منهج أهل السُّنَّة عند الفتن
المقدمة
الحمد لله الذي جعلنا مِن خيرِ أمةٍ أُخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً , أما بعد:
فإن الحياة الدنيا مملوءة بالفتن، وقد حذرنا الله تعالى في كتابه، وكذلك نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سُّنته المباركة من الفتن، من أجل ذلك قمت بإعداد هذه الرسالة تذكيراً لنفسي ولإخواني الكرام بمنهج أهل السُّنَّة عند الفتن.وقد تناولت الحديث فيها عن معنى الفتنة، والفرق بين الفتنة والابتلاءِ والاختبارِ، وأن الفتنة تكون من الله تعالى ومن الإنسان، وكما تناولت الحديث عن نعمة الأمن، و التحذير من الفتن في القرآن والسُّنة، ووصية نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمسلم عند الفتن، والفرار من الفتن خوفاً على الدين، وأن الصالحين يتمنون الموت عند الفتن خوفاً على دينهم، ويصبر على ظلم ولاة الأمور ولا يخرجون عليهم، وذكرت أقوال علماء أهل السُّنة والجماعة في ذلك، وخطورة الفتن وأضرارها ، ثم ختمت الرسالة بالحديث عن موقف المسلم، وما ينبغي عليه عمله عند حدوث الفتن.أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يتقبل منى هذا العمل وأن ينفع به طلاب العِلم, وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين , وصلى اللهُ على نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
صلاح نـجيب الدق
بلبيس – مسجد التوحيد
بسم الله الرحمن الرحيم
معنى الفتنة:
الفِتْنةُ: الابتلاءُ والامْتِحانُ والاختبارُ، وأَصلها مأْخوذٌ مِن قولك فتَنْتُ الفضة والذهب إِذا أَذبتهما بالنار لتميز الرديء من الجيِّدِ. (لسان العرب لابن منظور جـ 5صـ3344)
الفرق بين الفتنة والابتلاءِ والاختبارِ:
أولاً:الفرق بين الفتنة والاختبار: إن الفتنة أشد الاختبار وأبلغه، وأصله عرض الذهب على النار لتبين صلاحه من فساده ومنه قوله تعالى (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) (الذاريات:13) وتكون في الخير والشر ألا تسمع قوله تعالى (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) (التغابن:15) وقال تعالى (لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) (الجن:17:16) فجعل النعمة فتنة لأنه قصد بها المبالغة في اختبار المنعَم عليه بها كالذهب إذا أريد المبالغة في تعرف حاله ، أُدخل النار، والله تعالى لا يختبر العبد لتغيير حاله في الخير والشر وإنما المراد بذلك شدة التكليف. (الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري صـ 272)
ثانياً:الفرق بين الابتلاءِ والاختبار:
الفرق بين الابتلاء والاختبار: إن الابتلاء لا يكون إلا بتحميل المكاره والمشاق.والاختبار يكون بذلك وبفعل المحبوب، ألا ترى أنه يُقالُ اختبره بالإنعام عليه ولا يُقالُ ابتلاه بذلك ، ولا هو مبتلى بالنعمة كما قد يُقال إنه مختبَر بها، ويجوز أن يُقال إن الابتلاء يقتضي استخراج ما عند المبتلى من الطاعة والمعصية، والاختبار يقتضي وقوع الخبر بحاله في ذلك . (الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري صـ 4)
الفتنة تكون من الله تعالى ومن الإنسان:
قال الراغب الأصبهاني:الفتنة من الأفعال التي تكون من الله تعالى ومن العبد كالبَلِيِّة والمصيبة والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال الكريهة ومتى كان من الله يكون على وجه الحِكمة ، ومتى كان من الإنسان بغير أمر الله يكون بضد ذلك (أي ضد الحكمة الإلهية) ، ولهذا يَذمُ اللهُ الإنسانَ بأنواع الفتنة في كل مكان نحو قوله : (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) البقرة:191) وقوله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) (البروج:10) وقوله تعالى (مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ) (الصافات:162) أي بمضلين. (المفردات في غريب القرآن للراغب الأصبهاني صـ560)
نعمة الأمن:
قال الله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل:112)
قال الإمام ابن كثير (رحمه الله) :هذا مثلٌ أُرِيدَ به أهل مكة، فإنها كانت آمنة مطمئنة مستقرة يُتخطَّف الناس من حولها، ومن دخلها آمن لا يخاف، كما قال تعالى: ( وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا ) (القصص : 57) وهكذا قال هاهنا: ( يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا ) أي: هنيئاً سهلاً ( مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ) أي: جحدت آلاء الله عليها وأعظم ذلك بعثة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم، كما قال تعالى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) (إبراهيم : 28: 29) ولهذا بدَّلهم الله بحاليهم الأولين خلافهما، فقال: ( فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ) أي: ألبسها وأذاقها الجوع بعد أن كان يُجبى إليهم ثمرات كل شيء، ويأتيها رزقها رغدًا من كل مكان، وذلك لما استعصوا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبواْ إلا خلافه، فدعا عليهم بسبع كسبع يوسف، فأصابتهم سَنة (شدة) أذهبت كل شيء لهم، فأكلوا العِلْهِز -وهو: وبر البعير، يجعل بدمه إذا نحروه.وقوله: ( وَالْخَوْفِ ) وذلك بأنهم بُدِّلوا بأمنهم خوفًا من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه، حين هاجروا إلى المدينة، من سطوة سراياه وجُيوشه، وجعلوا كل ما لهم في سَفَال ودمار، حتى فتحها الله عليهم وذلك بسبب صنيعهم وبغيهم وتكذيبهم الرسول الذي بعثه الله فيهم منهم، وامتن به عليهم في قوله: ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) (آل عمران : 164) ، وقال تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الألْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (الطلاق : 10 : 11) ، وقوله (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) ( البقرة: 151: 152 )
وكما أنه انعكس على الكافرين حالهم، فخافوا بعد الأمن، وجاعوا بعد الرغد، بَدَّل الله المؤمنين من بعد خوفهم أمنا، ورزقهم بعد العَيْلَة (الفقر) ، وجعلهم أمراء الناس وحكامهم، وسادتهم وقادتهم وأئمتهم. (تفسير ابن كثيرجـ 8صـ 362:361)
وقال سبحانه (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) (الأنفال:11:9)
قال ابن كثير (رحمه الله) يذكرهم الله بما أنعم به عليهم من إلقائه النعاس عليهم، أماناً من خوفهم الذي حصل لهم من كثرة عَدُوِّهم وقلة عَدَدهم (وذلك في غزوة بدر). (تفسير ابن كثير جـ 7صـ:29)
وقال جلَّ شأنه: ( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ *الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (قريش:4:1)
قال الإمام ابن كثير (رحمه الله) : ( لإيلافِ قُرَيْشٍ ) أي: لائتلافهم واجتماعهم في بلدهم آمنين.
وقيل: المراد بذلك ما كانوا يألفونه من الرحلة في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام في المتاجر وغير ذلك، ثم يرجعون إلى بلدهم آمنين في أسفارهم؛ لعظمتهم عند الناس، لكونهم سكان حرم الله، فمن عَرَفهم احترمهم، بل مَن وادعهم وسار معهم أمن بهم. هذا حالهم في أسفارهم ورحلتهم في شتائهم وصيفهم. وأما في حال إقامتهم في البلد، فكما قال الله: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ) (العنكبوت:67) (تفسير ابن كثير جـ 14صـ:466:465)
روى الترمذيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ (في نفْسِه وأهل بيته) مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ (جُمعت) لَهُ الدُّنْيَا.
(حديث حسن) (صحيح سنن الترمذي للألباني حديث:1913)
اعلم ، أخي المسلم الكريم ، أن نعمة الأمن تتوقف على عبادة الله تعالى وحده، وأداء ما افترضه علينا على الوجه الأكمل، واجتناب المعاصي.
قال جلَّ شأنه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (النور:56:55)
قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): هذا وعدٌ من الله لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي: أئمةَ الناس والولاةَ عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، ولَيُبدلُّنّ بعد خوفهم من الناس أمنا وحكما فيهم، وقد فعل تبارك وتعالى ذلك. وله الحمد والمنة، فإنه لم يمت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين، وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها. وأخذ الجزية من مَجُوس هَجَر، ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر والإسكندرية -وهو المقوقس -وملوك عُمان والنجاشي ملك الحبشة. (تفسير ابن كثير جـ 10صـ :263)
التحذير من الفتن في القرآن:
(1) قال الله تعالى: ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (الأنفال:25)
قال ابن كثير (رحمه الله) يحذر تعالى عباده المؤمنين ( فِتْنَةً ) أي: اختبارًا ومحنة، يعم بها المسيء وغيره، لا يخص بها أهل المعاصي ولا من باشر الذنب، بل يعمهما. (تفسير ابن كثير جـ 7صـ:49)
(2) وقال سبحانه: ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (الفرقان:20)
(3) وقال جلَّ شأنه: ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء:35)
(4) وقال تعالى: ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت:3:1)
(5) وقال سبحانه: ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (التغابن:16:15)
نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحذرنا من الفتن:
(1) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا. (مسلم حديث:118)
قال الإمام النووي (رحمه الله) : معنى الحديث: الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر ووصف صلى الله عليه و سلم نوعا من شدائد تلك الفتن وهو أنه يمسى مؤمناً ثم يصبح كافرا ، وهذا لعِظَم الفتن ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب . (مسلم بشرح النووي جـ 1صـ410)
(2) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ وَلَا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ. (مسلم حديث:2908)
(3) روى الشيخانِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ. (البخاري حديث:5096/مسلم حديث:2740)
(4) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ. (مسلم حديث:588)
(4) روى الترمذيُّ عَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ:سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ. (حديث صحيح) (صحيح سنن الترمذي للألباني حديث:1905)
(6) روى أبو داودَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي فَكَسِّرُوا قِسِيَّكُمْ (جمع القوس) وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ وَاضْرِبُوا سُيُوفَكُمْ بِالْحِجَارَةِ فَإِنْ دُخِلَ ( يَعْنِي عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ) فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ. (حديث صحيح) (صحيح سنن أبي داود للألباني حديث:3582)
قال شمس الحق العظيم أبادي (رحمه الله ) :قوله (الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي) أي كلما بَعدَ الشخص عنها وعن أهلها، كان خيراً له من قٌربها واختلاط أهلها لما سيؤول أمرها إلى محاربة أهلها.وقوله (وَاضْرِبُوا سُيُوفَكُمْ بِالْحِجَارَةِ) أي حتى تنكسر أو حتى تذهب حدتها وعلى هذا القياس الأرماح وسائر السلاح .وقوله (فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ) أي فليستسلم أحدكم حتى يكون قتيلاً كهابيل ولا يكون قاتلاً كقابيل. (عون المعبود شرح سنن أبي داود جـ11صـ227)
نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتعوذ من الفتن:
روى الشيخانِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ :اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنْ الْمَغْرَمِ. فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ. (البخاري حديث:832/مسلم حديث:589)
وصية نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمسلم عند الفتن:
روى الشيخانِ عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ فَمَنْ وَجَدَ مِنْهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا (الملجأ) فَلْيَعُذْ بِهِ. (البخاري حديث:7081/مسلم حديث:2886)
* تَشَرَّفَ لَهَا:أي تطلع لها بأن يتصدى ويتعرض لها ولا يعرض عنها.
* تَسْتَشْرِفْهُ: أي تهلكه بأن يشرف منها على الهلاك.
* فَلْيَعُذْ بِهِ:أي ليعتزل فيه ليسلم مِن شر الفتنة. ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ13 صـ34 )
قال ابن حجر العسقلاني (رحمه الله ) : في هذا الحديث التحذير من الفتنة والحث على اجتناب الدخول فيها وان شرها يكون بحسب التعلق بها والمراد بالفتنة ما ينشأ عن الاختلاف في طلب الملك حيث لا يعلم المحق من المبطل. ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ13 صـ34 )
الفرار من الفتن خوفاً على الدين:
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ (رؤوس) الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ (المطر) يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ. (البخاري حديث:7088)
قال ابن حجر العسقلاني (رحمه الله ) : هذا الحديث يدل على فضيلة العُزلة لمن خاف على دينه .
( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ13 صـ46 )
وقال ابن حجر أيضاً:إن وقعت الفتنة ترجحت العزلة لما ينشأ فيها غالباً من الوقوع في المحذور وقد تقع العقوبة بأصحاب الفتنة فتعم من ليس من أهلها كما قال تعالى ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ13 صـ47 )
الصالحون يتمنون الموت عند الفتن خوفاً على دينهم :
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ (كنت ميتاً) . (البخاري حديث:7115/مسلم كتاب الفتن: حديث:53)
قال ابن بطال (رحمه الله ) :: تُغبطُ أهل القبور وتمني الموت عند ظهور الفتن إنما هو خوف ذهاب الدين بغلبة الباطل وأهله وظهور المعاصي والمنكر انتهى وليس هذا عاماً في حق كل أحد وإنما هو خاص بأهل الخير وإما غيرهم فقد يكون لما يقع لأحدهم من المصيبة في نفسه أو أهله أو دنياه وان لم يكن في ذلك شيء يتعلق بدينه. ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ13 صـ81 )
روى أحمدٌ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ الْمَوْتُ وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَاب. (حديث صحيح) (مسند أحمد جـ39صـ36حديث:23625) (السلسلة الصحيحة للألباني جـ2صـ452 حديث:813)
روى الترمذيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَتَانِي اللَّيْلَةَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ قَالَ أَحْسَبُهُ قَالَ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ أَوْ قَالَ فِي نَحْرِي فَعَلِمْتُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ قَالَ يَا مُحَمَّدُ هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْكَفَّارَاتُ الْمُكْثُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ وَالْمَشْيُ عَلَى الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكَارِهِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ وَكَانَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِذَا صَلَّيْتَ فَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ. (حديث صحيح) (صحيح سنن الترمذي للألباني حديث:2582)
الصبر على ظلم ولاة الأمور وعدم الخروج عليهم
تعريف البغاة الخارجون على الحاكم :
جماعةٌ كثيرةٌ من الناس فيهم قائدٌ مُطاعٌ، ولهم قوة ومعهم سلاح يتحصنون في مكان ما، يخرجون على الحاكم المسلم، ويريدون عَزله، بسبب تأويل يعتقدون به جواز الخروج عليه، ويحتاجُ الحاكمُ في التصدي لهم إلى جمع الجيش.
(روضة الطالبين للنووي جـ10 صـ50 ) ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ242 )
(1) روى الشيخانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ قَالَ:قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً (الاختصاص بحظ دنيوي) وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا .قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟قَالَ: أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ. (البخاري حديث:7052/مسلم حديث:1843)
قال ابن حجر العسقلاني (رحمه الله ) :قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ) : أي بذل المال الواجب في الزكاة والنفس في الخروج إلى الجهاد عند التعيين ونحو ذلك .وقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ ) أي بأن يلهمهم إنصافكم أو يبدلكم خيراً منهم .
( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ13 صـ8 )
(2) روى مسلمٌ عَنْ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ. وَقَالَ: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ. (مسلم حديث:1846)
(3) روى الشيخانِ عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. (البخاري حديث:7054/مسلم حديث:1849)
قال ابن بطال (رحمه الله ) : في الحديث حجةٌ في ترْك الخروج على السلطان ولو جار. ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ13 صـ9 )
وقال ابن حجر العسقلاني (رحمه الله ) : أجمع الفقهاءُ على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حَقن الدماء وتسكين الدهماء وحجتهم هذا الخبر وغيره مما يساعده ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها . ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ13 صـ9 )
قال ابن رجب الحنبلي : (رحمه الله ) :وأما الخروج على الحكام بالسيف فيُخشى منه الفتن التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين . ( جامع العلوم والحكم لابن رجب جـ3 صـ955 )
(4) روى مسلمٌ عَنْ عَرْفَجَةَ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ (فتنٌ وشَدائدُ وأمُورٌ عِظامٌ) وَهَنَاتٌ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ. (مسلم حديث:1852)
قال الإمام النووي (رحمه الله) :قوله صلى الله عليه و سلم (فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ.) فيه الأمر بقتال من خرج على الإمام أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك، ويُنْهَى عن ذلك، فإن لم ينته قُوتل، وإن لم يندفع شره إلا بقتله قُتِل.
(مسلم بشرح النووي جـ6صـ484)
(5) روى مسلمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ (أَيْ مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَأَنْكَرَ بِقَلْبِهِ)
وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: لَا مَا صَلَّوْا. (مسلم حديث:1854)
قال الإمام النووي (رحمه الله) :قوله (أَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: لَا مَا صَلَّوْا) فيه أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئاً من قواعد الإسلام. (مسلم بشرح النووي جـ6صـ486)
(6) روى مسلمٌ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ: لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ. وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ. (مسلم حديث:1855)
(7) روى الشيخانِ عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ:كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا قَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ ؟ قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ. (البخاري حديث:7084/مسلم حديث:1847)
قال الإمام النووي (رحمه الله ) :قوله (دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا) قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة.وفي حديث حذيفة هذا لزوم جماعة المسلمين وإمامهم ووجوب طاعته وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال وغير ذلك فتجب طاعته في غير معصية. (مسلم بشرح النووي جـ6صـ482)
قال ابن حجر العسقلاني (رحمه الله ) :قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ) كناية عن لزوم جماعة المسلمين وطاعة سلاطينهم ولو عصوا. ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ13 صـ40 )
قال البيضاوي (رحمه الله ) : قوله (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ ؟ قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ) المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان، وعض أصل الشجرة كناية عن مكابدة المشقة. ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ13 صـ40 )
(8) روى الشيخانِ عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا (ظاهراً) عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ . ( البخاري حديث 7055 /مسلم ـ كتاب الإمارة:حديث 42 )
* فـائدة هامة:عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ:أي نَصٌ آية مِن القرآن، أو حديث صحيح عن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يحتمل التأويل.
أقوال علماء أهل السُّنة والجماعة
(1) قال الإمام النووي (رحمه الله ) : لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن ترواْ منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث ما كنتم وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرامٌ بإجماع المسلمين ، وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته وأجمع أهل السُّنة أنه لا ينعزل السلطان. قال العلماء وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين ، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه . ( مسلم بشرح النووي جـ12 صـ229 )
(2) قال القاضي عياض (رحمه الله ) : (وفاته : 544 هـ ) قال جماهيرُ أهل السُّنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين: لا ينعزل السلطان بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك بل يجب وعظه وتخويفه للأحاديث الواردة ( مسلم بشرح النووي جـ12 صـ229 )
(3) الحسن البصري (رحمه الله) :
روى ابنُ سعد عن أبي التياح قال: كان الحسن البصري ينهى عن الخروج على الحجاج بن يوسف الثقفي ويأمر بالكف عنه . (الطبقات الكبر لابن سعد جـ7صـ:164)
وروى ابنُ سعد عن عمرو بن يزيد العبدي قال: سمعت الحسن البصري يقول: لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم صبروا، ما لبثوا أن يُفَرَّج عنهم، ولكنهم يجزعون إلى السيف فيُوكَلُونَ إليه فوالله ما جاؤوا بيوم خير قط. (الطبقات الكبر لابن سعد جـ7صـ165:164)
(4) قال الإمام:علي بن المديني (رحمه الله ) : (شيخ البخاري)
السمع والطاعة للأئمة وأمراء المؤمنين، البر والفاجر ومن ولي الخلافة بإجماع الناس ورضاهم، لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ليلة إلا وعليه إمام براً كان أو فاجراً، فهو أمير المؤمنين، والغزو مع الأمراء ماضٍ إلى يوم القيامة البر والفاجر، لا يُترك. وقسمة الفيء وإقامة الحدود للأئمة الماضية ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم ودفع الصدقات إليهم جائزة نافذة قد بريء من دفعها إليهم وأجزأت عنه براً كان أو فاجراً، وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولاه جائزة قائمة ركعتان. مَن أعادها فهو مبتدع تارك للإيمان مخالف وليس له من فضل الجمعة شيء إذا لم ير الجمعة خلف الأئمة من كانوا بَرهم وفاجرهم. والسُّنة أن يصلوا خلفهم لا يكون في صدره حرج من ذلك. ومن خرج علي إمام من أئمة المسلمين وقد اجتمع عليه الناس فأقروا له بالخلافة بأي وجه كانت برضا أو بغلبة، فهو شاق. هذا الخارج عليه العصا وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية. ولا يحل قتال السلطان، ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن عمل ذلك، فهو مبتدعٌ، على غير السُّنة. (شرح أصول اعتقاد أهل السُّنة لللالكائي جـ 1صـ189:188)
(5) الإمام: أحمد بن حنبل:
قال الخلال: أخبرني محمد بن أبي هارون ومحمد بن جعفر أن أبا الحارث حدثهم قال سألت أبا عبد الله (أحمد بن حنبل) في أمر كان حدث ببغداد وهم قوم بالخروج فقلت يا أبا عبد الله ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول: سبحان الله الدماء ، الدماء لا أرى ذلك، ولا آمر به. الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يسفك فيها الدماء ويستباح فيها الأموال وينتهك فيها المحارم أما علمت ما كان الناس فيه يعني أيام الفتنة قلت والناس اليوم أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله؟ قال: وإن كان فإنما هي فتنة خاصة فإذا وقع السيف عمت الفتنة وانقطعت السبل الصبر على هذا ويسلم لك دينك خير لك ورأيته ينكر الخروج على الأئمة وقال الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به. (السُّنة لأبي بكر الخلال جـ1صـ 133:132رقم89)
قال الخلال أخبرني علي بن عيسى قال: سمعت حنبل يقول في ولاية الواثق اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبد الله (أحمد بن حنبل) أبو بكر بن عبيد وإبراهيم بن علي المطبخي وفضل بن عاصم فجاؤوا إلى أبي عبد الله فاستأذنت لهم فقالوا: يا أبا عبد الله هذا الأمر قد تفاقم وفشا ، يعنون إظهاره لخلق القرآن وغير ذلك، فقال لهم أبو عبد الله فما تريدون؟ قالوا: أن نشاورك في أنا لسنا نرضى بإمرته ولا سلطانه فناظرهم أبو عبد الله ساعة وقال لهم: عليكم بالنكرة بقلوبكم ولا تخلعوا يداً من طاعة ، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم. (السُّنةُ لأبي بكر الخلال جـ1صـ133رقم90)
(6) قال أبو زرعة الرازي (رحمه الله ) :لا نُكَفِّر أهل القبلة بذنوبهم ونكِل أسرارهم إلى الله عز و جل، ونقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان، ولا نرى الخروج على الأئمة ولا القتال في الفتنة ونسمع ونطيع لمن ولاه الله عز و جل أمرنا ولا ننزع يداً من طاعة نتتبع السُّنة والجماعة ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة، فإن الجهاد ماض منذ بعث الله عز و جل نبيه عليه الصلاة و السلام إلى قيام الساعة مع أولي الأمر من أئمة المسلمين لا يبطله شيء والحج كذلك ودفع الصدقات من السوائم إلى أُولي الأمر من أئمة المسلمين. (شرح أصول اعتقاد أهل السُّنة لللالكائي جـ 1صـ199)
(7) قال الإمام سفيان الثوري (رحمه الله ) : الصلاة خلف كل بَر وفاجر، والجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، والصبر تحت لواء السلطان، جار أم عدل. (شرح أصول اعتقاد أهل السُّنة لللالكائي جـ 1صـ173)
(8) قال الإمام أبو الحسن الأشعري (رحمه الله) : وأجمع علماء أهل السُّنة على السمع والطاعة لأئمة المسلمين وعلى أن كل من ولي شيئاً من أمورهم عن رضى أو غلبة وامتدت طاعته من بر وفاجر لا يلزم الخروج عليهم بالسيف جار أو عدل وعلى أن يغزوا معهم العدو ويحج معهم البيت وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها. ويصلي خلفهم الجمع والأعياد. ( رسالة إلى أهل الثغر لأبي الحسن الأشعري صـ298:297)
قال الإمام أبو الحسن الأشعري أيضاً:عن اعتقاد أهل السُّنة:ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح وأن لا يخرجوا عليهم بالسيف وأن لا يقاتلوا في الفتنة. (مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري جـ1صـ295)
(9) قال ابن النحاس (رحمه الله ) : ليس لأحدٍ أن يمنع السلطان بالقهر باليد , ولا أن يشهر عليه سلاحاً أو يجمع له أعواناً، لأن ذلك تحريك للفتن وتهييج للشر , وإذهاب لهيبة السلطان من قلوب الرعية , وربما أدى ذلك إلى تجرئهم على الخروج عليه وتخريب البلاد . ( الموازين لابن النحاس صـ43 )
(10) قال الإمام الطحاوي (رحمه الله ) : لا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز و جل فريضة ما لم يأمروا بمعصية وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة. (شرح العقيدة الطحاوية لأبي العز الحنفي جـ2صـ132)
(11) قال أبو العز الحنفي (رحمه الله ) :
وَأَمَّا وَلِي الْأَمْرِ فَقَدْ يَأْمُرُ بِغَيْرِ طَاعَة الله ، فَلَا يُطَاعُ إِلَّا فِيمَا هُوَ طَاعَة لله ورسوله . وَأَمَّا لُزُومُ طَاعَتِهِمْ وَإِنْ جَارُوا ، فلأنه يَتَرَتَّبُ على الْخُرُوجِ مِنْ طَاعَتِهِمْ مِنَ الْمَفَاسِدِ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ مِنْ جَوْرِهِمْ ، بَلْ في الصَّبْرِ على جَوْرِهِمْ تَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ وَمُضَاعَفَة الْأُجُورِ ، فَإِنَّ الله تعالى مَا سَلَّطَهُمْ عَلَيْنَا إِلَّا لِفَسَادِ أَعْمَالِنَا ، وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ ، فَعَلَيْنَا الِاجْتِهَادُ بالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَة وَإِصْلَاحِ الْعَمَلِ .
قَالَ تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) (الشُّورَى: 30 ) وَقَالَ تعالى : ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ) ( آلِ عِمْرَانَ: 165) وَقَالَ تعالى : ( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) ( سورة النِّسَاءِ: 79) وقال سبحانه. ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (الْأَنْعَامِ : 129) . فَإِذَا أَرَادَ الرَّعِيَّة أَنْ يَتَخَلَّصُوا مِنْ ظُلْمِ الْأَمِيرِ الظَّالِمِ . فَلْيَتْرُكُوا الظُّلْمَ . (شرح العقيدة الطحاوية لأبي العز الحنفي جـ2صـ135)
(12) قال ابن تيمية (رحمه الله) : لَا يَجُوزُ إنْكَارُ الْمُنْكَرِ بِمَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ ؛ وَلِهَذَا حُرِّمَ الْخُرُوجُ عَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ بِالسَّيْفِ ؛ لِأَجْلِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ؛ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَرْكِ وَاجِبٍ أَعْظَمَ مِمَّا يَحْصُلُ بِفِعْلِهِمْ الْمُنْكَرَ وَالذُّنُوبَ وَإِذَا كَانَ قَوْمٌ عَلَى بِدْعَةٍ أَوْ فُجُورٍ وَلَوْ نُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَقَعَ بِسَبَبِ ذَلِكَ شَرٌّ أَعْظَمُ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُمْكِنْ مَنْعُهُمْ مِنْهُ وَلَمْ يَحْصُلْ بِالنَّهْيِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ لَمْ يُنْهَوْا عَنْهُ . (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ14 صـ472 )
وقال ابن تيمية (رحمه الله) :المشهور من مَذهب أهل السُّنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته. (منهاج السنة النبوية جـ3 صـ391)
وقال ابن تيمية (رحمه الله) : كان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة كما كان عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وغيرهم يَنهَون عن الخروج على يزيد بن معاوية، وكما كان الحسن البصري ومجاهد بن جبر وغيرهما يَنهَون عن الخروج في فتنة عبد الرحمن بن الأشعث ولهذا استقر أمر أهل السُّنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر على جَوْر الأئمة وترك قتالهم. (منهاج السنة النبوية جـ4 صـ316:315)
وقال ابن تيمية (رحمه الله) :الفتنةُ إذَا وقعتْ عَجز العقلاءُ فيها عن دفع السفهاء. وهذا شأنُ الفتن كما قال تعالى: ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (الأنفال:25) وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلاّ من عصمه الله. ( منهاج السنة النبوية جـ4صـ343)
(13) قال الإمام ابن القيم (رحمه الله ) : إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره وان كان الله يبغضه ويمقت أهله وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر وقد استأذن الصحابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ فقال: لا، ما أقاموا الصلاة. وقال-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعن يداً من طاعته. (أعلام الموقعين لابن القيم جـ3 صـ4)
(14) قال الإمام الشوكاني (رحمه الله ) : : ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد ، كما ورد في الحديث أنه يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة ، ولا يُذل سلطان الله ، ولا يجوز الخروج على الأئمة وإن بلغوا في الظلم أي مَبلغ ما أقاموا الصلاة ولم يظهر منهم الكفر البواح ، والأحاديث الواردة في هذا المعنى متواترة ، ولكن على المأموم أن يطيع الإمام في طاعة الله ويعصيه في معصية الله ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . (السيل الجرار للشوكاني جـ4صـ556)
خطورة الفتن وأضرارها:
(1) الفتن من أكبر أسباب كثرة إراقة الدماء ، وإهلاك الممتلكات العامة والخاصة، وانتشار أعمال السلب والنهب في المجتمع.
(2) الفتن سبب الخُسارة في الدنيا وفي الآخرة .
(3) الفتن تُعمي أصحابها عن الحق وعن الصراط المستقيم .
(4) الفتنة والشيطان قرينان .
(5) الفتن تُلقي بالشبهات في دين المؤمن .
(6) فتنة الرجل في أهله قد تصرفه عن الدين .
(7) الفتن من أشد ما يُقلب قلب المؤمن .
(8) الفتنة بمعنى الاقتتال على الحكم من أهم عوامل خراب المجتمعات .
(9) الاقتتال في الفتنة يُحقق غرض أعداء الدين وينهك المسلمين اقتصاديا واجتماعياً وصحياً .
(10) الفتن تفقد المجتمع عزته وتجعل المقتتلين يطلبون الإحسان من أعدائهم .
(11) الفتن من أهم عوامل تخلف المجتمعات الإسلامية وتجعل مقاديرهم في غير أيديهم . ( موسوعة نضرة النعيم جـ11 صـ5218 )
موقف المسلم عند الفتن
هناك أمور ينبغي على المسلم مراعاتها عند حدوث الفتن، ويمكن أن نوجزها فيما يلي:
(1) الاعتصام بالقرآن والسُّنة:
إن اعتصام المسلمين بالقرآن والسُّنة، والتأليف بين قلوبهم هو السبيل الأمثل للخروج من الفتنة بسلام.
قال الله تعالى: ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران:103)
روى الحاكمُ عن أبي هريرة ، رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله و سنتي و لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. (حديث حسن) (مستدرك الحاكم جـ1صـ172)
روى الترمذيُّ عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ:وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ. (حديث صحيح) (صحيح سنن الترمذي للألباني حديث:2157)
(2) استشارة علماء أهل السُّنة عند حدوث الفتن:
ينبغي على المسلم أن يسأل علماء أهل السُّنة عن موقف الشريعة الإسلامية من هذه الفتن.
قال الله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (النحل44:43)
وقال سبحانه: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء:59)
قال عبد الله بن عباس: ( وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ ) يعني: أهل الفقه والدين. (تفسير ابن كثيرجـ 4صـ 136)
واعلم، أخي الكريم، أن علماء أهل السنة والجماعة هم ورثة نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وهم الذين يجب علينا أن نسألهم عند حدوث الفتنة.
روى الترمذيُّ عن أبي الدرداء أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) (حديث صحيح ) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2159)
(3) التوبة الصادقة والاستغفار:
ينبغي أن يكون من المعلوم أنه لا ينزل بلاءٌ إلا بذنب ، ولا يرفعه الله إلا بتوبة صادقة.روى الزبير بن بكار في كتابه (الأنساب) أن عمر بن الخطاب لما استسقى بالعباس بن عبد المطلب، قال العباس: ( اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث ) فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس. (التوسل للألباني صـ62)
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (التحريم : 8)
وقال عز وجل عن نوح -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (نوح:12:10)
وقال سبحانه عن هود -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) (هود:52)
نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحثنا على التوبة الصادقة :
(1) روى مسلمٌ عن عبدِ الله بْنِ عُمَرَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ. (مسلم حديث : 2702 )
(2) روى الترمذيُّ عن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً . (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث : 2805)
(3) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ. (البخاري حديث : 7507/مسلم حديث :2758)
شروط التوبة الصادقة :
قال الإمام النووي (رحمه الله) قال العلماء: التوبة واجبةٌ من كل ذنبٍ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدميٍ؛ فلها ثلاثة شروطٍ:
أحدها: أن يقلع عن المعصية.
والثاني: أن يندم على فعلها.
والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبداً.
فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.
وإن كانت المعصية تتعلق بآدميٍ فشروطها أربعةٌ: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها؛ فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه، وإن كانت حد قذفٍ ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبةً استحله منها. ويجب أن يتوب من جميع الذنوب، فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب، وبقي عليه الباقي. (رياض الصالحين للنووي صـ 25:24)
(4) اللجوء إلى الله بالدعاء والقنوت في الصلوات المفروضة:
الدعاء سلوى المحزونين , ونجوى المتقين , ودأب الصالحين , فإذا صدر عن قلب سليم , ونفس صافية , وجوارح خاشعة , صادف إجابة كريمة من رب رحيم ودود .
حثنا الله تعالى على الدعاء في آيات كثيرة من كتاب العزيز : فقال تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) ( البقرة : 186 ) وقال سبحانه : ( أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ) النمل : 62 ) وقال جَلَّ شأنه : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) ( غافر: 60 ) وقال سبحانه : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) ( الأعراف : 55 : 56 )
وحثنا نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الدعاء في كثير من أحاديثه المباركة، وسوف نذكر بعضاً منها:
روى أبو داودَ عَنْ سَلْمَانَ الفارسي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا ) ( حديث صحيح ) (صحيح أبي داود للألباني حديث 1320 )
روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ ) ( حديث صحيح ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 2766 )
روى أحمدٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ. (حديث صحيح ) ( مسند أحمد جـ17 صـ213 حديث 11133)
(4) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ . ( مسلم حديث 482 )
شروط إجابة الدعاء :
هناك شروط يجب توفرها حتى يكون الدعاء مستجاباً عند الله تعالى ويمكن أن نوجزها فيما يلي:
1- الإخلاص في الدعاء.
2- المأكل والمشرب والملبس الحلال.
3- عدم الدعاء بإثم أو قطيعة رحم.
4- أن يوقن العبد بإجابة الله تعالى لدعائه.
5- أن يكون الدعاء بالأمور الجائزة شرعاً .
ومن السُّنةِ القنوت (الدعاء) جهراً في الركعة الأخيرة من الصلوات الخمس المفروضة أو في صلاتي المغرب والفجر فقط، عند نزول فتنة بالمسلمين، وذلك في جميع المساجد.
روى أبو داودَ عَنْ عبدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ ، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ . ( حديث حسن ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 1280 )
وروى مسلمٌ عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ . ( مسلم حديث 678 )
(5) التحلي بالصبر والرفق في مواجه الفتنة:
الصبر والرفق في التعامل مع الناس من أفضل السُّبل لمواجهة الفتن والتغلب عليها.
قال سبحانه (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة 157:155)
وقال جلَّ شأنه (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (آل عمران 186)
روى الترمذيُّ عَنْ أَنَسٍ بنِ مالكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَ لِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ.
(حديث صحيح ) (صحيح الترمذي للألباني حديث2012)
قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ :حِينَ خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَارِبًا مِنْ مَكَّةَ وَمَعَهُ بِلَالٌ، إِنَّمَا كَانَ مَعَ بِلَالٍ مِنْ الطَّعَامِ مَا يَحْمِلُهُ تَحْتَ إِبْطِهِ. (سنن الترمذي جـ4 ص556)
وحثنا الله تعالى وكذلك نبينا-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الرفق في التعامل مع الناس، خاصة في وقت الفتنة.
قال تعالى في قصة موسى وهارون : (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) ( طه : 43 : 44 )
وقال جَلَّ شأنه : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ( النحل : 125 )
وقال سبحانه : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) ( آل عمران : 159 )
روى مسلمٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ . ( مسلم حديث 2593 )
اعلم أخي المسلم الكريم : أن الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , كثيراً ما يهدي القلوب الشاردة ويؤلف القلوب النافرة , ويأتي بخير أفضل من التأنيب والتوبيخ .
(6) التعاون بين المسلمين على البر والتقوى:
ينبغي على المسلمين تكوين لجان شعبية، وذلك بالتنسيق مع الجهات الحكومية (إذا كانت موجودة) ، لحماية الممتلكات العامة والخاصة من اللصوص والمجرمين، الذين يسعون في الأرض فساداً.وعلى هذه اللجان الشعبية أيضاً مواساة المتضررين بالطعام والشراب والكساء والدواء والمأوى .قال الله تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (المائدة:2)
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ قَالَ فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ. (مسلم حديث:1728)
روى الشيخانِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى. (البخاري حديث : 6011/مسلم حديث :2586)
(7) ضبط الأقوال والأفعال بميزان الإسلام:
يجب على المسلم أن يعرض أقواله على ميزان الشريعة الإسلامية، قبل أن يتكلم بها، وكذلك الأفعال، قبل أن يقوم على فعلها.
قال تعالى: ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (الإسراء:36)
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ . ( البخاري حديث 6478 )
وليعلم كل مسلم أن لله ملائكة تكتب أقواله وأفعاله. قال الله تعالى : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (آل عمران:30)
وقال سبحانه : ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (الكهف:49)
وقال سبحانه : ( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (الزخرف:80)
وقال جَلَّ شأنه : (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قّ:18) وقال سبحانه : ( إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الجاثـية: 29)
وليعلم كل مسلم أيضاً أنه سوف يقف وحده للحساب بين يدي الله تعالى.
قال اللُه تعالى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (الأنعام:94)
روى الشيخانِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ .
( البخاري حديث 6539 / مسلم حديث 1016 )
(8) عدم احتكار التجار لما يحتاجه الناس:
المقصود بالاحتكار هو شراء التاجر سلعة ما وحبسها حتى يحتاج إليها عامة الناس , فيبيعها التاجر بسعر مرتفع , مستغلاً حاجة الناس إلى هذه السلعة مع قلتها في الأسواق .والاحتكارُ حرامٌ لأنه من أبواب أكْلِ أموال الناس بالباطل . ( المغني لابن قدامة جـ6 صـ 314 )
روى مسلمٌ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ . ( أي عاص) . ( مسلم حديث 1605 )
قال الإمام النووي : هذا الحديث صريحٌ في تحريم الاحتكار .
وقال أيضاً : قَالَ الْعُلَمَاء : وَالْحِكْمَة فِي تَحْرِيم الِاحْتِكَار دَفْع الضَّرَر عَنْ عَامَّة النَّاس ، كَمَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْد إِنْسَان طَعَام ، وَاضْطُرَّ النَّاس إِلَيْهِ وَلَمْ يَجِدُوا غَيْره ، أُجْبِرَ عَلَى بَيْعه دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاس . ( مسلم بشرح النووي جـ6 صـ 49 )
(9) تحذير الناس من عاقبة الانقياد لدعاة الفتنة:
يجب على العلماء تحذير الناس، وخاصة الشباب، من المشاركة في الفتنة ، والانقياد لدعاة الفتنة، لما يترتب على ذلك، غالباً، من إراقة الدماء، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وترويع الآمنين في منازلهم وأماكن أعمالهم، وانتشار أعمال السلب والنهب، وتعطيل جميع مظاهر حياة الناس اليومية.
(10) اعتزال الفتنة:
يجب على المسلم أن يتجنب الفتن ويعتزلها، فراراً بدينه، وذلك بالبقاء في بيته، أو مكان عمله، أو أي مكان آخر، يأمن فيه على دينه.
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ (رؤوس) الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ (المطر) يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ. (البخاري حديث:7088)
روى الشيخانِ عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ فَمَنْ وَجَدَ مِنْهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا (الملجأ) فَلْيَعُذْ بِهِ.
(البخاري حديث:7081/مسلم حديث:2886)
روى أبو داودَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ ذَكَرَ الْفِتْنَةَ فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ (اختَلَطَت) عُهُودُهُمْ وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ وَكَانُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: الْزَمْ بَيْتَكَ وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ. ( حديث حسن صحيح) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 3649 )
روى أبو داودَ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: ايْمُ اللَّهِ (أسلوب قَسَم) لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ وَلَمَنْ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ . (حديث صحيح) (صحيح سنن أبي داود للألباني حديث:3585)
اعتزال سلفنا الصالح للفتن:
(1) سعد بن أبي وقاص :
اعتزل سعد بن أبي وقاص الفتنة، فلم يحضر موقعة الجمل ولا موقعة صفين ولا التحكيم.
(1) قال أيوب السختياني اجتمع سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وابن عمر وعمار بن ياسر فذكروا الفتنة فقال سعد: أما أنا فأجلس في بيتي ولا أدخل فيها. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 1صـ 94)
(2) قال محمد بن سيرين: قيل لسعد بن أبي وقاص ألا تقاتل فإنك من أهل الشورى وأنت أحق بهذا الأمر من غيرك ؟ فقال: لا أقاتل حتى تأتوني بسيف له عينان ولسان وشفتان، يعرف المؤمن من الكافر فقد جاهدت وأنا أعرف الجهاد.
(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 1صـ 94)
(3) جاء هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى عمه سعد فقال: ههنا مائة ألف سيف يرونك أحق بهذا الأمر (أي بالخلافة) فقال أريد منها سيفاً واحداً إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئاً ، وإذا ضربت به الكافر قطع. (الإصابة لابن حجر العسقلاني جـ2صـ 31)
(2) عبد الله بن عمر بن الخطاب
روى البخاريُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَتَاهُ رَجُلَانِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَا إِنَّ النَّاسَ صَنَعُوا وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ وَصَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ فَقَالَ يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي فَقَالَا: أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ )
فَقَالَ: قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ وَكَانَ الدِّينُ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ. (البخاري حديث:4514)
روى البخاريُّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فقُلْتُ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ (أي ما حدث بين علي ومعاوية من قتال) مَا تَرَيْنَ فَلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ. فَقَالَتْ: الْحَقْ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ فِي احْتِبَاسِكَ عَنْهُمْ فُرْقَةٌ، فَلَمْ تَدَعْهُ حَتَّى ذَهَبَ. فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ (اختلف الحكمان:عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري) خَطَبَ مُعَاوِيَةُ قَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الْأَمْرِ فَلْيُطْلِعْ لَنَا قَرْنَهُ (فليظهر لنا نفسه، ولا يخفيها) فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ قَالَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَهَلَّا أَجَبْتَهُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي (نوع من الثياب) وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَخَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ وَتَسْفِكُ الدَّمَ وَيُحْمَلُ عَنِّي غَيْرُ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِي الْجِنَانِ (أي لمن صبر وآثر الآخرة على الدنيا) . قَالَ حَبِيبٌ: حُفِظْتَ وَعُصِمْتَ. (البخاري حديث:4108)
(3) أبو بكرة الثقفي: (نفيع بن الحارث)
روى الشيخانِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ هَذَا الرَّجُلَ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَحْنَفُ؟ قَالَ قُلْتُ: أُرِيدُ نَصْرَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي عَلِيًّا قَالَ: فَقَالَ لِي يَا أَحْنَفُ ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَدْ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ. (البخاري حديث:7083/مسلم حديث:2888)
أكثر الصحابة قد اعتزلوا قتال الفتنة :
اعلم، أخي الكريم، أن أكثر أصحاب نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد اعتزلوا قتال الفتنة واتبعوا النصوص الثابتة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك الأمر.
روى الإمام أحمدُ عن إسماعيل بن عُليَّة عن أيوب عن محمد بن سرين قال: هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشرة آلاف، فلم يحضرها منهم مائة , بل لم يبلغوا ثلاثين . ( البداية والنهاية لابن كثير جـ7 صـ264)
مُطَرِّفِ بن عَبْدِ الله :
قال بشيرُ بنُ عقبة قلتٌ ليزيد بن عَبْدِ الله بنِ الشِّخِّيرِ: ما كان مُطَرِّف بن عَبْدِ الله يصنع إذا هاج في الناس هيج؟ قال: يلزم قَعْرَ بيته، ولا يقرب لهم جمعة ولا جماعة حتى تنجِلي لهم عما انجلت. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ7صـ142)
أخي القارئ الكريم :
هذا هو منهج أهل السُّنة والجماعة عند حدوث الفتن، وهذا هو معتقدنا إلى أن نلقى الله تبارك وتعالى.
أسألُ اللهَ تعالى أن يجنبنا الفتن ، ما ظهر منها وما بطن، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.كما أسأله سبحانه أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفع طلاب العِلم الكرام.وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين .
وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .