أحكام الجهاد

2011-11-05

صلاح الدق

بسم الله الرحمن الرحيم

أحكام الجهاد

معنى الجهاد :

الجهاد في اللغة : هو بذل الوسع والطاقة.

(لسان العرب لابن منظور جـ 1صـ 708)

الجهاد في الشرع : بذل الجهد في قتال الكفار ويطلق أيضا على مجاهدة النفس والشيطان والفساق .

( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ6 صـ5 )

مراتب الجهاد :

 الْجِهَادُ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ : جِهَادُ النّفْسِ وَجِهَادُ الشّيْطَانِ وَجِهَادُ الْكُفّارِ وَجِهَادُ الْمُنَافِقِينَ.

 أولاً: مَرَاتِبُ جِهَادِ النّفْسِ:

 جِهَادُ النّفْسِ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ:

 إحْدَاهَا : أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى تَعَلّمِ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ الّذِي لَا فَلَاحَ لَهَا وَلَا سَعَادَةَ فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا إلّا بِهِ وَمَتَى فَاتَهَا عَلِمَهُ شَقِيَتْ فِي الدّارَيْنِ .

الثّانِيَةُ أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ وَإِلّا فَمُجَرّدُ الْعِلْمِ بِلَا عَمَلٍ إنْ لَمْ يَضُرّهَا لَمْ يَنْفَعْهَا .

 الثّالِثَةُ أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الدّعْوَةِ إلَيْهِ وَتَعْلِيمِهِ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ وَإِلّا كَانَ مِنْ الّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنْ الْهُدَى وَالْبَيّنَاتِ وَلَا يَنْفَعُهُ عِلْمُهُ وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ اللّهِ .

 الرّابِعَةُ أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الصّبْرِ عَلَى مَشَاقّ الدّعْوَةِ إلَى اللّهِ وَأَذَى الْخَلْقِ وَيَتَحَمّلُ ذَلِكَ كُلّهُ لِلّهِ . فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الْمَرَاتِبَ الْأَرْبَعَ صَارَ مِنْ الرّبّانِيّينَ فَإِنّ السّلَفَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنّ الْعَالِمَ لَا يَسْتَحِقّ أَنْ يُسَمّى رَبّانِيّا حَتّى يَعْرِفَ الْحَقّ وَيَعْمَلَ بِهِ وَيُعَلّمَهُ فَمَنْ عَلِمَ وَعَمِلَ وَعَلّمَ فَذَاكَ يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السّمَاوَاتِ .

ثانياً: جهاد الشّيْطَانِ:

 مَرْتَبَتَانِ:

 إحْدَاهُمَا : جِهَادُهُ عَلَى دَفْعِ مَا يُلْقِي إلَى الْعَبْدِ مِنْ الشّبُهَاتِ وَالشّكُوكِ الْقَادِحَةِ فِي الْإِيمَانِ .

 الثّانِيَةُ جِهَادُهُ عَلَى دَفْعِ مَا يُلْقِي إلَيْهِ مِنْ الْإِرَادَاتِ الْفَاسِدَةِ وَالشّهَوَاتِ فَالْجِهَادُ الْأَوّلُ يَكُونُ بَعْدَهُ الْيَقِينُ وَالثّانِي يَكُونُ بَعْدَهُ الصّبْرُ . قَالَ اللهُ تَعَالَى : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (السّجْدَةُ 24 )

 فَأَخْبَرَ أَنّ إمَامَةَ الدّينِ إنّمَا تُنَالُ بِالصّبْرِ وَالْيَقِينِ، فَالصّبْرُ يَدْفَعُ الشّهَوَاتِ وَالْإِرَادَاتِ الْفَاسِدَةَ وَالْيَقِينُ يَدْفَعُ الشّكُوكَ وَالشّبُهَاتِ .

ثالثاً:جِهَادُ الْكُفّارِ وَالْمُنَافِقِينَ: أَرْبَعُ مَرَاتِبَ بِالْقَلْبِ وَاللّسَانِ وَالْمَالِ وَالنّفْسِ وَجِهَادُ الْكُفّارِ أَخُصّ بِالْيَدِ وَجِهَادُ الْمُنَافِقِينَ أَخُصّ بِاللّسَانِ .

وَأما جِهَادُ أَرْبَابِ الظّلْمِ وَالْبِدَعِ وَالْمُنْكَرَاتِ: ثَلَاثُ مَرَاتِبَ الْأُولَى : بِالْيَدِ إذَا قَدَرَ فَإِنْ عَجَزَ انْتَقَلَ إلَى اللّسَانِ فَإِنْ عَجَزَ جَاهَدَ بِقَلْبِه . ( زاد المعاد لابن القيم جـ3 صـ9 : صـ11)

جهاد أعداء المسلمين

سوف نتحدث عن أحكام جهاد أعداء المسلمين، فنقول وبالله تعالى التوفيق:

حِكْمَةُ تَشْرِيعِ الْجِهَادِ :

الْقَصْدُ مِنَ الْجِهَادِ دَعْوَةُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الإِْسْلاَمِ، أَوِ الدُّخُول فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَدَفْعِ الْجِزْيَةِ، وَجَرَيَانُ أَحْكَامِ الإِْسْلاَمِ عَلَيْهِمْ، وَبِذَلِكَ يَنْتَهِي تَعَرُّضُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَاعْتِدَاؤُهُمْ عَلَى بِلاَدِهِمْ، وَوُقُوفُهُمْ فِي طَرِيقِ نَشْرِ الدَّعْوَةِ الإِْسْلاَمِيَّةِ، وَيَنْقَطِعُ دَابِرُ الْفَسَادِ .

 قَال تَعَالَى : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) (البقرة 193).

وَقَال عَزَّ وَجَل ( هُوَ الَّذِي أَرْسَل رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة 33)

وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسِيرَتُهُ، وَسِيرَةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى جِهَادِ الْكُفَّارِ، وَتَخْيِيرِهِمْ بَيْنَ ثَلاَثَةِ أُمُورٍ مُرَتَّبَةٍ وَهِيَ :قَبُول الدُّخُول فِي الإِْسْلاَمِ، أَوِ الْبَقَاءُ عَلَى دِينِهِمْ مَعَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وَعَقْدُ الذِّمَّةِ . فَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا، فَالْقِتَال .(الموسوعة الفقهية الكويتية جـ 16 صـ 132)

فضل الجهاد في سبيل الله :

الجهاد: إعلاءٌ لكلمة التوحيد، وتمكينٌ للإسلام في الأرض،، ولذا كان أفضل من تطوع الحج،، وأفضل من تطوع الصلاة، والصوم.وقد جاءت آياتٌ كثيرةٌ في القرآن، وأحاديثٌ عن نبينا-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تتحدث عن فضل الجهاد في سبيل الله تعالى .

أولاً: فضل الجهاد في القرآن:

(1)قال الله تعالى : (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) ( آل عمران : 169 : 171 )

(2)وقال سبحانه : (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) ( النساء : 95 )

(3)قال جل شأنه:( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:111)

 (4)وقال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ) ( الصف : 4 )

(5) وقال سبحانه( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (الصف 13:10)

ثانياً: فضل الجهاد في السُّنة :

(1) روى البخاريُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا. (البخاري حديث 2892)

(2) روى الشيخانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ُعَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ :لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. (البخاري حديث 2792 / مسلم حديث 2796 )

(3) روى البخاريُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا الشَّهِيدُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَةِ . (البخاري حديث 2817)

(4) روى البخاريُّ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ :أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْسٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَبْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ. (البخاري حديث 2811)

(5) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. قِيلَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ . (البخاري حديث 26 / مسلم حديث 83)

(6) روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ. (البخاري حديث 2790)

(7) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ. (البخاري حديث 28.3 / مسلم حديث 1876)

(8) روى مسلمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )(آل عمران 169)قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ اطِّلَاعَةً فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا . (مسلم حديث 1887)

(9) روى مسلمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ. (مسلم حديث 1886)

(10) روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ. (البخاري حديث 2797)

(11) روى البخاريُّ عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ قَالَ لَا أَجِدُهُ قَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ وَتَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ؟ قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ. (البخاري حديث 2785)

(12) روى الترمذيُّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ.

(حديث صحيح)( صحيح الترمذي للألباني حديث2110)

(13) روى أبو داودَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كُلُّ الْمَيِّتِ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الْمُرَابِطَ فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُؤَمَّنُ مِنْ فَتَّانِ الْقَبْرِ.(حديث صحيح)( صحيح أبي داود للألباني حديث 2182)

(14) روى الترمذيُّ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ . (حديث صحيح)( صحيح الترمذي للألباني حديث 1358)

 (15) روى النسائيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: الشَّهِيدُ لَا يَجِدُ مَسَّ الْقَتْلِ إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ الْقَرْصَةَ يُقْرَصُهَا. (حديث حسن صحيح)( صحيح النسائي للألباني جـ 2صـ 393)

فائدة هامة :

معنى الرباط : الرِّبَاطُ: هُوَ تَأَهُّبٌ لِلْجِهَادِ،وَالإِْقَامَةُ فِي مَكَانٍ َيُتَوَقَّعُ هُجُومُ الْعَدُوِّ مِنْهُ.

والرِّبَاطُ: الْإِقَامَةُ بِالثَّغْرِ، مُقَوِّيًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكُفَّارِ .

وَالثَّغْرُ : كُلُّ مَكَان يُخِيفُ أَهْلَهُ الْعَدُوُّ وَيُخِيفُهُمْ .

وَأَصْلُ الرِّبَاطِ مِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَرْبِطُونَ خُيُولَهُمْ، وَهَؤُلَاءِ يَرْبِطُونَ خُيُولَهُمْ، كُلٌّ يُعِدُّ لِصَاحِبِهِ.

(المغني لابن قدامة جـ 13صـ 18)

إخلاص النية في الجهاد :

يجب أن يكون هدف المسلم من الخروج للجهاد هو رفع كلمة التوحيد .

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .

( البخاري حديث 123 / مسلم حديث 1904)

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ . ( مسلم حديث 2985)

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. ( مسلم حديث 1905)

حكْم الجهاد :

الجهاد فرض كفاية، إذا قام به بعض المسلمين سقط عن الآخرين، وإن لم يقم به أحدٌ، أثمَ كلُّ من تمكن من الجهاد ولم يجاهد . ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ6 )

قال الله تعالى : (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا )( النساء : 95 )

وقال سبحانه : (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ( التوبة : 122 )

متى يكون الجهاد فرض عين ؟

يكون الجهاد فرض عين في الحالات الآتية :

(1) أن يحضر الشخص المكلف صف القتال فعلاً وذلك لقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( الأنفال : 45 )

وقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ) ( الأنفال : 15 )

(2) أن يحضر العدو ويهاجم المكان أو البلد الذي يقيم فيه المسلمون .

يقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ) ( التوبة : 123 )

(3) إذا استنفر الحاكم أحداً من الأشخاص المكلفين . ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ8 )

روى البخاريُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا . ( البخاري حديث2783)

على من يجب الجهاد ؟

جهاد أعداء المسلمين واجبٌ على كلِ مسلمٍ، ذكرٍ, بالغٍ، عاقلٍ،، حرٍ، صحيحِ الجسم، يجدُ من المال ما يكفيه، ويكفي أهله حتى

ينتهي من الجهاد ويعود إلى بيته .

فَأَمَّا الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ، فَهِيَ شُرُوطٌ لِوُجُوبِ سَائِرِ الْفُرُوعِ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ مَأْمُونٍ فِي الْجِهَادِ، وَالْمَجْنُونَ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْجِهَادُ وَالصَّبِيَّ ضَعِيفُ الْبِنْيَةِ .

روى الشيخانِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي . ( البخاري حديث 4097 / مسلم حديث 1868)

 وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَتُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْجِهَادَ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَى الْعَبْدِ، كَالْحَجِّ .وَأَمَّا الذُّكُورِيَّةُ فَتُشْتَرَطُ لأن المرأة لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ ؛ لِضَعْفِهَا، وَلِذَلِكَ لَا يُسْهَمُ لَهَا .

روى ابن ماجه عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ. عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ، الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ. (حديث صحيح)( صحيح ابن ماجه للألباني حديث 2345)

.وَأَمَّا السَّلَامَةُ مِنْ الضَّرَرِ، فَمَعْنَاهُ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَمَى وَالْعَرَجِ وَالْمَرَضِ، وَهُوَ شَرْطٌ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) .وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْذَارَ تَمْنَعُهُ مِنْ الْجِهَادِ ؛ فَأَمَّا الْعَمَى فَمَعْرُوفٌ، وَأَمَّا الْعَرَجُ، فَالْمَانِعُ مِنْهُ هُوَ الْفَاحِشُ الَّذِي يَمْنَعُ الْمَشْيَ الْجَيِّدَ وَالرُّكُوبَ، كَالزَّمَانَةِ(كبر السن) وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا الْيَسِيرُ الَّذِي يَتَمَكَّنُ مَعَهُ مِنْ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ، وَإِنَّمَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ شِدَّةُ الْعَدْوِ، فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْجِهَادِ ؛ لِأَنَّهُ مُمَكَّنٌ مِنْهُ، فَشَابَهَ الْأَعْوَرَ .

وَكَذَلِكَ الْمَرَضُ الْمَانِعُ هُوَ الشَّدِيدُ، فَأَمَّا الْيَسِيرُ مِنْهُ الَّذِي لَا يَمْنَعُ إمْكَانَ الْجِهَادِ، كَوَجَعِ الضِّرْسِ وَالصُّدَاعِ الْخَفِيفِ، فَلَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْجِهَادُ، فَهُوَ كَالْعَوَرِ .

وَأَمَّا وُجُودُ النَّفَقَة، فَيُشْتَرَطُ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) ( التوبة : 91 )وَلِأَنَّ الْجِهَادَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِآلَةٍ، فَيُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا .فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ، اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ وَاجِدًا لِلزَّادِ وَنَفَقَةِ عَائِلَتِهِ فِي مُدَّةِ غِيبَتِهِ، وَسِلَاحٍ يُقَاتِلُ بِهِ، وَلَا تُعْتَبَرُ الرَّاحِلَةُ ؛ لِأَنَّهُ سَفَرٌ قَرِيبٌ .وَإِنْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ، اُعْتُبِرَ مَعَ ذَلِكَ الرَّاحِلَةُ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( وَلَا عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ). ( التوبة : 92 ) ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ8 : صـ10 )

الجهاد مع الحاكم براً أو فاسقاً :

أمر جهاد أعداء المسلمين، موكول إلى الحاكم، واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه .

ويجب الجهاد تحت راية الإمام براً كان أو فاسقاً، لأن ترك الجهاد مع الإمام الفاسق يؤدي إلى قطع الجهاد وسيطرة الكفار على المسلمين واستئصالهم وظهور كلمة الكفر، وهذا فيه فساد عظيم .

قال الله تعالى : (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ) ( البقرة : 251 ) ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ14 )

استئذان الوالدين في الجهاد :

ينقسم الاستئذان إلى نوعين هما :

أولاً : الاستئذان في الجهاد الواجب :

الجهاد الواجب والذي يعتبر فرض عين لا يحتاج إلى استئذان الوالدين، بل أن الإذن يسقط في حالات وجوب الجهاد .

ثانياً : الاستئذان في جهاد التطوع :

أما إذا كان الجهاد تطوعاً بمعنى إن قام به فئة من الناس سقط عن الآخرين فإنه في هذه الحالة يجب استئذان الوالدين أو أحدهما . ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ25 : صـ27 )

روى الشيخانِ عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو بنِ العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَاقَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ . ( البخاري حديث 3004 / مسلم حديث 2549 )

قال ابن حجر العسقلاني :

قال جمهور العلماء يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين، لأن برهما فرض عين عليه والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن . ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ6 صـ163 )

الاستعانة بالفساق المسلمين :

يجوز لولي الأمر، عند الحاجة، الاستعانة بالفساق من المسلمين عند قتال أعداء الإسلام، فقد كان عبد الله بن أبي بن سلول ومن معه من المنافقين يخرجون للقتال مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كما حدث ذلك في غزوة تبوك، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلم أنهم منافقون .

الاستعانة بالكفار في الجهاد :

لا يجوز للمسلمين الاستعانة بالكفار في جهادهم لإعدائهم . ( نيل الأوطار للشوكاني جـ7 صـ306 : صـ308 )

روى مسلمٌ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا قَالَتْ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَلَ بَدْرٍ فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ رَأَوْهُ فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِئْتُ لِأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ لَا قَالَ فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ قَالَتْ ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ قَالَ فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ قَالَ ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَانْطَلِقْ . ( مسلم حديث1871)

الإعداد للجهاد :

الإعداد للجهاد فرض على المسلمين كالجهاد نفسه، غير أنه مقدم عليه سابق له .

يقول الله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ) ( الأنفال : 60 )

روى مسلمٌ عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ . ( مسلم حديث 1917)

ولذا فمن الواجب على المسلمين سواء كانوا أمة واحدة أو دولاً شتى أن يقوموا بإعداد السلاح اللازم للجهاد في سبيل الله، وأن يهتموا بتدريب الرجال على فنون الحرب،وأحدث الأسلحة ليس لرد العدوان الخارجي فقط، بل ومن أجل الغزو في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ونشر العدل والخير في أرجاء المعمورة، وكذلك من الواجب عليهم إعداد المصانع اللازمة للأسلحة حتى يستطيعوا أن يسايروا أحدث مستلزمات الحرب في العالم، ويقوموا بتصنيعها عندهم وإعداد قطع الغيار اللازمة لها، حتى لا يحتاجوا إلى شراء هذه الأسلحة من الدول الكافرة التي تقف للإسلام والمسلمين بالمرصاد .

معرفة أحوال الأعداء :

يجب على الإمام معرفة أخبار أعدائه قبل الدخول في المعركة،حتى يعد لهم العُدة المناسبة لهم .

روى الشيخانِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ قَالَ الزُّبَيْرُ :أَنَا. ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ . ( البخاري حديث 2846 / مسلم حديث 2415 )

روى أبو داودَ عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى غَيْرَهَا وَكَانَ يَقُولُ: الْحَرْبُ خَدْعَةٌ . ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 2637 )

روى الشيخانِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:الْحَرْبُ خَدْعَةٌ .

( البخاري حديث 3030سلم حديث 1739)

الدعوة إلى الإسلام قبل القتال :

إذا دخل المسلمون الحرب، فحاصروا مدينة أو قرية دعوا الكفار إلى إحدى ثلاث :

(1) الدخول في الإسلام .

(2) فإن امتنعوا دعوهم إلى دفع الجزية .

(3) فإن امتنعوا قاتلوهم .

روى الشيخانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ . ( البخاري حديث 25/ مسلم حديث22)

روى مسلمٌ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ. ( مسلم حديث 1731 )

آداب القتال :

روى الشيخانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : وُجِدَتْ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ . ( البخاري حديث 3015 / مسلم حديث 1744 )

روى أبو داودَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ .(التنكيل الأحياء و الأموات) (حديث صحيح) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 2322)

وصية عمر للمجاهدين :

كتب عمرُ بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما ومن معه من الأجناد: أما بعد، فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضلُ العُدَّة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب. وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم. وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا. واعلموا أن عليكم في مسيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يُسلط علينا وإن أسأنا، فرب قوم قد سلط عليهم شر منهم كما سلط على بني إسرائيل، لما عملوا بمساخط الله، كفار المجوس فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً. واسألوا الله العون على أنفسكم، كما تسألونه النصر على عدوكم. أسأل الله ذلك لنا ولكم. وترفق بالمسلمين في مسيرهم ولا تجشمهم مسيراً يتعبهم، ولا تقصر بهم على منزل يرفق بهم، حتى يبلغوا عدوهم والسفر لم ينقص قوتهم، فإنهم سائرون إلى عدو مقيم حامي الأنفس والكراع. وأقم ومن معك في كل جمعة يوم وليلة، حتى تكون لهم راحة يحيون فيها أنفسهم، ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم ونح منازلهم عن قرى أهل الصلح والذمة، فلا يدخلها من أصحابك إلا من تثق بدينه، ولا يرزأ أحداً أهلها شيئاً، فإن لهم حرمة وذمة ابتليتم بالوفاء بها كما ابتلوا بالصبر عليها، فما صبروا لكم فتولوهم خيراً. ولا تستنصروا على أهل الحرب بظلم أهل الصلح. وإذا وطئت أرض العدو فأذك العيون بينك وبينهم، ولا يخف عليك أمرهم. وليكن عندك من العرب أو من أهل الأرض من تطمئن إلى نصحه وصدقه، فإن الكذوب لا ينفعك خيره، وإن صدقك في بعضه، والغاش عين عليك وليس عينا لك. وليكن منك عند دنوك من أرض العدو أن تكثر الطلائع وتبث السرايا بينك وبينهم، فتقطع السرايا أمدادهم وموافقهم، وتتبع الطلائع عوراتهم. وانتق للطلائع أهل الرأي والبأس من أصحابك، وتخير لهم سوابق الخيل. فإن لقوا عدواً كان أول ما تلقاهم القوة من رأيك، واجعل أمر السرايا إلى أهل الجهاد والصبر على الجلاد، لا تخص بها أحداً يهوى، فيضيع من أمرك ورأيك أكثر مما حابيت به أهل خاصتك. ولا تبعثن طليعة ولا سرية في وجه تتخوف عليها فيه غلبة أو ضيعة ونكاية. فإذا عاينت العدو فاضمم إليك أقاصيك وطلائعك وسراياك، واجمع إليك مكيدتك وقوتك، ثم لا تعاجلهم المناجزة، ما لم يستكرهك قتال، حتى تبصر عورة عدوك ومقالته، وتعرف الأرض كلها كمعرفة أهلها بها، فتصنع بعدوك كصنعه بك. ثم أذك أحراسك على عسكرك، وتيقظ من البيات جهدك. ولا تؤتي بأسير ليس له عقد إلا ضربت عنقه، لترهب بذلك عدو الله وعدوك. والله ولي أمرك ومن معك، وولي النصر لكم على عدوكم، والله المستعان.( العقد الفريد لابن عبد ربه جـ1 صـ92 )

أسباب النصر على الأعداء :

إن انتصار أمتنا الإسلامية على أعدائها يتطلب أموراً، يمكن أن نوجزها في الآتي :

 (1) توحيد الله تعالى الخالص .

(2) قتال أعداء الإسلام لتكون كلمة الله هي العليا .

(3) الرغبة في ثواب الله تعالى يوم القيامة .

(5) حُسْنُ اختيار القيادة العسكرية .

(4) التوكل على الله والأخذ بالأسباب المشروعة .

(6) مشاورة أهل الخبرة العسكرية .

(7) الاجتماع على الحق وعدم الاختلاف .

(8) الثقة الكاملة بنصرة الله تعالى لعباده المؤمنين .

(9) الإكثار من الدعاء وذكر الله تعالى .

(10) الحرص على طاعة الله تعالى واجتناب المعاصي.

(11) الصبر والثبات على الحق عند لقاء أعداء المسلمين .

(12) عدم مخالفة الجنود لأوامر قيادتهم العسكرية .

إتلاف أموال الأعداء :

إذا استعد أعداء المسلمين أو تحصنوا لقتالهم، فإن المسلمين يستعنون بالله تعالى عليهم ويحاربونهم، ليظفروا بهم، وإن أدى ذلك إلى إتلاف أموال الأعداء، إلا إذا غلب على ظن المسلمين التمكن من أعدائهم من غير إتلاف لأموالهم، فيكره فعل ذلك، لأنه إفساد من غير حاجة، وما أبيح إلا لها، لأن المقصود كسر شوكة أعداء المسلمين، وإلحاق الغيظ بهم . ( حاشية ابن عابدين جـ3 صـ223 )

وَأَمَّا قَطْعُ شَجَرِ الأعداءِ وَزَرْعِهِمْ، فَإِنَّ الشَّجَرَ وَالزَّرْعَ يَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ :

أَحَدُهَا : مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى إِتْلاَفِهِ كَالَّذِي يَقْرُبُ مِنْ حُصُونِهِمْ وَيَمْنَعُ مِنْ قِتَالِهِمْ، أَوْ يَسْتَتِرُونَ بِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يَحْتَاجُ إِلَى قَطْعِهِ لِتَوْسِعَةِ طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ يَكُونُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بالمسلمين، فيفعل المسلمون ذلك بهم لينتهوا .

الثَّانِيَ : مَا يَتَضَرَّرُ الْمُسْلِمُونَ بِقَطْعِهِ لِكَوْنِهِمْ يَنْتَفِعُونَ بِبَقَائِهِ لحيواناتهم، أَوْ يَسْتَظِلُّونَ بِهِ، أَوْ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِهِ، فَهَذَا يَحْرُمُ قَطْعُهُ ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الإِْضْرَارِ بِالْمُسْلِمِينَ .

الثَّالِثُ : مَا لاَ ضَرَرَ فِيهِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلاَ نَفْعَ سِوَى غَيْظِ الْكُفَّارِ وَالإِْضْرَارِ بِهِمْ، فيجوز قطعه وإتلافه .

( المغني لابن قدامة جـ13 صـ146 : صـ147 )

روى البخاريُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : حَرَّقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ .

( البخاري حديث 3021)

الفرار من المعركة :

إذا التقى المسلمون والكفار، وجب الثبات وحرم الفرار، إلا إذا قصد المجاهدُ أن ينحاز إلى فئة أخرى من الجيش، أو أن ينحاز إلى موضع يكون القتال له فيه أمكن . ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ186 : صـ189)

قال الله تعالى : ( : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ) ( الأنفال : 15 )

وقال جَلَّ شأنه : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) ( الأنفال : 16 )

وقال سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( الأنفال : 45 )

الغنائم :

تعريف الغنائم : وهي ما يحصل عليه المسلمون من أعدائهم .

وتقسم الغنائم بعد انتهاء المعركة فيعطي أربعة أخماس الغنائم للمجاهد ين الذين شهدوا المعركة . ولصاحب الفرس ثلاثة أسهم، وللسائر على قدميه سهم واحد .

روى ابنُ ماجه عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْهَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّجُلِ سَهْمٌ . ( حديث صحيح ) ( صحيح ابن ماجه للألباني حديث 2303)

فائدة هامة : مَن أرسله الإمامُ في مصلحة المسلمين، فغاب عن المعركة، ضرب له الإمام بسهم فيها كمن حضرها . ( المغني لا بن قدامة جـ13 صـ106 )

مصارف الخمس الباقي من الغنيمة :

يُقسمُ الخمس الباقي من الغنيمة على خمسة أسهم، سهم لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ويصرف بعد موته في مصالح المسلمين، وسهم لذوي القربى، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل .

قال الله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) ( الأنفال : 41 )

الغلول :

معنى الغُلُول : هو السرقة من غنائم المعركة قبل تقسيمهما، وهو حرام .

قال الله تعالى : (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ( آل عمران : 161 )

روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بنِ العاص قَالَ : كَانَ عَلَى ثَقَلِ(أمتعة) النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هُوَ فِي النَّارِ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا . ( البخاري حديث 3074 )

روى أبو داودَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُوُفِّيَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ صَاحِبَكُمْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزًا مِنْ خَرَزِ يَهُودَ لَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ . ( حديث صحيح ) (صحيح أبي داود للألباني حديث 2710 )

الاستفادة من غنائم المعركة قبل تقسيمها :

لا يجوز لأحد المجاهدين الانتفاع بشيء من غنائم المعركة قبل أن يقوم الإمام بتقسيمها، ولكن يجوز استخدام هذه الغنائم أثناء المعركة، ثم ردها بعد انتهاء المعركة . ( نيل الأوطار للشوكاني جـ7 صـ404 )

روى أبو داودَ عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَرْكَبْ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا فِيهِ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ .( حديث حسن صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 2356)

موت المجاهد بعد الغنائم :

إذا مات المجاهد قبل حيازة المسلمين للغنيمة، فلا شيء له، لأنه مات قبل ثبوت مِلكِ المسلمين عليها، سواء مات حال القتال أو قبله .

وأما إذا مات المجاهد بعد استيلاء المسلمين على الغنائم، فسهمه يُقسم على ورثته .

( المغني لابن قدامة جـ13 صـ91 : صـ92 )

أحكام الأسرى

الأسرى : هم الرجال المقاتلون الذين أخذهم عدوهم قهراً .

مشروعية الأسر :

الأسر في الحروب مشروع، فقد كان قبل الإسلام، وأقره الإسلام .

الإسلام يوصى بالأسرى خيراً :

تدعو الشريعة الإسلامية إلى حُسْنِ معاملة الأسرى,، وتُؤَمِّنُ لهم جميع مستلزمات الحياة إلى إن يتم اتخاذ الأمر النهائي بشأنهم .

وقد مدح الله تعالى مَن يحسن إليهم، فقال تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ) ( الإنسان : 8 : 9 )

وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوصي بالأسرى خيراً .

أقسام الأسرى :

الأسرى قسمان :

أولاً : الرجال البالغون المقاتلون الكفار :

الحاكم مخير في هذا القسم من الأسرى بين أربعة أمور هي :

(1) القتل .

(2) الاسترقاق .

(3) إطلاق سراحهم بدون مقابل .

(4) أخذ الفدية مقابل إطلاق سراحهم .

ويختار الحاكم من هذه الأمور الأربعة ما فيه مصلحة للمسلمين، فينظر الحاكم في حالة كل أسير على حدة، ويجتهد في اختيار أحد الأمور الأربعة، فمن علم منه قوة، بأس وشدة، نكاية بالمسلمين، ويئس من دخوله في الإسلام، وعلم أن في قتله كسراً لشوكة الأعداء، قتله . ومن وجده ذا قوة على العمل، وكان مأمون الخيانة، استرقه، ليكون عوناً للمسلمين، ومن رآه مرجو الإسلام أو مطاعاً في قومه، ورجا بالمن عليه إسلامه أو تأليف قومه، أطلق سراحه بدون مقابل، ومن وجده من الأسرى ذا مال،وكان المسلمون في حاجة إلى المال، أخذ منه الفدية . ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ44 : صـ47 )

فائدة هامة : لا يؤسر الرهبان ورجال الدين من الأعداء، إلا إذا كانت لهم مشاركة حقيقة في المعركة أو في التخطيط لها .

ثانياً : النساء والأطفال :

هذا القسم من الأسرى بمجرد وقوعهم في الأسر، يصبحون عبيداً، ويتم تقسيمهم مع الغنائم .

( المغني لابن قدامة جـ13 صـ50 )

عقد الذمة

الذمة هي العهد والأمان: وعقد الذمة هو أن يقر الحاكم أو نائبه بعض أهل الكتاب أو غيرهم من الكفار على كفرهم بشرطين:

 الشرط الأول: أن يلتزموا أحكام الإسلام في الجملة.

الشرط الثاني: أن يبذلوا الجزية.

ويسري هذا العقد على الشخص الذي عقده، مادام حياً وعلى ذريته من بعده.

والأصل في هذا العقد قول الله سبحانه:

( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) ( التوبة:29)

وهذا العقد دائمٌ غير محدود بوقت ما دام لم يوجد ما ينقضه.

آثار عقد الذمة:

إذا تم عقد الذمة ترتب عليه حرمة قتالهم،والحفاظ على أموالهم، وصيانة أعراضهم، وكفالة حرياتهم، والكف عن أذاهم.

الأحكام التي تجري على أهل الذمة:

تجرى أحكام الإسلام على أهل الذمة في ناحيتين:

(الناحية الأولى) المعاملات المالية، فلا يجوز لهم أن يتصرفوا تصرفا لا يتفق مع تعاليم الإسلام، كعقد الربا، وغيره من العقود المحرمة.

(الناحية الثانية) العقوبات المقررة: فيقتص منهم، وتقام الحدود عليهم متى فعلوا ما يوجب ذلك.

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا بعد إحصانهما.

أما ما يتصل بالشعائر الدينية من عقائد وعبادات وما يتصل بالأسرة من زواج وطلاق، فلهم فيها الحرية.

وإن تحاكموا إلينا فلنا أن نحكم لهم بمقتضى الإسلام، أو نرفض ذلك.

يقول الله تعالى: " فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" (المائدة 42) (فقه السنة للسيد سابق جـ 3 صـ 404:403)

معاهدة عمر بن الخطاب مع نصارى بيت المقدس :

بسم الله الرحمن الرحيم : هذا ما أعطى عبد الله عمر، أمير المؤمنين، أهل إيلياء(بيت المقدس) مِن الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن وعليهم أن يخرجوا منها الروم، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم ومن شاء منهم قعد،وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ومن شاء سار مع الروم ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية، شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف،ومعاوية بن أبي سفيان . (تاريخ الطبري جـ 2صـ 449)

أحكام الجزية

معنى الجزية :

الجزية مشتقة من الجزاء، وهي مبلغ من المال يُوضع على من دخل في ذمة المسلمين وعهدهم .

( فقه السنة للسيد سابق جـ3 صـ405 )

مشروعية الجزية :

الجزية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع .

أما الكتاب : فقوله تعالى : (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) ( التوبة : 29 )

وأما السُّنة : فقد روى مسلمٌ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ. ( مسلم حديث 1731 )

أما الإجماع : فقد أجمع المسلمون على جواز أخذ الجزية .

( المغني لابن قدامة جـ13 صـ202 )

يُشترطُ فيمن يُؤخذ منه الجزية أن يكون ذكراً، بالغاً، عاقلاً، حراً، قادراً على دفع الجزية .

فلا تجب الجزية على امرأة، ولا صبي، ولا شيخ، ولا عبد، ولا مجنون، ولا فقير لا يستطيع دفعها،و لا تجب الجزية أيضاً على مَن لا قدرة له على العمل، ولا على الرهبان، إلا إذا كانوا من الأغنياء .

( المغني لابن قدامة جـ13 صـ216 : صـ219 )

روى البيهقيُّ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن وأمرني أن آخذ من كل حالم(بالغ) دينارا أو عدله معافر . ( المعافرة : نوع من الثياب ) .

( حديث صحيح ) ( إرواء الغليل للألباني حديث 1254 )

لا حد لأقلها ولا أكثرها، والأمر موكول فيها لاجتهاد ولي أمر المسلمين . ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ219 )

وختاماً : أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلا أن يجعلَ هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه .وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .

عدد المشاهدات 10517