حكم تعزية أهل الكتاب (اليهود والنصارى)

2012-04-29

هاني الشيخ

حكم تعزية أهل الكتاب(اليهود والنصارى)

أولا:التفريق بين الكافر المستأمن والكافر المحارب

 الكفار من حيث موقفهم من الإسلام ينقسمون إلى قسمين:

كفار محاربون، وكفار مسالمون

فالكفار المحاربون لله ورسوله والمؤمنين

 لا يجوز شهود جنائزهم ولا حضور مراسيم تشييعهم إلى حفرهم الملتهبة بسعير النار وسوء القرار، ولا تجوز تعزيتهم على ذلك، لأن المحارب لله ورسوله والمؤمنين سواء مات على فراشه أو في المعركة ضد الإسلام والمسلمين فلا يختلف الحكم في حقه، ما دام يناصب المسلمين العداء لأجل إسلامهم، وفي موقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - من قتلى المشركين في بدر منهج ونبراس في ذلك حيث أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة (رضي الله عنهم) بجرهم إلى القليب كما تجر الميتة من الغنم -برغم صلة القرابة بين هؤلاء وبين معظم المسلمين- فلم يقم الرسول - صلى الله عليه وسلم - نحوهم بأي إجراء يستشعر منه الحزن والندم على هؤلاء الكفار ولم يأمر بدفنهم حسبما تعود عليه الكفار، أو يشاركهم في ذلك فقد عاش الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مكة والمدينة بعد البعثة ثلاثًا وعشرين سنة لم يذكر أهل الحديث والتاريخ أنه شيع جنازة كافر أو عزى أحدًا منهم في ذلك. ومن ذلك عمه أبو طالب لم يشيعه ولم يعز فيه عليًا (رضي الله عنه).

 أما أهل الذمة والعهد والمسالمون من الكفار

 فالأصل عدم جواز حضور موتاهم أو المشاركة في تشييعها والذهاب معها إلى كنيسة أو بيعة أو نحو ذلك كما لا يجوز حضور جنازة أحد من هؤلاء وقت دفنها والدليل على ذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد نُهِي عن الصلاة على المنافقين في قوله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ)[1] فإذا كان الله عز وجل قد نهى عن الصلاة والقيام على جنائز المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر فإن من يظهر الكفر علانية أولى بهذا الحكم، فكيف من يعلن كفره وحربه للإسلام والمسلمين، وقد ذكر الله عز وجل أن علة النهي عن الصلاة وشهود دفن الجنازة في قبرها هي الكفر وهي متوفرة في الكفار جميعًا محاربين ومسالمين ومنافقين.[2]

ذكر أقوال العلماء والخلاف بينهم في مسألة تعزية الكفار وأهل الكتاب

اختلف العلماء في تعزية الكافر فذهب الأئمّة: كالشّافعي[3] وأبي حنيفة في رواية عنه[4] إلى أنّه يعزّى المسلم بالكافر، وبالعكس.

قال الإمام النووي (ويجوز للمسلم أن يعزي الذمي بقريبه الذمي).[5]

قال الإمام ابن قدامة ( وتوقف أحمد عن تعزية أهل الذمة وهي تُخرَّج على عيادتهم وفيها روايتان إحداهما: لا نعودهم؛ فكذلك لا نعزيهم، لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :" لا تبدؤوهم بالسلام"، وهذا في معناه.

قال الأثرم: سئل أبو عبد الله: يعزى أهل الذمة؟ فقال: ما أدري ما أخبرك.[6]

قال الفضل بن زياد: سألت أبا عبد الله، قلت: كيف يعزى النصراني؟ قَالَ: لا أدري، لم يعزه؟[7]

 والثانية: نعودهم لما ورد من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كان غلام يهودي يخدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمرض فأتاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعوده فقعد عند رأسه فقال له:" أسلم"، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأسلم فخرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقول:"الحمد لله الذي أنقذه من النار".[8]، فعلى هذا نعزيهم)[9]

والذي يظهر أنه يجوز تعزيتهم عند الوفاة، وعيادتهم عند المرض، ومواساتهم عند المصيبة. والدليل حديث أنس بن مالك السابق.

قول من أجاز اتباع المسلم جنازة قريبه الكافر

وعَنْ أَبِي وَائِلٍ- شقيق بن سلمة قَالَ: مَاتَتْ أُمِّي نَصْرَانِيَّةً، فَأَتَيْتُ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: ارْكَبْ فِي جَنَازَتِهَا، وَسِرْ أَمَامَهَا.[10]

قَيلَ لأبي عبد الله: الرجل يكون له جار مسلم، ماتت أمه نصرانية، يتبع هذا جنازتها؟ قَالَ: لا يتبعها، يكون ناحية منها.[11]

قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله سئل عن شهود جنازة النصارى الجيران؟ قَالَ: على نحو ما صنع الحارث بن أبي ربيعة، كان يشهد جنازة أمه، فكان يقوم ناحية ولا يحضر، لأنه ملعون.[12]

قال شمس الدين الرملي:

(وَلَا بَأْسَ بِاتِّبَاعِ الْمُسْلِمِ) بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ (جِنَازَةَ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ " لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت لَهُ: إنَّ عَمَّك الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ، قَالَ: انْطَلِقْ فَوَارِهِ " وَلَا يَبْعُدُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إلْحَاقُ الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ بِالْقَرِيبِ، وَيَلْحَقُ بِهِ أَيْضًا الْمَوْلَى وَالْجَارُ كَمَا فِي الْعِيَادَةِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ تَحْرِيمَ تَشْيعِ الْمُسْلِمِ جِنَازَةَ الْكَافِرِ غَيْرَ نَحْوِ الْقَرِيبِ، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّاشِيُّ كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ.[13]

فصل في الصيغة التي يعزى بها الكافر(القريب) وكيفية شهود جنازته

وقال أبو سيف: بلغنا أن رجلاً نصرانيًا كان يأتي الحسن البصري ويغشى مجلسه، فمات، فسار الحسن إلى أخيه ليعزيه. فقال له: {أثابك الله على مصيبتك ثواب من أصيب بمثلها من أهل دينك، وبارك الله لنا بالموت وجعله خير غائب ننتظره عليك بالصبر فيما نزل بك من المصائب.}[14]

وقَالَ الحسن البصري: إذا عزيت الذمي، فقل: لا يصيبك إلا خير.[15]

قال هريم: سمعت الأجلح عزى نصرانيا، فقال: عليك بتقوى الله والصبر.[16]

وقال حرب: قلت لأبي إسحاق: فكيف يعزي المسلم المشرك؟ قال: يقول أكثر الله مالك وولدك.

وقد سُئِلَ الإمام أحمد (رحمه الله) عن رجل مسلم يموت له قريب يهودي أو نصراني ماذا يفعل معه فقال: يركب دابته ويسير أمام الجنازة فلا يكون خلفها، فإذا أرادوا الدفن رجع.

 الضوابط التي تراعى عند تعزية أهل الكتاب

ضوابط حضور جنازة الكفار ذوي القربى:

الأول: أن يكون الكافر الميت قريبًا للمسلم قرابة مباشرة كأن يكون من آبائه أو أبنائه أو إخوانه أو نحو ذلك.

ثانيًا: أن لا يحضر الصلاة عليه، ولا يقوم على قبره أثناء الدفن.

ثالثًا: أن يسير أمام الجنازة بعيدًا عنها قليلاً وأن يقف بعيدًا عن القبر وإذا أرادوا الدفن رجع ويستحسن أن يكون راكبًا لما في ذلك من إظهار عزة المسلم واستعلائه على الكفار حسًا ومعنى.

رابعاً: ولا يجوز للمسلم أن يحثو التراب على قريبه الكافر عند مواراته إلا إذا لم يكن هناك من يقوم بهذا العمل من الكفار، وتلك الحالة من الضرورات التي تقدر بقدرها.

خامساً: إذا فعل ذلك ينوي دعوتهم، وتأليف قلوبهم على الإسلام، ويدعوهم بالطريقة المناسبة في الوقت المناسب.

سادساً: كما ينبّه أيضاً على أنه في حالة التعزية لا يُدعى لميّتهم بالمغفرة والرحمة أو الجنة، لقوله تعالى:{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }[17]

تنبيهات مهمة

ينبغي على المسلم أن يتجنب حضور جنائز الكفار مطلقًا وخاصة في موضعين:

1 - حضور أماكن الصلاة على الكفار في الكنائس والبيع وما في حكمها ويلحق بذلك ما إذا كان الميت كافرًا بالردة عن الإسلام أو منافقًا ظاهر النفاق، فإنه لا يصح للمسلم المتمسك بإسلامه الصلاة أو القيام على هؤلاء جميعًا.

2 - لا يجوز القيام على قبر الكافر وقت الدفن أيًا كان نوع كفره عملاً بنص الآية المتقدمة حيث تدل على النهي عن الصلاة والقيام على قبر الكافر ودلالة النصوص على ذلك قطعية الثبوت، قال تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ).[18]

فصل في فتاوى العلماء المعاصرين في حكم تعزية أهل الكتاب والكفار

س: أنا أعيش في منطقة ريفية وقريتنا جزء منها مسلمون والجزء الآخر نصارى، فإذا مات أحد المسلمين حضر النصارى تشييع جنازته ودفنه، ثم التعزية لأهل الميت، فقال عمدة القرية: لماذا لا نفعل مثل فعل النصارى، أي: إذا مات أحد النصارى نشيع جنازته ونمشي فيها ونعزي النصارى. ما حكم هذا الفعل؟ أفتونا مأجورين

ج: لا يجوز للمسلم أن يشيع جنازة الكافر ويحضر دفنها؛ لأن الله سبحانه نهانا عن موالاة الكفار، وأما تعزية الكافر بميته فلا بأس بها، ولكن لا يدعى لميتهم بالمغفرة.[19]

 

قال الإمام الألباني(ت1420هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ عندما سئل عن تعزية الذمي قال (نعم يجوز)

 والإمام الألباني يقيد جواز تعزية الكافر بأن لا يكون حربياً، عدواً للمسلمين[20]

 وقال الشيخ محمد بن عثيمين(ت1421هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ عن تعزية الكافر في قريبه، أو صديقه: ( تعزية الكافر إذا مات له من يعزى له به من قريب أو صديق في هذا خلاف بين العلماء؛فمن العلماء من قال: إن تعزيتهم حرام؛ ومنهم من قال: أنها جائزة؛ ومنهم من فصل في ذلك فقال: إن كان في ذلك مصلحة كرجاء إسلامهم، وكف شرهم الذي لا يمكن إلا بتعزيتهم، فهو جائز وإلا كان حراماً والراجح أنه إن كان يفهم من تعزيتهم إعزازهم وإكرامهم كانت حراماً، وإلا فينظر في المصلحة).[21]

 [هل يجوز دخول الكنائس للتعزية والاستماع إلى حديثهم وكله شرك بالله؟]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن تعزية النصارى جائزة لأنها من باب حسن المعاملة والبر، ولأنها تقتضيها ضرورة المجاورة، وقد أذن الله تعالى في ذلك، حيث قال: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[22]

وإذا جازت التعزية فلا فرق بين أن تكون في البيوت أو في الكنائس، إلا أنه يشترط في ذلك كله أن لا يشتمل على أمر محرم، أو إقرار لهم على باطل يفعلونه أو يقولونه، أما الاستماع إلى كلامهم المتضمن للشرك بالله تعالى فلا يجوز، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).[23]

وعلى ذلك، فإذا كانت مجالس العزاء عندهم لا تخلو من ذلك في وقت من الأوقات، فلا يجوز حضورها. والله أعلم.[24]  

السؤال:مات زميل لنا في العمل، وكان متقناً عمله، وأخلاقه جيدة، ولكنه نصراني فحضر بعض الزملاء الجنازة في الكنيسة، منهم من كان يقف كلما وقف الموجودون في الكنيسة، ومنهم من لم يشارك في أي شيء سوى أنه جلس معهم فقط، ما حكم الإسلام في حضور هذه الجنازة في الكنيسة، ودخول مقابرهم للمجاملة؟ وهل حضر الرسول جنائز لأهل الذمة؟ وجزاكم الله خيراً.

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:

فالأصل في التعامل مع النصارى وغيرهم من الكفار قوله تعالى في سورة الممتحنة:"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين*إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون"

وعليه فإذا كان أهل الزميل المذكور من القسم الأول فلا بأس من زيارتهم ودخول منازلهم وتعزيتهم في مصابهم والإحسان إليهم وحسن التعامل معهم، لكن يجب أن يكون ذلك كله مصحوباً بدعوتهم إلى الإسلام واستمالة قلوبهم إليه، مع بغض ما هم عليه من كفر وضلال.

والميت النصراني –مهما كانت أخلاقه في العمل وحسن تعامله- لا تجوز الصلاة عليه ولا الدعاء له بالمغفرة، لا الصلاة الشرعية ولا صلاتهم هم البدعية على موتاهم، بل هذه من باب أولى سواء في كنائسهم أو في غيرها.

وعليه فلا تجوز المشاركة في مواسم عباداتهم واحتفالاتهم في تشييع جنائزهم ولا في غيرها.

كما لا يجوز الوقوف صمتاً دقيقة واحدة أو أكثر أو أقل حداداً وتشريفاً لأرواح الموتى، لأن هذا من شعائر الكفار التي أمرنا بمخالفتهم، سواء كان ذلك مجاملة أو عادة أو تقليداً.

فلا تجوز المجاملة في دين الله تعالى ولا الالتزام بالأعراف والتقاليد المخالفة لدين الله، ومع ذلك فإنه يجوز حمل جنازة الكافر والذهاب بها إلى المستشفى أو إلى مكان الدفن إذا لم يوجد من يقوم بذلك.

أما دخول الكنائس فالأصل فيه المنع إلا لمصلحة شرعية، لما روى البيهقي بإسناد صحيح إلى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- قال:"...ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم ومعابدهم فإن السخطة تنزل عليهم".

ولا نعرف عن النبي –صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من الخلفاء الراشدين أنه شيع جنازة أحد من أهل الذمة.

بل قد ورد النهي الصريح للنبي –صلى الله عليه وسلم- من الله تعالى أن يقوم على قبر عبد الله بن أبي سلول فقال تعالى:"ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون"].[25]

 كذلك لم يشهد النبي –صلى الله عليه وسلم- جنازة عمه أبي طالب مع قرابته ومناصرته له، وإنما قال لعلي –رضي الله عنه-:"اذهب فواره".[26]

سؤالي هو:ما حكم الترحم على أهل الكتاب، كالترحم على البابا مثلا؟ وهل تجوز تعزية أهله؟.

الجواب

لا يشرع الترحم على غير أهل القبلة (المسلمين)، لكن لا بأس بتعزية الكافر في ميته إذا كان في ذلك مصلحة شرعية[27]

فصل فيمن منع تعزية الكفار وتشيع جنائزهم وفتاوى العلماء في ذلك

عن علي قال: قلت للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن عمك الشيخ الضال قد مات»، قال: «اذهب فَوَارِ أباكَ، ثم لا تُحْدِثَنَّ شيئاً حتى تأتيَني» فذهبت فواريتُه، وجئتُه، فأمرني فاغتسلتُ ودعا لي.[28]

فهذا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يحضر جنازة عمه، رغم أنه كان يحميه ويدافع عنه، وأمر ابنه علياً أن يواريه ولما جاء أمره بالاغتسال.

وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: «لَا يَحْمِلُ الْمُسْلِمُ جَنَازَةَ الْكَافِرِ، وَلَا يَقُومُ عَلَى قَبْرِهِ»[29]

( وتحرم تعزية الكافر ) سواء كان الميت مسلما أو كافرا لأن فيها تعظيما للكافركبداءته بالسلام.[30]

لا يجوز للمسلم أن يتبع جنازة الكافر؛ لأن تشييع الجنازة من إكرام الميت، والكافر ليس أهلاً للإكرام، بل يهان.[31]

س: ما حكم الله في حضور جنائز الكفار، الذي أصبح تقليداً سياسياً وعرفاً متبعاً؟

ج: إذا وجد من الكفار من يقوم بدفن موتاهم فليس للمسلمين أن يتولوا دفنهم، ولا أن يشاركوا الكفار ويعاونوهم في دفنهم أو يجاملوهم في تشييع جنائزهم، عملاً بالتقاليد السياسية، فإن ذلك لم يعرف عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا عن الخلفاء الراشدين، بل نهى الله رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يقوم على قبر عبد الله بن أُبَيّ ابن سلول، وعلل ذلك بكفره، قال تعالى: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَاَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84]، وأما إذا لم يوجد من يدفنه دفنه المسلمون كما فعل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقتلى بدر، وبعمه أبي طالب لما توفي قال لعليّ: «اذهب فَوَارِه».[32]

س 1: هل يجوز للمسلم متابعة جنازة مسيحي؟

ج 1: لا يجوز للمسلم تشييع جنازة النصراني ولا غيره من الكفرة ولا حضور دفنه؛ لأن الله حرم موالاة الكفار، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}  ، وقال تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ}  ، فدل ذلك على أن الحكم يعم جميع الكفرة من اليهود والنصارى والمجوس والوثنيين والمنافقين، وتشييع جنائزهم من موالاتهم.[33]

 س 313 سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى : ما حكم تعزية أهل الكتاب وغيرهم من الكفار إذا مات لهم ميت مما يفهم منه إكرامهم؟ وما حكم حضور دفنه والمشيء في جنازته؟

فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز تعزيته بذلك، ولا يجوز أيضاً شهود جنائزهم وتشييعهم، لأن كل كافر عدو للمسلمين، ومعلوم أن العدو لا ينبغي أن يواسى أو يشجع للمشي معه، كما أن تشييعنا لجنائزهم لا ينفعهم؛ ومن المعلوم أيضاً أنه لايجوز لنا أن ندعو لهم لقول الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُو?اْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُو?اْ أُوْلِى قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }.[34]

[هل يجوز تشييع جنازة الكتابي، علماً بأنه يقترن سير الجنازة بحمل صليب؟]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز للمسلم تشييع جنازة الكافر، كتابياً كان هذا الكافر أم غير كتابي، قريباً كان أم غريباً على الراجح من أقوال أهل العلم، ويتأكد المنع بوجود هذا الصليب الذي هو شعيرة من شعائر الكفر، ويجسد الكذبة الكبرى التي نفاها الله في محكم كتابه، فقال: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ {النساء:157}.[35]

شبهات والجواب عليها

1- وقد يعترض معترض فيقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أن يواري أبا طالب في قبره عند وفاته بمكة والجواب أن مواراة علي لوالده، إن ثبتت يقينًا فهي منسوخة بآية التوبة حيث إن هذه الآية نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين بالمدينة  والمتأخر ينسخ المتقدم كما هي القاعدة فلا إشكال في ذلك.

2-وقد يقول قائل ورد عند النسائي (1921) أن النبي –صلى الله عليه وسلم- مرت به جنازة فقام –عليه الصلاة والسلام- فقيل: إنها من أهل الأرض –يعني الذميين- وفي رواية إنها يهودية، فقال:"أليست نفساً" فقد اختلفت العلة في قيام النبي –صلى الله عليه وسلم- لهذه الجنازة فقد ورد في رواية جابر عند النسائي (1922) قال: قلت يا رسول الله، إنما هي جنازة يهودية، فقال:"إن للموت نزعاً" وفي رواية لأنس (1929) قال –صلى الله عليه وسلم-:"إنما قمنا للملائكة" وعلل الحسن البصري –رحمه الله- قيام النبي –صلى الله عليه وسلم- لجنازة اليهودي بقوله: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في طريقها جالساً، فكره أن تعلو رأسه جنازة يهودي فقام. (سنن النسائي 1927).

علماً بأنه ذهب بعض أهل العلم كابن عباس – رضي الله عنهما- وغيره إلى نسخ القيام للجنازة مطلقاً، لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يعد يقوم بعد ذلك كما قاله ابن عباس –رضي الله عنهما-، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.[36]

وخلاصة القول في ذلك أن الكفار المحاربين لا يجوز تشييع موتاهم ولا حضور جنائزهم على أي وجه يشعر بالتقدير والاحترام ولو كان ذلك جائزًا لفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع معه أبي طالب، ولكن يجوز مواراة الكافر المحارب في بئر ونحوه عند عدم من يقوم بذلك من الكفار أنفسهم.

أما أهل الذمة والعهد والمسالمين من الكفار فالأصل عدم حضور جنائزهم ويستثنى من ذلك ما إذا كان الميت أبًا أو أخًا أو ابنًا للمسلم فإنه يجوز للمسلم أن يشيعه بشرط عدم حضور الصلاة عليه في كنيسة أو نحوها وكذلك عدم حضوره وقت الدفن إلا إذا لم يوجد من يدفنه من الكفار باشر دفنه للضرورة.

والخلاصة في مسألة التعزية إذا كان الكافر محاربًا لله ورسوله والمؤمنين فلا تجوز التعزية مطلقًا بحق الكفار المحاربين.

أما أهل الذمة والعهد والمسالمين من الكفار فقد قال الفقهاء بالجواز والمنع، ومن أجاز اشترط قصد الملاطفة والدعوة إلى الله.



[1] - التوبة آية 84

[2] - الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية (2/ 738)

[3] - المجموع(5/275).

[4] - حاشية ابن عابدين(3/140)

[5] - روضة الطالبين(2/145).

[6] - أحكام أهل الملل والردة من الجامع لمسائل الإمام أحمد بن حنبل (ص: 223)

[7] - أحكام أهل الملل والردة من الجامع لمسائل الإمام أحمد بن حنبل (ص: 224)

[8] - أخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب إذا أسلم الصبي ومات هل يصلى عليه(فتح3/582-583 برقم1356)، وأبو داود في كتاب الجنائز: باب في عيادة الذمي(3/240برقم3095).

[9] - انظر المغني (3/486).

[10] - أحكام أهل الملل والردة من الجامع لمسائل الإمام أحمد بن حنبل (ص: 218).

[11] - أحكام أهل الملل والردة من الجامع لمسائل الإمام أحمد بن حنبل (ص: 220).

[12] - أحكام أهل الملل والردة من الجامع لمسائل الإمام أحمد بن حنبل (ص: 220)

[13] - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (3/ 22)

[14] - الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية (2/ 744)

[15] - المصدر السابق.

[16] - أحكام أهل الملل والردة من الجامع لمسائل الإمام أحمد بن حنبل (ص: 224)

[17] - سورة التوبة آية:113.

[18] - سورة التوبة آية 84 .

[19] - اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء- الفتوى رقم (19584)

[20] - صحيح الأدب المفرد(ص:430رقم الأثر1112).

[21] - مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين.

[22] - [الممتحنة:8] .

[23] - [الأنعام:68] .

[24] - فتاوى الشبكة الإسلامية (11/ 13319)

[25] - التوبة: 84.

[26] - الخلاصة في أحكام أهل الذمة (3/ 143)

[27] - فتاوى واستشارات الإسلام اليوم (15/ 365)

[28] - رواه الإمام أبو داود كتاب الجنائز باب (7) الرجل يموت له قرابة مشرك حديث (3214) وصححه الشيخ الألباني.

[29] - الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (5/ 342)

[30] - مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (2/ 304)

[31] - الشرح الممتع على زاد المستقنع (5/ 271)

[32] - فتاوى اللجة الدائمة (9/ 10 - 11).

[33] - فتاوى اللجنة الدائمة 2 (7/ 395)

[34] - مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (17/ 228)

[35] - فتاوى الشبكة الإسلامية (11/ 12663 )

[36] - الخلاصة في أحكام أهل الذمة (3/ 143)

عدد المشاهدات 60369