فقه البيوع

2011-11-25

صلاح الدق

فقه البيوع

وجوب معرفة أحكام البيع:

يجب على كل تاجر مسلم معرفة أحكام البيع والشراء، لتكون تجارته مطابقة لكتاب الله تعالى وسنة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلا يكون همه البحث عن الربح الوفير ولكن طاعة الله ورسوله وطلب الرزق الحلال الذي يعينه على تربية من يعولهم ويحقق له ولهم الخير في الدنيا والآخرة . إن جهل الناس بأحكام البيع يترتب عليه كثير من المفاسد التي نراها في الأسواق .

روى ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ . (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث 183)

روى الترمذيُّ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا يَبِعْ فِي سُوقِنَا إِلَّا مَنْ قَدْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ .(حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني حديث 404)

معنى البيع لغة وشرعاً:

البيع لغة: مقابلة شيء بشيء، وهو من أسماء الأضداد، أي التي تطلق على الشيء وعلى ضده، مثل الشراء، كما في قوله تعالى: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) (يوسف: 20) أي باعوه، وقوله سبحانه: (وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ)(البقرة: 102)

ويُقالُ لكل من المتعاقدين: بائع وبيِّع، ومشتر وشار .

وشرعاً: عقد مبادلة مالية، ولو في الذمة أو منفعة مباحة بمثل أحدهما على التأبيد، غير رباً وقرض . (الفقه الإسلامي للزحيلي جـ 4 صـ 344) (فقه البيع للسالوس صـ 15)

حكم البيع:

البيع مشروع بالكتاب والسنة والإجماع .

أما في الكتاب: فقوله تعالى: ((وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا)(البقرة: 275) وقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ)(البقرة: 282) وقوله تعالى: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)(النساء: 29)

وأما في السنة: فقد روى الشيخانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا . (البخاري حديث 2109 / مسلم حديث 1531)

وأما الإجماع:

فقد أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْحِكْمَةُ تَقْتَضِيهِ ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ تَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَصَاحِبُهُ لَا يَبْذُلُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَفِي شَرْعِ الْبَيْعِ وَتَجْوِيزِهِ شَرْعُ طَرِيقٍ إلَى وُصُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى غَرَضِهِ، وَدَفْعِ حَاجَتِهِ . (المغني لابن قدامة بتحقيق التركي جـ 6 صـ 5: صـ 7)

أركان عقد البيع:

إن لعقد البيع أركاناً،لا يصح البيع إلا بها، وهذه الأركان الأربعة هي: البائع والمشتري وصيغة العقد والمعقود عليه . وسوف نتحدث عنها بإيجاز:

1 – البائع: ويُشترطُ فيه: أن يكون بالغاً عاقلاً، رشيداً، مالكاً لما يبيع، ويجوز أن يكون صبياً مميزاً مأذوناً له في البيع .

2 – المشتري: يجب أن يكون بالغاً عاقلاً رشيداً، مالكاً لما يبيع، ويجوز أن يكون صبياً مميزاً مأذوناً له في الشراء .

3 – صيغة العقد: وهي الإيجاب والقبول بالتراضي بين البائع والمشتري، باللفظ أو المعنى أو الفعل، حسب ما تعارف عليه الناس في المجتمع، أو بالكتابة أو الإشارة الواضحة التي تدل على الرضا بالنسبة للأخرس، أو العاجز عن الكتابة والكلام، ويصح عقد البيع أيضاً بوسائل الاتصال الحديثة كالهاتف، والفاكس والكمبيوتر .

4 – المعقود عليه: يجب أن يكون موجوداً فعلاً وقت عقد البيع، وأن يكون طاهراً ومشروعاً، وأن يكون مُعيَّناً ومعروفاً للمتعاقدين وأن تتوافر القدرة على تسليمه بعد العقد . (الفقه الإسلامي للزحيلي جـ 4 صـ 347: صـ 398)

الإشهاد على عقد البيع:

يُستحب الاستشهاد على عقد البيع لقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) (البقرة: 282)

قال ابنُ كثير: الأمر في هذه الآية محمول عند الجمهور على الإرشاد والندب، لا على الوجوب. (تفسير ابن كثير جـ 2 صـ 510)

والدليل على ذلك أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد اشترى فرساً من أعرابي ولم يشهد أحداً من الصحابة . (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 3073)

روى الترمذيُّ عن عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ لِي الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ أَلَا أُقْرِئُكَ كِتَابًا كَتَبَهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ قُلْتُ بَلَى فَأَخْرَجَ لِي كِتَابًا هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ . (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني حديث 972)

فهذا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد باع ولم يُشهد، واشترى ورهن درعه عند يهودى ولم يُشهد.ولو كان الإشهاد أمراً واجباً لوجب مع الرهن لخوف المنازعة. (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ 3 صـ 399)

قال ابنُ قدامة – رحمه الله: يُستحبُ الاشهاد في البيع .

وقال أيضاً: كَانَ الصَّحَابَةُ يَتَبَايَعُونَ فِي عَصْرِهِ فِي الْأَسْوَاقِ، فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِشْهَادِ، وَلَا نُقِلَ عَنْهُمْ فِعْلُهُ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَوْ كَانُوا يُشْهَدُونَ فِي كُلِّ بِيَاعَاتِهِمْ لَمَا أُخِلَّ بِنَقْلِهِ .

(وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عُرْوَةَ بْنَ الْجَعْدِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً . وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِشْهَادِ، وَأَخْبَرَهُ عُرْوَةُ أَنَّهُ اشْتَرَى شَاتَيْنِ فَبَاعَ إحْدَاهُمَا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ تَرْكَ الْإِشْهَادِ .) وَلِأَنَّ الْمُبَايَعَةَ تَكْثُرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَغَيْرِهَا، فَلَوْ وَجَبَ الْإِشْهَادُ فِي كُلِّ مَا يَتَبَايَعُونَهُ، أَفْضَى إلَى الْحَرَجِ الْمَحْطُوطِ عَنَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). (سورة الحج)

وَالْآيَةُ الْمُرَادُ بِهَا الْإِرْشَادُ إلَى حِفْظِ الْأَمْوَالِ وَالتَّعْلِيمِ، كَمَا أَمَرَ بِالرَّهْنِ وَالْكَاتِبِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ .(المغني لابن قدامة بتحقيق التركي جـ 6 صـ 381: صـ 382)

التوكيل في البيع والشراء:

المقصود بالوكالة: إقامة الشخص غيره، مقام نفسه، مطلقاً أو مقيداً، في تصرف جائز معلوم فيما يجوز الإنابة فيه، ليفعله في حياته . (الفقه الإسلامي للزحيلي جـ 4 صـ 150)

وهي مشروعة بدليل القرآن والسنة وإجماع علماء المسلمين . (المغني لابن قدامة جـ 7 صـ 196)

أركان الوكالة:

الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَالْإِيجَابُ مِنْ الْمُوَكِّلِ أَنْ يَقُولَ: " وَكَّلْتُكَ بِكَذَا " أَوْ " افْعَلْ كَذَا " أَوْ " أَذِنْتُ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا " وَنَحْوُهُ .وَالْقَبُولُ مِنْ الْوَكِيلِ أَنْ يَقُولَ: " قَبِلْتُ " وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ، ولا يشترط في القبول كونه لفظاً أو قولاً وإنما يصح أن يكون بالفعل، فإذا علم الوكيل بالتوكيل، فباشر التصرف الموكل فيه، اعتبر ذلك قبولاً، ولا يُشترط في الوكالة اتحاد مجلس الإيجاب والقبول، وإنما يكفي العلم بالوكالة ومباشرة التصرف . (بدائع الصنائع للكاساني جـ 5 صـ 20)

شروط الوكالة:

يُشترط لصحة الوكالة شروط في الموكل وفي الوكيل وفي المحل الموكل فيه .

الموكِّلُ: يُشترط فيه أن يكون مالكاً للتصرف الذي يُوَكلُ فيه، أي أهلاً لممارسته، لأن من لم يملك التصرف، لا يملك تمليكه لغيره .

الوكيل: يُشترط أن يكون بالغاً عاقلاً ومميزاً .

المحل الموكل فيه: يُشترط في الشيء الموكل فيه أن يكون معلوماً للوكيل، وأن يكون التصرف فيه مباحاً شرعاً، وأن يكون مما يقبل النيابة، كالبيع والشراء والإجارة والتبرع ورد الودائع وقضاء الديون ونحوها . (بدائع الصنائع للكاساني جـ 5 صـ 20: صـ 23)

أنواع الوكالة: الوكالة أنواع منها ما يلي:

1 – الوكالة الخاصة والعامة .

2 – الوكالة المقيدة والمطلقة .

فالوكالة الخاصة: هي الإنابة في تصرف معين، كبيع أرض أو سيارة معينة أو إجارة عقار محدد .

والوكالة العامة: هي الإنابة العامة في كل تصرف، مثل أنت وكيلي في كل التصرفات أو في كل شيء أو اشتر لي ما شئت،و ما رأيت. (بدائع الصنائع للكاساني جـ 5 صـ 23)

والوكالة المقيدة: هي التي يقيد فيها تصرف الوكيل بشروط معينة، مثل: وكلتك في بيع أرض بثمن نقد قدره كذا، أو مؤجل إلى مدة كذا أو مقسط على أقساط معينة .

والوكالة المطلقة: هي التي لا يُقيد فيها الوكيل بشيء، مثل: وكلتك في بيع هذه الأرض، من غير تحديد ثمن معين، أو كيفية معينة لدفع الثمن . (الفقه الإسلامي للزحيلي جـ4 صـ 155: صـ 156)

هل يجوز للوكيل توكيل غيره ؟

لا يجوز للوكيل أن يوكل غيره في القيام بعمل ما دون أن يحصل على إذن من الموكل ما دام الوكيل قادراً على ما وكل فيه . (المغني لابن قدامة بتحقيق التركي جـ 7 صـ 207: صـ 208)

متى ينتهي التوكيل ؟

تنتهي الوكالة بأحد الأمور التالية:

1 – انتهاء الغرض من الوكالة .

2 – قيام الموكل بالعمل الذي وكل فيه غيره .

3 – خروج الموكل أو الوكيل عن الأهلية، بموت أو جنون أو ردة عن الإسلام .

4 – استقالة الوكيل ورفضه الاستمرار في العمل الذي وكل فيه .

5 – هلاك العين بالتصرف فيها، بيعاً أو شراء أو إيجاراً، مثل انهيار المنزل الموكل في شرائه، أو موت المرأة الموكل في تزويجها .

6 – عزل الموكل وكيله واستغناؤه عن خدماته .

(بدائع الصنائع للكاساني جـ 5 صـ 37: صـ 39)

حكم السمسرة:

ينبغي أن نعلم أن السمسار: هو الشخص الذي يتوسط بين البائع والمشتري لتسهيل عقد البيع، والسمسرة جائزة بشرط الالتزام بالصدق والأمانة وأن تكون أجرة السمسار معلومة .

قال البخاريُّ ـ رحمه الله – لم ير ابن سيرين وعطاء وإبراهيم والحسن البصري بأجر السمسار بأساً .

وقال ابنُ عباس: لا بأس أن تقول: بع هذا الثوب بكذا فما زاد على كذا وكذا فهو لك .

وقال ابنُ سيرين: إذا قال: بعه بكذا، فما كان من ربح فلك، أو بيني وبينك فلا بأس .

(البخاري مع الفتح جـ4 كتاب الإجارة – باب السمسرة صـ 527)

روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ . (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 3063)

خيار المجلس:

المقصود بخيار المجلس: أن يكون لكل من البائع والمشتري حق فسخ العقد ما داما في مجلس العقد، لم يتفرقا بأبدانهما أو يُخِّير أحدهما الآخر فيختار لزوم العقد: ومعنى هذا أن العقد لا يلزم إلا بإنهاء مجلس العقد بالتفرق أو بالتخيير .

(المغني لابن قدامة جـ 6 صـ 10) (الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي جـ 4 صـ 250)

روى مسلمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكِ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ .(مسلم جـ3 – كتاب البيوع – حديث 44)

خيار الشرط:

هو أن يكون لأحد المتعاقدين أو لكليهما أو لغيرهما الحق في فسخ العقد أو إمضائه خلال مدة معلومة، كأن يقول المشتري للبائع: اشتريت منك هذا الشيء، على أني بالخيار مدة ثلاثة أيام (مثلاً)

وقد يُشرع خيار الشرط للحاجة إليه، لدفع الغبن (الظلم) عن العاقد في المعقود ويجب أن تكون مدة الخيار المشروطة معلومة، فإن لم تكن له مدة او كانت المدة مجهولة أو كان الخيار مؤبداً، لم يصح العقد، وتبدأ مدة خيار الشرط بعد العقد مباشرة، وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ، وَلَمْ يَفْسَخْ أَحَدُهُمَا، بَطَلَ الْخِيَارُ، وَلَزِمَ الْعَقْدُ .(المغني لابن قدامة جـ6 صـ 38: صـ 45) (الفقه الإسلامي للزحيلي جـ 4 صـ 254: صـ 257)

روى الشيخانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ إِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونُ الْبَيْعُ خِيَارًا .(البخاري حديث 2107 / مسلم حديث 1531)

خيار العيب:

هو أن يكون لأحد المتعاقدين الحق في فسخ العقد أو إمضائه إذا وجد عيباً في أحد البدلين، ولم يكن صاحبه عالماً به وقت العقد . (الفقه الإسلامي للزحيلي جـ 4 صـ 261)

قال ابن قدامة:

مَنْ عَلِمَ بِسِلْعَتِهِ عَيْبًا، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا، حَتَّى يُبَيِّنَهُ لِلْمُشْتَرِي . فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُ فَهُوَ آثِمٌ عَاصٍ. (المغني لابن قدامة جـ 6 صـ 224)

روى ابن ماجه عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ . (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث 1823)

العيب الموجب للخيار:

كل ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة ويوجب نقصان القيمة في عرف التجار . (المغني لابن قدامة جـ 6 صـ 235)

قال ابنُ قدامة:

مَتَى عَلِمَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا، لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ، فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالْفَسْخِ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ عَلِمَ الْعَيْبَ وَكَتَمَهُ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ .لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا خِلَافًا .(المغني جـ6 صـ 225)

وقت خيار العيب:

يثبت خيار العيب متى ظهر العيب ولو بعد العقد بزمن طويل . (الفقه الإسلامي للزحيلي جـ 4 صـ 263)

الوفاء في الكيل والميزان:

تحثنا شريعتنا الإسلامية الغرَّاء على إيفاء الناس حقوقهم في الكيل والميزان وألا نبخسهم شيئاً.

يقول الله تعالى: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ) (الأنعام: 152)

قال الإمام ابن جرير الطبري في معنى هذه الآية: أي لا تبخسوا الناس الكيلَ إذا كلتموهم، والوزنَ إذا وزنتموهم، ولكن أوفوهم حقوقهم. وإيفاؤهم ذلك، إعطاؤهم حقوقهم تامة بالقسط"، يعني بالعدل . (تفسير ابن جرير الطبري جـ8 صـ 86)

وقال سبحانه: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (الإسراء:35)

قال ابنُ كثيرٍ: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ) أي من غير تطفيف وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ .

(تفسير ابن كثير جـ 9 صـ 8)

وقال سبحانه أيضاً: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6). (المطففين: 1: 6)

روى ابن جرير الطبري بسنده إلى قتادة قال: أُخبرنا أن ابن عباس كان يقول: يا معشر الموالي إنكم وليتم أمرين بهما هلك الناس قبلكم هذا الكيل وهذا الميزان . (تفسير ابن جرير الطبري جـ 15 صـ 85 / تفسير ابن أبي حاتم جـ 7 صـ 2330)

رجحان الوزن وأجرة الكيل والميزان:

يُستحب ترجيح الوزن تطيباً لنفس المشتري .

روى الترمذيُّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَفَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ هَجَرَ فَجَاءَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ وَعِنْدِي وَزَّانٌ يَزِنُ بِالْأَجْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْوَزَّانِ زِنْ وَأَرْجِحْ . (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 1051)

قال ابنُ قدامة:

أُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ تَقْبِيضَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي، وَالْقَبْضُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ، فَكَانَ عَلَى الْبَائِعِ، كَمَا أَنَّ عَلَى بَائِعِ الثَّمَرَةِ سَقْيَهَا، وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الَّذِي يَعُدُّ الْمَعْدُودَاتِ .

وَأَمَّا نَقْلُ الْمَنْقُولَاتِ، وَمَا أَشْبَهَهُ، فَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ .

والحديث السابق دليل على أن أجرة الوزن على البائع .(المغني لابن قدامة بتحقيق التركي جـ 6 صـ 188)

 احتكار السلع:

المقصود بالاحتكار هو شراء سلعة وحبسها حتى يحتاج إليها عامة الناس، فيبيعها التاجر بسعر مرتفع، مستغلاً حاجة الناس إلى هذه السلعة مع قلتها في الأسواق .

والاحتكار حرام لأنه من أبواب أكل أموال الناس بالباطل .

(المغني لابن قدامة جـ6 صـ 314) (مفتي البيوع للسالوس صـ 328: صـ 334)

روى مسلم ٌعن سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ أَنَّ مَعْمَرًا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ . أي عاص . (مسلم جـ3 حديث 1605)

قال الإمام النووي: هذا الحديث صريح في تحريم الاحتكار .

وقال أيضاً: قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي تَحْرِيم الِاحْتِكَار دَفْع الضَّرَر عَنْ عَامَّة النَّاس، كَمَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْد إِنْسَان طَعَام، وَاضْطُرَّ النَّاس إِلَيْهِ وَلَمْ يَجِدُوا غَيْره، أُجْبِرَ عَلَى بَيْعه دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاس . (مسلم بشرح النووي جـ6 صـ 49)

مقدار الربح في التجارة:

ليس هناك تحديد لنسبة معينة للربح يتقيد بها التجار في معاملاتهم بل ذلك متروك لظروف التجار عامة، وظروف التاجر والسلع، مع مراعاة ما تقضى به الآداب الشرعية من: الرفق، القناعة، السماحة والتيسير .(فتوى مجمع الفقه الإسلامي – فقه البيع للسالوس صـ 879) .

التسعير:

وضع ثمن محدود للسلع التي يُراد بيعها مع إلزام البائع والمشتري بهذا السعر .

النهي عن التسعير:

روى أبو داودَ عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قال: قال النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلَا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ . (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 2945)

قال الشوكانيُّ:

اُسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى تَحْرِيمِ التَّسْعِيرِ وَأَنَّهُ مَظْلِمَةٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَالتَّسْعِيرُ حَجْرٌ عَلَيْهِمْ، وَالْإِمَامُ مَأْمُورٌ بِرِعَايَةِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ نَظَرُهُ فِي مَصْلَحَةِ الْمُشْتَرِي بِرُخْصِ الثَّمَنِ أَوْلَى مِنْ نَظَرِهِ فِي مَصْلَحَةِ الْبَائِعِ بِتَوْفِيرِ الثَّمَنِ وَإِذَا تَقَابَلَ الْأَمْرَانِ وَجَبَ تَمْكِينُ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الِاجْتِهَادِ لِأَنْفُسِهِمْ، وَإِلْزَامُ صَاحِبِ السِّلْعَةِ أَنْ يَبِيعَ بِمَا لَا يَرْضَى بِهِ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ . (نيل الأوطار للشوكاني جـ 5 صـ 335)

قال ابنُ قدامة:

قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: التَّسْعِيرُ سَبَبُ الْغَلَاءِ، لِأَنَّ الْجَالِبِينَ إذَا بَلَغَهُمْذَلِكَ، لَمْ يَقْدَمُوا بِسِلَعِهِمْ بَلَدًا يُكْرَهُونَ عَلَى بَيْعِهَا فِيهِ بِغَيْرِ مَا يُرِيدُونَ، وَمَنْ عِنْدَهُ الْبِضَاعَةُ يَمْتَنِعُ مِنْ بَيْعِهَا، وَيَكْتُمُهَا، وَيَطْلُبُهَا أَهْلُ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، فَلَا يَجِدُونَهَا إلَّا قَلِيلًا، فَيَرْفَعُونَ فِي ثَمَنِهَا لِيَصِلُوا إلَيْهَا، فَتَغْلُوا الْأَسْعَارُ، وَيَحْصُلُ الْإِضْرَارُ بِالْجَانِبَيْنِ، جَانِبِ الْمُلَّاكِ فِي مَنْعِهِمْ مِنْ بَيْعِ أَمْلَاكِهِمْ، وَجَانِبِ الْمُشْتَرِي فِي مَنْعِهِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى غَرَضِهِ، فَيَكُونُ حَرَامًا . (المغني لابن قدامة جـ 6 صـ 312)

وجوب التسعير عند الضرورة:

لا يتدخل ولي الأمر بالتسعير إلا حيث يجد خللاً واضحاً في السوق والأسعار ناشئاً من عوامل مصطنعة، فإن لولي الامر حينئذٍ التدخل بالوسائل العادية الممكنة التي تقضي على تلك العوامل وأسباب الخلل والغلاء والغبن الفاحش . (فتوى مجمع الفقه الإسلامي – فقه البيع للسالوس صـ 880) .

 بيع ما غاب عن مجلس العقد:

يجوز بيع ما غاب عن مجلس العقد بشرط أن يكون مشروعاً ومملوكاً للبائع ومقدوراً على تسليمه للمشتري وأن يوصف وصفاً يؤدي إلى علم المشتري به، وبعد ذلك إن ظهر موافقاً للوصف لزم البيع، وإن ظهر مخالفاً للوصف، كان للمشترى الخيار، إن شاء رد العقد وإن شاء أمضاه .

روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بِعْتُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مَالًا بِالْوَادِي بِمَالٍ لَهُ بِخَيْبَرَ فَلَمَّا تَبَايَعْنَا رَجَعْتُ عَلَى عَقِبِي حَتَّى خَرَجْتُ مِنْ بَيْتِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي الْبَيْعَ وَكَانَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا . (البخاري حديث 2116)

قال ابن حجر العسقلاني: فِي هَذِهِ الْقِصَّة جَوَازُ بَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ عَلَى الصِّفَةِ . (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ4 صـ 395)

بيع المرابحة:

قال ابنُ قدامة: بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، هُوَ الْبَيْعُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَرِبْحٍ مَعْلُومٍ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُمَا بِرَأْسِ الْمَالِ فَيَقُولُ: رَأْسُ مَالِي فِيهِ أَوْ هُوَ عَلَيَّ بِمِائَةٍ بِعْتُك بِهَا، وَرِبْحُ عَشَرَةٍ، فَهَذَا جَائِزٌ لَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ كَرَاهَةً . (المغني لابن قدامة جـ 6 صـ266)

وضع الْجَوَائِحِ:

الْجَوَائِحِ: جمع جائحة: وهي الآفة التي تصيب الزروع والثمار فتهلكها، دون أن يكون للإنسان دخل فيها، كالبرد، القحط، والعواصف المحرقة، والأمطار الغزيرة والجراد وما شابه ذلك . (المغمي لابن قدامة جـ6 صـ179)

فإذا باع رجل الزروع أو الثمار بعد نضجها وبدو صلاحها وسلمها للمشترى، فأصابتها آفة قبل وقت قطعها، كان الضمان على البائع ولا يلزم المشتري دفع ثمنها لأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بوضح الْجَوَائِحِ .

روى مسلمٌ عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ . (مسلم حديث 1554)

قال ابنُ قدامة: ما تهلكه الْجَائِحَةُ من الثمار من ضمان البائع . (المغني لابن قدامة جـ 6 صـ 177)

وقد رجح ذلك ابن القيم . (تهذيب سنن أبي داود مع شرح عون المعبود جـ9 صـ 264)

قال الصنعاني: عن حديث جابرالسابق، فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثِّمَارَ الَّتِي عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ إذَا بَاعَهَا الْمَالِكُ وَأَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ أَنْ يَكُونَ تَلَفُهَا مِنْ مَالِ الْبَائِعِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ شَيْئًا .(سبل السلام للصنعاني جـ3 صـ 66: صـ 67)

وذهب إلى ذلك القول الشوكاني . (نيل الأوطار جـ5 صـ 281)

وابن عثيمين. (شرح زاد المستنقع جـ 8 صـ 370)

التعامل بالربا حرام:

يجب على التاجر المسلم أن يعلم أن التعامل بالربا حرام بدليل القرآن والسنة وإجماع المسلمين قديماً وحديثاً، ولذا لا يجوز له أن يقترض مالاً من أجل تجارته ويحرم عليه كذلك أن يقرض غيره بالربا لأن ذلك من أبواب أكل أموال الناس بالباطل، وليعلم كل تاجر أن التعامل بالربا يمحق البركة وإن أتت عليه سنوات، والله تعالى لم يتوعد أحداً من أصحاب المعاصي بالحرب كما توعد المتعامل بالربا .

يقول الله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة:276)

وقال سبحانه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا)(البقرة: 275)

وقال جل شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) (البقرة: 278: 279)

ولقد حذرنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيضاً من عقوبة التعامل بالربا في كثير من أحاديثه الشريفة .

روى مسلمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ . (مسلم حديث 1598)

وروى الطبراني من حديث عبد الله بن عباس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قال: إذا ظهر الزنا و الربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله .(حديث صحيح) (صحيح الجامع للألباني حديث 679)

بيع الجِزاف:

هو بيع الشيء بلا كيل ولا وزن ولا تقدير، وإنما بالتخمين .

وهذا النوع من البيوع، يحدث به التعامل كثيراً في حياتنا العملية اليومية وهو جائز شرعاً بشروط هي:

1 رؤية المشتري للشيء المباع، واستمراره على الهيئة التي رآه عليها إلي حين العقد .

2 أن لا يكون المبيع جِزافاً ما لاً ربوياً بيع بحسنه، لاشتراط التساوي في هذا البيع، ويتعذر تحقيق التساوي في المجازفة . (الموسوعة الفقهية لقلعجي جـ1 صـ 388)

روى الشيخانِ عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَاعُونَ جِزَافًا يَعْنِي الطَّعَامَ يُضْرَبُونَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ حَتَّى يُؤْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ .(البخاري حديث 2137 / مسلم حديث 1527)

البيوع المنهي عنها:

(1) بيع السلعة قبل قبضها:

لا يجوز للمسلم أن يبيع سلعته التي اشتراها قبل أن يقبضها ويمتلكها . (سبل السلام للصنعاني جـ3 صـ19)

روى مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ .(مسلم ـ كتاب البيوع ـ حديث 30)

القبض يتحقق بنقل السلعة من محل البائع إلى محل المشتري .

روى الشيخانِ عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَاعُونَ جِزَافًا يَعْنِي الطَّعَامَ يُضْرَبُونَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ حَتَّى يُؤْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ . (البخاري حديث 2137 / مسلم حديث 1527)

روى أبو داودَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ابْتَعْتُ زَيْتًا فِي السُّوقِ فَلَمَّا اسْتَوْجَبْتُهُ لِنَفْسِي لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي بِهِ رِبْحًا حَسَنًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِهِ فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي فَالْتَفَتُّ فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ لَا تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْتَهُ حَتَّى تَحُوزَهُ إِلَى رَحْلِكَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ . (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني حديث 2988)

فائدة هامة:

اعلم أخي الكريم:

أن نقل المشتري للسلعة من مكان بيعها إلى مكان آخر، لا سلطان للبائع عليه، كافٍ لصحة البيع . (فتاوى اللجنة الدائمة جـ13 صـ 258: صـ 259)

روى أبو داود َعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبْتَاعُ الطَّعَامَ فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَاهُ فِيهِ إِلَى مَكَانٍ سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ يَعْنِي جُزَافًا . (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 2982)

(2) بيع التاجر ما ليس عنده:

المقصود ببيع التاجر ما ليس عنده: أن يذهب المشتري إلى تاجر يطلب منه شراء سلعة معينة، وهذه السلعة، ليست موجودة عند هذا التاجر في هذا الوقت، فيتفقان على الثمن عاجلاً أو مؤجلاً، ثم يذهب التاجر، بعد هذا الاتفاق ويشتري هذه السلعة ويسلمها للمشترى على ما اتفقا عليه .

وهذا النوع من البيوع غير جائز شرعاً لنهي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنه .

روى أبو داود عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيُرِيدُ مِنِّي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي أَفَأَبْتَاعُهُ لَهُ مِنْ السُّوقِ فَقَالَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ . (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 2991)

(3) بيع الأشياء المحرمة وآلات اللهو:

لا يجوز للمسلم أن يبيع شيئاً محرماً ولا مفضياً إلى حرام، فلا يجوز بيع الميتة، ولا الدم، ولا الخنزير، ولا تماثيل لذوات الأرواح، ولا عنباً لمن يتخذه خمراً،ولا يجوز بيع الدخان ولا المخدرات،ولا الخمور، ولا آلات اللهو: كآلات الموسيقى،وكأشرطة الغناء، والفيديو، التي تشتمل على الأغاني والأفلام،والمسرحيات، والمسلسلات،التي تدعو إلى الرذيلة ومساوئ الأخلاق . (شرح السنة للبغوي جـ8 صـ 28 / روضة الطالبين جـ3 صـ352 / المغني لابن قدامة جـ6 صـ358)

وكذلك بيع السلاح للمتخاصمين وقت الفتنة،وأيضاً بيع الكلاب، لأن هذا من باب التعاون على الإثم والعدوان .

قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(المائدة: 2)

وقال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ)(المائدة: 3)

روى الشيخانِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ ذَلِكَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ . (البخاري حديث 2336 / مسلم حديث 1581)

روى البخاريُّ وأبو داودَ عن أبي عَامِرٍ أَوْ أَبي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمْ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . (البخاري حديث 5590) (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 3407)

قال الإمام الذهبي – رحمه الله:

المعازف: اسم لكل آلات الملاهي التي يعزف بها، كالزمر، والطنبور، والشَبَّابَة، والصنوج.

(سير أعلام النبلاء لذهبي جـ21 صـ 158)

وقال ابن حجر العسقلاني رحمه الله:

المعازف: جمع معزفة، وهي آلات اللهو .

(فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 10 صـ 53)

(4) بيع الغرر:

الغرر لغة: الحظر والخداع، وشرعاً: كل بيع اشتمل على شيء مجهول أو تضمن خطراً يلحق أحد المتعاقدين فيؤدي إلى ضياع ماله . (الفقه الإسلامي للزحيلي جـ4 صـ 435: صـ 437)

وهذا البيع قد نهى عنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ .

(مسلم حديث 1513)

قال الإمام النووي رحمه الله:

النهى عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة جدا، ويستثنى من بيع الغرر أمران.

أحدهما ما يدخل في المبيع تبعا بحيث لو أفرد لم يصح بيعه.

والثانى ما يتسامح بمثله، أما لحقارته، أو للمشقة في تمييزه ومن جملة ما يدخل تحت هذين الأمرين بيع أساس البناء (تبعاً للمنزل) واللبن في ضرع الدابة والحمل في بطنها, (هذه أمثلة للأمر الأول) والقطن المحشو في الجبة .(مثال للأمر الثاني) . (المجموع للنووي جـ9 صـ 258)

ومن أمثلة بيع الغرر المنهي عنه:

بيع اللَّبَن فِي الضَّرْع، والصوف على ظهر الدابة، واللؤلؤ في الصدف، والْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ، وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ، والطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ, وبيع الْعَبْدِ الْآبِقِ، وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ . وما شابه ذلك من البيوع التي تشتمل على الغرر . (مسلم بشرح النووي جـ5 صـ 416) (المغني لابن قدامة جـ6 صـ 289: صـ302)

(5) بيع العينة:

المقصود بيع العينة: أن تبيع سلعة ما بثمن محدد إلى أجل مسمى إلى شخص ما وتسلمها إليه ثم تشتريها من نفس المشتري قبل قبض الثمن المؤجل بثمن نقداً أقل من الثمن المؤجل. (مسلم بشرح النووي جـ 6 صـ 14)

وسُميت بالعينة لأن البائع يشتري نفس العين التي باعها .

وهذا النوع من البيع حرامٌ لأنه ذريعة إلى الربا، وإن كان في صورة بيع وشراء .

روى أبو داودَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ . (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 2956)

(6) بيع الثُّنَيا:

المقصود بالثُّنَيا: الاستثناء في البيع .

لا يجوز للمسلم أن يبيع شيئاً ويستثنى بعضه إلا أن يكون هذا الشيء المستثنى معلوماً، فإذا باع رجل بستاناً فلا يجوز له أن يستثني منه نخلة أو شجرة غير معلومة لما في ذلك من الجهالة .

روى الترمذيُّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُخَابَرَةِ وَالثُّنْيَا إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ . (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 1036)

قال الشوكاني:

فَإِنْ كَانَ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ مَعْلُومًا نَحْوَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ وَاحِدَةً مِنْ الْأَشْجَارِ أَوْ مَنْزِلًا مِنْ الْمَنَازِلِ أَوْ مَوْضِعًا مَعْلُومًا مِنْ الْأَرْضِ صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا نَحْوَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ شَيْئًا غَيْرَ مَعْلُومٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ .(نيل الأوطار للشوكاني جـ 5 صـ 248)

(7) تلقي الركبان:

المقصود بتلقي الركبان هو أن يتلقى شخص طائفة من الناس يحملون متاعاً إلى بلد، فيشتريه منهم قبل قدومهم البلد ومعرفتهم بالسعر.(روضة الطالبين للنووي جـ 4 صـ 413)

روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَنْ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا قَالَ وَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ .(البخاري حديث 2164)

وروى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلَا تَلَقَّوْا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى السُّوقِ. (البخاري حديث 2165)

قال ابنُ قدامة:

موضحاً سبب النهي عن هذا البيع: لأن ذلك يؤدي إلى الضرر بأهل البلد لأن من يتلقى الركبان لا يبيعون السلعة في الحال، بل ينتظرون ارتفاع الأسعار . (المغني لابن قدامة جـ 6 صـ 312: صـ 313)

صور تلقى الركبان:

قال ابنُ حجر العسقلاني:

ذَكَرَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي صُورَةِ التَّلَقِّي الْمُحَرَّم أَنْ يَكْذِبَ فِي سِعْرِ الْبَلَدِ وَيَشْتَرِيَ مِنْهُمْ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَن الْمِثْل، وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي فِيهَا أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِكَثْرَة الْمُؤْنَة عَلَيْهِمْ فِي الدُّخُولِ، وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِكَسَاد مَا مَعَهُمْ لِيَغْبِنَهُمْ . (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ4 صـ 438)

استرداد السلعة:

من حق صاحب السلعة أن يستردها ويفسخ العقد ممن تلقاه، إذا وصل إلى السوق وعلم أن المشتري قد بخسه في الثمن .

روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى أَنْ يُتَلَقَّى الْجَلَبُ فَإِنْ تَلَقَّاهُ إِنْسَانٌ فَابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ فِيهَا بِالْخِيَارِ إِذَا وَرَدَ السُّوقَ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 975)

(8) بيع النجش:

المقصود ببيع النجش: الزِّيَادَة فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ مِمَّنْ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَقَع غَيْرُهُ فِيهَا . (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 4 صـ 416)

لا يجوز للتاجر أن يتفق مع شخص ما أن يتقدم أثناء وجود المشتري, فيرفع ثمن السلعة، وهو لا يريد شراءها، ليقتدي به المشتري، فيظن أنه لم يرفع ثمن هذه السلعة إلا أنها تستحق ذلك فيغتر بذلك ويزيد هو أيضاً في ثمن السلعة .

وهذا البيع حرام لأن فيه غش للناس .

روى الشيخانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ النَّجْشِ . (البخاري حديث 2142 / مسلم حديث 1516)

قَالَ اِبْنُ أَبِي أَوْفَى: النَّاجِشُ آكِلُ رِبًا خَائِنٌ . وقال البخاريُّ عن النجش: هو خداع باطل لا يحل . (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 4 صـ 416)

المزاد العلني والمناقصة:

البيع بالمزاد العلني مشهور معلوم، حيث تعرض السلعة، ويُذكر ثمن، ويطلب البائع أو وكيله – الزيادة، ويستمر المزاد حتى لا يوجد من يزيد، وبذلك يتحدد سعر السلعة فالمزايدة تأتي تبعاً لعرض البائع، حيث يريد أعلى ثمن .

وأما المناقصة هي أن تعلن شركة ما عن حاجتها إلى المعدات أو آلات أو سيارات أو غيرها، وتذكر المواصفات المطلوبة، وتعرض هذا في مناقصة لمن يقوم بتوريدها وبيعها بأقل ثمن، وفي المناقصة يكون العرض من المشتري ليصل إلى أقل ثمن .

وكلا من المزايدة والمناقصة بيع صحيح، جائز شرعاً ولا ضرر فيه، طالما خلا من الغش والخداع . (فقه البيع للسالوس صـ 51: صـ 54)

(9) عَسْبُ الفحل:

المقصود بعسب الْفَحْل: أي ماء الذَّكَر مِنْ كُلّ حَيَوَان فَرَسًا كَانَ أَوْ جَمَلًا أَوْ تَيْسًا أَوْ غَيْر ذَلِكَ. (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 4 صـ539)

روى البخاريُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ . (البخاري حديث 2284)

هذا الحديث دليل على أنه لا يجوز استئجار الفحل للضراب والأجرة حَرَام لِأَنَّهُ غَيْر مُتَقَوِّم وَلَا مَعْلُوم وَلَا مَقْدُور عَلَى تَسْلِيمه . (المغني لابن قدامة جـ 6 صـ 302) (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 4 صـ 539) .

(10) بيع بيعتين في بيعة:

للبيعتين في بيعة عدة صور، منها: قول الرجل لآخر بعتك داري هذه بكذا على أن تبيعنى دارك هذه بكذا أو تؤجر لي كذا ومنها: أن يقول التاجر للمشترى بعتك هذه الساعة بمائة جنية نقداً أو بمائة وخمسين مؤجلة إلى ثلاثة أشهر، ثم يفترقا على ذلك دون بيان أي السعر قدم الاتفاق عليه . (شرح السنة للبغوي جـ8 صـ 143) (المغني لابن قدامة جـ6 صـ 332: صـ 333)

هذا النوع من البيع نهى عنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه يحتوى على جهالة .

روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ . (حديث صحيح) (صحيح سنن الترمذي للألباني حديث 985)

حكم البيع بالتقسيط:

تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال، كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقداً وثمنه بالأقساط لمدد معلومة، ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل .

(فتوى مجمع الفقه الإسلامي – فقه البيع للسالوس صـ 735: صـ 736)

(11) بيع الثمار قبل اكتمال نضجها:

لا يجوز بيع الثمار قبل نضجها وذلك مخافة التلف وحدوث العاهة بها .

روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ . (البخاري حديث 2194)

فائدة هامة:

قال السيد سابق ـ رحمه الله ـ: فإن بيعت الثمار قبل بدو صلاحها والزرع قبل اشتداد الحب، بشرط القطع في الحال، صح إن كان يمكن الانتفاع بها، ولم تكن مشاعة، لأنه لا خوف في هذه الحال من التلف ولا خوف من حدوث العاهة . (فقه السنة للسيد سابق جـ 4 صـ 53)

(12) بيع المصراة من الأنعام:

التضرية: جمع اللبن في الضرع، لا يجوز للمسلم أن يترك الناقة أو البقرة أو الشاة عدة أيام حتى يجتمع اللبن في ضرعها، ترغيباً للناس في شرائها لأن في ذلك غش للناس، وقد نهانا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنه .

روى البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ . (البخاري حديث 2148)

قال ابن قدامة:

مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، لَمْ يَعْلَمْ تَصْرِيَتَهَا، ثُمَّ عَلِمَ .فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ.

رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو يُوسُفَ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ . (المغني لابن قدامة جـ6 صـ 216)

(13) بيع العُربُون:

المقصود ببيع العربون: أن نشتري سلعة ما، وتدفع إلى البائع مبلغاً معيناً، على أنك أخذت السلعة، احتسبته من الثمن، وإن لم تأخذها فهذا المبلغ نتركه للبائع، وهذا النوع من البيوع منهي عنه وهو مذهب مالك والشافعي وأصحاب الرأي، ويروى ذلك عن ابن عباس والحسن البصري ورجحه ابن قدامة والشوكاني . (المغني لابن قدامة جـ6 صـ 331: صـ 332) (نيل الأوطار للشوكاني جـ 5 صـ 251)

(14) البيع عند أذان الجمعة والصلوات المفروضة:

لا يجوز للمسلم أن يبيع أو يشترى سلعة وقت النداء لصلاة الجمعة من صعود الإمام على المنبر إلى أن ينتهي من الصلاة، وذلك لقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).  (الجمعة: 9: 10)

قال الإمام القرطبي – رحمه الله:

منع الله عزوجل منه عند صلاة الجمعة، وحرمه في وقتها على من كان مخاطبا بفرضها.

والبيع لا يخلو عن شراء فاكتفى بذكر أحدهما . (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ 18 صـ 104)

قال السيد سابق: يُقاس على الجمعة غيرها من سائر الصلوات .(فقه السنة للسيد سابق جـ4 صـ 50)

(15) البيع في المساجد:

نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن البيع في المساجد لأن هذا يتعارض مع قدسيتها والغرض الذي بنيت من أجله ألا وهو الصلاة وذكر الله تعالى . (المغني لابن قدامة جـ 6 صـ 383)

قال تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ* رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (النور:36: 38)

روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ . (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 1066)

(16) بيع التلجئة:

هو أن يظهر الإنسان بيع سلعته لفلان، ويكون قد اتفق معه في الباطن أن هذا البيع غير منعقد، أو يظهر أنه قد باعها له بألف جنيه، مع أنه قد باعها له بخمسائة جنية، وإنما يفعل ذلك إنقاذاً لسعلته من البيع لوفاء ديونه، مثلاً، أو إنقاذاً لها من إنسان ظالم يريد أن يستلب من أمواله، أو لئلا يأخذها الشريك أو الجار بالشفعة . (الموسوعة الفقهية الميسرة لبقلعجي جـ 1 صـ 388)

قال ابن قدامة:

بَيْعُ التَّلْجِئَةِ بَاطِلٌ، لأنهما (أي المتعاقدين) ما قصدا البيع فلم يصبح منهما كالهازلين .

(المغني لابن قدامة جـ 6 صـ 308)

(17) بيع المسلم على بيع أخيه المسلم:

 لا يجوز للتاجر المسلم أن يبيع على بيع أخيه المسلم، ومثال ذلك، أن تقول لمن اشترى سلعة من تاجر آخر بمبلغ مائة جنيه، ردها إلى صاحبها وأنا أبيع لك أفضل منها بثمانين جنيهاً، ومثال آخر أن تقول لشخص باع سلعة ما بمبلغ ألف جنيه لأحد الناس، افسخ العقد وأنا اشتريها منك بألف ومائة جنيه . (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ414: صـ 415)

وهذا النوع من البيوع قد نهى عنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه ينشر العداوة بين الناس.

روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ . (البخاري حديث 2139 / مسلم حديث 7)

فائدة هامة:

قال ابنُ حجر العسقلاني: تعليقاً على هذا الحديث: قَالَ الْجُمْهُور: لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ: وَذِكْرُ الْأَخِ خَرَجَ لِلْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ . (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 4 صـ 414)

(18) بيع الدَّيْن بالديْن:

المقصود ببيع الديْن: أن يكون لك على شخص ما دين، مقداره قنطار من القطن، مثلاً، فتبيع هذا الدين لشخص قبل تقبضه بمبلغ محدد إلى أجل مسمى . أو أن يقترض منك شخص ما كمية معلومة من الأخشاب إلى أجل مسمى، فإذا حَلَّ الأجل، وعجز هذا المدين أن يرد إليك الدين، يقول لك، أنا اشترى منك هذه الأخشاب بمبلغ كذا إلى موعد كذا، هذا النوع من البيوع لا يجوز لأن ذلك في حكم بيع المعدوم بالمعدوم . (بداية المجتهد جـ 2 صـ 233) (سبل السلام جـ 3 صـ 62) (نيل الأوطار للشوكاني جـ 5 صـ 254)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

لَا يَجُوزُ بَيْعُ هَذَا الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ دَيْنُ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا مِنْ الْمُسْتَلِفِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ فِي مَذْهَبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ؛ بَلْ هَذَا يَدْخُلُ فِيمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ . وَقَدْ يَدْخُلُ فِي رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ أَيْضًا وَإِذَا وَقَعَ هَذَا الْبَيْعُ فَهُوَ فَاسِدٌ . (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 29 صـ 500: صـ 501)

(19) بيع حاضر لباد:

المقصود ببيع حاضر لباد: أن يقدم إلى البلد رجل غريب، بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت ليرجع إلى وطنه فيأتيه بلدي فيقول ضع متاعك عندي لأبيعه لك على التدريج بأغلى من هذا السعر . (روضة الطالبين للنووي جـ 3 صـ 412) (المغني لابن قدامة جـ 6 صـ 308)

هذا النوع من البيع نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

روى مسلمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقْ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ . (مسلم حديث 1522)

قال ابن قدامة: تعليقاً على هذا الحديث:

مَتَى تُرِكَ الْبَدَوِيُّ يَبِيعُ سِلْعَتَهُ، اشْتَرَاهَا النَّاسُ بِرُخْصٍ، وَيُوَسِّعُ عَلَيْهِمْ السِّعْرَ، فَإِذَا تَوَلَّى الْحَاضِرُ بَيْعَهَا، وَامْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا، إلَّا بِسِعْرِ الْبَلَدِ .ضَاقَ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ .وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَعْلِيلِهِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى . (المغني لابن قدامة جـ6 صـ 309)

خاتمة الرسالة

* أخي القارئ الكريم:

لقد اجتهدت – قدْر استطاعتي – في جمع وترتيب رسالة فقه البيوع، وكتابتها بأسلوب موجز بسيط، مع ذكر المصادر التي استعنت بها، لكي يطمئن قلبك، وتستزيد إن أردت المزيد، وهذا عمل بشري لا بد أن فيه نقص، فجزى اللهُ خيرًا من أَهْدى إليَّ عيوبي في سِتْرٍ بيني وبينه، فإن النصيحة أمام الناس فضيحة .

وختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم،وأن ينفع به المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه .وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .

عدد المشاهدات 12013