه! وكم ضربوا بمعاول الشبه في أصول غراسه ليقلعوها! وكم عموا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها!.
(فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية ولا يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية ويزعمون أنهم بذلك مصلحون {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:12]
وقال تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللّهُ مُتِمّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [الصف: 8]
اتفقوا على مفارقة الوحي فهم على ترك الاهتداء به مجتمعون قال تعالى: (فَتَقَطّعُوَاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون: 53]
قال تعالى: (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) [الأنعام: 112]
ولأجل ذلك {اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:30].
(لكل منهم وجهان وجه يلقى به المؤمنين ووجه ينقلب به إلى إخوانه من الملحدين وله لسانان: أحدهما يقبله بظاهره المسلمون والآخر يترجم به عن سره المكنون {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:14].
(قد أعرضوا عن الكتاب والسنة استهزاء بأهلهما واستحقارا وأبوا أن ينقادوا لحكم الوحيين فرحا بما عندهم من العلم الذي لا ينفع الاستكثار منه أشرا واستكبارا فتراهم أبدا بالمتمسكين بصريح الوحى يستهزئون {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي
طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:15]
(يتربصون الدوائر بأهل السنة والقرآن فإن كان لهم فتح من الله قالوا: ألم نكن معكم؟ وأقسموا على ذلك بالله جهد أيمانهم وان كان لأعداء الكتاب والسنة من النصرة نصيب قالوا: ألم تعلموا أن عقد الإخاء بيننا محكم وأن النسب بيننا قريب؟ فيا من يريد معرفتهم! خذ صفتهم من كلام رب العالمين فلا تحتاج بعده دليلا: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141].
يعجب السامع قول أحدهم لحلاوته ولينه ويشهد الله على ما في قلبه من كذبه ومينه فتراه عند الحق نائما وفي الباطل على الأقدام فخذ وصفهم من قول القدوس السلام: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة:204].
(أوامرهم التي يأمرون بها أتباعهم متضمنة لفساد البلاد والعباد ونواهيهم عما فيه صلاحهم في المعاش والمعاد وأحدهم تلقاه بين جماعة أهل الإيمان في الصلاة والذكر والزهد والاجتهاد {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:205] ..
فهم جنس بعضه يشبه بعضا يأمرون بالمنكر بعد أن يفعلوه وينهون عن المعروف بعد أن يتركوه ويبخلون بالمال في سبيل الله ومرضاته أن ينفقوه كم ذكرهم الله بنعمه فأعرضوا عن ذكره ونسوه وكم كشف حالهم لعباده المؤمنين ليتجنبوه
فاسمعوا أيها المؤمنون {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة:67].[1]
تعريف النفاق:
النفاق لغة - مصدر: نافق - يقال: نافق ينافق نفاقا ومنافقة، وهو مأخوذ من النافقاء: أحد مخارج اليربوع من جحره، فإنه إذا طلب من واحد هرب إلى الآخر وخرج منه - وقيل هو من النفق، وهو السرب الذي يستتر فيه.
أما النفاق في الشرع فمعناه إظهار الإسلام وإبطال الكفر والشر. سمي بذلك لأنه يدخل في الشرع من باب، ويخرج منه من باب آخر. وعلى ذلك نبه الله تعالى بقوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67] أي الخارجون من الشرع. وجعل الله المنافقين شرا من الكافرين فقال: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] وقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142] {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ - فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: 9 - 10]
(ب) أنواع النفاق: النفاق نوعان:
النوع الأول: النفاق الاعتقادي، وهو النفاق الأكبر الذي يظهر صاحبه الإسلام ويبطن الكفر - وهذا النوع مخرج من الدين بالكلية، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار - وقد وصف الله أهله بصفات الشر كلها: من الكفر وعدم الإيمان، والاستهزاء بالدين وأهله، والسخرية منهم، والميل بالكلية إلى أعداء الدين لمشاركتهم في عداوة الإسلام - وهؤلاء موجودون في كل زمان. ولا سيما عندما تظهر قوة الإسلام ولا يستطيعون مقاومته في الظاهر، فإنهم يظهرون الدخول فيه لأجل الكيد له ولأهله في الباطن. ولأجل أن يعيشوا مع المسلمين ويأمنوا على دمائهم وأموالهم. فيظهر المنافق إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وهو في الباطن منسلخ من ذلك كله مكذب به. لا يؤمن بالله. وأن الله تكلم بكلام أنزله على بشر، جعله رسولا للناس، يهديهم بإذنه، وينذرهم بأسه، ويخوفهم عقابه. وقد هتك الله أستار هؤلاء المنافقين، وكشف أسرارهم في القرآن الكريم، وجلَّى لعباده أمورهم ليكونوا منها ومن أهلها على حذر. وذكر طوائف العالم الثلاثة في أول البقرة. المؤمنين والكفار والمنافقين. فذكر في المؤمنين أربع آيات. وفي الكفار آيتين. وفي المنافقين ثلاث عشرة آية. لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم وشدة فتنمَهم على الإسلام وأهله. فإن بلية الإسلام بهم شديدة جدا لأنهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالاته وهم أعداؤه في الحقيقة. يخرجون عداوته في كل قالب، يظن الجاهل أنه علم وإصلاح، وهو غاية الجهل والإفساد.[2]
وهذا النفاق ستة أنواع:
1 - تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم.
2 - تكذيب بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
3 - بغض الرسول صلى الله عليه وسلم.
4 - بغض بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
5 - المسرة بانخفاض دين الرسول صلى الله عليه وسلم.
6 - الكراهية لانتصار دين الرسول صلى الله عليه وسلم.
والثاني: النفاق الأصغر:
وهو النفاق العملي أي النفاق في فروع الدين، وهو دون الكفر، لكنه اختلاف بين السريرة والعلانية، فمن أظهر أنه صادق أو موف أو أمين، وأبطن الكذب والغدر والخيانة ونحو ذلك فهذا هو النفاق الأصغر الذي يكون صاحبه فاسقا، لا أن يبطن في قلبه كفرا وشكا وتكذيبا يخفيه عن الناس، ويظهر إسلاما لا حقيقة له. وهذا النوع من النفاق جاءت به السنة. والأصل فيه ما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة وغيرهما من الصحابة - رضي الله عنهم - في ذكر آية المنافق فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان.[3]
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر.[4]
فهذه كلها أعمال إذا كان فاعلها مؤمنا بالله وحده، قد سلم اعتقاده مما يخرجه من الدين، فنفاقه نفاق أصغر، وهذه الخصال قد توجد في المسلم الصادق الذي ليس فيه شك. قال النووي - رحمه الله - عند شرح هذا الحديث: " وقد أجمع العلماء على أن من
كان مصدقا بقلبه ولسانه، وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بكفر ولا هو منافق يخلد في النار، فإن إخوة يوسف - عليه السلام - جمعوا هذه الخصال. "[5]
وهذا النفاق الأصغر هو النفاق الذي كان يخافه السلف على نفوسهم.[6]
فمن اجتمعت فيه هذه الخصال الأربع فقد اجتمع فيه الشر، وخلصت فيه نعوت المنافقين. ومن كانت فيه واحدة منها صار فيه خصلة من النفاق - فإنه قد يجتمع في العبد خصال خير وخصال شر وخصال إيمان وخصال كفر ونفاق. ويستحق من الثواب والعقاب بحسب ما قام به من موجبات ذلك، ومنه التكاسل عن الصلاة مع الجماعة في المسجد، فإنه من صفات المنافقين - فالنفاق شر وخطير جدا، وكان الصحابة يتخوفون من الوقوع فيه.
الفروق بين النفاق الأكبر والنفاق الأصغر:
1 - أن النفاق الأكبر يخرج من الملة، والنفاق الأصغر لا يخرج من الملة.
2 - أن النفاق الأكبر اختلاف السر والعلانية في الاعتقاد. والنفاق الأصغر اختلاف السر والعلانية في الأعمال دون الاعتقاد.
3 - أن النفاق الأكبر لا يصدر من مؤمن، وأما النفاق الأصغر فقد يصدر من المؤمن.
4 - أن النفاق الأكبر في الغالب لا يتوب صاحبه، ولو تاب فقد اختلف في قبول توبته عند الحاكم. بخلاف النفاق الأصغر، فإن صاحبه قد يتوب إلى الله فيتوب الله عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(وكثيرا ما تعرض للمؤمن شعبة من شعب النفاق ثم يتوب الله عليه. وقد يرد على قلبه بعض ما يوجب النفاق ويدفعه الله عنه. والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره. كما قال الصحابة: «يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لئن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به فقال ذلك صريح الإيمان» وفي رواية: «ما يتعاظم أن يتكلم به. قال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة» - أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة، ودفعه عن القلب، وهو من صريح الإيمان.[7]
وأما أهل النفاق الأكبر، فقال الله فيهم: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة: 18] أي في الإسلام في الباطن. وقال تعالى فيهم: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة: 126]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقد اختلف العلماء في قبول توبتهم في الظاهر، لكون ذلك لا يُعْلم، إذ هم دائما يظهرون الإسلام).
خوف السلف من النفاق:
تالله لقد قطع خوف النفاق قلوب السابقين الأولين لعلمهم بدقة وجله وتفاصيله حتى ساءت ظنونُهم بنفوسِهم حتى خشوْا أن يكونوا من جملة المنافقين.
تالله لقد ملئت قلوب القوم إيمانا ويقينا وخوفهم من النفاق شديد وهمهم لذلك ثقيل وسواهم كثير منهم لا يجاوز إيمانهم حناجرهم وهم يدعون أن إيمانهم كإيمان جبريل وميكائيل.
قال عمر بن الخطاب لحذيفة رضي الله عنهما: "يا حذيفة نشدتك بالله هل سماني لك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم؟ قال: لا، ولا أزكي بعدك أحدا"
وقال ابن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل" والصحابة الذين أدركهم ابن أبي مليكة من أجلهم عائشة وأختها أسماء وأم سلمة والعبادلة الأربعة وأبو هريرة ... ، وقد أدرك بالسن جماعة أجل من هؤلاء كعلي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص. وقد جزم بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك، فكأنه إجماع، ولا يلزم من خوفهم من ذلك وقوعه منهم، بل ذلك على سبيل المبالغة منهم في الورع والتقوى - رضي الله عنهم - ".[8]
فخوفهم كان من النفاق الأصغر لا الأكبر، لأنه لا يعقل أن يكون النفاق الذي خافه أولئك الصحابة هو إبطان الكفر، فإنهم يعلمون من أنفسهم أنهم لا يبطنون كفرا، وقد زكاهم الله وأثنى عليهم، فهم يعلمون براءتهم من هذا النفاق المخرج من الإسلام، فتعين أن يكون مقصودهم النفاق الأصغر.
وقال الحسن البصري: "ما أمنه إلا منافق وما خافه إلا مؤمن"
ولقد ذكر عن بعض الصحابة: أنه كان يقول في دعائه "اللهم إني أعوذ بك من خشوع النفاق قيل وما خشوع النفاق قال أن يرى البدن خاشعا والقلب ليس بخاشع".
وقال إبراهيم التيمي: (ما عرضت قولي على عملي، إلا خفت أن أكون مكذباً).
يعني: إن الإنسان في الغالب تكون الأقوال عنده أكثر من الأعمال وأوسع، فالإنسان يتكلم بكلام طيب، لكن عند التطبيق يضعف، ولهذا قال إبراهيم التيمي: (ما عرضت قولي على عملي إلا خفت أن أكون مكذباً)؛ لأن القول طيب، وأما العمل فهو ضعيف.
وقال الحسن البصري: (ما خافه إلا مؤمن، وما أمنه إلا منافق).
يعني: ما خاف النفاق إلا مؤمن، وما أمنه إلا منافق، فالمنافق يأمن من النفاق؛ لأنه منافق، والمؤمن يخافه على نفسه وذلك دليل إيمانه.
قال حذيفة رضي الله عنه: النفاق اليوم أكثر منه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسرونه، واليوم يظهرونه].[9]
وكونهم يسرونه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فذلك لقوة الإسلام وعزه بالحجة والسيف.
وأما بعد ذلك فإن المسلمين حصل لهم بعض الضعف، فصار المنافقون يظهرون النفاق، وكذلك الآن في هذا الزمن تجد بعض المنافقين وبعض العلمانيين يظهرون نشاطهم في الصحف وفي المجلات إذا أمنوا إقامة الحدود، وإن خافوا أن تقام عليهم الحدود تجدهم إما أن يعتذروا وإما أن يؤولوا.
خطورة النفاق:
إن أكبر خطر تهددت به الأمة الإسلامية على مر العصور هو النفاق، قال الله تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} سورة المنافقون الآية 4.
والحصر في الآية لبيان أولويتهم في العداوة، ولهذا كان مصيرهم يوم القيامة أسوأ مصير في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم شر من الكفار الصرح، فبلية المؤمنين بهم أعظم من بليتهم بالكفار المجاهرين؛ لأنهم لا يظهرون ما يعتقدون، يعملون في الخفاء، ويظهرون لباس الإخوان والأصدقاء فهم مستأمنون لا يحسب لهم حساب ولا يراقبون ولا يحترز منهم إلا القليل من المؤمنين، والعدو المخالط المداخل المساكن أخطر وأشد كيدا من العدو الظاهر البعيد، فهم أخطر من الجيوش العسكرية، والانحرافات الفكرية لأن أصحابها أعداء معروفون واضحون لا يقبل كثير من الناس أقوالهم.
وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان.[10]
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أخطر المصائب في تاريخ الأمة الإسلامية قديما وحديثا من طريق المنافقين، ولا نكاد نرى عصرا من عصور تاريخ المسلمين إلا ونجد للمنافقين فيه دورا خطيرا، فقد أفسدوا عقائد كثير من الناس، والمتتبع لجذور الانحراف العقدي في تاريخ المسلمين يجد المنافقين وراءه، ومن أبرز الأمثلة في ذلك فرقة السبئية التي وضع أسسها المنافق اليهودي عبد الله بن سبأ، الذي أظهر الإسلام في عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وأخذ يطوف البلاد الإسلامية ينشر معتقده، وقد لبس على العامة في زمن كان فيه كثير من الصحابة، حتى إن بعض أتباعه هددهم علي - رضي الله عنه - بالموت حرقا إن لم يرجعوا عن هذه العقيدة الضالة، فأصروا وفضلوا الموت على الرجوع عن ضلالهم، وقد كان من نتيجة فتنة عبد الله بن سبأ مقتل الخليفة الثالث الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه -.
وكان سقوط بغداد مركز الخلافة الإسلامية العباسية عام (656 هـ) على يد المنافق الخبيث ابن العلقمي الرافضي الذي تعاون مع التتار الذين قتلوا جميع من يقدرون عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والشبان حتى بلغوا مليون قتيلا، وقد كان ابن العلقمي وزيرا عند الخليفة المستعصم يظهر الولاء والنصرة، له فضل في الإنشاء والأدب لكنه كان منافقا يضمر الحقد على الإسلام وأهله، كاتب التتار وزين لهم اجتياح بغداد، وكان ذلك بعد أن سرح الجند وصرف الجيوش عن بغداد حتى لم يبق منهم إلا عشرة آلاف ثم أرسل إلى التتار يسهل عليهم أمر اجتياح المدينة فقدموا وحدث ما حدث.[11]
والأمثلة كثيرة جدا ولهذا كان الواجب التحذير من النفاق، وبيان صفات أهله، وكشف جهودهم في هدم الإسلام وخدمة أعدائه وموالاتهم وتنفيذ مخططاتهم.
أسباب النفاق:
أولا: حب الشهوات ومنها:
1- حب أنفسهم والخوف عليها من القتل أو السبي.
وهذا السبب يبدو واضحا في نفاق من نافق بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكثرة أتباعه، وانتصاره يوم بدر، فحينئذ أصبحت للمسلمين قوة تهاب فظهر النفاق، أما في مكة فلم يكن هناك منافقون لأنهم كانوا يظهرون كفرهم ولا يخشون شيئا فلما قوي الإسلام وأهله خافوا على أنفسهم من القتل أو الطرد أو السبي.
قال تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا}،{مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} .( سورة الأحزاب الآية 60،61)
قال قتادة: ذكر لنا أن المنافقين كانوا يظهرون ما في أنفسهم من النفاق فلما أوعدهم الله بهذه الآية أسروا ذلك وكتموه.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728 هـ) أن المنافقين بعد ظهور الإسلام وذل النفاق وأهله لم يستطيعوا أن يظهروا ما كانوا يظهرونه من الكفر قبل ذلك قبل بدر وبعدها، وقبل أحد وبعدها، فأخفوا النفاق وكتموه فلهذا لم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم.[12]
ب- حب الجاه والرياسة والزعامة والخوف من ضياعها.
قد يكون لبعض المنافقين جاه ورياسة يخاف إن أظهر كفره أن يتفرق عنه أتباعه وأعوانه فيخفيه ويظهر الإسلام، كما فعل عبد الله ابن أبي ابن سلول فإنه كان قاب قوسين أو أدنى من الرياسة في قومه، ثم تفاجأ بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة سيدا فيها وحاكما لها، فكان هذا ما حمله على النفاق في مبدأ الأمر.
جـ- حب حظوظ الدنيا والطمع في الغنائم:
من المنافقين من يكون سبب نفاقه حب الدنيا والطمع في الغنائم، ولهذا نراهم يخرجون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا يقاتلون، ومنهم من لا يخرج وإذا رجع رسول الله جاء معتذرا طمعا في عطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه عنه. فهم لحبهم للدنيا يؤملون الغنائم وقد ذكر الله سبحانه صفتهم هذه في قوله تعالى: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}. (سورة التوبة الآية42)
وقد كان هذا في غزوة تبوك لما رأى المنافقون شدة الحر وبعد المسافة تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية موبخا لهم، مبينا أن السفر لو كان قريبا سهلا، والغنيمة قريبة المتناول حاضرة، لخرجوا معك أما قولهم لما جاءوا يعتذرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مجرد كذب لأنهم كانوا مستطيعين
«ولما رجع المسلمون من غزوة بني المصطلق » .
وقد سأل المنافقون رسول الله صلى الله عليه وسلم السماح لهم بالخروج معه إلى خيبر لما أملوا من الغنائم، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأذن لهم لأن غنائم خيبر كانت خاصة بمن ذهب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة معتمرا وكان المنافقون حينئذ قد تخلفوا عنه، وقد وعد الله المؤمنين لما
انصرفوا من الحديبية فتح خيبر، وجعل الله غنائمها لمن شهد الحديبية خاصة عوضا عن غنائم أهل مكة فإنهم انصرفوا على صلح ولم يصيبوا منهم شيئا. فلما رأى المنافقون أن الله وعد رسوله مغانم كثيرة عجلت له منها خيبر طلبوا الخروج قال تعالى: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا}.
فالمخلفون هم الذين تخلفوا عن عمرة الحديبية سيقولون إذا انطلقتم إلى مغانم خيبر ذرونا نخرج معكم، بعد أن تخلفوا وقت محاربة الأعداء ومصابرتهم فأمر الله رسوله ألا يأذن لهم عقابا لهم من جنس ذنبهم.
ومعنى قوله تعالى: {كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ} أي هكذا قال الله لنا أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية.
ثانيا: الفتن والشبهات:
سنة الله في عباده أن يمتحنهم ليعرف الصادق من الكاذب، فإذا جاءت الفتنة كانت سببا في نفاق من كان إيمانه ضعيفا، ومن أمثلة ذلك:
حادثة تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة، فقد كانت اختبارا وابتلاء من الله ومحنة امتحن الله بها الناس، وبعدها ارتد طائفة عن الإيمان قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}. [سورة البقرة الآية 143 ]
ومن هذه الفتن هزيمة المسلمين يوم أحد فإنه لما حصل ذلك ارتد طائفة ونافقوا قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ}{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ}.[ سورة آل عمران الآية 166،167]
قال ابن تيمية: " قوله: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا} ظاهر فيمن أحدث نفاقا، وهو يتناول من لم ينافق من قبل، ومن نافق ثم جدد نفاقا ثانيا)،ثم ذكر أن الذين انخذلوا يوم أحد مع عبد الله بن أبي رأس المنافقين كانوا ثلاثمائة لم يكونوا قبل ذلك كلهم منافقين.[13]
وهذا حال الناس اليوم، إذا ابتلوا بالمحنة ينقص إيمانهم كثيرا وينافق كثير منهم، وإذا انتصر الأعداء على المسلمين ارتدوا عن الإسلام، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - والشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (ت 1285 هـ) - رحمه الله - في فتح المجيد حال من رأوه من هؤلاء الناس.
قال ابن تيمية: " وهذا حال كثير من المسلمين في زماننا أو أكثرهم، إذا ابتلوا بالمحن التي يتضعضع فيها أهل الإيمان، ينقص إيمانهم كثيرا، وينافق أكثرهم أو كثير منهم، ومنهم من يظهر الردة إذا كان العدو غالبا، وقد رأينا ورأى غيرنا من هذا ما فيه عبرة، وإذا كانت العافية أو كان المسلمون ظاهرين على عدوهم، كانوا مسلمين، وهم مؤمنون بالرسل باطنا وظاهرا، لكن إيمانا لا يثبت على المحنة ".[14]
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ معلقا على كلام شيخ الإسلام: " ونحن كذلك رأينا من ذلك ما فيه عبرة عند غلبة العدو من إعانتهم العدو على المسلمين، والطعن في الدين، وإظهار العداوة والشماتة، وبذل الجهد في إطفاء نور الإسلام وذهاب أهله، وغير ذلك مما يطول ذكره والله المستعان ".[15].
أشهر صفات المنافقين:
1-الإفساد في الأرض بتهديم شريعة الله واتهام المؤمنين بالسفه قال تعالى في وصف المنافقين: " إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ " (البقرة، آية: 11 ـ 13).
ب ـ خداع المؤمنين: قال تعالى: " وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ " (البقرة، آية: 14).
ج ـ الإعراض عن التحاكم إلى شرع الله: قال تعالى: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا " (النساء، آية: 60، 61).
د ـ الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف: قال تعالى: " الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " (التوبة، آية: 67).
هـ ـ اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين: قال الله تعالى: " بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا " (النساء، آية: 138، 139).
وهذه صفات أخرى للمنافقين
1- الكذب.
2- إخلاف الوعد.
3- خيانة الأمانة.
4- الفجور في الخصومة.
5- الاستهزاء بالله وبرسوله وبالمؤمنين.
6- إظهار الإصلاح والحرص على المصلحة العامة، مع الإفساد في الأرض ومحبة نشر الفاحشة والزنا بين المؤمنين، والاهتمام بقضايا تحرير المرأة ونحوها لهذا الغرض.
7- إفساد الحرث والنسل.
8- كثرة الحلف، وعامته كذب.
9- التكاسل عن الصلاة.
10- قلة ذكر الله.
11- الاستكبار عن قبول الحق وعدم التوبة.
12- اعتدادهم بأنفسهم وازدراؤهم بالصالحين.
17- السفه وقلة العلم الشرعي.
13- البخل عن الصدقات.
14- حسن المظهر، وذلاقة اللسان، وزخرفة القول.
المنافقون منتشرون في بقاع الأرض
كما قال الحسن البصري (رحمه الله) : (لولا المنافقون لاستوحشتم في الطرقات).[16]
وقال ابن القيم: (كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم، لكثرتهم على ظهر الأرض، وفي أحواف القبور، فلا خلت بقاع الأرض منهم لئلا يستوحش المؤمنون في الطرقات، وتتعطل بهم أسبابُ المعايش، وتخطفهم الوحوش والسباع في الفلوات، سمع حذيفة (رضي الله عنه) رجلاً يقول: اللهم أهلك المنافقين، فقال:يا ابن أخي، لو هلك المنافقون لاستوحشتم في طرقاتكم من قلة السالك).[17]
ولا يعني ذلك تعميم الحكم بالنفاق على الأكثرية والأغلبية، فإن النفاق شُعَب وأنواع، كما أن الكفر شعب وأنواع، والمعاصي بريد الكفر، فكذا من كان متهماً بنفاق فهم على أنواع متعددة، كما وضحه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: (ولهذا لم يكن المتهمون بالنفاق نوعاً واحداً، بل فيهم المنافق المحض، وفيهم مَن فيه إيمان ونفاق، وفيهم مَن إيمانه غالب وفيه شعبة من النفاق، ولما قوي الإيمان وظهر الإيمان وقوته عام تبوك: صاروا يعاتبون من النفاق على ما لم يكن يعاتبون عليه قبل ذلك..).[18]
كيفية التعامل مع المنافقين:
أما عن الموقف والواجب تجاه المنافقين فيتمثل في جملة أمور، منها:
1- النهي عن موالاتهم والركون إليهم، كما قال (تعالى) : [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لا يَاًلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ] [آل عمران: 118، 119] .
2- زجرهم ووعظهم: لقوله (تعالى) : [أُوْلَئِكَ الَذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِم فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً] [النساء: 63] .
3- عدم المجادلة أو الدفاع عنهم، حيث قال (تعالى) : [إنَّا أنزَلْنَا إلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً (106) وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً] [النساء: 105- 107] .
4- جهادهم والغلظة عليهم: لقوله (تعالى) : [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَاًوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ] [التوبة: 73] .
5- تحقيرهم وعدم تسويدهم: فعن بريدة بن الحصيب مرفوعاً: (لا تقولوا للمنافق (سيّد) ، فإنه إنّ يك سيداً فقد أسخطتم ربكم (عز وجل).[19]
وكان حذيفة يؤيس (يحتقر) المنافقين.[20]
6- عدم الصلاة عليهم، امتثالاً لقوله (تعالى) : [وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ] [التوبة: 84] .
[1] - مدارج السالكين لابن القيم.ِ
[2] - من رسالة لابن القيم في بيان صفات المنافقين.
[3] - رواه البخاري في كتاب الإيمان (1 / 89) ومسلم في كتاب الإيمان (1 / 78) رقم (59) .
[4] - رواه البخاري في الإيمان (1 / 89) ، ومسلم في الإيمان (1 / 78) رقم (58)
[5] - صحيح مسلم بشرح النووي (2 / 46 و 47) .
[7] - انظر مجموع الفتاوى (28 / 434 - 435)
[8] - فتح الباري (1 / 110 و 111) .
[9] - رواه البخاري في الفتن، ورواه ابن أبي شيبة أيضاً في الفتن، وأبو نعيم في الحلية، والفريابي في صفة النفاق.
[10] - رواه أحمد (1 / 22) والفريابي في صفة النفاق ص (52) رقم (23 و 24) وابن حبان في صحيحه (1 / 148) والطبراني في الكبير (18 / 237) قال الهيثمي في الزوائد (1 / 192) : رواه الطبراني في الكبير والبزار ورجاله رجال الصحيح. وذكر نحوه عن البزار وأحمد وأبي يعلى وقال: رجاله موثقون، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2 / 44) رقم (1550) .
[11] - البداية والنهاية لابن كثير (13 / 200 وما بعدها) .
[12] - مجموع الفتاوى (13 / 20) ، (7 / 214 و215) ومختصر منهاج السنة (1 / 91) .
[13] - مجموع فتاوى ابن تيمية (7 / 279)
[14] - مجموع فتاوى ابن تيمية (8 / 280) .
[15] - فتح المجيد لعبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ص (477)
[16] - أخرجه ابن بطة في (الإبانة الكبرى) ، 2/698.
[17] - مدارج السالكين، 1/358.
[18] - مجموع الفتاوي، 7/523.
[19] يوحسن أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الألباني في الصحيحة برقم 370
[20] - أخرجه الخلال في السنة، 5/70.