هل يطلق على فلانٍ بعينه شهيد؟
فضل الشهادة في سبيل الله:
أولاً: في القرآن الكريم:
1- وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ [البقرة:154].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 169 - 171].
3- {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا } [النساء: 69، 70].
4 - وقال الله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } [النساء: 74].
5- {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة: 111].
6- {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الزمر: 69].
7- {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [الحديد: 19].
ثانياً: في السنة النبوية:
3 - وَعَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا أحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ، يُحِبُّ أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَهُ مَا عَلَى الأرْض مِنْ شَيْءٍ إِلا الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ».[1]
4 - وَعَنْ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ، لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهُ أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، إِلاَّ الشَّهِيدَ، لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَلَ مَرَّةً أخْرَى».[2]
2 - وَعَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ البَرَاءِ، وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ، أتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، ألا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ -وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، أصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ- فَإِنْ كَانَ فِي الجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي البُكَاءِ؟ قال: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أصَابَ الفِرْدَوْسَ الأعْلَى».[3]
3 - وَعَنِ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ خِصَالاً: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِيْمَانِ، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذاب القَبْرِ، وَيَأْمَنُ يَوْمَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ؛ اليَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ إنْسَاناً مِنْ أَقَارِبهِ».[4]
4 - وَعَنْ عَبْدِالله بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يُغْفَرُ لِلشّهِيدِ كُلّ ذَنْبٍ، إلاّ الدّيْنَ».[5]
وَعَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي، جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، أَبْكِي وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَنْهَانِي، فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَبْكِينَ أَوْ لاَ تَبْكِينَ، مَا زَالَتِ المَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ».[6]
تعريف الشهيد في الفقه:
هو من قتل فِي المعركة أَو غَيرهَا وَهُوَ يُقَاتل عدوا مَعَ الْكفَّار الْمُحَاربين أَو قطاع الطَّرِيق أَو الْبُغَاة أَو قتل بِسَبَب دفع الْقَتْل عَن نَفسه أَو عَن أَهله أَو عَن الْمُسلمين أَو أهل الذِّمَّة فَإِنَّهُ يكون شَهِيدا لِأَن هَؤُلَاءِ فِي معنى شُهَدَاء أحد لوُجُود الْقَتْل ظلما وَلَا يُوجد فِي قَتلهمْ عوض دنياوي.[7]
والشهيد في الأصل من قتل مجاهدًا في سبيل الله.[8]
وَاخْتِصَارُ هَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَقِيقَتُهَا مَوْتُ الْمُسْلِمِ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ قِتَالِهِمْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، وَيُغْنِي عَنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْأَرْبَعَةِ قَاصِدًا إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَرَفَهَا لِبَذْلِ نَفْسِهِ لِلَّهِ فِي إعْلَاءِ كَلِمَتِهِ وَقَتْلِ عَدُوٍّ لِلَّهِ لَهُ دُونَ الْوُصُولِ دُونَ ذَلِكَ؛ وَأَمَّا بَقِيَّةُ الصُّوَرِ فَشَارَكَتْ هَذِهِ الصُّوَرَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَعَانِي كَمَا سَنُبَيِّنُهُ.[9]
وسمي الشهيد شهيدًا لأن الله ورسوله شهدا له بالجنة، أو لأن ملائكة الرحمة يشهدونه، أو لأنه ممن يشهد يوم القيامة على الأمم. أو لأنه شهد له بالإيمان وخاتمة الخير، بظاهر عمله، أو لأن له شاهدًا بحاله وهو دمه، أو لأن روحه تشهد دار السلام.
أقسام الشهداء:
الشهداء في سبيل الله قسمان:
الأول: من قُتِل في سبيل الله أمام العدو، فهذا لا يغسل، ويكفن في ثيابه التي استُشهد فيها، ويستحب تكفينه بثوب أو أكثر فوق ثيابه.
وشهداء المعركة في سبيل الله الإمام مخير فيهم:
إن شاء صلى عليهم صلاة الجنازة، وإن شاء ترك، والصلاة أفضل، والسنة دفنهم في مصارعهم، كما فعل رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في شهداء بدر وأحد.
الثاني: كل ما سوى الشهيد في المعركة في سبيل الله كالغريق، ومن مات دفاعاً عن ماله ونحوهم من الشهداء في ثواب الآخرة، فهؤلاء الشهيد منهم يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين كغيره من الأموات.[10]
إذن يمكن أن نقسم الشهداء إلى ثلاثة أقسام:
1 - شهيد في حكم الدنيا والآخرة: وهو شهيد المعركة، أما حكم الدنيا فلا يغسل ولا يصلى عليه عند الجمهور وأما حكم الآخرة فله ثواب خاص وهو الشهيد الكامل الشهادة.
2-وشهيد في حكم الدنيا فقط: وهو عند الشافعية: من قتل في قتال الكفار بسببه، وقد غل من الغنيمة، أو قتل مدبراً، أو قاتل رياء أو نحوه، أي لايغسل ولايصلى عليه، ولا ثواب له في الآخرة.
3 - شهيد في حكم الآخرة فقط: كالمقتول ظلماً من غير قتال، والمبطون إذا مات بالبطن، والمطعون إذا مات بالطاعون، والغريق إذا مات بالغرق، والغريب إذا مات بالغربة، وطالب العلم إذا مات على طلبه، أو بالطلق أو بدار الحرب أو نحو ذلك.
شروط الشهادة:
1- أَنْ يَكُونَ قِتَالُهُ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
2- الصَّبْرُ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – نَعَمْ فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ نَادَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ كَيْفَ قُلْتَ فَأَعَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ إلَّا الدَّيْنَ كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -»
3- الِاحْتِسَابُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَنْوِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَيَعْتَدّهُ وَسِيلَةً لِثَوَابِ اللَّهِ وَهَذَا حَاصِلٌ بِقَوْلِهِ «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
4- أَنْ يَكُونَ مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ.[11]
ونلَخَّصَ أَنَّ كُلَّ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقِتَالِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَهُوَ شَهِيدٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ فَهُوَ شَهِيدٌ فِي الْآخِرَةِ أَيْضًا.[12]
عدد أوصاف الشهداء في سبيل الله الذين سماهم النبي – صلى الله عليه وسلم- في الأحاديث:
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ».[13]
2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ».[14]
3 - وَعَنْ جَابر بن عَتِيكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى القَتْلِ فِي سَبيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، المَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالغَرِيقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ الهَدَمِ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذاتِ الجَنْب شَهِيدٌ وَصَاحِبُ الحَرَقِ شَهِيدٌ وَالمَرْأَةُ تَمُوتُ بجُمْعٍ شَهِيدَةٌ».[15]
4 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ».[16]
ذكر الاختلاف بين العلماء في إطلاق لفظ الشهيد على المعين
اختلف أهلُ العلمِ في هذه المسألةِ على قولين:
القولِ الأولِ:
أنه لا يجوزُ أن نشهدَ لشخصٍ بعينهِ أنه شهيدٌ، حتى لو قُتل مظلوماً، أو قُتل وهو يدافعُ عن الحقِ، إلا من شهد له النبي صلى اللهُ عليه وسلم، أو اتفقت الأمةُ على الشهادةِ له بذلك.
ومن القائلين بهذا: الإمامُ البخاري، ورجحهُ الشيخُ محمدُ بنُ عثيمين كما في " المناهي االفظية " (ص 78 - 80) ، و " فتاوى إسلامية " جمع المسند (1/91) وهو رأي العلامةِ الألباني كما في " أحكامِ الجنائز " (ص 59) فقال: (تنبيه) : بوب البخاري في " صحيحه " (6/89) : (باب لا يقولُ: فلانٌ شهيدٌ) فهذا مما يتساهلُ فيه كثيرٌ من الناسِ فيقولون: الشهيدُ فلان ... والشهيدُ فلان.ا. هـ. ورجحه جزاع الشمري في كتابه " القول السديد في أنه لا يقال: " فلانٌ شهيدٌ ".
واستدل أصحابُ هذا القولِ بما يلي:
1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ.[17]
قال ابن عبد البر:
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ في سبيله)) فإنه يدل على أنه لَيْسَ كُلُّ مَنْ خَرَجَ فِي الْغَزْوِ تَكُونُ هَذِهِ حَالَهُ حَتَّى تَصِحَّ لَهُ نِيَّةٌ وَيَعْلَمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ وَجْهَهُ وَمَرْضَاتَهُ وَلَمْ يَخْرُجْ رِيَاءً وَلَا مُبَاهَاةً وَلَا سُمْعَةً وَلَا فَخْرًا وَلَا ابْتِغَاءَ دُنْيَا يَقْصِدُهَا.[18]
قال أبوالوليد الباجي:
قوله - صلى الله عليه وسلم -: والله أعلم بمن يكلم في سبيله على معنى أن هذا الحكم ليس على الظاهر أن من كان يقاتل في حيز المسلمين أنه ممن يقاتل في سبيله ويكلم في سبيله لأنه قد يكون في حيز المسلمين ويقاتل حمية ويقاتل ليرى مكانه ويقاتل للمغنم ولا يكون لأحد من هؤلاء هذه الفضيلة حتى يقاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا فتكلم على هذا الوجه فحينئذ يكون ممن يجيء يوم القيامة وجرحه يثعب دما يريد والله أعلم أن لون ذلك الدم لون الدم وريحه ريح المسك وهذا دليل على فضيلته وعلو درجته وما له عند الله من الثواب الجزيل.[19]
قال النووي:
قوله صلى الله عليه وسلم (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) هذا تنبيه على الإخلاص في الغزو وأن الثواب المذكور فيه إنما هو لمن أخلص فيه وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا قالوا وهذا الفضل وإن كان ظاهره أنه في قتال الكفار فيدخل فيه من خرج في سبيل الله في قتال البغاة وقطاع الطريق وفي إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك والله أعلم.[20]
قال ابن الزملكاني:
للشهيد الكامل المقتول في سبيل الله شرائط وخصائص فمن شروطه أن يقاتل مخلصا ومعنى الإخلاص أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وهذا دليل على أن العمل إنما يكون بالنية الصالحة فيما يعتبر وإذا لم تصح النية فلا أثر له وهو دليل على أن الفضل الذي ورد في الجهاد وما أعد الله للمجاهدين مختص بمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فمن قاتل لغير ذلك فليس في سبيل الله ويدل له ما في خبر آخر ما من كلم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله معناه ليس كل من يكلم في معركة كان كلمه في سبيل الله ولا يتعلق في ذلك بظاهر الحال بل الله أعلم بمن يكلم في سبيله فإن ذلك مقرون بالإخلاص والله أعلم به فإنه من أفعال القلوب ومن شرائطها الشهادة الكاملة أن يقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر.[21]
قال أبوزرعة العراقي:
قَوْلُهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ نَبَّهَ بِهَا عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الْغَزْوِ، وَأَنَّ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ فِيهِ إنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ أَخْلَصَ فِيهِ وَقَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّ مَخْرَجَ الْحَدِيثِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ بِالْمَعْنَى هَذِهِ الْأُمُورُ، وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (قُلْت) وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي دُخُولِ الْمُقَاتِلِ دُونَ مَالِهِ فِي هَذَا الْفَضْلِ لِإِشَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى اعْتِبَارِ الْإِخْلَاصِ فِي ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، وَالْمُقَاتِلُ دُونَ مَالِهِ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ إنَّمَا يَقْصِدُ صَوْنَ مَالِهِ، وَحِفْظَهُ فَهُوَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِدَاعِيَةِ الطَّبْعِ لَا بِدَاعِيَةِ الشَّرْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.[22]
وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال:
والجواب أنه يمكن فيه الإخلاص مع إرادة صون المال كأن يقصد بقتال من أراد أخذه منه صون الذي يقاتله عن ارتكاب المعصية وامتثال أمر الشارع بالدفع ولا يمحض القصد لصون المال فهو كمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا مع تشوقه إلى الغنيمة.[23]
قال الحافظ ابن حجر:
قوله والله أعلم بمن يكلم في سبيله أي فلا يعلم ذلك إلا من أعلمه الله فلا ينبغي إطلاق كون كل مقتول في الجهاد أنه في سبيل الله ثم ذكر المصنف حديث سهل بن سعد في قصة الذي بالغ في القتال حتى قال المسلمون ما أجزأ أحد ما أجزأ ثم كان آخر أمره أن قتل نفسه وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي حيث ذكره المصنف ووجه أخذ الترجمة منه أنهم شهدوا رجحانه في أمر الجهاد فلو كان قتل لم يمتنع أن يشهدوا له بالشهادة وقد ظهر منه أنه لم يقاتل لله وإنما قاتل غضبا لقومه فلا يطلق على كل مقتول في الجهاد أنه شهيد لاحتمال أن يكون مثل هذا وإن كان مع ذلك يعطى حكم الشهداء في الأحكام الظاهرة ولذلك أطبق السلف على تسمية المقتولين في بدر وأحد وغيرهما شهداء والمراد بذلك الحكم الظاهر المبني على الظن الغالب والله أعلم.[24]
قال ابن بطال:
قوله (صلى الله عليه وسلم) : (كل كَلْمٍ يكلمه المسلم فى سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم فى سبيله) ، فأخبر أن ليس كل مكلوم يأتى جرحه اللون لون دم والريح ريح مسك، وإنما ذلك لمن خلصت نيته وجهاده لله، لا لجميع المكلومين.[25]
قال الشيخ ابن عثيميين كلاماً نفيساً هذا نصه:
قوله: ((لا يكلم أحد في سبيل الله - والله أعلم بمن يكلم في سبيله- أي يخرج - إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب؛ اللون لون الدم، والريح ريح المسك)) .
فأنظر كيف اشترط النبي صلي الله عليه وسلم للشهادة أن يكون الإنسان يقاتل في سبيل الله، والقتال في سبيل الله؛ أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا.
لذلك قال أهل العلم: ويجب علي المسلمين ان يكون منهم جهاد يجاهدون أعداء الله؛ لتكون كلمة الله هي العليا، لا لأجل أن يدافعوا عن الوطن من حيث إنه وطن، لأن الدفاع عن الوطن من حيث هو وطن يكون من المؤمن والكافر، حتى الكفار يدافعون عن أوطانهم، لكن المسلم يدافع عن دين الله، فيدافع عن وطنه؛ لا لأنه وطنه مثلاً، ولكن لأنه بلد إسلامي؛ فيدافع عنه حماية للإسلام الذي حل في هذه البلد،ولذلك يجب علينا في مثل هذه الظروف التي نعيشها اليوم النبي صلي الله عليه وسلم يجب علينا أن نذكر جميع العامة بأن الدعوة إلي تحرير الوطن، وما أشبه ذلك دعوة غير مناسبة، وأنه يجب أن يعبأ الناس تعبئة دينية، ويقال إننا ندافع عن ديننا قبل كل شيء؛ لأن بلدنا بلد دين، بلد إسلام يحتاج إلي حماية ودفاع، فلابد ان ندافع عنها بهذه النية. أما الدفاع بنية الوطنية، أو بنية القومية، فهذا يكون من المؤمن والكافر، ولا ينفع صاحبه يوم القيامة، وإذا قتل وهو يدافع بهذه النية فليس بشهيد؛ لأن الرسول صلي الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليري مكانه أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)) .
أنتبه إلي هذا القيد ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا)) لا لأنه وطنه وإذا كنت تقاتل لوطنك؛ فأنت والكافر سواء، لكن قلت لتكون كلمة الله هي العليا، ممثلة في بلدك؛ لأن بلدك بلد إسلام؛ ففي هذه الحال يكون القتال قتالاً في سبيل الله.
فيجب على طلبة العلم أن يبينوا للناس أن القتال للوطن ليس قتالاً صحيحاً وإنما يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وأقاتل عن وطني؛ لأنه وطن إسلامي؛ فأحميه من أعدائه وأعداء الإسلام؛ فبهذه النية تكون النية صحيحة والله الموفق.
2 - عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُمْ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتْ الْأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ قَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ " فَاشْتَكَى عُثْمَانُ عِنْدَنَا، فَمَرَّضْتُهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، وَجَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ فَدَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، شَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ؟ قَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ الْيَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَمَا أَدْرِي وَاللَّهِ وَأَنَا رَسُولُ اللَّه مَا يُفْعَلُ بِي؟ قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ، قَالَتْ: فَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ فَنِمْتُ، فأَرِيتُ لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَيْنًا تَجْرِي فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: " ذَلِكِ عَمَلُهُ ".[26]
3 - قال أصحابُ هذا القولِ: إننا لو شهدنا لأحدٍ بعينهِ أنه شهيدٌ لزم من تلك الشهادةِ أن نشهد له بالجنةِ، وهذا خلافُ ما كان عليه أهلُ السنةِ والجماعة من أنهم ما كانوا يشهدون لأحد لا بجنة ولا بنار.
القولِ الثاني:
جوازُ تسميةِ المقتولِ في سبيلِ اللهِ وغيرهِ ممن مات بسببٍ من أسبابِ الشهادةِ بـ " شهيد " ولو بالتعيين، بناءً على الحكمِ الظاهرِ المبني على الظنِ الغالبِ، وذلك لمن اجتمعت فيه الشروطُ، وانتفت عنه الموانعُ في الأعمالِ البدنية الظاهرةِ دون الأعمالِ الباطنةِ كالإخلاصِ مثلاً.
ومن القائلين بهذا:
شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ، وسماحةُ الشيخِ عبدُ العزيزِ بنُ باز - رحمه الله -، وصاحبُ كتاب " أحكام الشهادة في الفقه الإسلامي " عبد الرحمن العمري.
واستدل أصحابُ هذا القولِ بما يلي:
1 - أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ، وَكَانَ خَالَهُ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ قَالَ بِالدَّمِ هَكَذَا فَنَضَحَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ: " فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ".[27]
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح " (7/449) : " فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ " أَيْ بِالشَّهَادَةِ ".ا. هـ.
وهذه شهادةٌ لنفسهِ ولم يُنكِر عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد رد العلماء على تبويبِ البخاري:
رد الحافظُ ابنُ حجر على تبويبِ البخاري في " الفتح " (6/106) فقال: " أي على سبيلِ القطعِ … وإن كان مع ذلك يُعطى حكم الشهداءِ في الأحكامِ الظاهرةِ، ولذلك أطبق السلفُ على تسميةِ المقتولين في بدرٍ وأحدٍ وغيرهما شهداء، والمرادُ بذلك الحكم الظاهرُ المبنيُّ على الظنِ الغالبِ، والله أعلم.ا. هـ.
ونقل الشيخُ بكرُ أبو زيد في " معجم المناهي الفظية " (ص 320) عن الطاهر بنِ عاشور عن ترجمةِ البخاري فقال: " هذا تبويبٌ غريبٌ، فإن إطلاقَ اسم الشهيدِ على المسلمِ المقتولِ في الجهادِ الإسلامي ثابتٌ شرعاً، ومطروقٌ على ألسنةِ السلفِ فمن بعدهم، وقد ورد في حديثِ الموطأِ، وفي الصحيحين: أن الشهداءَ خمسةٌ غير الشهيد في سبيل اللهِ، والوصف بمثلِ هذه الأعمالِ يعتمدُ على النظرِ إلى الظاهرِ الذي لم يتأكد غيرهُ، وليس فيما أخرجهُ البخاري هنا إسنادٌ وتعليقُ ما يقتضي منع القولِ بأن فلاناً شهيدٌ، ولا النهي عن ذلك.
فالظاهرُ أن مرادَ البخاري بذلك أن لا يجزم أحدٌ بكونِ أحدٍ قد نال عند اللهِ ثواب الشهادةِ؛ إذ لا يدري ما نواهُ من جهاده، وليس ذلك للمنعِ من أن يقال لأحدٍ: إنهُ شهيدٌ، وأن يُجرى عليهِ أحكامُ الشهداءِ، إذا توفرت فيه، فكان وجه التبويب أن يكونَ: باب لا يجزمُ بأن فلاناً شهيدٌ إلا بإخبارٍِ من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله في عامر بن الأكوع: " إنه لجاهدُ مجاهدٌ ". ومن هذا القبيلِ زجرُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أم العلاء الأنصاريةِ حين قالت في عثمانَ بنِ مظعون: " شَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ؟ ".
وجاء في " سير أعلام النبلاء " (11/167) للذهبي عند ترجمةِ أحمد بن نصر المروزي عندما قتل في فتنة القرآن: " قَالَ ابْنُ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: خَتَمَ اللهُ لَهُ بِالشَّهَادَةِ، قَدْ كَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ عِنْدَهُ مُصَنَّفَاتُ هُشَيْمٍ كُلُّهَا، وَعَنْ مَالِكٍ أَحَادِيْثُ.ا. هـ.
وهناك آثار وردت عن السلفِ حكم فيها بالشهادةِ لعددٍ من الصحابة منهم: هشام بن العاص، وقُثَم بن العباس، والبراء بن مالك، والنعمان بن مقرنٍ.
فتاوى العلماء المانعين
س: أحد الجنود أصيب أثناء العمليات الحربية فى شهر يونيو سنة 1967 بطلقة خطأ، ودون قصد من أحد زملائه أدت إلى وفاته.
وطلب السائل الإفادة عما إذا كان هذا المتوفى يعتبر شهيدا أم قتيلا.
ج:1- من قتله أهل البغى أو قطاع الطريق أو وجد فى المعركة وبه أثر القتل أو قتله مسلم ظلما ولم تجب الدية بقتله فهو شهيدا شرعا.
2 - إذا رمى مسلم سهما إلى الكفار فأصاب مسلما فمات فليس بشهيد لأن قتله ليس مضافا إلى العدو.
3 - إصابة الشخص بعيار نارى من أحد زملائه فى المعركة خطأ فمات بسببه لا يعتبر شهيدا.
وعليه فالشهيد شرعا هو من قتله أهل الحرب أو البغى أو قطاع الطريق أو وجد فى المعركة وبه أثر أو قتله مسلم ظلما ولم يجب بقتله دية.
وفرع الفقهاء على ذلك قولهم فلو رمى مسلم إلى الكفار فأصاب مسلما فمات لم يكن شهيدا خلافا لأبى يوسف.
لأن فعل الرامى يقطع النسبة إليهم ولأنه ما صار مقتولا بفعل مضاف إلى العدو - وفى حادثة السؤال المسئول عن أصيب أثناء العمليات الحربية فى شهر يونيو سنة 1967 - بطلقة من أحد زملائه خطأ أودت بحياته - وطبقا للنص الفقهى لا يعتبر شهيدا ولا تجرى عليه أحكام الشهداء.
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم.[28]
س: هل يجوز إطلاق "شهيد" على شخص بعينه فيقال: الشهيد فلان؟
ج: لا يجوز لنا أن نشهد لشخص بعينه أنه شهيد، حتى لو قتل مظلوماً، أو قتل وهو يدافع عن الحق، فإنه لا يجوز أن نقول: فلان شهيد وهذا خلاف لما عليه الناس اليوم حيث رخصوا هذه الشهادة وجعلوا كل من قتل حتى ولو كان مقتولاً في عصبية جاهلية يسمونه شهيداً، وهذا حرام لأن قولك عن شخص قتل: هو شهيد يعتبر شهادة سوف تسأل عنها يوم القيامة، سوف يقال لك: هل عندك علم أنه قتل شهيداً؟ ولهذا لما قال النبي، صلى الله عليه وسلم:"ما من مكلوم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك" فتأمل قول النبي، صلى الله عليه وسلم: "والله أعلم بمن يكلم في سبيله" ـ يكلم: يعني يجرح ـ فإن بعض الناس قد يكون ظاهره أنه يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا ولكن الله يعلم ما في قلبه، وأنه خلاف ما يظهر من فعله، لذلك فالشهادة لأحد بأنه شهيد تكون على وجهين:أحدهما: أن تقيد بوصف مثل أن يقال: كل من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن مات بالطاعون فهو شهيد، ونحو ذلك، فهذا جائز كما جاءت به النصوص، لأنك تشهد بما أخبر به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونعني بقولنا:ـ جائز ـ أنه غير ممنوع وإن كانت الشهادة بذلك واجبة تصديقاً لخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن تقيد الشهادة بشخص معين مثل أن تقول لشخص بعينه: إنه شهيد، فهذا لا يجوز إلا لمن شهد له النبي، صلى الله عليه وسلم، أو اتفقت الأمة على الشهادة له بذلك ولهذا بوب البخاري رحمه الله على هذه المسألة في صحيحه فقال: "باب لا يقال: فلان شهيد" قال الحافظ في الفتح 90/6 "أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي وكأنه أشار إلى حديث عمر أنه خطب فقال: تقولون في مغازيكم: فلان شهيد، ومات فلان شهيداً ولعله قد يكون قد أوقر راحلته، ألا لا تقولوا ذلكم ولكن قولوا كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من مات في سبيل الله، أو قُتل فهو شهيد.[29]
ولأن الشهادة بالشيء لا تكون إلا عن علم به، وشرط كون الإنسان شهيداً أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وهي نية باطنة لا سبيل إلى العلم بها،ولأن مدار الشهادة على القلب، ولا يعلم ما في القلب إلا الله - عز وجل - فأمر النية أمر عظيم، وكم من رجلين يقومان بأمر واحد يكون بينهما كما بين السماء والأرض وذلك من أجل النية فقد قال النبي، صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" والله أعلم.[30]
ولأننا لو شهدن لأحد بعينه أنه شهيد لزم من تلك الشهادة أن نشهد له بالجنة وهذا خلاف ما كان عليه أهل السنة فإنهم لا يشهدون بالجنة إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، بالوصف أو بالشخص، وبهذا تبين أنه لا يجوز أن نشهد لشخص بعينه أنه شهيد إلا بنص أو اتفاق، لكن من كان ظاهره الصلاح فإننا نرجو له ذلك كما سبق، وهذا كاف في منقبته، وعلمه عند خالقه -سبحانه وتعالى- والله أعلم.
قال ابن عثيميين: «من قُتل في سبيل الله، فهو شهيد» ، أما من قاتل للوطنية المحضة، فليس في سبيل الله؛ لأن هذا قتال عصبية يستوي فيه المؤمن والكافر، فإن الكافر يقاتل من أجل وطنه.[31]
س:هل يجزم بالشهادة لمن مات في حادث سيارة ؟
ج:فمن مات في حادث سيارة، يرجى أن يكون شهيدا ولا يجزم له بالشهادة، لعدم ثبوت نص بضابط من يموت شهيدا، وإنما عد النبي صلى الله عليه وسلم أصنافا ممن يموتون ميتة فيها شدة وألم، كالغريق، والحريق، والمطعون، والمبطون، والنفساء تموت بسبب ولدها، وكذا صاحب الهدم، وإنما قلنا ترجى له الشهادة، لأن موته فيه شدة وألم تشابه أو تفوق ما ورد في النصوص، ولذا ألحقه بعض العلماء بصاحب الهدم، أي الذي يتهدم عليه منزل فيموت.[32]
س: هل يجوز أن نقول فلان شهيد على طريق الإجمال ؟
ج: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: التقى هو المشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقال: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه من أهل النار! فقال رجل من القوم: أنا صاحبه. قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه وإذا أسرع أسرع معه. قال: فجرح الرجل جرحا شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه. فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله، قال وما ذاك؟ قال: الرجل الذي ذكرت آنفاً أنه من أهل النار! فأعظم الناس ذلك. فقلت: أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة.
وقد وضع الإمام البخاري هذا الحديث تحت باب: لا يقال فلا ن شهيد. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي، ثم قال: فالمراد النهي عن تعيين وصف واحد بعينه بأنه شهيد، بل يجوز أن يقال ذلك على طريق الإجمال.
والحديث فيه دليل على جواز إطلاق لفظ الشهادة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الصحابة ذلك بل أقرهم حيث كانوا يقولون: فلان شهيد وفلان شهيد. كما في لفظ مسلم حتى مروا على رجل فقالوا: فلان شهيد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا إني رأيته في النار فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم إطلاق لفظ الشهادة على الغال لملابسة خاصة به.
وعموماً فالشهادة والإيمان من موجبات دخول الجنة، فإذا قيل فلان مؤمن أو فلان شهيد فلا مانع من ذلك، وهو حكم بالظاهر وليس على سبيل القطع.[33]
فتاوى العلماء الذين أجازوا
سُئل شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ عن رَجُلٍ رَكِبَ الْبَحْرَ لِلتِّجَارَةِ، فَغَرِقَ فَهَلْ مَاتَ شَهِيدًا؟
فَأَجَابَ: نَعَمْ مَاتَ شَهِيدًا إذَا لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا بِرُكُوبِهِ فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " الْغَرِيقُ وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْحَرِيقُ شَهِيدٌ وَالْمَيِّتُ بِالطَّاعُونِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ فِي نِفَاسِهَا شَهِيدَةٌ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ شَهِيدٌ ". وَجَاءَ ذِكْرُ غَيْرِ هَؤُلَاءِ.
وَرُكُوبُ الْبَحْرِ لِلتِّجَارَةِ جَائِزٌ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ السَّلَامَةُ. وَأَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهُ لِلتِّجَارَةِ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ: إنَّهُ شَهِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.ا. هـ.[34]
وقد سُئل سماحةُ الشيخِ عبدُ العزيز بنُ باز ما نصه:
س: هل يجوز إطلاق لفظة (الشهيد) على المعين، مثل أن أقول: الشهيد فلان، وهل يجوز كتابة ذلك في المجلات والكتب وجزاكم الله خيرا؟
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده كل من سماه النبي صلى الله عليه وسلم شهيدا فإنه يسمى شهيدا؛ كالمطعون والمبطون وصاحب الهدم والغرق والقتيل في سبيل الله والقتيل دون دينه أو دون ماله أو دون أهله أو دون دمه، لكن كلهم يغسلون ويصلي عليهم ما عدا الشهيد في المعركة فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه إذا مات في المعركة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يغسل شهداء أحد الذين ماتوا في المعركة ولم يصل عليهم كما رواه البخاري في صحيحه عن جابر رضي الله عنه.
س: انتشرت في بلاد المسلمين المخدرات فهل يعتبر شهيدا من قتل من رجال مكافحة المخدرات المسلمين عند مداهمة أوكار متعاطي المخدرات ومروجيها؟ ثم ما حكم من يدلي بمعلومات تساعد رجال المكافحة للوصول إلى تلك الأوكار؟
ج: لا ريب أن مكافحة المسكرات والمخدرات من أعظم الجهاد في سبيل الله، ومن أهم الواجبات التعاون بين أفراد المجتمع في مكافحة ذلك، لأن مكافحتها في مصلحة الجميع؛ ولأن فشوها ورواجها مضرة على الجميع ومن قتل في سبيل مكافحة هذا الشر وهو حسن النية فهو من الشهداء، ومن أعان على فضح هذه الأوكار وبيانها للمسئولين فهو مأجور وبذلك يعتبر مجاهدا في سبيل الحق وفي مصلحة المسلمين وحماية مجتمعهم مما يضر بهم، فنسأل الله أن يهدي أولئك المروجين لهذا البلاء وأن يردهم إلى رشدهم وأن يعيذهم من شرور أنفسهم ومكائد عدوهم الشيطان، وأن يوفق المكافحين لهم لإصابة الحق وأن يعينهم على أداء واجبهم ويسدد خطاهم وينصرهم على حزب الشيطان إنه خير مسئول.[35]
س: هل يجوزُ إطلاقُ كلمة " الشهيد " على من استبان لنا منه أنه من أهل الصلاحِ والتقوى ثم قتل في سبيل اللهِ، هل يجوزُ لنا أن يقولَ عنه شهيد؟
ج: من قتل في سبيلِ الله في معركةٍ مع العدو وهو صابرٌ محتسبٌ فهو شهيدُ معركةٍ، لا يغسلُ ولا يكفنُ بل يدفنُ بملابسهِ.
أما غيرُ شهيدِ المعركةِ فهو كثيرٌ ويسمى شهيداً كمن قتل دون عرضهِ أو نفسهِ أو مالهِ، وكالمبطونِ والمطعونِ والغريقِ ونحوهم، وهذا يغسلُ ويكفنُ ويصلى عليه.[36]
س: حكم إطلاق لفظ الشهيد على المتوفون في حوادث السيارات هل هم شهداء؟
ج: يرجى لهم الشهادة، لأنهم من جنس صاحب الهدم، صاحب الهدم شهيد، صاحب الغرق شهيد، وصاحب حادث بالسيارة الذي يصدم، أو تنقلب به السيارة حتى يموت هو من جنس صاحب الهدم، نرجو له الشهادة.[37]
المعصية والشهادة:
المعصية لا تمنع الاتصاف بالشهادة، فيكون الميت شهيداً عاصياً؛ لأن الطاعة لا تلغي المعصية إلا في الصغائر، قال تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود:114/ 11] أي إن الحسنات بامتثال الأوامر، خصوصاً في العبادات التي أهمها الصلاة يذهبن السيئات، قال صلّى الله عليه وسلم: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها».[38]
قال بعض الفقهاء: من غرق في قطع الطريق فهو شهيد، وعليه إثم معصيته، وكل من مات بسبب معصيته فليس بشهيد، وإن مات في معصية بسبب من أسباب الشهادة، فله أجر شهادته، وعليه إثم معصيته.،ولو قاتل على فرس مغصوب أو كان قوم في معصية فوقع عليهم البيت، فلهم الشهادة، وعليهم إثم المعصية. وهذا يعني أنه إذا مات في حالة من حالات الشهادة أثناء معصية فهو شهيد عاص، وإذا مات بسبب المعصية فليس بشهيد. فالمرأة التي تموت بالولادة من الزنا الظاهر أنها شهيدة، أما لو تسببت امرأة في إلقاء حملها فليست بشهيدة للعصيان بالسبب. ومن ركب البحرلمعصية أو سافر آبقاً (هارباً) أو ناشزة، فمات فليس بشهيد.[39]
قال ابن حجر الهيتمي:وَإِنْ مَاتَ فِي مَعْصِيَةٍ جَزَمَ الْإِمَامُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَمَثَّلَ ذَلِكَ بِمَنْ غَرِقَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ قَالَ: وَكُلُّ مَنْ مَاتَ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ، وَإِنْ مَاتَ فِي مَعْصِيَةٍ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الشَّهَادَةِ فَلَهُ أَجْرُ شَهَادَتِهِ، وَعَلَيْهِ إثْمُ مَعْصِيَتِهِ.[40]
فتاوى عامة
س:هل الذين قتلوا في الحرب بين العراق وإيران شهداء ؟
ج: فالذين قتلوا في الحرب العراقية الإيرانية أمرهم إلى الله تعالى الذي لا يظلم الناس شيئاً، وقد أفضوا إلى ما قدموا، ولا حاجة للبحث عن موقفهم، والشهيد في الإسلام هو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وقتل على ذلك، وأما من قاتل أنفة وغيرة وحمية وليس لإعلاء كلمة الله ولا دفاعاً عن حق يبتغي وجه الله فليس بشهيد، ومن قتل دفاعاً عن بلده في حق أو دفاعاً عن ماله فهو شهيد، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ... رواه البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.[41]
س: كنت أشاهد برنامجا بعد إعدام الرئيس صدام حسين رحمه الله وكانت هناك وجهتان، فالأولى للعالم الجليل نصر فريد واصل وهو مفتي مصر سابقا والثانية لأحد أساتذة القانون والشريعة، وفي الأولى اعتبره ممثل وجهة النظر شهيدا وفي الثانية لم يعتبره شهيدا فما رأي فقهائنا في الشبكة الإسلامية؟
ج: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن نطق بالشهادتين فهو محكوم بإسلامه في الظاهر وحسابه على الله، وتجري عليه أحكام المسلمين، فإذا مات فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويترحم ويدفن في مقابر المسلمين، روى البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري عنه، فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قلت: كان متعوذاً، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.
وأما الحكم عليه بكونه شهيداً فلا، فإن لفظ الشهيد إذا أطلق انصرف إلى من قتل مجاهداً في سبيل الله، ومن قتل مجاهداً لا يجزم له بأنه نال أجر الشهادة، بل يرجى له ذلك فقط، فما بالك بغيره.[42]
س: هل ينال الكافر مرتبة الشهيد ولو مات بسبب من أسبابها ؟
ج: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشهادة مرتبة عظيمة لا ينالها كافر ولو مات بسبب من أسباب الشهادة، لأن شرط حصولها الإيمان بالله تعالى وبرسله، والذي لا يؤمن بالله وبرسله ليس له في الآخرة من نصيب، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ. {آل عمران:91} .
وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: أجمع العلماء على أن الكافر الذي مات على كفره لا ثواب له في الآخرة.
وقد تواترت نصوص الوحي من الكتاب والسنة على هذا المعنى، وسبق بيان شيء من ذلك في الفتوى رقم: 97165 وما أحيل عليه فيها.
وعلى ذلك فإن الشهادة بسبب الموت بالغرق أو غيره خاصة بأهل الإيمان.[43]
س: إذا مات الشخص غريقاً يكون شهيداً، طيب؛ وإذا كان عاصياً ولا يصلي فهل يحاسب على ذلك؟
ج: إذا مات الإنسان غريقاً فقد جاء في الحديث أنه من جملة الشهداء؛ كالذي يموت بالهدم أو بالحرق انظر: البخاري (654) ومسلم (1914) ، وكونه شهيدا لا يوجب أن تغفر له جميع ذنوبه، لكن هذا يدل على فضيلة، ويرجى أن يكون في موته على هذه الحال أجر يفضل به على غيره لما يحصل له من المغفرة بسبب هذا الابتلاء، ومن مات غريقاً وهو لا يصلي فإنه لا ريب أن موته غريق لا يوجب مغفرة الجرائم الكبيرة وترك الصلاة، فقد جاء في الحديث الصحيح أن تاركها كافر، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" مسلم (82) وفي الحديث الآخر: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" الترمذي (2621) ، النسائي (463) ، ابن ماجة (1079) وأحمد (22937) وليس الشهيد بالغرق والحرق والهدم كشهيد المعركة، يعني: الشهيد في معركة القتال في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، ومن قاتل وقتل في المعركة وهو لا يصلي فإنه لا يرجى له فضل الشهادة، لأنه لا يصلي، وإنما ترجى له مغفرة الذنوب التي دون ترك الصلاة ودون أنواع الكفر، نسأل الله السلامة والعافية، والله أعلم.[44]
س: إذا كان الذي يدافع عن ماله ونفسه وقتل شهيد هل يغفر الله له ذنوبه جميعاً حتى لو كان يشرب الخمر أو لا يصلي ولكنه مؤمن؟
ج: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن تارك الصلاة إن كان جاحداً لوجوبها فهو كافر بإجماع العلماء، وإن كان تاركاً لها تهاوناً وكسلاً فقد ذكر المحققون من أهل العلم أنه كافر أيضاً، وعلى كل حال فللصلاة شأن خاص، والذي يموت وهو تارك لها على خطر عظيم، فكيف يقال بأنه شهيد؟! أما سائر المعاصي فلا شك أنها خطر على العبد كذلك، ولكن الذي عليه أهل السنة والجماعة أنه في الآخرة تحت رحمة الله إن شاء عذبه وذلك بعدله، وإن شاء غفر له وذلك بفضله، إذا مات ولم يتب، أما التائب من الذنب فهو كمن لا ذنب له، والذي يقتل وهو يدافع عن نفسه وماله، وهو مؤمن يُرجى له خير إن كان محتسباً وصابراً على ما أصابه ومصلياً فإن للصلاة شأناً خاصاً كما أشرنا، ونحن لا نقطع لأحد بعينه بالشهادة حتى ولو كان مجاهداً في سبيل الله، ولكن نرجو له الشهادة، ورحمة الله واسعة، والله المسؤول أن يتولانا جميعاً برحمته، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.[45]
س: مات أحد الجنود فى معركة إسلامية ولم يكن يصلى، فهل يغفر الله له؟
ج: معلوم أن ترك الصلاة ورد فيه حديث مسلم "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" وأحسن ما قيل فيه ما ذكره النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 2 ص 70" أن تارك الصلاة إن كان منكرا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين، خارج من ملة الإسلام، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام ولم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة عليه، وإن كان تركه تكاسلا مع اعتقاده وجوبها، كما هو حال كثير من الناس، فقد اختلف العلماء فيه:
فذهب مالك والشافعى رحمهما الله والجماهير من السلف والخلف إلى أنه لا يكفر بل يفسق ويستتاب، فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزانى المحصن، ولكنه يقتل بالسيف -لابالرجم- وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر، وهو مروى عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل رحمه الله، وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعى رضوان الله عليه. وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزنى صاحب الشافعى رحمهما الله إلى أنه لا يكفر ولا يقتل، بل يعزر ويحبس حتى يصلى.
وإذ قد عرفنا حكم ترك الصلاة بأنه يدور بين الكفر والفسق، فإن الشهيد لو تركها جحدا كان كافرا، ولا تفيده الشهادة شيئا، فالجنة ونعيمها للمؤمنين خاصة وإن تركها كسلا كان فاسقا آثما، يمكن أن يدخل تحت قوله تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وإذا لم يشأ الله له المغفرة يعاقب على ترك الصلاة، وبخاصة اذا علمنا أنها دين له أى حق له، والحقوق لا تسقط فلابد من قضائها كما قال الترمذى "المواهب اللدنية للقسطلانى ج 2 ص 338". وقد صح فى الحديث الذى رواه مسلم "يغفر للشهيد كل شىء إلا الدَّيْن " فهل هو عام فى كل دين لله وللعباد، أو خاص بدين العباد لا يغفر إلا برده اليهم؟ .
قال النووى "شرح صحيح مسلم ج 13 ص 29": وأما قوله صلى الله عليه وسلم "إلا الدين " ففيه تنبيه على جميع حقوق الآدمبين، وأن الجهاد والشهادة وغيرمما من أعمال البر لا يكفر حقوق الآدميين، وإنما يكفر حقوق الله تعالى،فنرجو أن يغفر الله للشهيد ترك الصلاة، لأنها ليست دينا وحقا للآدميين، ولعموم مغفرة ما دون الشرك لمن يشاء.[46]
س: ما حكم الدين فى موت غير المسلم الذى كان يقاتل مع المسلمين ضد أعداء الدولة، وهل يعتبر شهيدا؟
ج: الشهادة التى وعد الله عليها الثواب العظيم بالجنة لا تكون إلا للمؤمن، وعلى أن تكون الحرب من أجل أن تكون كلمة الله هى العليا، وهذه هى الشهادة العظمى، فهناك شرطان لاستحقاق الإنسان ثوابها العظيم، الإيمان والإخلاص فى الجهاد.
وقبل الإسلام كان هناك شهداء أبلوا بلاء حسنا فى الدفاع عن عقيدتهم وأطلق عليهم لقب "الشهيد" ففى هؤلاء تحقق الإيمان بالنبى المرسل إليهم، أما الإخلاص فمرجعه إلى النية، والله وحده هو العليم بها، ونحن لنا الظاهر فى إطلاق الاسم ومعاملة صاحبه فى الدنيا على ضوئه، مع ترك الحكم عليه فى الآخرة لله سبحانه.
وبعد الإسلام لا يقبل من أحد غير هذا الدين ليكون مؤمنا، قال تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام} آل عمران: 119 وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد} آل عمران: 20.
فالذى يحارب الآن دفاعا عن العقيدة والحقوق ويموت إن لم يكن مسلما فلم يتحقق فيه الشرط الأول، وبذلك لا يعتبر من وجهة النظر الإسلامية شهيدا، وإن كان مسلما فقد تحقق الشرط الأول ويبقى الشرط الثانى لا لإطلاق اسم الشهيد عليه، ولكن لاستحقاقه المنزلة العالية فى الجنة، وهو الإخلاص الذى نص عليه فى الحديث "من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله " رواه البخارى ومسلم.
أما ما قام به غير المؤمنين من جهاد وبطولات فليس لهم ثواب فى الآخرة عليها كما قال تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان: 23.
ولهم ثوابهم فى الدنيا من مثل تقدير الناس لهم والتعامل معهم وأخذ استحقاقاتهم على أعمالهم، فحينما دعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يرزق أهل البلد "مكة " المؤمنين من الثمرات بين له ربه أن الرزق الدنيوى ينال منه المؤمنون وغير المؤمنين قال تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره الى عذاب النار وبئس المصير} البقرة: 126، وقال سبحانه فى موضع آخر {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون فى الأرض بغيرالحق وبما كنتم تفسقون} الأحقاف: 20.[47]
س: ماحكم إقامة نصب للشهداء تكتب عليه أسماؤهم وبعض الآيات القرآنية؟
ج: ليس من منهج الإسلام في تكريم الشهداء إقامة ما يسمى بنصب الشهداء أو نصب الجندي المجهول أو نحو ذلك من الأمور المبتدعة والتي عملها بعض المسلمين تقليداً لغير المسلمين. ومن المعلوم عند أهل العلم أن البناء على القبور محرم شرعاً وعلى ذلك دلت الأحاديث النبوية الشريفة فقد ثبت في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه) رواه مسلم. وقد اتفق العلماء من لدن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الوقت على حرمة البناء على القبور. ويضاف إلى ذلك أن إقامة نصب للشهداء ما هو إلا تشبه بغير المسلمين وقد نهينا عن التشبه بهم في مثل هذه الأمور وقد قامت على إثبات هذا الأصل الأدلة الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَءَامَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) سورة الحديد الآية 16. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [فقوله (وَلَا يَكُونُوا) نهي مطلق عن مشابهتهم وهو خاص أيضاً في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي] اقتضاء الصراط المستقيم ص 43. وكما في قوله صلى الله عليه وسلم: (خالفوا المشركين) رواه البخاري ومسلم. ومن المعلوم أن الشهداء لهم مكانة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى فلا يحتاجون إلى إقامة هذه النصب لتكريمهم. قال الله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) سورة النساء الآية 69. وقال تعالى: (وَالَّذِينَءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) سورة الحديد الآية 19. وثبت في الحديث عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وأن له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة) رواه البخاري. وغير ذلك من الأحاديث.[48]
وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَارَ مَقْتُولًا فِي قِتَالِ ثَلَاثٍ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ الْبُغَاةِ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ بِمَعْنَى مُضَافِ الْعَدُوِّ وَسَوَاءٌ كَانَ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوْ التَّسْبِيبِ كَانَ شَهِيدًا وَكُلُّ مَنْ صَارَ مَقْتُولًا بِمَعْنًى غَيْرِ مُضَافٍ إلَى الْعَدُوِّ لَا يَكُونُ شَهِيدًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.[49]
س: هل من مات غريقا وهو سكران تكتب له الشهادة علمًا بأن الغريق يعد شهيدًا حسب نص الحديث نرجو
من فضيلتكم الإفادة؟
ج: قبل الإجابة عن هذا السؤال أود أن أنبه إلى أنه في عصرنا هذا أصبح الشهيد رخيصًا عند كثير من الناس، حتى كانوا يصفون به من ليس أهلاً بالشهادة وهذا أمر محرم فلا يجوز لأحد أن يشهد لشخص بشهادة إلا لمن شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشهادة.
وبناء على هذا فإن قول السائل: لو غرق الإنسان وهو سكران فهل يكون من الشهداء؟
فإننا نقول: لا نشهد لهذا الغريق بعينه أنه شهيد سواء أنه كان قد شرب الخمر وسكر منه ثم غرق حال سكره، أم لم يشربها.[50]
[1] - (البخاري-2718 ،مسلم- 1877).
[2] - (البخارى- 2795)
[3] - ( أخرجه البخاري- 2809).
[4] - صحيح أخرجه سعيد بن منصور برقم (2562)والبيهقي في شعب الإيمان برقم (3949)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (3213).
[5] - أخرجه مسلم برقم (3949).
[6] - (أخرجه البخارى-1244).
[7] - تحفة الفقهاء (1/ 258).
[8] - حاشية الروض المربع (3/ 52).
[9] - فتاوى السبكي (2/ 349)
[10] - الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (2/ 1583).
[12] - فتاوى السبكي (2/ 349)
[13] - متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2829) , واللفظ له، ومسلم برقم (1914).
[14] - متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2830) , واللفظ له، ومسلم برقم (1916).
[15]- صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3111) , وأخرجه النسائي برقم (1846)، وهذا لفظه
[16] - صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4772) , وأخرجه الترمذي برقم (1421)، وهذا لفظه.
[17] - رواهُ البخاري (2787) .
[18] - الاستذكار (5/ 97،98)، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (19/ 13،14)
[19] - المنتقى شرح الموطإ (3/ 205).
[20] - شرح النووي على مسلم (13/ 22).
[21] - نقلا عن فيض القدير (4/ 183).
[22] - طرح التثريب في شرح التقريب (7/ 199،200)
[23] - الفتح (9/ 661)
[24] - فتح الباري لابن حجر (6/ 90)
[25] - شرح صحيح البخارى لابن بطال (3/ 262)
[26] - رواهُ البخاري (1243) .
[27] - رواه البخاري (4095) .
[28] - فتاوى دار الإفتاء المصرية (5/ 450).
[29] - (اسناده حسن) قال الحافظ بن حجر حديث حسن أخرجه أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما من طريق محمد بن سيرين عن أبي العجفاء عن عمر".انظر فتح الباري 6/90
[30] - فتاوى ورسائل ابن عثيمين - رحمه الله- رقم(457 -3/ 114).
[31] - مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (10/ 726)
[32] - فتاوى الشبكة الإسلامية (11/ 12610)
[33] - فتاوى الشبكة الإسلامية (11/ 12602)
[34] - الفتاوى (24/293)
[35] - أرشيف ملتقى أهل الحديث - 1 (69/ 40).
[36] - فتاوى اللجنةِ الدائمةِ (12/23)..
[37] - فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (13/ 470).
[38] - حديث حسن رواه الترمذي عن أبي ذر جُندُب بن جُنادة، وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما
[39] - رد المحتار لابن عابدين:(854/ 1).
[40] - الفتاوى الفقهية الكبرى (4/ 25).
[41] - فتاوى الشبكة الإسلامية (11/ 12588).
[42] - فتاوى الشبكة الإسلامية (11/ 12583).
[43] - فتاوى الشبكة الإسلامية (1/ 2900).
[44] - فتاوى واستشارات الإسلام اليوم (7/ 354).
[45] - فتاوى واستشارات الإسلام اليوم (7/ 351).
[46] - فتاوى دار الإفتاء المصرية (9/ 93)المفتي: عطية صقر.
[47] - فتاوى دار الإفتاء المصرية (8/ 331)،المفتي: عطية صقر.
[48] - فتاوى د حسام عفانة (18/ 153).
[49] - الفتاوى الهندية (1/ 169).
[50] - مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (25/ 451)