إهداء
روى الشيخانِ عن مُعَاوِيَةَ بن أبي سُفيان رضي الله عنهما قال :
سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول:( مَنْ يُرِدْ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ) (البخاري حديث 71 / مسلم حديث 1037 )
· فإلى إخواني طلاب العِلْمِ الكرامِ، الذين يريدون معرفة حُكم سُّنة الجمعة القبلية،
أُهْدي هذه الرسالة.
صلاح نـجيب الدق
بلبيس – مسجد التوحيد
الحمدُ للهِ الذي أكملَ لنا الدين، وأتم علينا نعمته،و رضي لنا الإسلام دينا، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي أرسله ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أما بعد: فإن التفقه في الدين مِن أفضل الأعمال الصالحة التي تقرب المسلم إلى الله تعالى.من أجل ذلك أحببت أن أُذَكِرَ نفسي و إخواني الكرام بسؤال هام :
هل للجمعة سُّنةٌ راتبةٌ قبلها ؟
وسوف أُجيبُ على هذا السؤال فأقول وبالله تعالى التوفيق :
أخي المسلم الكريم :
ليس للجمعة سُّنة راتبة قبلها،لأن ذلك لم يثبت في حديث صحيح عن نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا عن خلفائه الراشدين،ولأن صلاة الجمعة لها أحكام خاصة بها تختلف عن صلاة الظهر. وهذا قول جمهور العلماء .
وسَوْفَ أَذْكرُ فتاوى بعضِ أهْلِ العِلْمِ في هذهِ المسألةِ الهامةِ :
(1) الإمام الشافعي
قال الإمام الشافعي( رَحِمَهُ اللهُ تعالى):
أُحِبُ أن يكون الأذان يوم الجمعة حين يدخل الإمام المسجد ويجلس على موضعه الذي يخطب عليه، خشب أو جريد أو منبر أو شيء مرفوع له، أو الأرض، فإذا فعل، أخذ المؤذن في الأذان، فإذا فرغ، قام فخطب، لا يزيد عليه. (الأم للإمام الشافعي جـ 1 صـ 195)
(2) شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن تيمية
قال شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن تيمية( رَحِمَهُ اللهُ تعالى):إنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْأَذَانِ شَيْئًا وَلَا نَقَلَ هَذَا عَنْهُ أَحَدٌ. فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لَا يُؤَذَّنُ عَلَى عَهْدِهِ إلَّا إذَا قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَيُؤَذِّنُ بِلَالٌ ثُمَّ يَخْطُبُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْخُطْبَتَيْنِ ثُمَّ يُقِيمُ بِلَالٌ فَيُصَلِّي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّاسِ فَمَا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْأَذَانِ لَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ مَعَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا نَقَلَ عَنْهُ أَحَدٌ أَنَّهُ صَلَّى فِي بَيْتِهِ قَبْلَ الْخُرُوجِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَا وَقَّتَ بِقَوْلِهِ : صَلَاةٌ مُقَدَّرَةٌ قَبْلَ الْجُمُعَةِ بَلْ أَلْفَاظُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا التَّرْغِيبُ فِي الصَّلَاةِ إذَا قَدِمَ الرَّجُلُ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ . كَقَوْلِهِ " مَنْ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ " وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ، كَانُوا إذَا أَتَوْا الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُصَلُّونَ مِنْ حِينِ يَدْخُلُونَ مَا تَيَسَّرَ. فَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي عَشْرَ رَكَعَاتٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ .
وَلِهَذَا كَانَ جَمَاهِيرُ الْأَئِمَّةِ مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ سُّنَّةٌ مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتِ مُقَدَّرَةٌ بِعَدَدِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ فِعْلِهِ . وَهُوَ لَمْ يَسُنَّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَا بِقَوْلِهِ وَلَا فِعْلِهِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد. ( فتاوى ابن تيمية جـ 24صـ :189:188)
(3) الإمام ابن القيم
قال الإمام ابن القيم( رَحِمَهُ اللهُ تعالى):كَانَ بِلَالٌ إذَا فَرَغَ مِنْ أذَانِ الجمعةِ أَخَذَ النّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْخُطْبَةِ، وَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ الْبَتّةَ وَلَمْ يَكُنْ الْأَذَانُ إلّا وَاحِدًا وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الْجُمُعَةَ كَالْعِيدِ لَا سُنّةَ لَهَا قَبْلَهَا وَهَذَا أَصَحّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَعَلَيْهِ تَدُلّ السّنّةُ فَإِنّ النّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ فَإِذَا رَقِيَ الْمِنْبَرَ أَخَذَ بِلَالٌ فِي أَذَانِ الْجُمُعَةِ فَإِذَا أَكْمَلَهُ أُخِذَ النّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْخُطْبَةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَهَذَا كَانَ رَأْيَ عَيْنٍ فَمَتَى كَانُوا يُصَلّونَ السّنّةَ ؟ وَمَنْ ظَنّ أَنّهُمْ كَانُوا إذَا فَرَغَ بِلَالٌ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مِنْ الْأَذَانِ قَامُوا كُلّهُمْ فَرَكَعُوا رَكْعَتَيْنِ فَهُوَ أَجْهَلُ النّاسِ بِالسّنّةِ وَهَذَا الّذِي ذَكّرْنَاهُ مِنْ أَنّهُ لَا سُنّةَ قَبْلَهَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشّافِعِيّ . وَاَلّذِينَ قَالُوا : إنّ لَهَا سُنّةً مِنْهُمْ مَنْ احْتَجّ أَنّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ فَيَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُ الظّهْرِ وَهَذِهِ حُجّةٌ ضَعِيفَةٌ جِدّا.
فَإِنّ الْجُمُعَةَ صَلَاةٌ مُسْتَقِلّةٌ بِنَفْسِهَا تُخَالِفُ الظّهْرَ فِي الْجَهْرِ وَالْعَدَدِ وَالْخُطْبَةِ وَالشّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ لَهَا وَتُوَافِقُهَا فِي الْوَقْتِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ السُّنةَ القبلية للجمعةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الظّهْرِ وَهُوَ أَيْضًا قِيَاسٌ فَاسِدٌ فَإِنّ السُّنةَ مَا كَانَ ثَابِتًا عَنْ النّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ سُّنةِ خُلَفَائِهِ الرّاشِدِينَ وَلَيْسَ فِي مَسْأَلَتِنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ السّنَنِ فِي مِثْلِ هَذَا بِالْقِيَاسِ . وَمِنْهُمْ مَنْ احْتَجّ بِمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي( صَحِيحِهِ ) فَقَالَ:بَابُ الصّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا .ثم روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. ( البخاري حديث :937 )
وَهَذَا الحديث لَا حُجّةَ فِيهِ.وَلَمْ يَرُدّ بِهِ الْبُخَارِيّ إثْبَاتَ السُّنةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَإِنّمَا مُرَادُهُ أَنّهُ هَلْ وَرَدَ فِي الصّلَاةِ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا شَيْءٌ ؟ ثُمّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْ أَنّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ
فِعْلُ السُّنةِ إلّا بَعْدَهَا وَلَمْ يَرِدْ قَبْلَهَا شَيْءٌ . وَهَذَا نَظِيرُ مَا فَعَلَ فِي كِتَابِ الْعِيدَيْنِ فَإِنّهُ
قَالَ بَابُ الصّلَاةِ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا وَقَالَ أَبُو الْمُعَلّى : سَمِعْت سَعِيدًا عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ كَرِهَ الصّلَاةَ قَبْلَ الْعِيدِ . ثُمّ ذَكَرَ حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَصِلْ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا وَمَعَهُ بِلَالٌ الْحَدِيثَ . وَذَكَرَ لِلْعِيدِ حَدِيثًا دَالّا عَلَى أَنّهُ لَا تُشْرَعُ الصّلَاةُ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا فَدَلّ عَلَى أَنّ مُرَادَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ كَذَلِكَ . وَقَدْ ظَنّ بَعْضُهُمْ أَنّ الْجُمُعَةَ لَمّا كَانَتْ بَدَلًا عَنْ الظّهْرِ دَلّ عَلَى أَنّ الْجُمُعَةَ كَذَلِكَ وَإِنّمَا قَالَ وَكَانَ لَا يُصَلّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتّى يَنْصَرِفَ بَيَانًا لِمَوْضِعِ صَلَاةِ السُّنةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَأَنّهُ بَعْدَ الِانْصِرَافِ وَهَذَا الظّنّ غَلَطٌ مِنْهُ، لِأَنّ الْبُخَارِيّ قَدْ ذَكَرَ فِي بَابِ التّطَوّعِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَفِي بَيْتِهِ. (البخاري حديث:1172)
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنّ الْجُمُعَةَ عِنْدَ الصّحَابَةِ صَلَاةٌ مُسْتَقِلّةٌ بِنَفْسِهَا غَيْرَ الظّهْرِ وَإِلّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِهَا لِدُخُولِهَا تَحْتَ اسْمِ الظّهْرِ فَلَمّا لَمْ يَذْكُرْ لَهَا سُنّةً إلّا بَعْدَهَا عُلِمَ أَنّهُ لَا سُنّةَ لَهَا قَبْلَهَا. وأما بالنسبة لما رواه مسلمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
جاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ:
يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ثُمَّ قَالَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا (مسلم ـ كتاب الجمعة ـ حديث :59)
فإنّ النّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَأْمُرْ بِهَاتَيْنِ الرّكْعَتَيْنِ إلّا الدّاخِلَ لِأَجَلِ أَنّهَا تَحِيّةُ الْمَسْجِدِ .وَلَوْ كَانَتْ سُّنةَ الْجُمُعَةِ لَأَمَرَ بِهَا الْقَاعِدِينَ أَيْضًا وَلَمْ يَخُصّ بِهَا الدّاخِلَ وَحْدَهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ احْتَجّ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُطِيلُ الصّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَيُصَلّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَحَدّثَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ . وَهَذَا لَا حُجّةَ فِيهِ عَلَى أَنّ لِلْجُمُعَةِ سُنّةٌ قَبْلَهَا وَإِنّمَا أَرَادَ أن النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَنّهُ كَانَ يُصَلّي الرّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ لَا يُصَلّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ .
وَهَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ فِيهِمَا كَمَا ثَبَتَ فِي( الصحِيحَيْن ) عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ. وَأَمّا إطَالَةُ ابْنِ عُمَرَ الصّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَإِنّهُ تَطَوّعٌ مُطْلَقٌ وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى لِمَنْ جَاءَ إلَى الْجُمُعَةِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالصّلَاةِ حَتّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. (مسلم حديث:857)
قَالَ ابْنُ الْمنذر :( رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ : أَنّهُ كَانَ يُصَلّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً . وابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ كَانَ يُصَلّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ .) وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ بَابِ التّطَوّعِ الْمُطْلَقِ وَلِذَلِكَ اُخْتَلَفَ فِي الْعَدَدِ الْمَرْوِيّ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ. (زاد المعاد لابن القيم جـ 1صـ 437:431)
(4)الإمام أحمد بن حجر العسقلاني
قال ابنُ حجر العَسْقَلاني( رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى) :
سُنَّةُ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلهَا لَمْ يَثْبُت فِيهَا شَيْءٌ.
(فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 2 صـ 476)
و قال ابنُ حجر العسقلاني أيضاً ـ عند ذِكْرِ الدليل على هذا القول ـ وذلك عند شرحه لما رواه البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. (البخاري حديث:937)
يَظْهَر ُمِن هذا الحديث أَنَّ اَلْبُخَارِيَّ أَشَارَ هُنا إِلَى مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الحَدِيثِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ " كَانَ اِبْنُ عُمَر يُطِيلُ اَلصَّلَاة قَبْلَ اَلْجُمُعَة وَيُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَيُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ " اِحْتَجَّ بِهِ اَلنَّوَوِيّ فِي اَلْخُلَاصَةِ عَلَى إِثْبَاتِ سُنَّة اَلْجُمُعَة اَلَّتِي قَبْلَهَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ " وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ " عَائِد عَلَى قَوْلِهِ " وَيُصَلِّي بَعْدَ اَلْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ " وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَة اَللَّيْث عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْد اَللَّه أَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى اَلْجُمُعَة اِنْصَرَفَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ ذَلِك " ( أَخْرَجَهُ مُسْلِم )
وَأَمَّا قَوْلُهُ ( كَانَ يُطِيلُ اَلصَّلَاة قَبْلَ اَلْجُمُعَة ) فَإِنْ كَانَ اَلْمُرَاد بَعْدَ دُخُولِ اَلْوَقْتِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا لِأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَخْرُجُ إِذَا زَالَتْ اَلشَّمْسُ فَيَشْتَغِلُ بِالْخُطْبَةِ ثُمَّ بِصَلَاة اَلْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ اَلْمُرَاد قَبْلَ دُخُول اَلْوَقْت فَذَلِكَ مُطْلَق نَافِلَة لَا صَلَاة رَاتِبَة فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِسُّنَّةِ اَلْجُمُعَة اَلَّتِي قَبْلَهَا بَلْ هُوَ تَنَفُّلٌ مُطْلَق . وَقَدْ وَرَدَ اَلتَّرْغِيبُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ ( ثُمَّ صَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ ).
وَوَرَدَ فِي سُنَّة اَلْجُمُعَة اَلَّتِي قَبْلَهَا أَحَادِيثُ أُخْرَى ضَعِيفَةٌ مِنْهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَوَاهُ اَلْبَزَّار بِلَفْظِ " كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ اَلْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا " وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ رَوَاهُ اَلْأَثْرَم وَالطَّبَرَانِيُّ فِي اَلْأَوْسَطِ بِلَفْظِ " كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ اَلْجُمُعَة أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا "
وَفِيهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اَلرَّحْمَن اَلسَّهْمِيّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ اَلْبُخَارِيِّ وَغَيْره، وَقَالَ اَلْأَثْرَم إِنَّهُ حَدِيث وَاهٍ . وَمِنْهَا عَنْ اِبْن عَبَّاس مِثْلُه وَزَاد ( لَا يُفْصَلُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ ) أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ بِسَنَدٍ وَاهٍ .قَالَ اَلنَّوَوِيّ فِي اَلْخُلَاصَةِ : إِنَّهُ حَدِيث بَاطِل . وَعَنْ اِبْن مَسْعُود عِنْد اَلطَّبَرَانِيّ أَيْضًا مِثْلُهُ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْف وَانْقِطَاع. (فتح الباري لابن حجر جـ 2 صـ 494)
(5) الحافظ العراقي
قَالَ الْعِرَاقِيُّ ( رَحِمَهُ اللهُ تعالى):لَمْ يُنْقَل عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَة، لِأَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ إلَيْهَا فَيُؤَذَّن بَيْن يَدَيْهِ ثُمَّ يَخْطُبُ. (نيل الأوطار للشوكاني جـ 3 صـ 353)
(6) محمد رشيد رضا
قال محمد رشيد رضا( رَحِمَهُ اللهُ تعالى): لم يرد نصٌ عن النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعددٍ معينٍ مِن الركعات قبل الجمعة، والمعروف في الصحاح أن النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يخرج مِن بيته لصلاة الجمعة فيصعد المنبر فيُؤَذنُ بين يديه، فيخطب، فينزل، فيصلي وينصرف إلا أن يتأخر لسبب غير الصلاة، ولكن وردت الآثار في التنفل قبل صلاة الجمعة، فكان السلفُ مِن الصحابة ومَن بعدهم يبكرون في السعي إلى المسجد قبل الزوال فيصلي كلٌ ما بدا له لما ورد في السُّنة في التبكير إلي المسجد وصلاة ما تيسر فيه، وكانوا إذا خرج الإمام إلى المسجد يقطعون الصلاة إلا لتحية المسجد لمن دخله، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بها من دخل المسجد وهو يخطب .
روى مسلمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أن رسولَ الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا. (مسلم ـ كتاب الجمعة ـ حديث :59) ( فتاوى محمد رشيد رضا جـ 5فتوى رقم 769 صـ 2120 : صـ 2121 )
(7) محمد ناصر الدين الألباني
قال الألبانيُّ (رحمه اللهُ تعالى):
لا دليل على مشروعية ما يُسمونه بسنة الجمعة القَبلية .
(2) ( السلسلة الضعيفة للألباني جـ3 صـ84 ) ( الأجوبة النافعة للألباني صـ26 )
وقال الألباني أيضاً :
سُّنةُ الجمعةِ القبليةِ لا يَصحُ فيها حديثٌ البتة.
(3) ( هامش رياض الصالحين للنووي بتحقيق الألباني صـ 418)
(8) السيد سابق
ذهب السيد سابق( رَحِمَهُ اللهُ تعالى): إلى أن الجمعة ليس لها سُّنةٌ راتبةٌ قبلية. وذلك مِن خِلالِ تأييده لرأي شيخ الإسلام ابن تيمية وذِكْرِه لأدلته في ذلك. (فقه السُّنة جـ 1 صـ 375)
(9) عبد العزيز بن عبد الله بن باز
قال ابن باز( رَحِمَهُ اللهُ تعالى):ليس للجمعةِ سُّنة راتبة قبلها في أصح قولي العلماء، لكن يُشرع للمسلم إذا أتى المسجد أن يصلي ما يَسرَ اللُه له مِن الركعات، يسلم مِن كل ثنتين،لأنه قد صح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أحاديث كثيرة ما يدل على أن المشروع للمسلم إذا أتى الجمعة أن يصلي ما قَسَمَ اللهُ له قبل خروج الإمام.ولم يحدد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركعات محددة في ذلك .فإذا صلى ثنتين
أو أربعاً أو أكثر مِن ذلك فكله حَسَنٌ،و أقل ذلك ركعتان تحية المسجد.
وأما بعد الجمعة فلها سُّنةٌ راتبةٌ،أقلها ركعتان وأكثرها أربع .
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا. (مسلم حديث:881)
روى مسلمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ وَصَفَ تَطَوُّعَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ. (مسلم حديث:882)
(فتاوى ابن باز جـ 12 ص 387:386)
(10) محمد بن صالح بن عثيمين
قال ابن عثيمين( رَحِمَهُ اللهُ تعالى):ليس للجمعة سُّنةٌ قبلها . فإذا جاء المسلمُ يوم الجمعة صلى ما شاء بغير قصد عَدَدٍ، فيصلي ركعتين ثم يجلس يقرأ القرآن وينتظر الإمام أو يصلي أربعَ ركعات أو ستاً أو أكثرَ حسب ما يتيسر له. ( الشرح الممتع لابن عثيمين جـ 5 صـ 57 )
(11) مقبل بن هادي الوادعي
قال مُقْبِلُ بن هادي الوادعي ( رَحِمَهُ اللهُ تعالى): الركعتان اللتان بعد الأذان الأول يوم الجمعة ليستا مشروعتين، والمشروع أن الخطيب إذا صعد المنبر وقال : السلام عليكم ورحمه الله وبركاته يجلس ثم يُؤَذنُ للجمعة بين يديه، ثم يخطب . ( إجابة السائل على أهم المسائل لمقبل الوادعي صـ52 )
(12) اللجنة الدائمة
سُئلت اللجنة الدائمة عن سُّنةِ الجمعةِ القبليةِ، فأجابت بما يلي :
ليس لصلاة الجمعة سُّنة قبلها، ولم يثبت عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فيما نعلم شيءٌ في مشروعيتها، وأما حديث ابن مسعود الذي أخرجه الترمذي « أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلي قبل الجمعة أربعًا وبعدها أربعًا » فرواه الترمذي معلقًا بصيغة التمريض، وموقوفًا على ابن مسعود، ونقل في التحفة عن الحافظ أن عبد الرزاق والطبراني أخرجاه مرفوعًا وفي سنده ضعف وانقطاع. ومثل هذا لا يحتج به.وأما حديث أبي هريرة في أمر سُليك فصحيح، ولكنه في تحية المسجد لا في السُّنة القبلية للجمعة، وأما حديث: « بين كل أذانين صلاة » فلا يتأتى في الجمعة؛ لأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يبدأ الخطبة بعد انتهاء الأذان ولا يجوز التنفل والإمام يخطب خطبة الجمعة إلا تحية المسجد، وأما القياس فممنوع في العبادات؛ لأنها مبنيةٌ على التوقيف ثم هو قياس مع الفارق، لكن يشرع لمن أتى إلى المسجد لصلاة الجمعة أن يصلي ما كُتبَ له مِن غيرِ تحديدٍ بعَدَدٍ مُعَينٍ لصحة الأحاديث بذلك. ( فتاوى اللجنة الدائمة جـ 8 فتوى رقم 7798 صـ 259 : 261 )
خِتَامَاً: نسألُ اللهَ تعالى أن يجعلَ هذا العملَ خالصاً لوجههِ الكريم، وأن ينفعَ به المسلمين. وآخِرُ دعوانا أن الحمد للهِ ربِ العالمين.وصلى اللهُ على نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.