الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، نحمده تعالى ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، ونصلي ونسلم على خير خلقه وخاتم أنبيائه وإمام رسله، وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعـدُ
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانت المرأة تكون مقلاتًا، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوّده، فلما أُجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا لا ندع أبناءنا، فأنزل الله عز وجل لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ البقرة
هذا الحديث أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، بابٌ في الأسير يُكْرَه على الإسلام برقم ، كما أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم وقال محقق الإحسان إسناده صحيح على شرطهما، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود
شرح الحديث
المرأةُ المقلاتُ هي التي لا يعيش لها ولد، وقيل هي أيضًا التي تلد ولدًا واحدًا، ولا تلد بعده فكانت الأوس والخزرج يفعلون ذلك؛ أي تنذر المرأة منهم إن عاش لها ولد؛ أن ترسل به إلى اليهود ليكون يهوديًّا؛ لأنهم يرون أن دين اليهود أفضل مما هم عليه؛ وذلك قبل الإسلام، فلما جاء الله بالإسلام؛ فرأوا أن يُكرهوا أولادهم على الإسلام، فأنزل الله عز وجل لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ، فمن شاء من هؤلاء الأولاد؛ التحق باليهود، ومن شاء؛ دخل في الإسلام، وهذا القول نسبه القرطبي في تفسيره لسعيد بن جبير والشعبي ومجاهد، إلا أن مجاهدًا قال كان سبب كونهم في بني النضير الاسترضاع، ونسب هذا القول ابن كثير في تفسيره لهؤلاء الثلاثة، وزاد معهم الحسن البصري
كما أورد ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق ابن إسحاق قوله لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قال نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصين، كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلاً مسلمًا، فقال للنبي ألا أستكرههما؛ فإنهما أبيا إلا النصرانية؟ فأنزل الله فيه ذلك وقال ابن كثير رواه ابن جرير، قال وروى السدي نحو ذلك، وزاد وكانا قد تنصَّرَا على أيدي تجار قدموا من الشام يحملون زيتًا، فلما عزما على الذهاب معهم، أراد أبوهما أن يستكرههما، وطلب من رسول الله أن يبعث في آثارهما، فنـزلت هذه الآية
تفسير الآية
بعد ما سقنا سبب نزول الآية اتضح معناها؛ ولا شك أن معرفة سبب نزول الآية يساعد على فهمها فهمًا صحيحًا، وإن كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما تقرر ذلك عند علماء المسلمين، وقد قال الإمام ابن كثير في تفسيره يقول تعالى لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ أي لا تكرهوا أحدًا على الدخول في الإسلام؛ فإنه بيّن واضحٌ جليّ دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يُكرَه أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله، وشرح صدره، ونوَّر بصيرته؛ دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه، وختم على سمعه وبصره؛ فإنه لا يفيده الدخول فيه مكرهًا مقسورًا، قال وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار، وإن كان حكمها عامًّا
قال القرطبي اختلف العلماء في هذه الآية على ستة أقوال
الأول قيل إنها منسوخة؛ لأن النبي قد أكره العرب على دين الإسلام، وقاتلهم، ولم يرضَ منهم إلا بالإسلام، قاله سليمان بن موسى، قال نسختها يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ، وروي هذا عن ابن مسعود وكثير من المفسرين
الثاني ليست بمنسوخة؛ وإنما نزلت في أهل الكتاب خاصة، وأنهم لا يُكْرَهُون على الإسلام إذا أدوا الجزية، والذين يُكْرَهون هم أهل الأوثان، فلا يُقبل منهم إلا الإسلام، فهم الذين نزلت فيهم يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ، هذا قول الشعبي والحسن وقتادة والضحاك والحجة لهذا القول ما رواه زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لعجوز نصرانية أَسْلمي أيتها العجوز تَسْلَمِي، إن الله بعث محمدًا بالحق قالت أنا عجوز كبيرة، والموت إليَّ قريب فقال عمر اللهم اشهد، وتلا لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ
وقد أورد ابن كثير ما رواه ابن أبي حاتم بسنده عَن أُسَق، قَالَ كُنْتُ مَمْلُوكًا نَصْرَانِيًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَانَ يَعْرِضُ عَلَيَّ الإِسْلامَ فَآبَى فَيَقُولُ «لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ»، وَيَقُولُ يَا أِسْقُ لَوْ أَسْلَمْتَ، لاسْتَعَنَّا بِكَ عَلَى بَعْضِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ تفسير ابن أبي حاتم
الثالث ما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال نزلت هذه في الأنصار، وساق الحديث الذي صدّرنا به المقال
الرابع ما قاله السدي من أنها نزلت في رجل من الأنصار يقال له أبو حصين وقد تقدم
الخامس قيل معناها لا تقولوا لمن أسلم تحت السيف مجبرًا مكرهًا
السادس أنها وردت في السبي، متى كانوا من أهل الكتاب لم يُجبَروا إذا كانوا كبارًا
وقال الطاهر ابن عاشور في «التحرير والتنوير» بعد ما ساق الآية «استئناف بياني ناشئ عن الأمر بالقتال في سبيل الله، في قوله تعالى وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ البقر ؛ إذ يبدو للسامع أن القتال لأجل دخول العدوِّ في الإسلام، فبيَّن في هذه الآية أنه لا إكراه على الدخول في الإسلام
قال وتعقيب آية الكرسي بهذه الآية بمناسبة أن ما اشتملت عليه آية الكرسي من دلائل التوحيد، وعظمة الخالق وتنزيهه عن شوائب ما كفرت به الأمم؛ من شأنه أن يسوق ذوي العقول إلى قبول هذا الدين الواضح العقيدة، المستقيم الشريعة باختيارهم دون جبر أو إكراه، ومن شأنه أن يجعل دوامهم على الشرك بمحل السؤال أَيُتْرَكُون عليه أم يُكْرَهُون على الإسلام؟ فكانت الآية للبيان
قال ونفي الإكراه خبر بمعنى النهي، والمراد نَفْيُ أسباب الإكراه في حكم الإسلام، أي لا تُكرِهوا أحدًا على اتباع الإسلام قسرًا، وجيء بنفي الجنس لقصد العموم نصًّا، وهي دليل واضح على إبطال الإكراه على الدين بسائر أنواعه؛ لأن أمر الإسلام يجري على الاختيار وقد تقرر في صدر الإسلام قتالُ المشركين على الإسلام، وفي الحديث «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» متفق عليه
ولا جائز أن تكون هذه الآية نزلت قبل القتال كله، فالظاهر أن هذه الآية نزلت بعد فتح مكة واستخلاص بلاد العرب، فنسخت حكم القتال على قبول الكافرين الإسلام، ودلت على الاقتناع منهم بالدخول تحت سلطان الإسلام، وهو المعبّر عنه بالذمة، ووضحه عمل النبي ، وذلك حين خلصت بلاد العرب من الشرك بعد فتح مكة، وبعد دخول الناس في دين الله أفواجًا، حين جاءت وفود العرب بعد الفتح، فلما تم مراد الله من إنقاذ العرب من الشرك، والرجوع بهم إلى ملة إبراهيم عليه السلام، ومن تخليص الكعبة من أرجاس المشركين، ومن تهيئة طائفة عظيمة لحمل هذا الدين وحماية بيضته، وتبين هدي الإسلام، وزال ما كان يحول دون اتباعه من المكابرة، وحقّق الله سلامة بلاد العرب من الشرك كما جاء في خطبة الوداع من قوله «إن الشيطان قد يئس أن يُعبد في جزيرة العرب» متفق عليه ؛ لما تم ذلك كله أبطل الله القتال على الدين يعني على الدخول في الدين ، وأبقى القتال على توسيع سلطانه، ولذلك قال في سورة التوبة قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ، وقال وعلى هذا تكون الآية ناسخة لما تقدم من آيات القتال مثل قوله تعالى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ التحريم اهـ بتصرف التحرير والتنوير
ثم قال على أن الآيات النازلة قبلها أو بعدها أنواع ثلاثة
أحدها آيات أمرت بقتال الدفاع؛ كقوله تعالى وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً التوبة ، وقوله تعالى الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ البقرة ، وهذا قتال ليس للإكراه على الإسلام، بل هو لدفع غائلة المشركين
النوع الثاني آيات أمرت بقتال المشركين والكفار، ولم تُغَيَّ بغاية، فيجوز أن يكون إطلاقها مقيدًا بغاية آيةِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ، وحينئذٍ لا تعارض آيتنا هذه لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ
النوع الثالث ما غُيِِّيَ بغاية؛ كقوله تعالى وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ، فيتعين أن يكون منسوخًا بهاته الآية وآيةِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ كما نُسِخَ حديثُ «أمرت أن أقاتل الناس» قال هذا ما يظهر لنا في معنى الآية، والله أعلم اهـ التحرير والتنوير
قال القاسمي في تفسيره فالنفي بمعنى النهي، وهو ما ذهب إليه في تأويل الآية كثير وذهب آخرون إلى أنه خبر محض أي أنه تعالى ما بنى أمر الإيمان على الإجبار والقسر، وإنما بناه على التمكين والاختيار قال القفال موضحًا له لما بيَّن تعالى دلائل التوحيد بيانًا شافيًا قاطعًا للعذر؛ أخبر بعد ذلك أنه لم يبقَ بعد إيضاح الدلائل للكافر عذرٌ في الإقامة على الكفر، إلا أن يُقْسَر على الإيمان ويُجْبَر عليه، وذلك مما لا يجوز في دار الدنيا التي هي دار الابتلاء؛ إذ في القهر والإكراه على الدين بطلانُ معنى الابتلاء والامتحان، ونظير هذه الآية قوله تعالى فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ الكهف ، وقوله تعالى وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ يونس ، وقوله تعالى لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ الشعراء
ثم قال تنبيه علم من هذه الآية أن سيف الجهاد المشروع في الإسلام، والذي لا يبطله عدل عادل، ولا جور جائر؛ لم يُستعمل للإكراه على الدخول في الدين، ولكن لحماية الدعوة إلى الدين، والإذعان لسلطانه انتهى من محاسن التأويل الجزء الأول
احترام المسلمين لأهل الديانات وتأمينهم
إن الدين الإسلامي انتشر بسماحة أهله، ونبل أخلاقهم، وحُسن تعاملهم مع غيرهم، وإن أهل الأديان الأخرى إنما كانوا يفرحون بدخول المسلمين بلادهم، ويشعرون بالأمان على أنفسهم وأديانهم وأموالهم وأعراضهم، ولننظر إلى الكتاب الذي كتبه عمرو بن العاص رضي الله عنه لأهل مصر بعد فتح مصر؛ حيث جاء فيه «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم، وملتهم، وأموالهم وكنائسهم وصُلبُهم، وبرهم وبحرهم، لا يُدْخَل عليهم شيء من ذلك ولا يُنْتَقَص »، إلخ ما جاء في هذا الكتاب، وهو نموذج لما كان عليه المسلمون من تأمين أهل البلاد التي يفتحونها، وقد كانوا يتحاشون إراقة الدماء، ويحفظون أرواح الناس وأموالهم، ولا يستبيحون شيئًا من ذلك، وهذا بخلاف من يتعامل مع المسلمين اليوم من أهل الملل الأخرى، فإنهم يريقون دماء المسلمين، وينتهكون أعراضهم، وينتهبون أموالهم إذا دخلوا بلادهم، وما أمرُ احتلال بلاد المسلمين من قِبل دول أوروبا والغرب عنا ببعيد، حتى أصبح الشعار المرفوع اليوم «أن دماء المسلمين أرخص الدماء على وجه الأرض» ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى، فأمر المسلمين هو الرحمة التي جاء بها الإسلام للعالمين، ولاسيما أن نبي الإسلام هو نبي الهدى والرحمة، وقد قال له ربه سبحانه وتعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ الأنبياء
انتشار الإسلام بأخلاق المسلمين
وإن كانت بعض البلاد قد فتحت بالجهاد؛ فإن الجهاد لم يكن من أجل الاستيلاء على تلك البلاد ولا على ثرواتها، وإنما شُرع الجهاد ليتمكن المسلمون من دعوة الناس إلى الدخول في الإسلام، ثم يُعرَض الإسلام على أهل تلك البلاد المفتوحة، فمن شاء دخل في الإسلام، ومن شاء بقي على دينه، فلم يُكرَه أحد على الدخول في الإسلام، ومن بقي على دينه من أهل تلك البلاد؛ فإنه يعيش في كَنَف المسلمين، له ما لهم وعليه ما عليهم، وإنما كانوا يدفعون الجزية مقابل تأمينهم والدفاع عنهم؛ فلم يُكَلّفوا حتى بالدفاع عن أنفسهم، وقد ضمن لهم الإسلام حياة كريمة، لا ذلة فيها ولا هوان
نقول فإذا كانت بعض البلاد فُتحت بالجهاد، فإن هناك من البلاد ما دخله الإسلام من غير جهاد، بل بالتأثر بتعامل التجار المسلمين الذين ذهبوا إلى تلك البلاد للتجارة، فوقعت أخلاق التجار المسلمين وتعاملاتهم من الصدق والأمانة والبر موقعًا من نفوس هؤلاء الأقوام؛ فدخلوا في دين الله تبارك وتعالى، ومن أشهر البلاد التي لم تعرف الإسلام إلا عن طريق التجار بلاد ماليزيا وإندونيسيا والهند والصين، وبعض مناطق شرق آسيا
والحق الذي لا مرية فيه أن أحدًا لم يُكره أحدًا على الدخول في الإسلام، فعلى المسلمين أن يعوا ذلك، وعلى غير المسلمين في بلاد الإسلام وغيرها أن يدركوا هذه الحقيقة، وعليهم أن يتركوا التعصب والقول المبني على الأحقاد، أو على الجهل بحقائق الأمور وعواقبها، فإن الإسلام رحمة، ولا يعرف المسلمون إلا الرحمة بغيرهم
ويقول هنري دي كاستري مقدم في الجيش الفرنسي «الدين الإسلامي لم ينتشر بالعنف والقوة، بل الأقرب للصواب أن يقال إن كثرة مسالمة المسلمين ولين جانبهم كانا سبباً في سقوط مملكة العرب وأمامنا أمر واحد ينبغي الوقوف عنده وهو أن ديانة القرآن تمكنت من قلوب جميع الأمم اليهودية والمسيحية والوثنية في إفريقيا الشمالية وفي قسم عظيم من آسيا، حتى إنه وجد في بلاد الأندلس من المسيحيين المتنورين من تركوا دينهم حباً في الإسلام كل هذا بغير إكراه، إلا ما كان من لوازم الحروب وسيادة حكومة الفاتحين ومن دون أن يكون للإسلام دعاة وقوّام مخصصون وهو ما يقنعنا بأن للإسلام جاذبية وقوة انتشار لأنه لا يزال ينتشر حتى الآن» الإسلام خواطر وسوانح.
وإن ما يحدث على مر الزمان من دخول غير المسلمين في الإسلام بمجرد أن يقرأ القرآن أو يقرأ عن الإسلام فيهديه الله تعالى لدليل واضح على أن الرحمة والعدل وأنه لم ينشر بالسيف، وإنما انتشر لأنه الدين الحق الذي جاء من لدن رب العالمين تبارك وتعالى
نسأل الله تعالى أن يبصر المسلمين بدينهم، وأن يهدي الضال من المسلمين وممن يعيشون في كنف الإسلام من غير المسلمين، وأن يرد كيد الكائدين، وأن يحفظ بلاد المسلمين من كل شر وسوء، إنه ولي ذلك والقادر عليه
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
نقلا عن مجلة التوحيد العدد 107